هل انتهى عصر ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز)؟

5 دقائق
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز)
فريق عمل "هارفارد بزنس ريفيو"/"بورازين" (Burazin)/ أولغا كورباتوفا/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: مكّنت ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) الشركات منذ فترة طويلة من تتبع نشاط الويب الخاص بزبائنها، ومن ثم استخدام تلك البيانات لإضفاء الطابع الشخصي على الإعلانات وعروض المنتجات. من جهة أخرى، تطرح ملفات تعريف الارتباط (المعروفة باسم كوكيز) مشكلات خطيرة عندما يتعلق الأمر بالخصوصية، وقد بدأت الجهات التنظيمية وقادة التكنولوجيا على حد سواء في اتخاذ إجراءات صارمة في ذلك الصدد. وذلك هو السبب الذي دفع العديد من الشركات إلى اتخاذ نهج جديد لجمع معلومات الزبائن والاستفادة منها: نهج “بيانات الطرف صفر” أو البيانات الطوعية (zero-party data). تشير بيانات الطرف صفر إلى المعلومات التي يشاركها المستهلكون بشكل استباقي من خلال آليات، مثل استطلاعات الرأي وعروض الجوائز وقصص وسائل التواصل الاجتماعي التفاعلية، على عكس بيانات الطرف الثالث التي يجري جمعها بشكل سلبي بواسطة ملفات تعريف الارتباط. يتيح ذلك النهج للمستهلكين الاحتفاظ بالسيطرة على بياناتهم وعلى ومدى ظهورها، كما أنه يمكّن الشركات من إضفاء طابع شخصي أكثر فاعلية. بشكل عام، يرى المؤلف بأن بيانات الرقم صفر ليست مجرد طريقة جديدة لنشر الإعلانات الموجهة أو حملات البريد الإلكتروني، بل ينطوي الهدف منها على تغيير كيفية تفاعل الشركات مع أصحاب المصلحة الأكثر قيمة، ألا وهم الزبائن.

 

استخدمت الشركات على مدى سنوات ملفات تعريف الارتباط لمراقبة سلوك المستهلكين عبر الإنترنت، وهي عبارة عن ملفات نصية صغيرة مخزنة على المتصفح تتعقب زيارات مواقع الويب. قد توفر ملفات تعريف الارتباط بيانات غنية تساعد العلامات التجارية في تكوين صورة أفضل عن زبائنها وتمكّنهم من استهداف هؤلاء الزبائن بعروض أكثر صلة. لكن قد ينطوي ذلك التخصيص على جوانب سلبية، إذ يتزايد قلق المستهلكين اليوم بشأن هوية الجهات التي تجمع تلك البيانات، ومقدار ما يجري تتبعه من سلوكياتهم، وما تفعله الشركات بتلك المعلومات بالفعل، والأطراف التي تبيع تلك البيانات لها.

في الواقع، وجد تقرير حديث لمركز “بيو” للأبحاث (Pew) أن 79% من الأميركيين قلقون بشأن الطريقة التي تستخدم بها الشركات بياناتهم. كما يلجأ 41% من المستهلكين الأميركيين إلى حذف ملفات تعريف الارتباط بانتظام، في حين قام 30% منهم بتثبيت تطبيقات تحجب الإعلانات. وبالطبع، انعكس انعدام الثقة المتزايد ذلك على إصدار مزيد من القوانين الحكومية. ويتمثّل أحد أهم القوانين المعروفة التي تستهدف ملفات تعريف الارتباط في اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) لعام 2018، التي وسّعت بشكل كبير متطلبات خصوصية البيانات في الاتحاد الأوروبي. وبدأ المنظمون الأوروبيون في الآونة الأخيرة نشر دعوات لفرض حظر كامل على الإعلانات الموجهة، كما سنّت ولايتا فرجينيا وكاليفورنيا قوانين خصوصية شاملة بالفعل، وأعلنت شركة “جوجل” عن خطط لإنهاء دعمها لملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية في متصفحها “جوجل كروم” بحلول عام 2022.

وبالتالي، أوشك عصر ملفات تعريف الارتباط على الاندثار. لكن لا يعني ذلك أنه يجب على الشركات التخلي عن نهج التخصيص، بل حان الوقت للتوصل إلى نهج جديد أفضل.

عصر البيانات المحايدة

ما الذي يتطلبه الأمر إذاً للاستفادة من مزايا الاستهداف المستند إلى البيانات دون الوقوع فريسة لقضايا الخصوصية (والعقبات التنظيمية المتزايدة) التي تحيط بملفات تعريف الارتباط؟ تكمن الإجابة في مفهوم يُعرف باسم بيانات الطرف صفر، فعلى عكس بيانات الطرف الثالث التي يجري جمعها بشكل سلبي من ملفات تعريف الارتباط واستخدامها من قبل الشركات للتوصل إلى استدلالات حول الشرائح السكانية الواسعة من الأفراد، تشير بيانات الطرف صفر إلى المعلومات التي يجري مشاركتها عن قصد وبشكل استباقي ومباشر من قبل المستهلكين الأفراد.

بمعنى آخر، بدأت العديد من العلامات التجارية استخدام آليات مثل استطلاعات الرأي والاختبارات والاستقصاءات أو قصص وسائل التواصل الاجتماعي التفاعلية لجمع بيانات اختيارية وعلنية توفر رؤى ثاقبة محددة للغاية حول تفضيلات المستهلكين. يحقق ذلك النوع من جمع البيانات النفع للطرفين، فهو يوفر للزبائن قدراً أكبر من السيطرة والشفافية فيما يتعلق بالبيانات التي يجري جمعها بالضبط، ويمنح الشركات إمكانية الوصول إلى معلومات أكثر فائدة تمكنهم من نشر عروض مخصصة بشكل أكثر فاعلية.

ومن المهم عند إعداد تلك الأنظمة أن تتذكر أن مشكلة ملفات تعريف الارتباط لم تتمثّل في التخصيص، وإنما في عدم احترام خصوصية المستهلك، وعلى نهج التخصيص الذي لم يقدم في الواقع معلومات مفيدة للزبون أو الشركة. بشكل عام، يتزايد اهتمام المستهلكين بالعروض المخصصة، وتتيح بيانات الطرف صفر إمكانية تقديم عروض مخصصة أفضل بكثير مما يمكن أن تقدمه ملفات تعريف الارتباط (دون مشكلات الخصوصية). في الواقع، وجد استطلاع أجري مؤخراً شمل أكثر من 5,000 مشارك عالمي زيادة بنسبة 33% على أساس سنوي في عدد المستهلكين المهتمين بالعروض المخصصة بين عامي 2020 و2021.

ويُسعد الزبائن بالفعل بتلقي الإعلانات وعروض المنتجات التي يجري مطابقتها بشكل فاعل مع احتياجاتهم، لكنهم لا يحبّذون من جهة أخرى أن يجري جمع بياناتهم بطريقة مبهمة وغير آمنة ومن ثم بيعها لمن يدفع أعلى سعر. في المقابل، تتيح بيانات الطرف صفر للزبائن التحكم في المعلومات التي يشاركونها والجهات التي يرغبون في مشاركتها معها، وهو ما يتيح شفافية أكبر وتخصيصاً أكثر فاعلية للمنتجات.

على سبيل المثال، بصفتي نائب رئيس المحتوى والبيانات لمنصة تسويق المؤسسات “تشيتا ديجيتال” (Cheetah Digital)، عملت مع شركة حوّلت نهجها من الإعلانات الموجهة التقليدية إلى استراتيجية بيانات الطرف صفر في أوائل عام 2018. أجرت تلك الشركة على مدار 3 سنوات أكثر من 300 استقصاء، ووصلت إلى 750,000 مشارك فريد وجمعت أكثر من 15 مليون نقطة بيانات. قدم المستهلكون طواعية معلومات حول المنتجات التي يرغبون في شرائها، وميزانياتهم لتلك المنتجات، والقنوات التي يفضلون شراء تلك المنتجات منها، والوقت الذي يفضلونه للشراء، ثم استفادت الشركة من مجموعة البيانات التفصيلية تلك لتطوير حملات بريد إلكتروني ورسائل نصية ديناميكية ومخصصة.

وحققت تلك الحملات معدلات قراءة أعلى من 50% ومعدلات نقر بهدف الشراء بلغت حوالي 20%، وهو ما يمثل زيادة قدرها 250% على معدلات القراءة و33% على معدلات النقر بهدف الشراء مقارنة بحملاتهم السابقة القائمة على ملفات تعريف الارتباط. كما استخدموا تلك البيانات لتحديد أكثر من 50 شريحة مختلفة من شرائح الزبائن لحملاتهم الإعلانية، وهو ما عزز معدلات المشاركة التي كانت في المتوسط أعلى بـ 5.7 مرات من الحملات التي تستخدم أدوات استهداف الاهتمامات التي طورتها شركتا “جوجل” و”فيسبوك” (الأدوات التي تستفيد بشكل أساسي من البيانات من ملفات تعريف الارتباط).

مستقبل اندماج الزبائن

أثبتت البيانات المحايدة فاعليتها اليوم، وأصبحت أكثر انتشاراً. ويتزايد بالفعل طلب المستهلكين على تجربة مستخدم أكثر شفافية وأماناً، كما تزداد التوقعات المرتبطة بالحصول على تجارب مخصصة للغاية. في الوقت نفسه، تجعل البيئة التنظيمية متزايدة الصرامة الوضع الراهن غير محتمل. وبما أن ملفات تعريف الارتباط في طريقها للاندثار، يتزايد استثمار خبراء التسويق الذين يرغبون في الحفاظ على شعبيتهم في نهج بيانات الطرف صفر.

في الواقع، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن شركة “فورستر” (Forrester)، سيتبنى واحد من كل 4 من مدراء التسويق إمكانات بيانات الطرف صفر بحلول نهاية عام 2021. وقد عملتُ بالفعل مع عدد لا يحصى من الشركات الكبيرة والصغيرة على حد سواء التي تحقق قفزات نوعية في ذلك الصدد، حيث أعادت تلك الشركات تنظيم حملاتها التسويقية للاستفادة من البيانات التفصيلية التي يوفرها الزبائن مجاناً بدلاً من الاعتماد على الاستهداف المستند إلى ملفات تعريف الارتباط.

قد يبدو ذلك بمثابة تحول تقني صغير، لكنه يمثل تغييراً فلسفياً رئيساً في كيفية تفكير الشركات في بيانات زبائنها. تتيح بيانات الطرف صفر للشركات إجراء تخصيص أفضل وتمنح المستخدم النهائي سيطرة أكبر على بياناته، في حين تعمل ملفات تعريف الارتباط في الخلفية، وتجمع المعلومات بشكل سلبي ليجري استخدامها بطرق غالباً ما تكون غير واضحة وعديمة المبدأ. بشكل عام، لا تُعتبر بيانات الطرف صفر مجرد طريقة جديدة لنشر الإعلانات الموجهة أو حملات البريد الإلكتروني، بل هي نهج جديد يحوّل كيفية تفاعل الشركات مع أصحاب المصلحة الأكثر قيمة، ألا وهم الزبائن (وكيفية إظهار الاحترام لهم).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .