ما الذي يمكن أن يتعلمه المستثمرون المؤثرون من المؤسسات التي يعملون معها؟

6 دقائق
الاهتمام بالاستثمار المستدام

ملخص: أشار واحد من كل 5 مستثمرين في استقصاء أجرته شركة "بلاك روك" (BlackRock) مؤخراً إلى أن تجربته مع الجائحة أدت إلى زيادة اهتمامه بالاستثمار المستدام. ولكن إذا أراد المستثمرون مضاعفة الأموال المتدفقة إلى الاستثمار المستدام، فيجب ألا يكتفوا بمضاعفة المبالغ التي يضخونها في هذه الاستثمارات. وقد توصّل مؤلفا هذه المقالة من خلال التجربة التي خاضاها بوصفهما مقدمَين للمنح ومستثمرَين وناشطَين إلى أن نمو القطاع الاستثماري على المستوى المطلوب يستلزم دخول المستثمر في شراكة مع "حلّالي المشاكل"، أي أولئك الأشخاص والمؤسسات المهتمة بالمشكلات البيئية والاجتماعية التي يريد المستثمرون المستدامون الإسهام في حلها. وتستعرض هذه المقالة أمثلة على هذه الأعمال التعاونية.

تعهد أحد الاتحادات الاستثمارية في مايو/أيار 2020 بضخ أكثر من 50 مليون يورو لبدء العمل على إنشاء جزيرة للطاقة النظيفة على بعد 100 كيلومتر من الساحل في بحر الشمال تسمى "جزيرة الرياح" (VindØ)، وكان من أهم هذه الجهات الاستثمارية صندوق التقاعد "بنشن دنمارك" (PensionDanmark) الذي يعتبر أحد أكبر 50 صندوقاً للمعاشات التقاعدية في أوروبا وأحد رواد الاستثمار المستدام والمؤثر.

ستعمل "جزيرة الرياح" كمركز ومرفق لتوليد الطاقة الكهربية من خلال توربينات الرياح بقوة تصل إلى 10 غيغاواط ونقلها إلى شبكة الطاقة الدنماركية.  من المقرر أن تُبنى الجزيرة من كتل خرسانية مغمورة، وستضم مرافق لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو منتج بالغ الأهمية لتقليل انبعاثات الكربون في الصناعات الثقيلة، مثل إنتاج الصلب والشحن.   يأتي المشروع في أعقاب قرار تاريخي من قبل البرلمان الدنماركي لإنهاء استكشافات الوقود الأحفوري في بحر الشمال، وهو جزء من خطة العمل المناخية على مستوى البلاد، علماً بأن الدنمارك تعتبر أكبر دولة منتجة للنفط والغاز في الاتحاد الأوروبي.

وسنرى المزيد من المشاريع المشابهة لهذا المشروع العملاق. فقد أثبتت دراسة حديثة أجرتها شركة "بلاك روك" (BlackRock) أن المستثمرين يتوقعون مضاعفة مخصصاتهم للاستثمار المستدام والمؤثر في السنوات الخمس المقبلة. ولم تؤدِ الأزمة الصحية العالمية الناجمة عن تفشي فيروس "كوفيد-19" إلى تباطؤ الطلب على الاستثمار المستدام والمؤثر. بل على العكس من ذلك، فقد أشار واحد من كل 5 مستثمرين شاركوا في الاستقصاء إلى أن تجربته مع الجائحة أدت إلى ازدياد اهتمامه بالاستثمار المستدام.

ولكن إذا أراد المستثمرون مضاعفة الأموال المتدفقة إلى الاستثمار المستدام، فيجب ألا يكتفوا بمضاعفة المبالغ التي يضخونها في هذه الاستثمارات.  وقد أثبتت تجربتنا التي خضناها بوصفنا مقدمَين للمنح ومستثمرَين وناشطَين أن نمو القطاع الاستثماري على المستوى المطلوب يستلزم دخول المستثمر في شراكة مع "حلالي المشاكل"، أي أولئك الأشخاص والمؤسسات المهتمة بالمشكلات البيئية والاجتماعية التي يريد المستثمرون المستدامون الإسهام في حلها. إذ لا يصح أن ننتظر من المستثمرين أنفسهم امتلاك الخبرة اللازمة في الموضوعات الاجتماعية والبيئية، مثل الترميم البيئي أو تمكين الأقليات أو حقوق الإنسان، ولكن ننتظر منهم التكاتف مع الهيئات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والشركات والنشطاء حتى يتمكنوا من التوصل معاً إلى فهم مشترك لقضايا السوق، وتصميم منتجات استثمارية من الجيل التالي، وإنشاء أعمال تجارية ذات جدوى اقتصادية، وتعزيز أداء تلك الشركات.

فهم الأثر الاقتصادي لأهداف البيئة والمجتمع والحوكمة

لقد تسبب الإنسان في انقراض أربعة أخماس الثدييات البرية على وجه الأرض وتدمير ثلثي البيئات البحرية. تبدو هذه الآثار كارثية على البيئة. ولكن ما علاقة التنوع البيولوجي الغني والنظم البيئية الصحية بالمحافظ الاستثمارية؟ يواجه المستثمرون عوامل جديدة لم يألفوها من قبل، ولكنها تؤثر بشدة على القيمة المضافة والمخاطر المحتملة، بدايةً من التنوع البيولوجي وصولاً إلى العدالة العرقية، لذا يجب أن يمتلكوا القدرة على تحديد هذه العوامل وقياسها والتعرّف على أثرها على قيمة استثماراتهم.

وقد تم تشكيل "فريق العمل للإفصاح المالي المتعلق بالطبيعة" (TNFD) عام 2020 للعمل مع المستثمرين لمواجهة هذه التحديات بقيادة 4 منظمات غير ربحية، وعلى رأسها "الصندوق العالمي للطبيعة" ("الصندوق العالمي للحياة البرية" سابقاً) و"غلوبال كانوبي" (Global Canopy)، وهي مؤسسة فكرية تعتمد على البيانات. وتهدف المبادرة إلى تطوير إطار عمل لقياس مخاطر الأنشطة الاقتصادية ومنافعها وآثارها على التنوع البيولوجي. وقد انضمت أكثر من 70 مؤسسة من القطاعين الخاص والعام إلى هذه المبادرة حتى الآن، بما في ذلك المؤسسات المالية الرائدة التي تتولى إدارة تريليونات الدولارات مثل "سيتي بنك" و"بنك كريدي سويس" و"أكسا" (AXA) و"بنك بي إن بي باريبا". يدرك هؤلاء المستثمرون أن الشراكة مع حلالي المشاكل الملتزمين بهذه القضايا والاطلاع على بياناتهم والتعرف على رؤاهم هي أفضل فرصة لاستكشاف علاقة "رأس المال الطبيعي" بمحافظهم الاستثمارية.

المشاركة في إعداد الجيل التالي من أدوات الاستثمار

يجدر بنا ألا ننظر إلى المستقبل باعتباره عالماً تأخذنا إليه أرجلنا، بل هو عالم نصنعه بأيدينا. وتنطبق القاعدة ذاتها على الاستثمار المستدام والمؤثر. ويستلزم هذا في كثير من الحالات تحديد وإنشاء أسواق جديدة بحيث يمكن تحويلها إلى منتجات استثمارية مربحة وتداولها. ومن النادر أن يضطلع المستثمرون وحدهم بمسؤوليات هذا الابتكار. فهو عمل يتطلب المشاركة مع حلالي المشاكل.

وقد بدأ صندوق "بنشن دنمارك" (الذي يدير أصولاً بقيمة 41 مليار دولار) الاستثمار المستدام عام 2010 إثر دخوله في شراكة مع شركة "أورستيد" (Ørsted) الدنماركية للطاقة (المعروفة سابقاً باسم "دانيش أويل آند غاز" Danish Oil and Gas) للاستثمار في البنية التحتية للطاقة المتجددة. كانت "أورستيد" قد شرعت آنذاك في تنفيذ استراتيجية للتحول من شركة تعمل بالوقود الأحفوري إلى شركة للطاقة النظيفة. وهو ما أوضحه الرئيس التنفيذي للصندوق حينما قال لنا: "كانوا يحتاجون إلى شركاء ماليين بسبب الضغوط المالية في أعقاب الأزمة المالية (2008)، وكنا بحاجة إلى الاستفادة من الأصول التي يمكن أن توفر عائداً أكثر استقراراً [من] أسواق الأسهم وأسواق السندات التقليدية".

وقد تضمّن هيكل المشروع الاستثماري المشترك حلاً مبتكراً لتخفيف المخاطر. ووقّع الشريكان على اتفاقية لتقاسم الأرباح يتلقى بموجبها صندوق "بنشن دنمارك" دعماً مالياً للأسعار، ما يوفر للصندوق الحد الأدنى للعائد المطلوب إذا انخفض سعر الكهرباء إلى ما دون حد معين. وتتلقى شركة "أورستيد" في المقابل حصة أكبر من الأرباح إذا ارتفع السعر فوق مستوى معين. علاوة على ذلك، ونظراً لعدم استعداد صندوق "بنشن دنمارك" لتحمل مخاطر البناء، فقد تم اعتبار استثمارات الصندوق في مرحلة البناء قرضاً واجب السداد، ثم تتحول إلى حصة في ملكية المشروع بعد عمل مزرعة الرياح بكامل طاقتها. ومنذ ذلك الحين، كرر الصندوق هذا النموذج في الكثير من استثماراته في مشاريع الطاقة المتجددة خلال العقد الماضي.

تهيئة المشاريع والشركات للحصول على التمويل

كان "صندوق مكافحة تدهور الأراضي" (LDN Fund) عام 2016 مجرد فكرة لنموذج استثماري يوجه رأس المال الاستثماري إلى عدد من البرامج في أميركا اللاتينية وآسيا وإفريقيا لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، بالتوازي مع تحقيق الربح للمستثمرين. لقد كانت خطة طموحة، ليس فقط بسبب فداحة المشكلة الناجمة عن تدهور أكثر من 70% من مساحة الأراضي الزراعية المعرضة للجفاف، وفقدان أراض بمساحة 12 مليون هكتار (ما يعادل مساحة بلغاريا أو بنين) كل عام، ولكن أيضاً بسبب محدودية محفظة المشاريع التي يمكن أن يستثمر فيها صندوق متخصص في مكافحة تدهور الأراضي.

كانت هذه فرصة مواتية لشركة "ميروفا" (Mirova) المتخصصة في إدارة الأصول والتي أسست الصندوق، فلم تتوان عن انتهازها ودخلت في شراكة مع منظمة "آي دي آتش سستينابول تريد إنشيتف" (IDH Sustainable Trade Initiative) غير الربحية من أجل توفير مرشحين للاستثمار.

ومن أحد الأمثلة على هذه الاستثمارات شركة "ماونتين هيزلنوت" (Mountain Hazelnut) الواقعة في بوتان والمتخصصة في زراعة أشجار البندق وتوزيعها على آلاف المزارعين الذين يغرسون الشتلات بدورهم في الأراضي المتدهورة (من خلال اتباع ممارسات زراعية تقلل من التعرية وتثبت منحدرات التلال)، ومن ثم يجنون البندق ويبيعونه، ثم يعيدون بيعه مرة أخرى بسعر متفق عليه للشركة التي تبيعه بدورها في السوق. تعمل منظمة "آي دي آتش" مباشرة مع المزارعين لتوعيتهم وتقديم يد العون لهم في الزراعة المستدامة. ونظراً لأن هذا العمل ممول بمِنَح من "الوكالة الفرنسية للتنمية" (Agence Française de Développement) و"صندوق البيئة العالمي" (Global Environment Facility)، فإنه لا يضاف إلى تكاليف تشغيل "صندوق مكافحة تدهور الأراضي". واستطاع "صندوق مكافحة تدهور الأراضي" جمع 150 مليون دولار من المستثمرين حتى الآن، وخصص 60 مليون دولار لتنفيذ مشاريع شبيهة بمشروع شركة "ماونتين هيزلنوت".

إرشاد المستثمرين حول مكان وكيفية تأكيد التأثير

هناك رغبة جامحة من جانب المستثمرين والشركات لإجراء حوار صريح ومباشر خلف الكواليس من أجل فهم أفضل السبل المتاحة لإدارة المخاطر وتحقيق قيمة مضافة. ولكن الباب لا يزال مفتوحاً على مصراعيه أمام المنظمات غير الحكومية للإسهام بقوة في المناقشات المرتبطة بأهداف البيئة والمجتمع والحوكمة التي يفتقر فيها كل من المستثمرين والشركات إلى الخبرة الميدانية الواسعة.

ومن أبرز الأمثلة على هذه النوعية من العلاقات تلك الشراكة بين "بنك النرويج لإدارة الاستثمارات" (NBIM) المسؤول عن إدارة "صندوق الثروة السيادية النرويجي" بقيمة 1.2 تريليون دولار و"اليونيسيف" وشركات الملابس في محفظة أسهم "بنك النرويج لإدارة الاستثمارات".

فقد قررت "اليونيسيف" عام 2018 التعاون مع "بنك النرويج لإدارة الاستثمارات" لفهم سياسات وممارسات الشركات العالمية وتعزيزها من أجل الدفاع عن حقوق الأطفال (ليس فقط حقهم في التخلص من عمالة الأطفال، ولكن أيضاً حقوقهم كأطفال لموظفي المصانع وأفراد المجتمعات المحيطة بالمصانع والمزارع). ومن هذا المنطلق تواصل الشريكان مع مجموعة من الشركات لمناقشة تحديات القطاع وحلولها. وكان من بين الشركاء كل من شركة "أديداس أيه جي" أكبر شركة لتصنيع الملابس الرياضية في أوروبا، وشركة الملابس السويدية الشهيرة "آتش آند إم"، ومجموعة "كيرينغ" (Kering) المالكة لشركة "إيف سان لوران" (Yves Saint Laurent).

استفادت "اليونيسيف" من نتائج أبحاثها حول تقييمات المصانع والمجتمع في فيتنام وبنغلاديش لتوسيع الحوار حول الإجراءات التي تستطيع الشركات اتخاذها لدعم حقوق الأطفال والأحوال الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، سلط بحثها الضوء على الآثار الإيجابية للأجور المعيشية وظروف العمل والمعيشة المناسبة للآباء على نتائج تعليم الأطفال، وأثر سياسات إجازة الأمومة والرضاعة على النتائج الصحية للأطفال. وبعد مشاركة الشبكة لمدة عامين كاملين، أصدر "بنك النرويج لإدارة الاستثمارات" واليونيسيف تقريراً عام 2020 عن حقوق الأطفال في قطاعات الملابس والأحذية و"دليل التوقعات" لمحفظة الشركات بالبنك حول كيفية دعمها.

لقد باتت أصول الاستثمار المستدامة والمؤثرة جزءاً لا يتجزأ من الكثير من المحافظ الاستثمارية للمستثمرين. فعلى سبيل المثال، يتم استثمار دولار واحد من كل 3 دولارات في الولايات المتحدة تحت بند الإدارة المهنية باستخدام استراتيجية مستدامة. وغدت أنواع الاستثمارات المشار إليها ها هنا تخضع لتحليلات صارمة نتيجة تضافر جهود المستثمرين وحلالي المشكلات، حيث يستخدم كل جانب منهما مهاراته وموارده الفريدة بطرق إبداعية. وسيؤدي تعاونهما المتواصل إلى الحفاظ على الزخم وتسريع تدفق الأموال مع تحقيق الأرباح وتوفير الحماية للكوكب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي