كيف تعمل تحت إشراف مدير مدمن للعمل؟

7 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو أن بعض الأشخاص لا يحصلون على كفايتهم من العمل، فتراهم يمكثون في المكتب لساعات متأخرة ويراجعون بريدهم الإلكتروني طوال الوقت، حتى أنهم يخصصون وقتاً للعمل في عطلات نهاية الأسبوع. إذا كنت تعمل تحت إشراف مدير مدمن للعمل، تُرى هل عليك تقليده في ذلك؟ كيف يمكنك تحديد التوقعات والحدود السليمة في العمل؟ ما الذي يمكن أن تفعله كي لا تبدو متكاسلاً بالمقارنة به؟

ما الذي يقوله الخبراء؟

تقول ليندا هيل، أستاذ في كلية هارفارد للأعمال ومؤلفة مشاركة لكتاب “أن تكون رئيساً” (Being the Boss): في بعض الحالات “يمكن أن يكون العمل مع مدير يسعى إلى إنجاز المهمات ويملك الحاجة لذلك أمراً محفزاً”. ولكن عندما يكون المدير الذي يتصف بالقدرة على الإنجاز مهووساً بالمكتب ومدمن عمل ولا ينفصل عن هاتفه الآيفون، يصبح الأمر على النقيض من ذلك. “ما لم يوجد التوازن وما لم يقدم مديرك الدعم والعمل الذي تحقق مغزى منه، فإن احتمالات تعرضك للاحتراق الوظيفي ستكون مرتفعة جداً”. تقول نانسي روثبارد، أستاذة كرسي ديفيد بوتروك للإدارة في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا: “إن أكثر ما يقلق الناس في هذا النوع من المواقف هو غياب الحدود”. عندما يترأسك مدير مدمن عمل ومهوس به، فإن العمل فجأة “يتشعب في كل جزء من حياتك وهو أمر شاق للغاية”. وسواء كان مديرك يلقي عليك مهمات أكثر من اللازم أو يريد اتصالاً مباشراً بشكل دائم أو لديه توقعات غير منطقية بشأن الاستجابة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع أو كل ما سبق فإليك بعض النصائح حول كيفية التعامل مع الأمر.

ضع في اعتبارك وجهة نظر مديرك

تنصح هيل قائلة: قبل أن تتوصل لاستنتاج مفاده إنك تعمل تحت إمرة شخص يبالغ في تحميلك الأعباء قهرياً “عليك أن تمهل نفسك بعض الوقت لتضع نفسك في مكان مديرك”. انظر للظروف المهنية الخاصة بمديرك واسأل نفسك: “ما هي الضغوط التي يتعرض لها؟”، و”هل المواعيد النهائية التي وضعت له غير واقعية؟”، و”هل المؤسسة شديدة الرشاقة؟”. كذلك قم بالتفكير في أولوياته واسأل “ما الذي يدفع هذا الشخص إلى ذلك؟” سوف تساعدك الإجابة عن هذه الأسئلة على التعامل مع مديرك “بقدر أكبر من العمق والتفهم وقدر أقل من المشاعر”. تقول روثبارد: قد يكون مديرك “غير مدرك لحقيقة أنه يضغط عليك”.

تأمل المشكلة

تقول هيل: يجب عليك أن تحدد سبب شعورك بالإحباط لتتمكن من البدء في التفكير في العلاجات الممكنة ابدأ “بتشخيص ما يثير جنونك. هل كم العمل غير منطقي وغير مقبول؟ هل هو طابع الإلحاح والاستعجال؟ هل هي التوقعات غير الواقعية بالوصول للكمال؟”. توصي روثبارد بالتفكير في تفضيلاتك وميولك فيما يخص العمل بهدف تضييق بؤرة تركيزك على الأمر الذي يسبب لك الضيق الأكبر. اسأل نفسك عن ساعات النهار التي تكون فيها أعلى إنتاجية والتي تحتاج فيها لراحة وكيف تريد تمضية عطلات نهاية الأسبوع. تقول هيل: “فكر في نفسك من حيث قيمتك وكيف تعمل”. “إن معرفتك بتلك الأمور عن نفسك سوف تساعدك في تحديد الحلول”. وفي النهاية تقول روثبارد: “أنت لا تستطيع أن تشكو لمديرك فحسب”. يجب عليك أن تقدم بدائل تلبي هدفك المشترك المتعلق بالإنتاجية والجودة العالية”.

تحدث مع مديرك

حتى عندما تدرك كل من المشكلة المحددة والحلول الواضحة لن يكون من السهل عليك فتح الموضوع مع مديرك. تقول هيل: “الخوف هو أن يظن مديرك أنك كسول أو غير ملتزم أو أقل انخراطاً في العمل” لذلك أنت بحاجة لصياغة المحادثة حولك: كيف تفضل أن ترتب يوم العمل الخاص بك وكيف ومتى تحقق أفضل أداء. وتقول: إن هدفك هو وضع حدود “تخلق الظروف المناسبة لنجاحك”. على سبيل المثال:

إذا كان مديرك يميل إلى إرسال رسائل بالبريد الإلكتروني في ساعات متأخرة من الليل (ويتوقع ردوداً فورية) تقترح روثبارد عليك أن تقول شيئاً مثل “من الصعب عليّ الرد على رسائل البريد الإلكتروني التي ترد إليّ بعد موعد معين فهذا وقت نومي، ولكي أحقق أعلى أداء في عملي، يجب أن أنام مبكراً. أنا ارغب في التوصل لحل يحقق هدفنا بالعمل المنتج والفعال”. وعلى سبيل المثال وفقاً لهيل يمكنك أن تطلب من مديرك أن “يرسل إليك رسالة نصية عندما يكون الأمر ملحاً جداً” كي يدرك أنه يستطيع جذب اهتمامك خارج ساعات العمل. تقول هيل: قدم هذا العرض “سعياً وراء محاولة التكيف مع طريقته في العمل”.

وتقترح هيل إذا كانت لديك صعوبة فيما يخص كمية العمل الكبيرة يمكنك أن تسأل مديرك أن تجتمعا معاً مرة أسبوعياً لترتيب أولوية المهمات والمشروعات التي تعتبر الأهم. وهذا يمنحكما سوياً فهماً أفضل لما يمكنكما توقعه. وتقول: من المفيد أن تشرح “المطالب المهنية التي تواجهها في روتينك اليومي وخاصة إذا كنت تعمل مع أشخاص آخرين”. “اعرض على مديرك جدول مواعيدك ” بحيث يمكنه أن يفهم العبء الكامل للعمل الذي تحمله.

إذا كان مديرك يريدك أن توفر من وقت التفاعل المباشر وجهاً لوجه في المكتب فراجع إمكانية التوصل لفهم مشترك حيال ساعات العمل الرسمية الخاصة بك. تقترح هيل سؤال مديرك: “متى تريدني أن أحضر هنا؟” بالطبع قد تكون الإجابة غير ما ترغب في سماعه. فإذا أخبرك مديرك أنه يود أن تظل حتى الساعة السادسة مساء كل يوم في حين أنه يجب عليك أخذ ابنك من الحضانة في الساعة الخامسة فمن الواضح أنه لا يمكن تحقيق مطالبه. ولكن على الأقل يمنحك ذلك نقطة انطلاق نحو حل وسط ممكن.

تقول هيل: إذا افترض مديرك أنه يستطيع مقاطعتك في أي وقت وكان هذا “يؤثر في طريقة أداء عملك” يجب عليك أن تقول “أن الأعباء اشتدت عليك”. يوجد كم متزايد من الأبحاث التي تشير إلى أن “العمل المستمر” يضر بالنتائج. “إذا كانت المهمة أو المشروع الذي تعمل عليه يتطلب الكثير من التفكير الإبداعي فمن الممكن أن تطلب مزيداً من الوقت للإعداد”.

قم بعملك بشكل جيد ولكن اهتم بنفسك.

بعد انتهاء المحادثة من المهم أن تظهر لمديرك أنك ما زلت عضواً متفانياً في الفريق. تقول روثبارد: إذا كنت موظفاً صاحب أداء مرتفع “فإن لديك الكثير من الفرص للتكيف” والمرونة. لا يستطيع مديرك مدمن العمل أن يشكو من أخلاقيات العمل لديك إذا كنت تحقق نتائج وتلبي التزاماتك. ومع قول هذا لا توجد فائدة من وراء إجهاد نفسك أكثر من اللازم على حساب حياتك الشخصية. تقول روثبارد “عندما يكون لديك مدير مدمن عمل فإن نزاعات حياتك العملية سوف تصير أكثر وضوحاً”، لذا من المهم أن تضع صحتك الانفعالية والبدنية على قمة أولوياتك. ومن المهم أن تحصل على تغذية جيدة وتمارس التمرينات الرياضية وتحصل على نوم وفير.

تحرك للأمام

إذا لم يتغير أي شيء بعد إجراء الحوار مع مديرك قد يكون هذا الأمر إشارة على أنك سوف تكون تعيساً على الدوام بعملك تحت إدارة هذا الشخص. تقول روثبارد: “يجب أن يتكيف الجانبان، لذا امنح الموضوع بعض الوقت”، “لكن إذا كنت تستشعر أن هذا الشخص غير قادر على التغيير بشكل كاف، فقد تكون المشكلة هي مشكلة توافق، وقد تعني أنك تحتاج للانتقال إلى وظيفة أخرى أو أن هذا هو وقت البحث عن وظيفة جديدة”. تتجلى أكبر المجازفات المهنية التي تخوضها عندما تعمل لدى مدير مدمن عمل لأن ذلك يقتل شغفك بوظيفتك.

مبادئ عليك تذكرها

ما ينبغي عليك فعله

تعاطف مع مديرك. التعاطف سوف يساعدك على مقاربة الموقف بمزيد من التفكير وقدر أقل من العاطفة.

إجراء حوار مع مديرك حول نمط العمل المفضل لديك وكيف تحقق أقصى إنتاجية.

حاول أداء وظيفتك بشكل جيد طالما أنك تعمل بمستوى أداء عالٍ، فإن إدمان مديرك للعمل لن يمثل لك مشكلة.

ما ينبغي عليك تجنبه

لا تفترض أن مديرك يعرف أنه يزيد حمل العمل عليك. اعرض جدول مواعيدك على مديرك كي تجعله يتفهم متطلباتك اليومية.

لا تقم بالشكوى فقط. بدلاً من ذلك، توجه لمديرك بحلول تحقق أهدافكما المشتركة بجودة عالية.

لا تبق مع مدير مدمن للعمل لفترة أطول مما يجب عليك. إذ أبدى عدم استعداده للتغيير والتكيف، تحرك أنت للأمام.

دراسة حالة رقم 1: ضع مخططاً لمعاييرك وأولوياتك.

ليس لدى جيري ديفيد، الذي يعمل موظفاً إدارياً في شركة “بوكا راتون” في ولاية فلوريدا الأميركية، ذكريات جيدة عن العمل لدى مديره السابق ستيف (تم تغيير الاسم). يقول جيري متذكراً: “كانت هناك مكالمات هاتفية متأخرة ليلاً ورسائل بريد إلكتروني طوال عطلة نهاية الأسبوع”. “أما في المكتب فقد كان يضع أعباء متزايدة عليّ وكان لديه توقعات غير واقعية”.

لم يكن جيري مجرد نكرة في المؤسسة بل كان أحد مدراء الإدارة العليا. يقول: “كان ستيف هو مالك الشركة وقد كان مديري المباشر” “أنا أتذكر أنني كنت أفكر أنني لا أريد أن أصير مثله أبداً”.

كان جيري تعيساً ولكنه لم يقل أي شيء لستيف بشكل مباشر. ولكنه فكر في الضغوط التي يتعرض لها مديره. يقول جيري: “لقد حقق نجاحاً باهراً في مرحلة سابقة من حياته المهنية، وهو الآن يقوم بمشروع جديد خارج نطاق خبرته ومنطقة الراحة الخاصة به” “لقد وقع في فخ إدمان العمل لأنه افتقر للثقة بالنفس فيما كان يقوم به”. لم يرغب أن يراه الناس كشخص لا يملك سوى مهارة واحدة وقد فهمت هذا”.

في ذلك الوقت أصر جيري على أن يضع قواعد أساسية بحيث تتوقف مطالب ستيف عن اقتحام حياته الشخصية. “أنا لم أنوي تغيير عاداته مطلقاً، لذا فقد عرّفته على أولوياتي وعلى المعايير التي أتبعها عند قيامي بالعمل بحيث يعرف ما الذي يمكنه توقعه”.

في البداية وضح جيري فلسفته الخاصة بالعمل، ويتذكر جيري: “لقد قلت له أنا أمنحك 110% طوال 5 أيام في الأسبوع وأنا أعمل بذكاء وأنا واثق من نتائجي”. “أردت أن أزرع في ذهنه أنه كان يحصل على كل ما يمكنه الحصول عليه مني”. (لقد ساعده ذلك بالطبع حيث كان جيري صاحب أداء فائق).

وبعد هذا قام جيري بشرح أولوياته. “أخبرته أنني أود أن أقضي الوقت في عطلة نهاية الأسبوع مع زوجتي وابني”.

لقد استغرق ستيف بعض الوقت كي “يستوعب ويحترم” الرسالة بشكل كامل ولكن في النهاية طور الاثنان علاقة عمل وصداقة قوية.

اليوم ستيف هو الرئيس التنفيذي في شركة المشروبات الصحية “سليسيوس” (Celsius). وهو يعترف أنه يظهر في هذه الوظيفة بعض الميول لإدمان العمل، حيث يقضي 12 ساعة يومياً في المكتب ثم يقضي وقتاً طويلاً على الحاسوب ليلاً. ويقول: “لكنني لا أتوقع أن يكون أي شخص هنا مثلي”.

دراسة حالة رقم 2: تعاطف مع مديرك لكن احرص على وضع حدود بينكما

كولين بوفيت، مدير تسويق في شركة “إنبلوغ” (Enplug) وهي شركة تقنية ناشئة تقع في كولفر سيتي بولاية كاليفورنيا، وهو يعيش ويعمل مع فريقه الذي يشمل مديره نانزي ليو مؤسس “إنبلوغ” والذي كان -وفقاً لكولين- مدمن عمل من الدرجة الأولى”.

في البداية وجد كولين أنه من الشاق عليه العمل على مقربة من نانزي وتحت إدارته بشكل مباشر، حيث كانوا يقضون وقتاً طويلاً ويتحدثون حول العمل بعد مغادرة المكتب.

وسرعان ما بدأ بالرغم من ذلك أن يتفهم سبب انغماس نانزي الشديد في العمل. “في البدايات يبدو كل شيء ملحاً وغالباً ما تشعر بحاجة للقيام بكل شيء بنفسك لضمان فعله بشكل سليم”. وهذا يعني قضاء أيام طويلة في العمل”.

وفي النهاية ونتيجة لأنه كان متحمساً جداً حول المنتج (برمجيات للشاشات الرقمية للشركات) قرر هو أيضاً تبني ثقافة إدمان العمل”. ولم يعد يتوقع أن يغادر المكتب في الساعة السادسة مساءً (وهو أمر كان يقوم به في أيامه الأولى وما زال يقوم به بعد عامين وهو أمر كان يثير سخرية زملائه)، ولكنه وضع بعض الحدود. وهو يقوم بركوب الدراجة صباح كل يوم تقريباً قبل العمل ونادراً ما يراجع رسائل البريد الإلكتروني في عطلة نهاية الأسبوع.

وهو يشرح هذا قائلاً: “لطاما كان لدى إنبلوغ ساعات عمل مرنة بشرط أن تنجز عملك لذا عندما استقريت هناك بعد أشهر قليلة شعرت بالراحة للعمل وفقاً لجدول المواعيد الخاص بي”. كما أنه يشعر بالراحة للمزاح مع زملائه في حالة الضغط لمواكبة زيادة الإنتاج مع تزايد الطلب. “نحن نمزح حول الفجوة الزمنية الخاصة بشركة “إنبلوغ” عندما نفقد الإحساس بالزمان ولا نعرف في أي ساعة أو يوم أو أسبوع نحن”.

واليوم، يقول كولين أنه يرى فوائد من إعادة ضبط إيقاع عمله كي يتسق أكثر مع إيقاع عمل نانزي. ويفسر ذلك قائلاً: “لقد تمكنت من العمل والنمو بشكل أسرع مما كنت أظنه ممكناً”. “وترقيت في عام ونصف من مجرد مندوب مبيعات من مستوى منخفض لأصبح مدير التسويق”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .