لا يمكن تغيير المؤسسات دون أن يتغير القادة

5 دقائق
خطوات التغيير المؤسسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما يتعلق الأمر بخطوات التغيير المؤسسي، فإن التعرض للفشل يطغى على إحراز النجاح. في استبيان أجرته مؤسسة “ماكنزي” للأبحاث، شارك فيه أكثر من 3 آلاف مدير تنفيذي بخصوص تحقيق النجاح في إجراءات التغيير على مستوى المؤسسات، تبين أن معدل الفشل يتجاوز 60%، وأجرت مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” دراسة تشير إلى أن أكثر من 70% من عمليات التحول المؤسساتي قد مُنيَت بالفشل.

ويبدو أن النمط في غاية الوضوح، فالقادة المثابرون يخصصون عادة مصادر ضخمة للتخطيط المثالي لإدارة التغيير في مؤسساتهم. لكن ومن أجل زيادة فرص النجاح، أقترح، بناءً على ما لدي من خبرات وتجارب، أن المكان الذي يجب أن يبدأ منه القادة في عملية التغيير ليس المؤسسة، وإنما أنفسهم.

قد يتفق معظم القادة على أن التحول الشخصي حجر أساس في أي عملية تغيير ناجحة. ولكن المؤسف هو أن العديد من القادة يرغبون في تحقيق التحول المطلوب بسرعة غير واقعية بأقل جهد ممكن، وأن يمس هذا التغيير كل شيء إلا أنفسهم. وكما يقول مانفريد كيتس دي فريس في كتابه “القائد على الأريكة” (The Leader on the Couch): “العديد من المؤسسات حول العالم تعجّ بأشخاص لا يمتلكون القدرة على ملاحظة أنماط السلوك المتكررة التي اعتراها الخلل”. وهذا إنما يدل على نقص شائع بالوعي الذاتي على مستوى القيادة، وهو أمر تترتب عليه عواقب وخيمة. نفس الوعي الذاتي المنخفض لديها مستوى أقل من الفعالية بمقدار النصف مقارنة بفرق العمل التي تتمتع بوعي ذاتي ولا سيما عند العمل على العمليات المتعلقة بصنع القرار والتنسيق وإدارة النزاعات.

ففي أوقات التغيير المزعزِع، تتضخم كافة أنواع المشاعر: مثل الخوف من فقدان السيطرة أو السلطة أو الخوف من الفشل. في المقابل، يميل القادة إلى الاستجابة غير الواعية لهذه المشاعر عن طريق سلوكيات تكشف الصعوبة التي يواجهونها هم أنفسهم في التأقلم مع ذلك التغيير الذي ينافحون عنه.

لقد عملت مرة مع رئيس تنفيذي جرى تعيينه مؤخراً في إحدى الشركات وكان يشرف على عملية تجديد شاملة في الشركة بينما كان يعاني شخصياً من ضعف القدرة على اتخاذ القرار. ويُعرف عن هذه الشركة أنها تعاني من التلكؤ وقلّة الفعالية، وذلك لأن القرار كان إلى حد كبير بيد الإدارة العليا. أعاد هذا الرجل تنظيم الشركة لخلق ثقافة تكون فيها حقوق اتخاذ القرار موزعة بترتيب مناسب أكثر بين أولئك الأدنى مكانة على السلم التنظيمي في الشركة ولكنهم أكثر مقدرة على حل المشكلات وتوجيه المصادر. وهذا ما ترك أكثر القرارات استراتيجية تعود إليه وإلى فريق عمله. لكنه كان يجد صعوبة بالغة في التوصل مع فريقه إلى قرارات حاسمة بخصوص قضايا حساسة، وهي قرارات تعتمد عليها بقية الشركة لتنفيذ القرارات اللاحقة التي لهم القدرة الآن على اتخاذها. ويبدو أن الرئيس التنفيذي في هذه الحالة يواجه نفس المشكلة التي كان يسعى لحلها.

ولكن عندما ننظر في جذور هذا السلوك غير الفعال لدى هذا القائد، فإننا نبحث هنا عما نسميه “السردية المحفزة”، أي تلك “النغمة” التي تدور في ذهنه على مستوى اللاوعي والتي تحرك ذلك السلوك غير المرغوب فيه. وليس من المستغرب أن نعرف أن ما يكمن وراء سلوك هذا الرئيس التنفيذي عالي الإنجاز هو الهوس في تحقيق الكمال. يظهر هذا الهوس على شكل لازمة تتردد في رأسه: “لو أخطأت في هذا فسيقع عليك اللوم كله”. فخوفه من ارتكاب الخطأ وتحمل مستويات عالية من المسؤولية عن الفشل الحاصل، حرمه من الاستفادة من ذكائه اللامع للنظر في الخيارات والبيانات المتوفرة لديه ومقارنتها، والسعي للحصول على آراء القادة الأكْفاء من حوله، والتوصل إلى أنسب قرار.

مراحل التغيير المؤسسي

لكي ينجح المدراء التنفيذيون في إدارة تحولات الشركة، عليهم أن يبدؤوا بأنفسهم أولاً. إن نقطة البداية هي تحديد وإعادة تشكيل تلك “السرديات التحفيزية” التي قد تقود إلى سلوك عديم الفائدة. فيما يلي الخطوط العريضة للخطوات الأولية المهمة للبدء.

حدد مصدر التأثير

أحد السلوكيات التي تجعلنا عالقين في هذه الحلقة هو ما يعرف بارتكاس الإنقال “transference” الذي يحدث عندما ننقل مشاعرنا إلى شخص آخر. في لحظة الانتقال، فإن ما يشكل سلوك المدير ويحفزه هو التجارب السابقة، وليس بالضرورة ما يحدث في الوقت الحاضر.

وقد أدركت إحدى العميلات بعد شروعها في عملية تجديد أحد الأقسام المتهاوية في الشركة أن نفاد صبرها يجعل الأداء أسوأ ويُضعف الثقة في المستقبل. ثم اكتشفنا لاحقاً أن قلّة صبرها هذه قد كانت أحد أعراض قضايا أعمق. فحين كان يسألها أحدهم للاستيضاح بشأن هذا التغيير كانت تفسر هذه الاستفسارات على أنها معارضة لرؤيتها أو تشكيك سلبي عدواني في قدراتها. ولكن الأمر لم يكن كذلك، وما حصل هو أن إجاباتها الغاضبة قد خلقت بالفعل ما كانت تخشاه من معارضة وسلوك سلبي عدواني.

لقد كانت هذه المديرة في حاجة إلى تقبل أسئلة الآخرين والتعامل معها على أنها فرصة لضمان التزامهم وتعزيزه بدل النظر إليها على أنها هجوم شخصي على رؤيتها وقيادتها. لكن لو نظرنا إلى مسيرة عمل هذه المديرة فسيظهر لنا أنها مرّت بظروف طويلة اضطرت فيها دون داعٍ إلى إثبات نفسها وتلقي انتقادات غير منصفة والشعور بأن قدراتها محل شك لدى أولئك الذين كانت تحتاج إلى تأييدهم. وهكذا فإن كل سؤال من قبل فريق العمل كان يدفع على إنقال المشاعر السلبية من الماضي، وقد فاقم من ذلك وجود حالة طبيعية من القلق في أثناء قيادة عملية تغيير تتضمن مخاطر عالية.

إن الخروج من حلقة هذه الإسقاطات التي تنقل التجارب الماضية إلى الحاضر ـ يبدأ في التفكر الذاتي على مستوى عميق، وعليك أن تكون صريحاً حد القسوة بشأن الأشخاص أو الأشياء التي تثيرها.

أعد كتابة سرديّتك

لا يكفي تحديد المواقف أو الأشخاص الذين يحفزون سلوكك السلبي لإدراك التغيير. يتحدث العديد من القادة أحياناً بجرأة حول النقاط التي تستفزهم، لذلك تسمع أحدهم يقول: “يا إلهي، هذا الشخص يثير أعصابي كلما أكون معه” أو “ليس لدي مشكلة في تقديم أي شيء أمام أي شخص في الشركة ولكن عندما يتعلق الأمر بهذه المرأة قد أصاب بالأرق لمدة أسبوع كامل. ومع ذلك، لا يمكنهم استكشاف السرد الذي يشرح السبب الذي يثيرهم ويدفعهم نحو هذا السلوك السلبي.

يتطلب التحول المستدام على المستوى الشخصي مواجهة تلك “القصص” التي تدور في رأسك والتي تدفعك نحو اعترافات يائسة من قبيل: “ما هذا الشيء العجيب الذي يدفعني للاستمرار في فعل هذا؟”. ولكن تذكر أن تصريحك بأنك تفعل أموراً لا يجدر بك فعلها لا يندرج تحت الوعي بالذات، فهذا ليس إلا اعتراف بأنه قد قيل لك إن سلوكاً ما مقلق للآخرين وأنك تتمنى أنك لم تفعله. أما الوعي الحقيقي بالذات فيتطلب منك أن تبحث بعمق للكشف عن السبب الحقيقي الذي يدفعك إلى الاستمرا في فعل ذلك وبذل الجهد بعد ذلك لتكف عنه.

إن الثمرة الحقيقية لمواجهة التحديات المتعلقة بقيادة عملية التغيير هي أنها ستكشف عن هذه السرديّات وتسهل الكشف عنها. يجب أن يستمع القائد بعناية إلى الطريقة التي يتم بها التعبير عن ضغوط التغيير. على سبيل المثال، قد يسأل القائد، من قد يكون عرضة للسلوك السلبي عند فرض بعض القيود عليه: “لماذا طلبوا مني تولي القيادة بينما لا يفعلون شيئاً سوى وضع عقبات في طريقي في كل موقف؟” لكن النفور المستمر من القيود، حتى لو كانت منطقية، قد يكون له قصة تشرح ذلك، مثل ما إذا كان هذا الشخص يحدّث نفسه ويقول: “أولئك الذين يطلبون مني أداء بعض الأمور لهم يسعون إلى فشلي” أو “هم دائماً يشككون في حكمي”، (هذه هي التفسيرات الفعلية التي كشفنا عنها حول هذا الموضوع في أثناء العمل مع بعض المدراء التنفيذيين الذين واجهوا صعوبة في تنفيذ التغييرات التي كانوا يديرونها).

ومن المهم كتابة هذه التفسيرات على ورقة لأن ذلك يشكل تقبلاً واعياً لضغط أبعد عمقاً مسؤول عن تشكيل السلوك. وهذا أمر يتطلب الشجاعة والتواضع والقدرة على تحديد أنماط السلوك المتكررة في أثناء العمليات التي تشتمل على التغيير. عندما يحدد القائد هذه السرديّة عن طريق كتابتها ويحدد الإجابة عن سؤاله “ما الذي يدفعني للاستمرار بهذا العمل؟” فإنه بذلك يكون قد أحرز تقدماً كبيراً بإعادة كتابتها.

تعتمد مقدرة القائد على تحقيق التغيير في المؤسسة على قدرته على تحقيق التغيير في نفسه أولاً. وسيفضي قبول ذلك إلى تحول على أسس الطريقة المتبعة في القيادة. ومن الجدير بالذكر هنا أن هذا التأمل الواعي عملية مستمرة، إذ يجب على القائد أن يحرص باستمرار على أخذ الملاحظات وتحديد أنماط السلوك وتصحيح المسار. كما يلزم القائد أن يسعى للحصول على الآراء من الآخرين، ويتعرف إلى الأثر الذي تركه سلوكه على من هم حوله ومدى التوافق القائم بين أفعاله ومقاصده.

من المهم أن يبدأ القائد خطوات التغيير المؤسسي بقبول حقيقة أن المنظمة التي يديرها ستتغير فيه بقدر ما سيغيّر فيها. كلما عرف القائد كيف سيكون رد فعله في أثناء عملية التغيير، زاد استعداده لقبول التغيير الحقيقي في نفسه وفي الآخرين وفي المؤسسة.

اقرأ أيضاً: أربع نصائح لمساعدتك في إدارة التغيير المؤسسي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .