هل تساءلت يوماً عما سيحدث عندما تُدار الشركات الأميركية عن طريق صناديق تتبع المؤشرات؟ وماذا عن تحسين حوكمة الشركات بهذا الصدد؟
طرح بيل أكمان، الناشط في مجال صناديق التحوط، هذا السؤال سابقاً في خطابه السنوي الموجه للمستثمرين الخاص بالصندوق الذي يديره. وهو سؤال جيد حقاً. فلا أحد يعلم عواقب ازدهار صناديق الاستثمار السلبي على الشركات الكبيرة التي تملكها. وهو أمر استكشفته بالتعاون مع المؤلفين المشاركين لي في ورقة بحثية نُشرت سابقاً، إلا أن ما توصلنا إليه من استنتاج يتعارض مع الحكمة الشائعة في هذه الآونة.
فعلى الرغم من الاعتقاد السائد، ازدادت حصة الأصول المملوكة لمؤسسات استثمارية سلبية - وهي صناديق مشتركة صُممت للتتبع التغيرات في مؤشرات البورصة مثل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" (S&P 500) بدلاً من انتقاء الأسهم الرابحة بشكل نشط - بمقدار 3 أمثال منذ عام 1998. وفي عام 2015، ضخ العملاء أموالاً إضافية تقدر بـ 414 مليار دولار في صناديق تتبع المؤشرات المنخفضة التكلفة في الولايات المتحدة الأميركية، المطروحة من قِبل شركة "فانغارد" (Vanguard)، وشركة "بلاك روك" (BlackRock)، وشركة "ستيت ستريت" (State Street)، وغيرها من الشركات. وفي الوقت ذاته، سحب عملاء آخرون ما يساوي إجمالاً 207 مليارات دولار من صناديق الاستثمار النشط، وذلك وفقاً لشركة "مورنينغ ستار" (Morningstar) للأبحاث. وبهذا أصبحت أصول شركة "بلاك روك" وحدها أكبر من النواتج المحلية الإجمالية لجميع البلدان عدا اثنتين.
يبدو أنه مقدّر لنشأة صناديق الاستثمار المشتركة، التي صُممت لتحاكي مؤشرات البورصة لا لكي تتفوق عليها، أن تغير ديناميكية مجالس إدارة الشركات والمسئولين التنفيذيين لها. ولأن المستثمرين السلبيين يمتلكون قدراً أكبر بكثير من الأصول الخاضعة لسلطة إداراتهم، فمن المتوقع أن يمارسوا نفوذاً أكبر على عملية صناعة القرار لدى الشركات.
لكن السؤال هنا هو: هل يمارسون هذا النفوذ حقاً؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فهل يستخدمون هذا النفوذ؟
حسناً.. حتى الآن الإجابة عن كلا السؤالين هي لا. فالفكرة السائدة عن هذا النقاش الجاري هي أن التحول في ملكية شركات المساهمة العامة تتسبب في حقيقة الأمر في إضعاف مستوى الرقابة على الشركات.
صناديق التحوط مقابل المستثمرين السلبيين
فعلى النقيض من صناديق التحوط البارزة التي تعتمد على الاستثمار النشط وتحاول التفوق على مؤشرات السوق، فإن الهدف الرئيس للمستثمرين السلبيين هو تحقيق عائدات تضاهي مؤشرات السوق. ولهذا السبب يقول النقاد إن صناديق الاستثمار السلبي تفتقر إلى قوة الخروج، أي بيع الأسهم (أو التهديد ببيعها) عندما يكون أداء المدراء ضعيفاً. فليس من المنطقي خفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بسبب ضعف الأداء، حينما يفترض أن يتبع صندوقك الاستثماري هذا المؤشر. وعلى نفس الشاكلة، لا تقوم صناديق تتبع المؤشرات بشراء المزيد من الأسهم انتقائياً عندما يُبْلِي المدراء بلاءً حسناً.
لكن مع ذلك، تتمتع هذه الصناديق بقوة التصويت، ويقصد بذلك قدرة حاملي الأسهم على ممارسة نفوذهم على إدارة الشركة وعلى المقترحات المتعلقة بحوكمتها. لكن النقاد يقولون إن صناديق الاستثمار السلبي، مع رسومها المنخفضة، تفتقر إلى الموارد وعادة أيضاً إلى الإرادة اللازمة لمراقبة محافظها الاستثمارية الكبيرة والمتنوعة. يطلق خبراء الاقتصاد عليهم اسم "المستثمرون الكسالى".
لكن لا يتفق الجميع على الرأي ذاته. إذ يصر عدد متزايد من المستثمرين السلبيين على أنهم يلعبون دوراً محورياً في حوكمة الشركات. ويقول مدراء الاستثمارات السلبية إنهم يولون قدراً أكبر من الاهتمام بممارسات الحوكمة والامتثال الدقيقة، مقارنة بنظائرهم مدراء الاستثمارات النشطة؛ وذلك لأنهم لا يرغبون في تصفية مناصبهم ذات الأداء الضعيف.
وكما قال فريدريك ويليام ماك ناب الثالث، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لصناديق شركة "فانغارد" الاستثمارية سابقاً: "سنحتفظ بأسهمك إذا كانت شركتك تروق لنا. وإذا كانت لا تروق لنا، فسنحتفظ بأسهمك عندما يتزاحم الجميع على الشراء وعندما يهرع الآخرون إلى بيع أسهمهم. وهذا تحديداً هو سبب اهتمامنا البالغ بالحوكمة الرشيدة للشركات".
لقد عزمت أنا وزملائي الباحثون على اختبار هذا الادعاء. ففي ورقتنا البحثية المنشورة في "مجلة الاقتصاد المالي" (Journal of Financial Economics)، نوضح أن مؤسسات الاستثمار السلبي تلعب بالفعل دوراً إيجابياً في تشكيل سياسيات حوكمة الشركات. وتتناقض نتائجنا مع الافتراض القائل "إن المستثمرين السلبيين يفتقرون إلى الإرادة والقدرة اللازمة لممارسة النفوذ، وإبداء التأثير على اختيارات سياسة الشركات.
ولإجراء هذا التحليل، عمدنا إلى استغلال النقطة الفاصلة بين اثنين من أكثر المؤشرات المعيارية في البورصة الأميركية استخداماً، وهما مؤشر "راسل 1,000" (Russell 1000)، و"راسل 2,000" (Russell 2000). (حيث يتألف مؤشر "راسل 1,000" من أكبر 1,000 سهم أميركي، مُرتَبة حسب القيمة السوقية، ويتألف مؤشر "راسل 2,000" من تالي أكبر 2,000 سهم). ولأن نسبة الأسهم المملوكة لمستثمرين سلبيين أعلى في قمة المؤشر "راسل 2,000" مقارنة بنهاية المؤشر "راسل 1,000"، فاستطعنا تصميم تجربتنا بحيث تجيب عن سؤال مهم: أردنا أن نعرف هل يؤدي ارتفاع نسبة امتلاك أسهم الاستثمار السلبية إلى تغييرات حقيقية في حوكمة الشركات ومستوى الأداء بها أم تنشأ هذه التغييرات بمحض الصدفة، فهؤلاء المستثمرون السلبيون يميلون عادة إلى الاحتفاظ بالأسهم التي تتمتع بهذه الخصائص.
مؤشرات النتائج
تشير نتائج تحليلنا إلى حقيقة أن المستثمرين السلبيين يؤثرون على حوكمة الشركات بعدة طرق. فمثلاً، لاحظنا أن الزيادة في نسبة امتلاك أسهم الاستثمار السلبية تتزامن مع زيادة ذات دلالة إحصائية في نسبة المدراء المستقلين في المجالس الإدارية للشركات. وفضلاً عن ذلك، لاحظنا أن الشركات ذات الملكية الأعلى من جانب المستثمرين السلبيين كانت أكثر ميلاً لإزالة الحواجز الدفاعية المصممة لردع محاولات الاستيلاء على شركة (مثل مقاربة "أقراص السُم (poison pills)" الدفاعية، والقيود المفروضة على طلبات حاملي الأسهم بعقد اجتماعات خاصة مع مجلس الإدارة). كما كانت أقل حظاً في التعرض لظاهرة عدم تكافؤ حقوق التصويت المقترنة عادة بالأسهم مزدوجة الفئة.
تشير نتائجنا إلى حقيقة أن المؤسسات الاستثمارية السلبية تؤثر على حوكمة الشركات بشكل رئيس من خلال قوة أصواتها. فالزيادة في نسبة الامتلاك من قبل مستثمرين سلبيين تتزامن مع تراجع الدعم المقدم لمقترحات الإدارة، وزيادة في تعزيز الدعم المقدم لمقترحات حاملي الأسهم. ففي الأساس، يبدو أن إدارة الشركة تصطدم بقاعدة من المساهمين أكثر إثارة للنزاع عندما تمثل صناديق الاستثمار السلبي النسبة الأكبر من الملكية.
هذا يبدو أكثر بكثير مما قد يقوم به مستثمرون سلبيون!
يوجد دليل يوضح أن المستثمرين السلبيين يتخذون هذه الإجراءات اعتقاداً منهم أن تحسين حوكمة الشركة سيثمر في النهاية عن تحسن الأداء، ورفع القيمة المضافة لحاملي الأسهم في نهاية المطاف. فعلى وجه التحديد، خلصنا إلى أن الملكية السلبية تتزامن مع مستوى أعلى من الربحية وقيمة الشركة.
لا يُقصد بهذا أن المستثمرين السلبيين يعملون كمستثمرين نشطاء أو حتى كنشطاء في مجال الاستثمار، لكن يبدو أنهم ينتقون معاركهم بحكمة ويعرفون متى يتدخلون! وبوجه عام، تتسق نتائجنا مع حقيقة أن المستثمرين السلبيين ينجحون في تحسين أداء الشركة من خلال دعم إصلاحات مثبتة الفاعلية في مجال الحوكمة وتتطلب مستوى منخفضاً من عملية المراقبة المكلفة من جهتهم.
على الرغم من أن المعنى التقليدي يصور المستثمرين السلبيين كعناصر غير نشطة، فإنهم ليسوا مالكين سلبيين. ففي ظل افتقارهم إلى القدرة على الخروج وبيع أسهمهم فإنهم يستطيعون الاستفادة من قوة آرائهم وأصواتهم في إطار تكتلاتهم التصويتية الآخذة في الزيادة لتحديد ملامح حوكمة الشركات وسياساتها.
إذن، للإجابة عن السؤال القائل "ماذا سيحدث عندما تُدار الشركات الأميركية عن طريق صناديق تتبع المؤشرات؟" نحن نتوقع أن تتلاءم حوكمة شركات المساهمة العامة بشكل متزايد مع تفضيلات المؤسسات الاستثمارية السلبية الكبيرة وتنسجم معها: مثل شركة "بلاك روك"، وشركة "ستيت ستريت"، وشركة "فانغارد" وما شابه.
هل يعني هذا أن صناديق الاستثمار النشط التقليدية تخسر دورها الخاص المباشر في الرقابة على الشركات؟ أعتقد أنا وزملائي أن ذلك غير مرجح. فبدلًا من ذلك، قد يزداد نفوذ هؤلاء المستثمرين النشطاء بفعل الكتل التصويتية الكبيرة للمستثمرين السلبيين.
لكن كيف يتم تحسين حوكمة الشركات؟ تمتلك صناديق الاستثمار المدارة بنشاط حصة متدنية من أصول الشركة. لكن عندما تطالب هذه الصناديق بإدخال تغييرات على الحوكمة، فقد تجد حليفاً جيداً لها في صناديق الاستثمار السلبي، وهو حليف يتمثل في قاعدة متزايدة التركيز من حاملي الأسهم. ولا شك أن دعم صناديق تتبع المؤشرات المشتركة والكبيرة من شأنه أن يضفي مصداقية على حملات المستثمرين النشطاء، وبالتالي يزيد من احتمال نجاحهم.