لماذا يفضل أرباب العمل الأشخاص الموهوبين بالفطرة على المجتهدين؟

6 دقائق
الموهوبون بالفطرة مقابل المجتهدين
shutterstock.com/Lightspring

تتضارب الآراء بشدة في مجتمعنا حول مصدر التميز. فمن ناحية، تجدنا مفتونين بمعجزات الأطفال، ونصورها على أنها من عجائب الطبيعة. ومن ناحية أخرى، نحب القصص الجميلة التي تتحدث عن "التغلب على الشدائد" التي تلهمنا جميعاً بعظمتها، فماذا عن الموهوبين بالفطرة مقابل المجتهدين؟

عندما يتعلق الأمر فعلياً بإصدار أحكام حول الأداء الفردي، فما الذي يؤثر يا ترى في تقييماتنا؟ وجدت دراسة سابقة أن قدرة الشخص على أن يكون جيداً في شيء ما أكثر أهمية من أن يكون جيداً فيه بالفعل. ولكن ما سبب ذلك؟

الموهبة مقابل الاجتهاد

أجرت إحدى أعضاء فريقنا، وهي (شيا يونغ)، دراسة عام 2011 مع ماهزارين باناجي، عالمة النفس الاجتماعي بجامعة "هارفارد"، شملت 103 مشارك، وتضمنت وصفاً مكتوباً لاثنين من الموسيقيين الكلاسيكيين. وُصف الموسيقي الأول بامتلاكه قدرة فطرية (شخص "موهوب بالفطرة")، في حين وصف الآخر باجتهاده لتطوير قدرته (شخص "مجتهد"). ثم استمع المشاركون إلى تسجيل صوتي لأداء منسوب إلى كل فردٍ منهما، وطُلب إليهم تقييم أداء الاثنين من نواحٍ مهمة ومتنوعة تتعلق بالإنجاز الموسيقي. في الواقع، كان المؤدي والمقطوعة الموسيقية في التسجيلات المُقدمة في المرتين متماثلين؛ أما الاختلاف الوحيد فكان في القصة الخلفية التي صاحبت كل عينة صوتية.

على الرغم من أن المشاركين ذكروا أن التدريب مُقدّم في أهميته على الموهبة، فقد أظهرت تقييماتهم تفضيلهم للشخص ذي الموهبة الفطرية على الشخص المجتهد. هذا التفضيل للشخص "الموهوب بالفطرة" قد رفع أيضاً من سوية الاختبار: بمقارنة نتائج مجموعة المتطوعين المبتدئين مع مجموعة الموسيقيين المحترفين، نجد أن الأخيرة كانت أكثر ميلاً إلى تقييم العينة الصوتية التي نسبت إلى الشخص الموهوب بالفطرة على أنها أعلى جودة من نظيرتها التي نسبت إلى الشخص المجتهد.

لكنها مجرد موسيقى، فربما يفضل الموسيقيون على وجه التحديد المواهب الفطرية، على الرغم من أن مهارات الموسيقي وتقنياته وإنجازاته تكون غالباً ثمرة ساعات طويلة من التدريب الشاق والمدروس. ربما تكون المجالات الأخرى أقل اهتماماً بالمعجزات وأكثر تركيزاً على أولئك الذين يحققون النجاح من خلال العمل الجاد والجهود المتكررة. على سبيل المثال، في استبيان منفصل، وجدت تساي أن الناس ميالة أكثر إلى نسبة الإنجازات الريادية إلى السعي الدؤوب والتحفيز، مقارنة بما وجدناه في تجربة الإنجاز الموسيقي.

ولذلك، ركزت تساي في دراسة متابِعة نُشرت هذا العام على الجانب المتعلق بريادة الأعمال. وقد وجدت دراسات مراجعة سابقة، أن بذل الجهود ووجود الخبرة هما أمران لهما قيمة مرتفعة في مجال الإدارة. فكلّفت تساي المشاركين بقراءة ملفات تعريفية حول نمطين من الرواد، إما رائد أعمال "فطري" أو رائد أعمال "مجتهد"، وذلك على نحو عشوائي. كانت كل التفاصيل في الملفات متطابقة باستثناء بعض المواصفات المتعلقة بقدرة رائد الأعمال وجهوده وخبرته. فمثلاً، تمت الإشارة إلى مهارات الرائد الفطري في ملفه منذ البداية، في حين أُرجئ ذكر المواهب ذاتها للرائد المجتهد ونُسبت إلى الخبرة. ثم استمع المشاركون بعدها إلى تسجيل صوتي لمدة دقيقة واحدة عن عرض العمل الذي اقترحه رائد الأعمال.

اُستخدم لهذا الغرض التسجيل الصوتي ذاته لكلا المجموعتين. وكان الاختلاف الوحيد هو في دفع المشاركين للاعتقاد بأن خلفية رائد الأعمال إما أنها كانت تستند إلى موهبة فطرية أو كانت مبنية على جده واجتهاده. ثم قام المشاركون بتقييم رائد الأعمال، وتقييم مقترح العمل الذي تقدم به بناءً على أبعادٍ معينة بما فيها الموهبة المُتصوَّرة، واحتمالية النجاح، ومدى استعداد المشاركين لتوظيف رائد الأعمال هذا، والموهبة التي أبداها في مجال العمل التجاري، وكذلك مدى استعداد المشاركين للاستثمار في الشركة.

نتائج الدراسة

وكما في الدراسة التي تناولت الموسيقى، فضل المشاركون هنا رائد الأعمال الفطري عن ذلك المجتهد، حاكمين على مقترح العمل المنسوب إلى الموهبة الفطرية بأنه أكثر كفاءة من المقترح الآخر المثيل له تماماً والمنسوب إلى بذل الجهد. أجرت تساي الدراسة مجدداً على شريحة أكبر من خبراء المجال ووجدت بمقارنتهم بالنتيجة الصادرة عن مجموعة المبتدئين، أن رواد الأعمال الذين عملوا بصفة مؤسسين أو مستثمرين كانوا يميلون إلى تفضيل رائد الأعمال الفطري عن الآخر المجتهد. بدا أن أولئك الذين لديهم خبرة في العمل مع الشركات الريادية عرضةً على نحو خاص للتحيز إلى الفطرة الطبيعية.

وما أثار اهتمامنا على وجه التحديد، هو أننا عندما طلبنا من المشاركين أن يصفوا لنا كيف اتخذوا قراراتهم، قدموا قائمة طويلة من العوامل التي أثرت في حُكمهم، مثل: ثقة رائد الأعمال بنفسه، وشغفه وجدارته وموثوقيته، والعرض التقديمي الذي قدمه ومقترح العمل الذي طرحه، وقطاع العمل والسوق، وحتى الحدس لدى المقيّمين كان عاملاً مشاركاً. 7.3% فقط من المشاركين أدركوا صراحة أنهم كانوا يفكرون في مصدر الإنجاز في تقييماتهم لمقترح العمل. ولكن حتى عندما فعلوا ذلك، أشار عدد أكبر من المشاركين على نحو مهم إلى أن عامل السعي والاجتهاد يؤثر في قراراتهم.

ولكن ما ثمن أن يتغاضى المستثمرون عن رائد أعمال بارع للغاية لصالح شخص آخر أقل إنجازاً منه لكن يُنظر إليه على أنه صاحب موهبة فطرية؟ إلى أي مدى يمكن أن يعطوا قيمة أكبر للقدرة من القيمة التي يعطونها للخبرة؟ ولقياس هذه المفاضلة، استخدمت تساي تقنية إحصائية تدعى "التحليل الموحد" (Conjoint Analysis)، التي تميز السمات التي تعتبر أكثر أهمية لدى الناس في اتخاذ قراراتهم والسمات التي يكونوا على استعداد للتخلي عنها.

قدمت تساي 18 زوجاً من الملفات التعريفية لرواد الأعمال إلى 294 مشاركاً في الدراسة. وقد اختلف كل ملف تعريفي عن الآخر من حيث خمس سمات. قُدمت أربعة منها بوصفها مؤشرات أداء موضوعية: أداء القيادة، ومهارات الإدارة، ومعدل الذكاء، وسجل سابق يوضح تحقيق زيادة في رأس مال المستثمر. أما البُعد الخامس، فكان مصدر الإنجاز: الفطرة أم السعي والاجتهاد. ثم طُلب من المشاركين اختيار شخص واحد من ثنائي رواد الأعمال ليستثمروا معه في عمل جديد، ثم قيموا مدى أهمية كل سمة بالنسبة لقراراتهم. لقد أُنشئت الملفات الشخصية عشوائياً، بحيث تكون أي محاذاة محتملة بين أي مقياس موضوعي (معدل الذكاء المرتفع مثلاً) مع سمة الفطرة أو الاجتهاد محض صدفة.

وبما يتفق مع نتائج سابقة، وجدنا أن 58% من المشاركين فضلوا رائد الأعمال الفطري على نظيره المجتهد، على الرغم من أن الناس في اختبار سابق كانوا أكثر ميلاً بكثير إلى اختيار التحفيز والعمل الجاد وحده بدلاً من الموهبة الفطرية وحدها، بوصفه المكوّن الأكثر أهمية في الإنجاز الريادي. علاوة على ذلك، فقد ظهر هذا النمط من التقييم حتى عندما تضمنت الملفات التعريفية حالاتٍ كان فيها رواد الأعمال، الذين وصفوا بأنهم مجتهدين، يمتلكون مؤهلات تشير إلى نجاحات كبيرة في الماضي واحتمالية أكبر للنجاح في المستقبل.

قامت تساي بحساب هذا الميل نحو اختيار الفطرة حساباً كمياً من خلال حساب الأهمية النسبية للسمات المختلفة. ووجدت أن الناس كانوا على استعداد أكبر لاختيار رائد الأعمال الفطري حتى إن نتج عن ذلك تعيين الفرد الأقل كفاءة. كان المبتدؤون على استعداد للتخلي عن 4.47 سنة من الخبرة القيادية، و8.07% من المهارات الإدارية، و30.17 نقطة من معدل الذكاء، و31,279 دولاراً من رأس المال المستحق، كل ذلك مقابل الاستثمار في رائد أعمال "فطري". وبالمثل، كان الخبراء على استعداد للتخلي عن 4.52 سنة من الخبرة القيادية و8.95% من المهارات الإدارية و28.30 نقطة من معدل الذكاء و39,143 دولاراً من رأس المال المستحق، أيضاً كل ذلك مقابل الاستثمار في رائد أعمال "فطري". من الواضح أن التحيز للفطرة له تكاليف كبيرة لا يمكننا إدراكها بوعي.

اختيار الموهبة الفطرية

وبغض النظر عن مدى استعدادنا لفقدان نسبة من المهارة والخبرة وحتى رأس المال، فربما يقود اختيار الموهبة الفطرية على حساب اختيار بذل المجهود إلى نتائج أعظم على المدى الطويل في مجال الاستثمار. من المحتمل أن الشخص الفطري يمكنه بسهولة أكبر تطوير قدرات جديدة أو التكيّف مع السيناريوهات المستحدثة. يظهر هذا الاعتقاد في مجالات أخرى، مثل الرياضة والفن. في الحقيقة، هناك بحث يشير إلى أن بعض أعظم القادة والملحنين وعلماء النفس كانوا من أولئك الذين استغرقوا أقل وقت ممكن لاكتساب الخبرة ذات الصلة.

وهنا تكمن المسألة: يبدو أن كلا النمطين، سواء الموهبة أو الجهد، لهما علاقة وثيقة بتطوير المهارة وبمستويات الأداء النهائية، وعلينا ألا نفترض أن الموهبة هي بالضرورة أطوع من الجهد، والعكس صحيح. وبالتأكيد، نحن لا نقترح أن يختار المرء بالضرورة الجهد على الفطرة. تشير هذه الدراسات إلى أنه عندما نحكم على الأداء من خلال عدسة الموهبة الفطرية، فمن المحتمل أننا نضخم تقييماتنا ونضحي في الواقع بجودة العمل الموضوعية التي نختارها. إن تحيزنا للفطرة قد يحرفنا عن دعم أولئك الذين قد لا يبدون أصحاب موهبة فطرية ويبعدنا عن تشجيعهم، رغم أنهم متمكنون بالقدر نفسه. من الواضح أن هذا لا يعتبر الخيار الأمثل، وهو خيار من غير المرجح أن نتخذه بوعي.

يلزمنا بذل الكثير من العمل لمعرفة كيف يمكننا التقليل من هذا التحيز حول موضوع الموهوبين بالفطرة مقابل المجتهدين. في الوقت الحالي، يمكننا الرجوع إلى أبحاث سابقة حول مجموعة أوسع من أنماط التحيز من أجل إيجاد الحلول الممكنة. على سبيل المثال، يمكن للمؤسسات استخدام مقاييس ملموسة ومحددة بوضوح لتقييم الأشخاص. فبدلاً من مطالبة المدراء بتحديد الأفراد "الأفضل" أو "الأكثر إنجازاً"، على القادة أن يقدموا مجموعة المبادئ التوجيهية التي تتماشى مع ما يهم المؤسسة بالفعل، سواء تعلق بإظهار الموهبة في أداء مهمات قيمة، أو وجود حد أدنى معين من الخبرة، أو التمتع بصفات شخصية متنوعة. وعلى الصعيد الفردي، إذا كنا أكثر إدراكاً للفرق بين ما نقول إننا نقيّمه وبين ما نقيّمه فعلاً عند اتخاذ قرارات التعيين أو غيرها، فيمكن لذلك أن يساعدنا ويقطع بنا شوطاً طويلاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي