التعاطف يبدأ بالفضول

4 دقائق
التعاطف يبدأ بالفضول
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أحد الآثار المترتبة على التباعد الاجتماعي والعمل من المنزل هو أننا أصبحنا نجلس مع أنفسنا لمدة أطول بكثير من المعتاد، ما قد يؤدي إلى فقدان قدر من إحساسنا بذواتنا. فنحن لم نعد نتلقى التقدير ممن حولنا كالمعتاد، ولا توجد ملابس وسيارات فاخرة لتعطي فكرة عنا، ولا ثناء أو حتى رفض، ولا توجد ملاحظات على الإطلاق لنتعرف من خلالها على آراء من حولنا. يتحدث المؤلف عن كيفية تأثُّر مشاعره بالجائحة وعن سبب نظرته إلى هذه الفترة على أنها فترة فريدة نحتاج فيها جميعاً إلى الشعور بالفضول حيال أنفسنا والآخرين.

 

قال لي أحد عملائي (سنسميه منصور) وهو الرئيس التنفيذي لشركة استثمار: “أشعر بقلق شديد”.

كان بإمكاني الرد قائلاً: “نحن في أوقات مثيرة للقلق. خاصة بالنسبة إليك؛ فأنت رئيس تنفيذي تعطلت الأعمال في مؤسسته. وتشعر بالقلق حيال الأموال واستمرارية العمليات. كما أنك في مجتمع الاستثمار، فكيف لا تكون قلقاً في ظل مثل هذه التقلبات الكبيرة التي لا يمكن التنبؤ بها في السوق؟ أتفهم شعورك تماماً”.

التحلي بالتواضع

كان هذا هو أوضح شيء يمكنني قوله. فهو سيعكس تعاطفي وتفهمي وتواصلي ومعرفتي وخبرتي. وكان كلانا سيشعر بالارتياح حيال تبادل هذا الحديث. لكن كان يمكن أن يكون من الخطأ قولي ذلك

لأن هناك استجابة تُعد أكثر قوة وتأثيراً عندما يعبر شخص ما عن ضعفه، خاصة في هذه الفترة الجديدة والفريدة للغاية. وهي استجابة مهمة وضرورية قبل إبداء التعاطف: ألا وهي الفضول.

من الخطأ قول ذلك لأن الحقيقة هي أنني لا أعرف ما الذي يحدث في حياة منصور. في الواقع، منصور نفسه يفهم بالكاد مع يحدث له. فنحن نمر بظروف جديدة علينا. وعلى الرغم من أن أي شيء أقوله كان من الممكن أن يكون صحيحاً ومناسباً، فإنني لا أعرف في الواقع ما هو الوضع الفعلي. وهو ما يعني أنه قبل إبداء تفهمي، يتعين علي اكتشاف ما حدث. إذ ينبغي أن أطرح أسئلة وأن أكون منفتحاً وأن أستمع وأتعلم. الأمر الذي يتطلب التحلي بالتواضع الذي يختلف عن المعرفة أو الذكاء. وهذا يؤدي في النهاية ودائماً تقريباً إلى التعاطف.

لذلك عندما أخبرني منصور أنه يشعر بقلق شديد، طلبت منه أن يخبرني بالمزيد. وأنا سعيد أنني فعلت ذلك.

لم يتحدث منصور معي عن دوره بوصفه رئيساً تنفيذياً أو تحدياته التنفيذية أو استثماراته. فهو قائد صلب، ومثل العديد من القادة أمثاله ممن أعرفهم، يتسم بأنه ثابت الخطى وقادر على الصمود في أوقات الأزمات. لم يكن منصور يكافح باعتباره قائداً، بل باعتباره بشراً. فقد تحدث عن شعوره بالخوف والوحدة والحزن والضياع قليلاً. فهو يشعر بثقل هذه الفترة وحالة عدم اليقين التي تكتنفها. ويشعر بالتحديات التي تواجهها عائلته وبالتحول الذي حدث له على الصعيد النفسي المتمثل في أنه أصبح يعمل وحيداً في منزله على عكس عمله في مكتب وسط زملائه.

أحد الآثار المترتبة على التباعد الاجتماعي والعمل من المنزل هو أننا أصبحنا نجلس مع أنفسنا لمدة أطول بكثير من المعتاد. فلم نعد نرى وجوه زملائنا من حولنا، أو نتلقى التقدير منهم كالمعتاد. ولا توجد ملابس وسيارات فاخرة لتعطي فكرة عنا. ولا ثناء أو حتى رفض. ولا توجد ملاحظات على الإطلاق لنتعرف من خلالها على آراء من حولنا. هذا يمكن أن يؤدي إلى شعورنا بالضياع، أو يثير قلقنا، على حد تعبير منصور. وربما لديك أنت أيضاً القليل من هذه المشاعر.

أشعر ببعض هذه المشاعر. يمكن أن أشعر في أحد الأيام بمزيج من المشاعر، غالباً لسبب غير مفهوم، كالسعادة والحزن، والتشويق والغضب، والإحباط وراحة البال، وأشعر بالخوف بالطبع، وكذلك أيضاً بالحماس والترابط. يتطلب الشعور بجميع هذه المشاعر التحلي بالشجاعة، وتحديداً الشجاعة العاطفية. ولهذا، على الرغم من أهمية أن تظل فضولياً حيال الآخرين وصعوبة ذلك أيضاً، هناك شيء على القدر نفسه من الأهمية ولكنه أصعب بكثير، ينبغي لنا فعله: فنحن بحاجة إلى أن نظل فضوليين حيال أنفسنا.

كن فضولياً حيال نفسك والآخرين

هذا هو المطلوب منا الآن، في هذه الفترة الجديدة التي ليست هينة أو واضحة أو متوقعة. أن نكون فضوليين حيال أنفسنا هو الكيفية التي نبدأ بها في معرفة مَن نحن حقاً. يمكن أن يكون ذلك مخيفاً. ولكنه يمكن أيضاً أن يُشعرنا بالحماس ويحررنا. أتعلم ما هو أصعب جزء؟ التمهل بما يكفي لتشعر بمشاعر حقيقية. فهل لديك الشجاعة للتمهل؟

يجب أن تكون شجاعاً لأن التمهل سيثير بطبيعته مشاعر مربكة وغير مألوفة. ولتجنُّب هذه المشاعر فإننا عادة ما نتحرك سريعاً. على مدى الأسابيع القليلة الماضية، كثيراً ما كنت أشعر بالضياع؛ فأنا محاط بأشخاص يسعون جاهدين إلى التحرك سريعاً. فهم يضعون الخطط ويجرون تغييرات محورية في أعمالهم ويعبرون عن آرائهم ويتعارفون ويحددون وجهتهم ويملؤون جداول مواعيدهم بمكالمات عبر برنامج “زووم”. أشارك في بعض هذه المكالمات وبعد الاستماع إلى الكيفية التي أجرى بها الآخرون تغييرات محورية، يسألونني كيف سأجري تغييرات محورية وحينها تكون إجابتي هي “لا أعرف”.

فأنا لا أعرف ما علي فعله. فليس هناك ما يدفعني إلى التصرف وفعل شيء ما، وهذا يخيفني. فماذا سيحدث إذا تأخرت عن الآخرين؟ ثم يخيّل إليّ أن تجنُّب الخوف من التخلف عن الركب هو أحد الأسباب التي تجعلني أتصرف وأفعل أي شيء. ولكن لا ينبغي أن يكون هذا هو السبب الذي يدفعني إلى ذلك. ولذلك أستجمع شجاعتي ولا أفعل أي شيء. ولكن إذا لم أفعل شيئاً، سأتخلف عن الركب حرفياً. ولن يتبقى أحد معي.

ثم يخطر ببالي متألماً أن هذا قد يكون جزءاً مما تدور حوله لحظة التأمل هذه: فأنا بذلك أتعرف على نفسي. والأهم من ذلك، أنني أتعلم كيف أتسامح مع نفسي وأتقبلها، حتى عند شعوري بالخوف والضعف. وعندما أرى أنني قادر على تقبُّل نفسي عند شعوري بالخوف والضعف، حينها لن أضطر إلى التصرف وفعل أي شيء لتجنُّب تلك المشاعر. وهو ما يؤدي إلى اكتساب ثقة جديدة وقوة لا يمكن كبحها وقدرة على التصرف بحرية كبيرة، ليس بدافع الخوف والضعف، ولكن بدافع الغاية والترابط والقوة والشوق والحب.

ربما تدعونا هذه الجائحة بطريقة ما إلى التمهل والاستماع. فماذا لو قاومنا الرغبة في التصرف والقيام بشيء ما، وتوقفنا عن فعل أي شيء؟ فقط كن حاضر الذهن، وما ستكتشفه قد يفاجئك. عندما تمهل منصور بما يكفي لينصت إلى مشاعره، لم يشعر بالاكتئاب في النهاية، بل بالتفاؤل. وقد قال لي: “إنها رحلة لاكتشاف الذات والقبول الجذري والانسجام مع الروح”.

لذا، أود أن أسألك، هل يمكنك في هذه اللحظة ترك كل ما تفعله لبعض الوقت والتنفس بعمق والشعور بالفضول حيال نفسك والآخرين؟ بماذا تشعر؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .