تعرّف على المقرّ الذي يضم نخبة العقول؛ مقابلة مع رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي

11 دقيقة
جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي
إريك زينغ، رئيس جامعة "محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي"
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ستجد ما تحتاج إلى معرفته عن جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”، أول جامعة على مستوى العالم للدراسات العليا في مجال الذكاء الاصطناعي وأبحاثه، وما تحتاج إلى معرفته حول “أبحاث مركز الذكاء الاصطناعي” في المنطقة والعالم، هنا في المقابلة التي أجرتها هارفارد بزنس ريفيو العربية مع الأستاذ إريك زينغ، رئيس جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”، وهو أحد أهم علماء الذكاء الاصطناعي في العالم. قبل الانضمام إلى جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”، كان البروفيسور إريك أستاذاً لمادة علوم الكمبيوتر في جامعة كارنيغي ميلون، وهو مؤسِس ورئيس مجلس الإدارة وكبير العلماء في شركة “بيتيووم” (.Petuum Inc) التي أشاد بها المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2018 بوصفها رائدة في التكنولوجيا وتعمل على بناء منصات قياسية لتطوير الذكاء الاصطناعي وأنظمة تشغيل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الشاملة والعامة. يراهن الأستاذ إريك على أن جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي” ستصبح مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي، حيث تضم أعظم العقول لتبيّن للعالم شكل مستقبل الذكاء الاصطناعي الحقيقي. أعلم أن كلاً منا يحمل أسئلة يودّ توجيهها لهذا القائد والخبير العالمي، لذلك حاولت أن أجمع أكبر قدر ممكن من هذه الأسئلة في هذا الحوار المفصل.

رؤية وفكرة جريئة

ما هي الفكرة التي قامت عليها جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي” في ضوء تخصصها الفريد؟

الأستاذ إريك: جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي” هي نتيجة رؤية وفكرة جريئة جداً. فلنبدأ بالاسم نفسه، جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”، فهو يحمل اسم سموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد إمارة أبوظبي، وهذا دليل على التزام القادة هنا بالتعليم العالي. كما أن هذه أوّل جامعة للذكاء الاصطناعي في العالم، ما يسلط الضوء على أهمية الذكاء الاصطناعي بوصفه تخصصاً علمياً ودوره الأساسي في المجتمع والدولة.

الجامعات المتخصصة في مجال محدد ليست كثيرة في العالم، وجامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي” هي فكرة جريئة أتاحت الكثير من الفرص لتخطي الحدود، وأود أن أشيد بقادة هذه الدولة الذين أتاحوا لنا هذه الفرصة. يعود أصل كلمة “الجامعة” في الإنجليزية (university) إلى كلمة في اللغة اليونانية القديمة تعني “الكون” أو “كل شيء” وهي تفيد جمع عناصر متنوعة ومختلفة، لذلك يعتبر إنشاء جامعة تركز على تخصص واحد ابتكاراً ثورياً.

الذكاء الاصطناعي هو مجال رئيس نسعى من خلاله إلى بناء علاقة بين الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات. ومن دون مبالغة، يلامس الذكاء الاصطناعي كلّ التخصصات كالكيمياء والفيزياء وعلم الأحياء والعلوم الاجتماعية والرياضيات، إذ إنها كلها تولد بيانات أو مفاهيم تساعد على فهم البيانات. يعتبر الذكاء الاصطناعي أداة يمكن للباحثين في جميع هذه المجالات الاستعانة بها في أداء أعمالهم أو وسيلة لتأسيس عملهم على التطبيقات التي يمكن أن تؤثر في مختلف مناحي الحياة وتحرك العجلة الاقتصادية.

يستحق الذكاء الاصطناعي أن نخصص له مؤسسة على مستوى الجامعة، ونحن بحاجة إلى استكشاف طرق لتنمية الذكاء الاصطناعي وإحراز تقدم أكبر فيه، وبحاجة إلى تدريب الجيل القادم من القوى العاملة التي تجيد التعامل معه كي نتمكن من إحراز تقدم اقتصادي، كما يحتاج المجتمع إلى اكتشاف هذه الفرص الجديدة في سبيل تأمين مستقبل النمو والتطور، والذكاء الاصطناعي يتمتع بإمكانية تطوير وظائفه وتحقيق هذه النتائج.

وبذلك تكون مهمتنا واضحة، وهي تتمثل بتشكيل مركز لكل الأعمال الأساسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي من أبحاث وتعليم وابتكار وتحوّل تكنولوجي، وهذا المركز هو جامعة للتعليم العالي تركز على الذكاء الاصطناعي. نطمح إلى أن تصبح هذه الجامعة بؤرة للبحوث في المنطقة والعالم ثم إجراء عمليات البحث والتعليم الأساسية رفيعة المستوى.

عادة، نتذكر الجامعات بفضل هيئة التدريس فيها وأبحاثها ودورها كمركز للتعلّم. وكي نطبق ذلك على فكرة جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”، نجد أمامنا مهمة أكبر تتمثل في خلق أثر على الثقافة وعلى طريقة تلقي الناس لأبحاث الذكاء الاصطناعي وفهمهم لطبيعته ومعرفتهم لطريقة تفاعله وتأثيره في مجتمعنا ونوع المشكلات التي يمكنه حلّها. لهذا السبب أرى أن هذا المشروع يتمتع بأهمية بالغة، وأن هذه الجامعة جديرة باسمها وارتباطها بسموّ ولي العهد.

حرم جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي
مقر جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”

هل تقدم جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي” بوصفها جامعة للدراسات العليا ماجستير إدارة الأعمال (MBA) وشهادات الماجستير أم أنها مخصصة للدراسات العليا البحثية فقط؟

بما أنها جامعة للدراسات العليا والبحوث في الذكاء الاصطناعي، فالدرجات العلمية التي نمنحها لطلابنا هي الماجستير والدكتوراة في الذكاء الاصطناعي. لكن مجال الذكاء الاصطناعي واسع جداً، لذلك قسمناه إلى تخصصات محددة مثل تعلم الآلة الذي هو الأساس المنهجي للذكاء الاصطناعي، والرؤية الحاسوبية الذي يستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في حلّ المشكلات المتعلقة بالمرئيات، وأخيراً معالجة اللغة الطبيعية (NLP) التي تتعامل مع أي شيء متعلق باللغة والكلام. ونهدف مستقبلاً إلى إدخال نظم الذكاء الاصطناعي المهتمة بالبنية التحتية الحاسوبية والتصميم الحاسوبي للذكاء الاصطناعي. وسنعمل بعد ذلك على إدخال أبحاث الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية والتمويل وغيرها من القطاعات. وأتصور أنه على مدى 3 إلى 5 أعوام سنحتاج إلى إنشاء مزيد من التخصصات الفرعية التي تتعدى الذكاء الاصطناعي.

جمعنا مجموعة التخصصات الأولى من 29 دولة ووصلنا الآن إلى نصف المجموعة الثانية. تتمثل المجموعة الأولى في شهادتين أساسيتين فقط هما تعلم الآلة والرؤية الحاسوبية؛ أما المجموعة الثانية فستضم معالجة اللغة الطبيعية التي أضيفت إلى الشهادات الأساسية.

مهارات الالتحاق بجامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”

ما هي معايير قبول الطلاب؟ ما هي المزايا والمهارات التي تبحثون عنها في الطلاب المرشحين للالتحاق بجامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”، ولماذا؟

نتبع في هذا الصدد المعايير العالية التي تتبعها كل الجامعات وبرامج الدراسات العليا. مثلاً، يجب أن يكون المرشح حاصلاً على درجة محددة في “متوسط الدرجات العام” أو (GPA)، وكذلك في اختبار “توفل” (TOEFL)، واختبارات تقييم الخريجين (GRE) وبعض المعايير الأخرى.

وتبنينا بعضاً من أفضل الممارسات المتبعة في أفضل الجامعات في الولايات المتحدة. مثلاً، نطلب من الطلاب تقديم بيان البحث التي يصف أهدافهم المهنية واهتماماتهم وأنواع المواضيع التي يرغبون في العمل عليها، كما نطلب منهم ملف سيرة ذاتية كاملاً مع رسائل التوصية من مشرفيهم من أجل معرفة ما إذا تدربوا في مؤسسات معينة، ونأخذ في حساباتنا تدابير أخرى تشمل ما إذا كانوا قد تقدموا بأبحاث إلى المؤتمرات البحثية أو انضموا إلى مشاريع بحثية محددة في أثناء الدراسة الجامعية أو فترة التدريب الصيفي، وندرس كذلك شخصية المتقدم فيما يتعلق بنواحي العمل الجماعي والتعاون والقيادة والانضباط والاستقلالية، وما إلى ذلك.

وهذه كلها جوانب بعيدة عما يمكن معرفته من متوسط الدرجات العام، لذلك فالشهادات والإفادات وحدها ليست ذات قيمة تذكر. بل نهتم بالتعرف على خبراتهم، مثلاً هل يأتون من بيئة بحثية حقيقية ومجالات ذات صلة بموضوعات الدراسة لدينا؟ هل هم مستعدون للدراسة المتقدمة والعمل الجاد؟ وهل لديهم شغف وهدف بأبحاث الذكاء الاصطناعي؟

غالباً ما يكون ضرورياً أن يفي الطالب المتقدم إلى برامج الدراسات العليا بعدد من الشروط، مثل الخضوع للتدريب الأساسي في الرياضيات وبرمجة الكمبيوتر والخوارزميات والنظريات، ولا يختلف الأمر بالنسبة لجامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”. أضف إلى ذلك أنه يجب على الطلاب امتلاك حب الاستطلاع والشغف بالذكاء الاصطناعي بوصفه تخصصاً علمياً ومجالاً هندسياً كي يجدوا المتعة والرضا في دراستهم وعملهم في هذا المجال. وهذا الأمر في غاية الأهمية، فالإنسان يبذل قصارى جهده عندما يستمد الإلهام من اهتمامه وشغفه، لا من هدف مادي. الهدف المادي مهم لكن يجب ألا يكون الدافع الوحيد. أبحث في الطالب المرشح عن شغفه وحماسه، وأبحث عمن يتمتع بعقل مستقل. يجب أن يشعر بالراحة ويسعى إلى الاستقلالية والحرية ليجري أبحاثه ويطبق حلوله ويخرج ليصبح عامل تمكين وركيزة في أي خدمة يقدمها في عمله. كما أنه من الأهمية بمكان أن يتمتع الطالب بالقدرة على العمل ضمن فريق والتواصل والتفاعل مع الآخرين. وهكذا يكون كلّ من الاستعداد الأكاديمي والشغف في المجال والعقلية المستقلة والحرية والقدرة على العمل ضمن فريق هو ما أبحث عنه في الطلاب المتقدمين إلى جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”.

ما هي الوعود التي تقدمها هذه الجامعة الفريدة لطلابها؟ 

تقدم الجامعة برنامجاً جديداً ونطمح أن ينافس أهم جامعات العالم. أول وعد هو أن طلابنا سيحصلون على فرصة للتدرب تحت إشراف أفضل الباحثين في العالم، فقد بذلنا جهداً كبيراً لإحضار هذه العقول العظيمة إلى جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”. مثلاً، رئيس قسم تعلم الآلة كان أستاذاً جامعياً لامعاً في معهد “جورجيا للتكنولوجيا” (Georgia Tech) الذي يعدّ من أفضل جامعات علوم الكمبيوتر في الولايات المتحدة. والآن نحن بصدد تعيين عدد من الباحثين الآخرين من أهم جامعات أوروبا والولايات المتحدة ودول أخرى.

ثانياً، يجب أن نضمن العناية بالطلاب وعدم تشتيت انتباههم بأمور كالاحتياجات المالية وظروف المعيشة وغيرها من الأساسيات، لذلك نقدم لهم منحة سخية جداً تغطي جميع تكاليف الإقامة والدراسة هنا في الجامعة. كما نقدم لهم خدمات إسكان ممتازة وتأميناً صحياً، ونتكفل حتى بمصاريف انتقالاتهم إلى إمارة أبوظبي كي يتمكنوا من التركيز على التعلم ثم الابتكار.

يقال إن الذكاء الاصطناعي ليس تكنولوجيا موحدة تصلح لكل شيء، بل هو قابل للتخصيص وفقاً لكل مستخدم وبياناته. هل يمكننا تطبيق نظام أو برنامج أو حلّ قائم على الذكاء الاصطناعي على المستخدمين بصورة فردية؟ والجزء الثاني من السؤال هو، ما مدى سرعة استخدام الذكاء الاصطناعي؟ يبدو أن بعض المراقبين يرون أن الذكاء الاصطناعي سيستخدم فجأة وستتغير حياتنا بدرجة كبيرة.

الذكاء الاصطناعي مثل الإنسان، ما يعني أنه من غير الممكن أن يأخذ شكلاً واحداً يصلح لكل شيء، فمن غير الممكن أن يكون شخص واحد قادراً على فعل كل شيء. يمكن أن يكون الإنسان مهندساً أو عالماً في الرياضيات أو فناناً، لذلك يجب أن تدرب كل شخص بطريقة مختلفة عن الآخر. لذا، يمكن اعتبار ما يسمى الذكاء العام الاصطناعي مصدراً للإلهام. برأيي، سيتبنى الذكاء الاصطناعي نهج “فرّق تسد”، حيث يتعامل مع مشكلات مختلفة عن طريق اتباع نهج وطريقة تنفيذ محددين على الصعيدين الاقتصادي والعلمي. لكن هذا لا يعني أن عليك توخي أكبر قدر ممكن من الدقة في عملك وحل كل مهمة باستخدام برنامج منفصل خاص بها، ففي بعض الأحيان يمكن تجميع المهام المتشابهة معاً. مثلاً، في تطبيقات المدن الذكية يمكن للإبصار الحاسوبي تمييز عدة أشياء في الشوارع والمباني والمساحات العامة، ويمكن تجميع مشكلات متشابهة ليقوم أحد حلول الذكاء الاصطناعي بمعالجتها.

بينما في سياق المستشفى، يمكن للذكاء الاصطناعي قراءة صورة أشعة مقطعية أو صورة أشعة سينية. هكذا يقسم البشر مهامهم، وكذلك الأمر بالنسبة للذكاء الاصطناعي. وأرى أن لدينا حاجة عملية وأساسية لفهم إمكانية تقسيم الخبرات ومكامن القوة على هذا النحو. لكن ذلك لا يعني أن عليك بناء كل حلّ من الصفر بالكامل، وأنا أشدد على ضرورة التوحيد القياسي وإمكانية الاستخدام المتكرر. عندما تصادف نظامَي ذكاء اصطناعي مختلفين، ولا تعتبرهما صندوقاً أسود معقداً بل مجموعة من لبنات البناء الأساسية فستدرك أن نسبة 80% أو 90% منهما قابلة للاستخدام المتكرر. ربما كانا ببساطة يحتاجان إلى عينين مختلفتين (أي معالج الإشارات) للنظر إلى صور مختلفة، أو ربما يحتاجان إلى تعديل تنظيم أسلاك الدماغ (أي خوارزمية التفكير) قليلاً كي يتمكنا من تمييز الوجه والأعضاء في صورة الأشعة السينية.

تقول بعض التقارير إن مئات الملايين من الوظائف ستلغى فجأة وسيحلّ الذكاء الاصطناعي محلها، في حين يتوقع خبراء آخرون تبني الذكاء الاصطناعي على نحو متزايد. بالنظر إلى التحول الرقمي الذي شهدناه في أثناء الجائحة، هل يمكن أن نشهد تحولاً مفاجئاً في طرق تطبيق الذكاء الاصطناعي في العالم؟ كيف ترى المستقبل؟

إن تطوير الذكاء الاصطناعي مستمر من الناحية التكنولوجية على الأقل، ولن نشهد قفزة مفاجئة أو نقطة تفرّد تكنولوجي، وإذا نظرنا إلى تاريخ تطور الذكاء الاصطناعي من منظور تكنولوجي نلاحظ أنه تراكمي بدرجة كبيرة. كنا نتخوف في بعض الأحيان من تباطئه تارة وتسارعه تارة أخرى، لكنه بطبيعته يحتاج إلى التطور على نحو تراكمي قبل أن يحقق أي ابتكار ثوري. لذلك لا أرى أي تغير مفاجئ يلوح في الأفق.

مثلاً، أتذكر أنه منذ 5 أعوام كانت لدينا توقعات تقول إننا سنرى في هذه الفترة سيارات ذاتية القيادة في كل مكان تقريباً، وهذا لم يحصل بالطبع. كان الخبراء الحقيقيون قادرين على توقع الوضع الحالي لأنهم يعرفون أن التقنيات والأجهزة والبنية التحتية تواجه عقبات يحتاج حلّها إلى بعض الوقت. لكن الظاهرة التي شهدناها في أثناء الجائحة والتي تبدو وكأنها تحوّل مفاجئ نحو الوضع الطبيعي الجديد هي أمر غير ممكن، وأيّ تحول قائم على الذكاء الاصطناعي ينطوي على مزيج معقد من التكنولوجيا والسياسة والاحتياجات الاجتماعية وغيرها من الجوانب الأخرى.

بالعودة إلى مثال السيارات ذاتية القيادة، لا أتوقع إنشاء شوارع خاصة بالسيارات ذاتية القيادة على غرار سكك الحديد من أجل الحدّ من عوامل الخطورة المترافقة مع السيارات التي تسير من دون سائق، لكني أتوقع أن نشهد تطوراً تدريجياً في السياسات والإجراءات القانونية وممارسات التأمين وحتى المفاهيم والسلوكيات لدى البشر مع تطور التكنولوجيا.

وأخيراً، فإن تطور الذكاء الاصطناعي ليس وحده ما يحفّز تبنيه، لكن في أي حال من الأحوال لا أرى حاجة إلى إلغاء أعداد هائلة من الوظائف ومشاركة البشر في العمل بسبب الذكاء الاصطناعي. أعتقد أن مقارنة إنتاجية الذكاء الاصطناعي بإنتاجية البشر ما هي إلا محض خيال، فهما ليسا في منافسة. أعتقد أن الذكاء الاصطناعي والبشر يتطوران ويتعايشان معاً ويكمّل كلّ منهما الآخر. إذ يجيد الذكاء الاصطناعي ما لا يجيده البشر، في حين يجيد البشر ما يعتبر ضمن مواطن ضعف الذكاء الاصطناعي، لذلك لا حاجة إلى أن يحاول كلاهما حلّ نفس المشكلة. خذ الآلة الحاسبة مثلاً، فهي أفضل بكثير من البشر في عمليات الحساب والجبر، لكن اختراع الآلة الحاسبة لم يؤد إلى إلغاء عدد كبير من الوظائف، بل خلق مزيداً من الوظائف لصنع الآلات الحاسبة وساعد في زيادة إنتاجية البشر. كما أدت السيارات إلى إلغاء وظيفة سائس العربة التي يقودها الحصان، لكنها أدت حتماً إلى خلق مزيد من الوظائف للبشر في صناعة السيارات. لذلك أرى أن الذكاء الاصطناعي هو فرصة رائعة تتيح للبشر زيادة إنتاجيتهم وعيش حياة مرضية أكثر حتى في بيئة العمل.

جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي
حرم جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي”

ما هي المهارات التي يجب على الطلاب أو قراء هذا الحوار الاستعداد لتنميتها؟

ليس بالضرورة أن يكون الجميع خبراء في الذكاء الاصطناعي، لكني أرى أن ثقافة الذكاء الاصطناعي هي مهارة ضرورية بل قدرة أساسية ينبغي أن تملكها الأجيال المستقبلية. يجب أن تعرف ما يمكن للذكاء الاصطناعي تحقيقه وما هي حدوده كي تتمكن من وضع الخطط المهنية وتحديد أنماط الحياة وفقاً لذلك، وإلا فستنشأ مشكلة في إدارة التوقعات والاستعداد المهني للأفراد والمجتمع على حدّ سواء. مثلاً، إذا تخيلت الذكاء الاصطناعي كمخلوق قويّ يمكنه فعل كل شيء، فمن الطبيعي أن تتخلى عن فعل أي شيء لأنك ستعتمد عليه. في حين أنك إذا عرفت أن الذكاء الاصطناعي قادر على فعل أشياء معينة فقط ويتطلب منك فعل أشياء أخرى فستتمكن من تهيئة نفسك لفعل الدور المكمّل، كأن تكون صانعاً أو مشغلاً للذكاء الاصطناعي. وفيما يخص التدريب الوظيفي، أعتقد أن القدرة على التعلم المستمر ستكون أهم مهارة على الإطلاق بالنسبة للأجيال المستقبلية من القوى العاملة.

مستقبل التعليم ومستقبل المهارات

في أثناء جائحة كورونا، استطاعت بعض جامعات المنطقة ومنها جامعات الإمارات العربية المتحدة أن تنتقل بسلاسة إلى العمل عبر الإنترنت في حين توقفت أنظمة التعليم في بعض الدول الأخرى تماماً. بالنسبة لنظام التعليم عموماً، ما الذي يجب فعله الآن من أجل النجاح في تجاوز الزعزعة الناجمة عن الدورات التعليمية المصغرة والدورات الهائلة المفتوحة وغيرها من البرامج التعليمية التي تقام عبر الإنترنت؟

من جهة البنية التحتية، يجب أن تبقى الجامعات في الطليعة وتكون مهيأة للحاضر والمستقبل على حدّ سواء. سأضرب لك مثلاً، عندما انتشرت الجائحة وأجبرت الجامعات على الانتقال إلى نظام التعليم الافتراضي عبر الإنترنت، لم تستغرق جامعة “كارنيغي ميلون” أكثر من أسبوع واحد كي تنتقل بأكملها إلى التعليم الافتراضي. وحتى أنشطة البحث انتقلت بسرعة كبيرة لأن البنية التحتية للجامعة ومهارات المدرّسين والباحثين والإداريين كانت معدّة بالفعل.

لكن العنصر الأهم الذي يجعل التعليم أساسياً ولا يمكن الاستغناء عنه هو البيئة، يجب أن توفر الجامعة بيئة فريدة للابتكار والتدريب والبحث لا مثيل لها في أيّ مكان آخر. والجامعة الجيدة تحدد البيئة التي توفر الموارد والحرية الفكرية والنظام المصغر (المايكروسيستم) الذي يحفز الأفراد على التفاعل واحتضان الأفكار الجديدة وإجراء تجارب متنوعة لا يمكن إجراؤها في أي مكان آخر. يجب أن تبذل الجامعات قصارى جهدها لإنشاء هذه البيئة وتقديم الحوافز المناسبة لتشجيع الطلاب على فعل ذلك، وتتمثل هذه الحوافز في تقدير الطلاب ومكافأتهم على ملاحقة شغفهم وتوليد القيمة والتأثير على المجتمع في نفس الوقت. بوصفي رئيساً للجامعة، فكرت ملياً بشأن إنشاء هذه البيئة المحفّزة للعقول العظيمة كي يتمكن الطلاب من قضاء بضعة أعوام من حياتهم المهنية في الجامعة ويختبروا هذه البيئة الفكرية ويساهموا في إنشائها.

على اعتبار أن الجامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، كيف برأيك يمكن أن يتوافق تصميم المنهج الدراسي مع مجتمعات الأعمال ويظهر لها النتائج الحقيقية لأبحاثكم؟

لا شكّ في أن قطاع الأعمال لديه احتياجات كثيرة ويعتمد على المواهب والقوى الفكرية في الجامعات من أجل حلّ المشكلات الكبيرة التي يواجهها، ويجب على الجامعة أخذ مسؤولية تلبية هذه الاحتياجات على عاتقها. ومن الأمثلة على ذلك وادي السيليكون وغيره من المناطق في الولايات المتحدة وأوروبا والصين.

أعتقد أن الوضع الأفضل يتمثل في تكافل الجامعة مع الشركات الناشئة وبيئة الابتكار المحيطة بها، وتكون القوى الفكرية في الجامعة هي محور هذا التكافل، وهذا يعني أن الجامعة ستطبق السياسات المناسبة وستستخدم النوع المناسب من البنية التحتية التنظيمية.

ثمة حاجة ماسّة إلى نقل التكنولوجيا والسياسات المناسبة من أجل السماح لأعضاء هيئة التدريس بالعمل بفاعلية مع الشركاء الصناعيين وحلّ المشكلات. ويجب أن تتوفر لدينا بيئة تشجع الطلاب في الجامعة على أن يصبحوا رواد أعمال ويؤسسوا شركات ناشئة بناءً على اختراعاتهم وابتكاراتهم.

هل هذا جزء من رسالتكم؟

أجل، هو جزء من رسالتنا. إلى جانب البحث والتعليم الأساسيين، وضعنا آليات لاحتضان الشركات الناشئة ودعم رواد الأعمال. وإذا شهدنا ظهور شركات ناشئة في غضون بضعة أعوام فلن يكون ذلك مفاجئاً، لأن كثيراً من أعضاء هيئة التدريس لديهم طلاب يتمتعون بإمكانات هائلة ولديهم أفكار واعدة. إلى جانب أن لدينا شركاء رائعين يتطلعون إلى التعاون معنا، مثل شركة “بترول أبوظبي الوطنية” (أدنوك)، كما تعمل جامعتنا بالفعل مع شركة “هاب71” (Hub71) من أجل تطوير حاضنات الأعمال.

درسنا الطرق التي تتيح لأعضاء الهيئة التدريسية والطلاب المشاركة بفاعلية أكبر في منصة “غيت هاب” (GitHub) وغيرها من المنصات المشابهة من أجل تشجيع جوانب أخرى من الابتكار وريادة الأعمال. وأرجو أن تتمكن جامعة “محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي” من العمل بوصفها محفزاً ومركزاً لنقل هذه التكنولوجيا وابتكاراتها على نحو يوقع أثراً ليس على الدول التي يأتي منها طلابنا فحسب بل على القطاعات المختلفة وعلى احتياجات المجتمعات في كل مكان.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .