لا تسمح للتحول الرقمي بأن يفقدك إنسانيتك

5 دقائق
استخدام التكنولوجيا الرقمية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تنسى المؤسسات غالباً أن تفكر في التعاطف عندما تقوم بإعادة تصميم عملياتها أو تنتقل إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية في أدائها. ومن دون قصد تولّد لدى كلّ من زبائنها وموظفيها شعوراً بأنها لا تقدّرهم ولا تستمع إلى آرائهم. إذا حرصت بشدة على مكافأة السلوك الذي تسعى إلى الحصول عليه عند تصميم الحوافز وتحديد الأدوات المناسبة لأداء العمل والتمسك بالتواصل الشخصي وجهاً لوجه عند ضرورته فستتمكن من تحسين العمليات والحفاظ على مؤسسة متعاطفة مركزة على الإنسان.

 

ندرك جميعنا ضرورة التعامل مع العملاء والزملاء باحترام، ونعلم أيضاً أنه من الممكن أن تعيق التكنولوجيا الرقمية ذلك. مهما كان “العمل الواجب إنجازهفالتحول الرقمي في العمل يجعل التواصل الأساسي غير مباشر وغير شخصي بصورة متزايدة. هذا أمر طبيعي، فالتطبيقات وغيرها من الأدوات التكنولوجية تقوم بكثير من العمل الذي كان الموظفون يقومون به فيما مضى، ولا يمكنك تدريب تطبيق على التعاطف. ويزداد الوضع سوءاً لأن المهندسين يعملون على تعزيز الفاعلية بدلاً من تعزيز تجربة المستخدم عند إعادة تصميم سير العمل.

هذه ليست مشكلة بسيطة، والعودة عن التحول الرقمي غير ممكنة وغير مرغوب فيها بالطبع، وليس من السهل دائماً إعادة تصميم العمليات من دون فقدان اللمسات الشخصية. لذلك، هذه اللحظة مناسبة جداً للتذكير بأن الفاعلية لن توصلك إلى أي مكان ما لم يكن الذكاء العاطفي مدمجاً في عملياتك. بسبب جائحة “كوفيد-19” أصبح موظفوك وعملاؤك يعملون تحت ضغط استثنائي، وأصبح كثير منهم منعزلين ومجبرين على العمل مع التكنولوجيا الجديدة بسرعة، إلى جانب قلقهم بشأن وظائفهم وصحتهم وأحبائهم. لكنك بحاجة إلى أن يبذل موظفوك جهداً أكبر ويعملوا بذكاء أكثر من أي وقت مضى، وأن يكون عملاؤك أكثر صبراً وولاء، ولن يتحقق شيء من ذلك إذا لم يشعروا جميعهم بأنك تثمنهم وتحترمهم وتستمع إليهم.

من الجيد أنه بإمكانك اتباع طرق منطقية لإبقاء أهمية تجربة الإنسان في الصدارة حتى عندما تقوم بتحديث عملياتك.

راقب الحوافز لاسيما إذا كنت تسعى إلى تقديم خدمات مركزية

لطالما عملت شركة “ميرسك” (Maersk) لسفن شحن الحاويات العملاقة بدرجة عالية من العقلانية، فهي تملك نظماً متقدمة بدرجة استثنائية لتكنولوجيا المعلومات. منذ عدة أعوام أعدت الشركة قسم الخدمات المشتركة العالمية بهدف تعزيز الفاعلية عن طريق الإشراف الرقمي على جميع العمليات اللوجستية المتفرقة التي تدعم الشحنات، ويضم هذا القسم مراكز الاتصال.

أراد القائمون على القسم الجديد تحسين أداء مركز الاتصال ولذلك استخدموا فيه مؤشرات الأداء الرئيسية والنماذج الموحدة عبر الإنترنت. وبدلاً من اتباع أسلوب التفويض العام لمساعدة العملاء، اتبع موظفو مركز الاتصال نهج “وضع علامة في المربع”، حيث يختلف نوع المساعدة التي يحصل عليها العملاء باختلاف حالاتهم والمعايير التي تفي بها. كما كان على الموظفين ملء استمارة تتألف من 4 أو 5 صفحات بعد كل اتصال كي تتمكن الشركة من أخذ المعلومات من شكاوى العملاء. كانت العلاوات الإضافية مرتبطة عموماً بمؤشرات الأداء الرئيسية للاتصالات التي يتعامل معها الموظف كل يوم.

لكن هذه الخطة باءت بالفشل على الرغم من حسن نيتها، إذ شعر كثير من الموظفين بضغط من طرف المراقب الذي يشرف عليهم عن بعد، فبدؤوا بوضع التفسير الذي كان ولا يزال نادراً لمشاكل الشحن وهو “القوة القاهرة” التي تتمثل في أسباب خارجة عن نطاق سيطرة الشركة تؤدي إلى إتلاف الشحنة أو الإضرار بها. في حالات القوة القاهرة كان على الموظف ملء استمارة من صفحة واحدة كي يتمكن من التحرك بسرعة إلى الاتصال التالي، وبذلك ليس عليه قضاء وقت طويل من أجل فهم مشكلة العميل أو البحث عن حلول لها. لم يكن العملاء مسرورين بالتأكيد، إذ كان الموظفون يتحايلون على النظام، لكن الشركة كانت قد أنشأت الحوافز أساساً ليقوموا بذلك.

بعد انخفاض سعر سهم الشركة الشديد وخسارتها التي وصلت إلى ملياري دولار في عام 2016، أوقفت شركة “ميرسك” قسم الخدمات المشتركة العالمية ومنحت موظفيها في كل منطقة استقلاليتهم في طريقة إدارة الخدمات اللوجستية. وبذاك تمكن معظم موظفي مركز الاتصال من اتباع معايير منطقية تولد معلومات أفضل حول مشكلات العملاء الذين أصبحوا أكثر سروراً، وازداد معدل صافي نقاط الترويج بمقدار الضعف في عام واحد. أظهرت الاستقلالية المحلية بعض مواطن القصور بلا شك، لذلك كان من الضروري أن يتفق الموظفون في المناطق المختلفة فيما بينهم حول التحديات المشتركة بدلاً من الاعتماد على القسم المركزي، لكن ازدياد تواصلهم مع العملاء هو ما جعل كل ذلك مجدياً.

حدث الأمر ذاته على نطاق أوسع في عام 2017 عندما وقع هجوم إلكتروني كبير على الشركة وقطع الاتصال بالإنترنت عن أنظمة تكنولوجيا المعلومات فيها لمدة أسبوع. ومن أجل الاستمرار بتتبع الشحنات كان على الموظفين الابتعاد عن شاشاتهم والاتصال بالعملاء ومدراء الرصيف في المرفأ، وحتى أنهم كانوا يذهبون إلى المرفأ بأنفسهم في بعض الأحيان. كان ذلك عديم الفاعلية بدرجة كبيرة، وتضررت الأرباح على المدى القصير. لكن المدراء يقولون إنهم لاحظوا ارتفاعاً كبيراً في المعنويات والإنتاجية بمجرد عودة الاتصال بالإنترنت. إذ تمكن الموظفون فجأة من رؤية الأشخاص الذين كانوا يعملون معهم والاستماع إليهم، ولم يعودوا مجرد كلمات على الشاشة. فمضت الشركة التي تجددت طاقتها قدماً وألغت مجموعة من السياسات غير المنطقية، وازدادت أرباحها بمقدار يزيد عن الضعف في العام الذي تلا الهجوم.

حدد الأداة المناسبة لأداء العمل

دورتشستر كولكشن (The Dorchester Collection) هي مجموعة تتألف من 9 فنادق عالمية راقية، وهي ترغب في أن تبقى كذلك. ومن أجل ضمان تقديم خدمة ممتازة، قدمت في عام 2017 لموظفي فنادقها قوائم مراجعة رقمية مفصلة تضم بنوداً مثل “اسأَل النزلاء عن الصحف التي يرغبون في الحصول عليها ولكن لا تبدِ تفضيلات دينية أو سياسية” و”اذكر توفر خيار تقديم خدمة الغرف”. كانت بعض البنود مركزة على دفع الموظفين إلى التواصل مع النزلاء بطرق إنسانية، خذ مثلاً البند الذي يقول: “انظر إلى عيني النزيل مباشرة لمدة 3 ثوان في أثناء سيره باتجاه مكتب الاستقبال لأول مرة”. كانت الشركة تستعين بنزلاء مجهولين لتقييم الموظفين، وكانت تخصم أجور الموظفين الذين ينظرون إلى عيني النزيل لمدة أقصر أو أطول مما يجب.

تسبب هذا التوجيه المفصل بتوتر الموظفين وجعلهم يركزون على قوائم المراجعة بدلاً من التركيز على أحوال نزلائهم، فتوقفوا عن التعامل معهم على أنهم أشخاص، وأصبحوا يتعاملون مع الجميع بالأسلوب ذاته. لذلك جربت مجموعة دورتشستر أسلوباً مختلفاً، وألغت قوائم المراجعة وشجعت الموظفين على الاعتماد على تقديرهم الشخصي في التعامل مع النزلاء. ثم أطلقت مبادرة داخلية أسمتها “لو كانت الجدران قادرة على الكلام” تضم قصصاً عن التعامل مع نزلاء مشهورين، مثل عازف البيانو الخاص بالفندق الذي سمح لامرأة بالغناء معه على مضض، وتبين أنها ويتني هيوستن. والموظف الذي أخبر فرانك سيناترا في 7 ديسمبر/كانون الأول من عام 1941 أن ميناء بيرل هاربور تعرض للقصف. هذا النوع من القصص شجع الموظفين على التعامل مع نزلائهم على أنهم أشخاص حقيقيون واعتبار الفندق مؤسسة ذات ماض مجيد. يمكن أن تكون قوائم المراجعة أداة قوية بالطبع ولكن ليس حين يكون هدفك هو تقديم خدمة شخصية بدرجة كبيرة.

غيّر ثقافة العروض التقديمية

يسخر الموظفون من العروض التقديمية التي تستعين بشرائح العرض منذ أعوام، ومع ذلك يبدو أن الشركات تستخدمها أكثر من أي وقت مضى، فالشرائح فعالة في عرض المعلومات بسرعة تجعلنا غير قادرين على مقاومتها.

لكن الآن أصبح بإمكاننا مقاومتها. تعتبر شركة “ستاندرد تشارترد” (Standard Chartered) التي يقع مقرها في لندن واحداً من أكبر مصارف التجزئة في العالم، وهي تقيم عمليات مكثفة في آسيا وإفريقيا. أدرك القادة أن العروض التقديمية المعدة بواسطة برنامج باور بوينت كانت تتسبب بتعطيل أهم أنواع التواصل، ففي الاجتماعات كان الموظفون يركزون على الشرائح من دون الانتباه كثيراً إلى من يقدم العرض. ولذلك عمد المصرف إلى تخفيف استخدام الشرائح بدرجة كبيرة في عام 2018، فتوقف الموظفون عن التركيز على المعلومات المفصلة التي يمكن إيصالها بطرق أخرى، وأصبحوا ينظرون إلى عيني مقدم العرض مباشرة ويتعاملون مع حديثه على أنه نقطة انطلاق النقاش. فتراجع حجم المعلومات الكبير في النقاشات التي أصبحت أغنى وازداد العمل التعاوني فيها.

تذكر أن التواصل الرقمي يكون أفضل من التواصل التقليدي أحياناً

عندما تجمّد بحر البلطيق في عام 2015 كانت تلك حالة قوة قاهرة حقيقية، ومع ذلك استمر عملاء شركة “ميرسك” بتقديم الشكاوى، وكانت محاولات موظفي مركز الاتصال لتوضيح الأمر غير مجدية غالباً. عندئذ طلبت الشركة من قادة سفنها التقاط صور لمدى صعوبة الإبحار وسط الجليد، ونشرت الصور على حساب في منصة تويتر اسمه “WinterMaersk” وطلب موظفو مركز الاتصالات من المتصلين زيارة هذا الحساب. وفجأة بدا أن كثيراً من العملاء يقدّرون ما تفعله الشركة لتوصيل شحناتهم ولم يكونوا مستائين كثيراً من التأخير، وتعتبر الشركة أن الفضل في ارتفاع الطلب على خدماتها في العام التالي يرجع في جزء منه إلى هذا التعاطف الجديد.

تقدّر معظم الشركات أهمية التواصل مع الزملاء والعملاء بطرق إنسانية، وتقدم دورات تعليمية للتدريب على الذكاء العاطفي ومهارات التواصل، لكن عندما يتعلق الأمر بتصميم عملياتها غالباً ما تعود بصورة تلقائية إلى النهج المتقدم رقمياً الذي يبدو أكثر فاعلية. من حسن حظّنا أنه بإمكاننا جني ثمار فاعلية التكنولوجيا الرقمية من دون التضحية باللمسة الإنسانية ما دام تركيزنا منصباً على رضا العملاء واندماج الموظفين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .