كيف تستفيد من موجة صفقات الاندماج والاستحواذ المقبلة؟

6 دقائق
عمليات الاندماج والاستحواذ
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: مع استمرار أزمة “كوفيد-19” ووضوح الآثار الناجمة عن عواقبها الاقتصادية، من المتوقع أن تزداد حركة عمليات الاندماج والاستحواذ بدرجة كبيرة. وعلى الأرجح ستتعرض الشركات الأضعف التي اعتمدت على دعم الحكومات أو على مخزونها النقدي لمزيد من الضغط المالي الذي يجعلها مهيأة لاستيلاء الشركات الأكبر عليها، في حين أن الشركات الأقوى ستتوصل إلى طرق جديدة لتعزيز مكانتها واكتساب مهارات وابتكارات تكنولوجية ومنتجات جديدة أو مكملة، أو ببساطة ستكتسب حصة سوقية ذات قيمة أكبر. لكن الأبحاث تبين أن معظم عمليات الاندماج والاستحواذ تبوء بالفشل. ومن أجل ضمان استفادة شركتك من هذه الفرصة احرص على تفادي 5 مزالق، وهي الالتفات إلى الأمور الاستراتيجية وتجاهل الأمور المالية، والاستعانة بالخبراء المصرفيين لإجراء التقييم، وعدم التركيز على التكامل في أثناء عملية التفاوض، والتحرك ببطء أكبر مما يجب.

ستشهد الشركات التي تتمتع بتمويل قوي فرصة لا تتكرر سوى مرة واحدة في كل جيل لإجراء عمليات استحواذ وتوطيد نفوذها. ومع استمرار أزمة “كوفيد-19” وتوضح الآثار الناجمة عن عواقبها الاقتصادية، من المرجح أن الشركات الأضعف التي اتكأت على برامج الدعم الحكومي المؤقت أو لجأت إلى مخزونها النقدي الاحتياطي ستعاني من ضغط مالي أكبر بكثير يجعلها مهيأة لاستيلاء الشركات الأقوى عليها. ولذلك ستتوصل الشركات الأقوى إلى طرق جديدة لتعزيز مكانتها أو زيادة كفاءتها أو اكتساب مهارات وابتكارات تكنولوجية ومنتجات جديدة أو مكملة، أو ببساطة ستتمكن من اكتساب حصة سوقية ذات قيمة.

لكن إذا كرر التاريخ نفسه فسيسعى كثير من الرؤساء التنفيذيين إلى عقد صفقات تضرّ بشركاتهم أكثر مما تنفعها. والدليل على ذلك واضح، وهو أن معظم عمليات الاندماج والاستحواذ تبوء بالفشل وتدمر القيمة السهمية للشركات وتكلفها مليارات الدولارات، وقد لوحظ تكرر أنماط غير ناجحة في مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية.

لكن لماذا يحدث ذلك؟ أحد العوامل هو انعدام الخبرة، فكثير من كبار المسؤولين التنفيذيين يعملون على صفقة أو اثنتين من صفقات الاندماج والاستحواذ بالغة الأهمية في حياتهم المهنية بأسرها، وتكون هذه الصفقات هي الأشد صعوبة وخطورة من بين الأعمال التي يواجهونها. لكن يمكن للقادة اتباع طرق تساعدهم في زيادة فرص نجاح عمليات الاندماج والاستحواذ، وهي تبدأ بتفادي المزالق الشائعة. فيما يلي 5 مزالق تمكنت من تحديدها في البحث الذي أجريته.

المزلق الأول: تفضيل الجوانب “الاستراتيجية” على الفطنة المالية

في كثير من الأحيان تكون كلمة “استراتيجي” كلمة فارغة شاملة تستخدم لإضافة بريق على صفقة غير منطقية من الناحية المالية. ودفع ثمن مبالغ فيه هو أهم مؤشر على عملية اندماج واستحواذ كارثية. خذ مثلاً عملية اندماج شركتي “أيه أو إل” و”تايم وارنر” (AOL-Time Warne) التي تم تقييمها بمبلغ 350 مليار دولار في عام 2000. أُعلن عن هذه العملية على أنها ستخلق شركة الإعلام المستقبلية، والآن أصبحت محطّ سخرية العالم كله على اعتبارها أسوأ صفقة في التاريخ. ففي غضون عامين، أُجبرت المؤسسة الناتجة عن الاندماج على شطب مبلغ 99 مليار دولار، وبعد 10 أعوام كانت القيمة المشتركة للشركتين اللتين كانتا قد انفصلتا حينئذ تساوي سُبع قيمتهما في تاريخ الاندماج. ومن الأمثلة الشهيرة عن “الصفقات الاستراتيجية” التي أفضت إلى كوارث نذكر عمليتي اندماج شركتي “فودافون” و”مانيسمان” (Vodafone-Mannesmann)، وشركتي “هيوليت-باكارد” (آتش بي) و”أوتونومي” (Hewlett-Packard [HP]-Autonomy).

كيف تتفادى الوقوع في هذا الخطأ؟ أولاً، اطرح على نفسك بعض الأسئلة المهمة: لماذا أجري عملية الاندماج؟ لماذا اخترت هذه الشركة؟ لماذا الآن؟ ما هي القيمة العادلة؟ ثم اعمل وكأنك محقق مالي، وحدد “أقل سعر مقبول قبل الانسحاب” (walk-away price) والتزم به. لا تتعلق بالصفقة، ويمكن لفريق مؤلف من مدراء بتخصصات مختلفة مساعدتك في مراقبة الانحياز التأكيدي والتهوّر وحتى العجرفة.

المزلق الثاني: الانسحاب بسبب الاختلافات الثقافية

غالباً ما يلقى اللوم على الثقافة لاحقاً عندما تفشل عملية التكامل وتضطر الشركة لتقديم طلب لتخفيض قيمة أصولها بمبالغ هائلة. لكن المشكلة ليست في اختلاف الثقافات بحد ذاته، بل في عدم الاستعداد للتعامل مع هذه الاختلافات. في مرحلة الاستعداد للصفقة من الضروري أن يتم تقييم ثقافتي الشركتين وتصميم عملية اندماج واستحواذ قادرة على جسر الفجوات بينهما. لكن لا يمكن اتباع نهج موحد في جميع الحالات، إذ إن كثيراً من الشركات المستحوِذة تنجح في فرض ثقافتها على الشركات التي استحوذت عليها. قال كارلوس بريتو الرئيس التنفيذي لشركة “إنبيف” (InBev) مخاطباً موظفي شركة صنع المشروبات الأميركية “أنهايزر بوش” (Anheuser-Busch) بعد استحواذه عليها بمبلغ 52 مليار دولار في عام 2008: “أنا لست بحاجة إلى مشروب مجاني، فأنا قادر على شرائه”. كانت هذه إشارة إلى أن ثقافة شركة “إن بيف” القائمة على الكفاءة والجدارة ومحاربة الهدر ستهيمن على الشركة المدمجة.

تختار شركات مستحوذة أخرى أن تدمج بعض عناصر ثقافة الشركة المستحوذ عليها في المؤسسة الناتجة أو السماح للشركة المستحوذ عليها بالعمل بصورة مستقلة. مثلاً، عندما اندمجت شركتا “ديزني” و”بيكسار” في عام 2006 لم يكن نجاح الصفقة مؤكداً، فقد كان الهدف هو دمج خبرات شركة “ديزني” في الترويج والتوزيع مع خبرات شركة “بيكسار” في التكنولوجيا والابتكار، لكن كان الاختلاف بين ثقافتي الشركتين كبيراً. علم روبرت آيغر الذي كان حينئذ الرئيس التنفيذي في شركة “ديزني” أنه من الضروري حماية ما يميز شركة “بيكسار”، ولذلك وافقت شركة “ديزني” على قائمة من الأشياء التي لن تتغير ومنها عدم استخدام عقود التوظيف والحفاظ على الامتيازات الصحية السخية وعدم تغيير لافتة اسم شركة “بيكسار” المثبتة على بوابة مقرها الرئيس.

المشكلة ليست في الاختلافات الثقافية، بل في عدم إدراك هذه الاختلافات أو عدم التخطيط للتعامل معها، وهذا هو القاتل الحقيقي للقيمة. في عملية الاندماج والاستحواذ التي تتم إدارتها بكفاءة، يتم تحديد معظم المشكلات الثقافية وتجهيز حلول لها قبل إنهاء الصفقة.

المزلق الثالث: الاستعانة بخبراء من المصارف الاستثمارية لإجراء عمليات التقييم

تشكل عمليات تقييم الشركة دائماً جزءاً من عروض المصارف الاستثمارية. ومع أن هذه المصارف تجيد العروض الترويجية وأعمال التمويل إلا أن لديها حوافز ضارّة، ولذلك يجب ألا تستعين بها على الإطلاق في تقييم صفقة الاندماج أو التفاوض عليها. فهي تتقاضى أجرها ويتم تصنيفها وتقييمها عند إنهاء الصفقات، وترتفع أجورها مع ارتفاع سعر الشراء ولذلك فهي دائماً تنحاز إلى جانب الصفقة وليس إلى جانب الشركة.

لذلك، يجب على الشركات عند الإمكان تطوير عمليات تقييم داخلية، عن طريق موظفيها الذين يفهمون حقاً مصادر القيمة التجارية التي ستنتج عن عملية الاندماج المحتملة، أو بمساعدة مستشارين خارجيين تقلّ احتمالات تحيزهم. ويجب أن يفهم جميع الموظفين المشاركين في تقديم التقديرات في هذا الإجراء مبادئ خلق القيمة في عمليات الاندماج والاستحواذ إلى جانب امتلاكهم مهارات التقييم الأساسية. ويجب أن يكون الرؤساء التنفيذيون والرؤساء التنفيذيون للشؤون المالية وغيرهم من كبار المسؤولين التنفيذيين مشاركين منذ المراحل الأولى ومدركين لطريقة القيام بالتقييمات كي يساعدوا في تحديد الفرص والمخاطر وتقييمها وتحقيق الفوائد التي تولدها عملية الاندماج إذا تمت.

المزلق الرابع: عدم ربط عقد الصفقة بالتكامل

يجب أن تتبع الشركات عملية مستمرة تربط بين مرحلة ما قبل عقد الصفقة وفترة إجرائها مع مرحلة ما بعد الصفقة. إذ يزداد احتمال تدمير القيمة عندما لا توزع الشركة المسؤوليات المفصلة على الفرق المسؤولة عن إجراء البحوث اللازمة حول فرص الاستحواذ والتخطيط لها والتفاوض عليها وتنفيذها، ولا تحملها المسؤولية على نحو صارم. وفي كثير من الأحيان لا يكون الأشخاص الذين يقدمون وعوداً بشأن أوجه التعاون في عمليات الاندماج هم أنفسهم المسؤولين عن وضع أوجه التعاون تلك قيد التنفيذ.

بدلاً من ذلك يجب تكليف أعضاء الفريق أنفسهم بأعمال جميع مراحل الصفقة. كانت هذه المبادئ المتبعة عندما قام “بنك الخليج الأول” (FGB) وهو أكبر مصرف مساهمة عامة في الإمارات العربية المتحدة بالاستحواذ على مؤسسة “دبي فيرست” (Dubai First) المالية التي تركز على التمويل الاستهلاكي والبطاقات الائتمانية. إذ جمع المصرف فريقاً خاصاً يضم قرابة 25 موظفاً من مختلف مؤسساته وأقسامه ليعمل على تقييم الهدف وتحديد أوجه التعاون الممكنة في مجالاتهم والإعداد لمناقصة ملزمة. وقاد كثير من أفراد الفريق جهود التكامل وكانوا مسؤولين عن تحقيق الأرباح التي خططوا لها عندما أوصوا بإجراء عملية الاندماج.

المزلق الخامس: التحرك ببطء شديد وضعف التواصل

تسبب حالة عدم اليقين التي تولدها عمليات الاندماج المحتملة إرهاقاً كبيراً للموظفين والعملاء، وغالباً ما يكون تلقي الأخبار السيئة أفضل من عدم تلقي أي خبر إطلاقاً، لذلك يجب أن يستعد المدراء للإجابة عن الأسئلة حتى قبل أن تتوضح الأجوبة النهائية. وإلى جانب التواصل القوي، السرعة هي عامل أساسي. وحتى في فترة انتظار الضوء الأخضر من الجهات التنظيمية للمتابعة في عملية الاندماج، ابدأ بالعمل على معالجة تحديات التكامل من دون إهمال العمليات اليومية.

مثلاً، عندما أعلنت شركة “رويال داتش شل” في شهر أبريل/نيسان من عام 2015 أنها ستقوم بالاستحواذ على “مجموعة بي جي غروب” (BG Group)، بدأ التخطيط للتكامل على الفور. وبدأت فرق الإدارة في كلتا الشركتين بالعمل معاً في موقع حيادي من أجل وضع خطة لتوحيد وحدات العمل مع استبقاء المواهب في نفس الوقت. كما عقدت اجتماعاً عاماً مع موظفي المقر الرئيس لمجموعة “بي جي” وزارت مواقعها المهمة في العالم لمناقشة الخطط المشتركة للشركتين والإجابة عن الأسئلة وتهدئة المخاوف.

من المهم جداً أن تتذكر أن عملاءك ومنافسيك لن يبقوا ساكنين في مكانهم، لاسيما أنه من المعتاد أن يستغل المنافسون فترات الخمول لسرقة أعمال الشركة المستحوِذة أو المستحوذ عليها. لذلك يجب عليك العمل على التكامل بسرعة والتواصل بشفافية والحرص على استمرار العمليات بسلاسة.

لن تكون عمليات الاندماج والاستحواذ سهلة قطّ، لكن هذا ليس سبباً لتفاديها. ومع تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة “كوفيد-19” ستشهد هذه الصفقات نشاطاً كبيراً. والقادة الذين يستعدون جيداً ويتفادون هذه المزالق الشائعة سيكونون قادرين على خلق قيمة أكبر من هذه الفرص.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .