يمكنك الحديث عن الابتكار دون اللجوء إلى العبارات المبتذلة

4 دقائق
اللجوء إلى العبارات المبتذلة
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو

يظل الكلام المبتذل جديداً ليوم واحد.

ولم تولد العبارات المبتذلة مبتذلة وإنما جاءت من الشعر، وكطريقة جديدة ومبتكرة في الحديث والتفكير والرؤية. على سبيل المثال، إن أول شخص أطلق التعبير الاصطلاحي الإنجليزي "kick the bucket" (يركل الدلو) بمعنى "يموت"، إنما كان بصدد فعل شيء كبير. فيقال مثلاً، My horse kicked the bucet أي أن حصاني قد مات.

وبعد ذلك جرى تداول التعبير على ألسنة بضعة أفراد. ولفترة قصيرة من الوقت، صار استخدام التعبير ممارسة طبيعية في الوعي اللغوي. وفي نهاية الأمر، لاحظ العموم أن شيئاً طريفاً بصدد الحدوث ومنذ هذا الوقت شاع استخدام المصطلح بمعنى (يموت). وقبل أن يمضي وقت طويل، فإن تلك العبارة البراقة والجذابة تحولت تماماً إلى "عبارة مبتذلة" بالنسبة لنا.

استخدام التعبيرات الاصطلاحية

إذا سبق لك أن استخدمت تعبيرات اصطلاحية مثل "raise the bar ـ أي رفع البار أو الساق المعلق في التمرين، ومعنى التعبير رفع المستوى أو وضع معايير عالية أو "زيادة التوقعات" أو أي عبارات مبتذلة أخرى كتلك التي تعوق انسياب الحوار بينك وبين من تتحدث إليه ـ وإذا كنت تستخدم الأمثال الشائعة بكثرة في حديثك، فإنك تعرف ما أرمي إليه. حتى أولئك الذين يشغلون أصغر زاوية من "منطقة" الابتكار سوف يستخدمون هذه المصطلحات في اللغة الإنجليزية عاجلاً أو آجلاً.

الشيء الذي ينبغي تذكره هنا أن العبارات المبتذلة تضعف مع مرور الوقت. وهي ما أسماها الكاتب الإنجليزي جورج أورويل اسم "الاستعارات الميتة"، في كتابه "السياسة واللغة الإنجليزية" (Politics and the English Language) الذي لا تنساه أي ذاكرة. هذا ما يرمي إليه الفيلسوف الألماني نيتشه عندما يقول "الحقائق" عبارة عن "أوهام نسي المرء أنها أوهام؛ استعارات بالية صارت عاجزة عن التأثير على الحواس؛ عملات معدنية لها وجه مطموس ولم تعد الآن تُحسب كعملة معدنية إنما يتم التعامل معها على إنها مجرد قطعة معدنية".

باختصار: لا يمكنك الحصول على الكثير من أي شيء تريده مستخدماً العبارات المبتذلة.

ولكن لسوء الحظ، هناك بضعة أشخاص في مجال الابتكار يرون إن بالإمكان ذلك. وفي كثير من الأحيان فإن رجال الأعمال المتميزين، والذين يعلمون كيفية توسيع الأفكار بنجاح، يتعرضون للخداع ويقعون في شرك التفكير بأن الزيادة في شعبية هذا المصطلح أو ذاك واستخدامه تدل على قوته. لماذا؟ ربما يرجع السبب في ذلك، حسبما يشير رائد الأعمال والمؤلف والناشط الإنساني الأميركي دان بالوتا إلى أن استخدام بعض مصطلحات معينة متجذر في عقدة الدونية. أو ربما يعود السبب في ذلك إلى أن مهارتهم في استخدام الكلمات لا تضاهي خبرتهم في تصميم المنتجات أو البرمجيات. أو أن هذا يعود إلى أنهم في حاجة ماسة إلى إقناع رؤسائهم، أو إقناع العموم، بفكرتهم، ويرون أن بعض الكلمات المجنونة والمثيرة سوف يكون لها تأثير السحر في ذلك. هناك شيء واحد مؤكد تماماً هنا: يفهم الكثير من الأشخاص ذوي العقول المبتكرة النجاح هنا على أنه مجرد لعبة أرقام. فبالنسبة لهم، إن العامل المهم هو عدد المستخدمين، وليس تفرد هؤلاء المستخدمين.

وهذه ليست الطريقة التي يمكننا التعامل بها مع اللغة. فالأمر مع اللغة يتعلق بالجودة، وإذا كانت مؤسستك ستتحدث بانتظام مع الجمهور عبر منصة الاتصالات المتاحة، فمن الأفضل لك أنت أو أي شخص يحظى بالقدرات اللغوية الأدبية في مؤسستك التعرف على هذا النطاق من المعرفة والتعامل معه. فالنجاح في مجال اللغة يقوم على التجديد وليس على كم أو حجم المفردات المستخدمة.

يمكن العثور على شعار جيد لبناء التجدد اللغوي في تعريف الشاعر والناقد الأميركي عزرا باوند للأدب بأنه: "الجديد الذي يظل جديداً". فأنت تريد الاستثمار في الكلمات التي ستحتفظ بقيمتها. فاستثماراتنا اللغوية هي عمل في منتهي الجدية إذا كان الأفراد والمؤسسات في واقع الأمر يتحدثون بها في الوقت الفعلي وفي كل الأوقات. إذا كنت تتحدث بكلمات مبتذلة محضة (كليشيهات)، فسيكون ذلك واضحاً وسيؤدي إلى تجاهل الأشخاص أو فقدان اهتمامهم بما تقول. وهذا يخلق عدم الاكتراث واللامبالاة – وهي أمور لا ترغب في حدوثها أو الوصول إليها.

مبادئ لئلا تكون كلماتنا قديمة

ومع ذلك، فإن هذا يبدو أيسر عند مجرد الحديث به من كتابته. قلة قليلة من الأشخاص يستطيعون وضع أعمال أدبية خالدة (وبالتأكيد لا يكون الأمر كذلك في كل مرة يجلسون فيها للكتابة والتغريد). ولكن -وهذا أمر في غاية الأهمية - يمكننا اتخاذ بعض الخطوات لضمان ألا تكون كلماتنا قديمة. سوف يكون من الجيد والنافع لنا أن نأخذ بعين الاعتبار مبدأين من مبادئ جورج أوريل في هذا الصدد:

1- "لا تستخدم أبداً استعارة أو تشبيهاً أو أي شكل من أشكال الكلام الذي اعتدت أن تراه مكتوباًً". فإذا كانت لغتك المجازية مألوفة، فتجاهلها ولا تكترث بها -واضغط على مفتاح الحذف لمحوها من ذاكرتك. يشعر معظم الناس بالرضا نوعاً ما عندما يسمحون لكل ما هو مألوف أن يستقر في اللغة التي يستخدمونها. أما الكتّاب الجيدون فيرفضون أن يكونوا مجاملين للغاية في هذا الشأن. فبينما تراجع وتحرر كتاباتك، يتعين عليك الوقوف عند أي تعابير مبتذلة والبحث عن بدائل أصلية جيدة لها. لا يجب بعد الآن استعمال تعبير اصطلاحي مثل ("moving the needle" بمعنى الرغبة في إحداث أي تغيير في المواقف)، اتفقنا؟ لأن هذا التعبير المبتذل لا يحمل أي دلالة بعد عام 1952. هذا الأسلوب الانتقائي للتعبيرات من شأنه أن يكون غاية في المشقة، إلا إنه ربما يكون مفيداً للغاية ومحققاً للنجاح.

2- "لا تستخدم أبداً عبارة أجنبية، أو كلمة علمية، أو كلمة اصطلاحية متخصصة إذا كنت تستطيع التفكير فيما يعادلها في اللغة اليومية المستخدمة". نعم، في هذه المجموعة من النصائح، نجد جورج أورويل مشاكساً بعض الشيء في تعبيراته. ففي بعض الأحيان يمكن أن تكون العبارة الأجنبية هي الكلمة المناسبة تماماً أو كما نقول بالفرنسية "le mot juste". لكنه محق في رغبته في التخلي عن كل ما هو مصطلح والتخلص منه لصالح كل ما هو واضح وبسيط ومباشر. (لقد كان، في الواقع، يحذر من استخدام مصطلحات غريبة وشاذة لتبدو مثار إعجاب.) هل وصلت الفكرة يا قراصنة النمو "growth hackers"؟ يجب عليكم التحول بعيداً عن كل ما هو مبتذل ولا قيمة له والتخلي عنه في الحديث. عندما تتبنى ذلك النهج، فإن حديثك سيتحول في اتجاه الوضوح، وهو ـبصفة دائمة تقريباًـ الاتجاه الذي تريد لأحاديثك وحواراتك أن تتوجه إليه.

ولنأتي إلى لب الموضوع أيها المبدعون: عندما يتعلق الأمر بخلق كلمات مثيرة للاهتمام والانتباه، ونقصد بذلك الأمور التي تجذب جمهوراً كبيراً وتحظى باهتمامهم وثقتهم، يتعيّن عليكم اتباع نموذج خاص. يجب عليكم التحول إلى الأدب للنهل منه، وليس الإعلانات أو العلاقات العامة أو رسائل الشركات. إن الأدب يسترعي الانتباه تماماً لأن أولئك الذين يكتبونه يحرصون على جعل لغتهم جديدة قدر استطاعتهم. ولذلك فإنك إن حذوت حذوهم، فسوف يلاحظ الناس النغمة الأصلية والإنسانية الممتعة التي ستميز عملك - ولن يكون رد فعلهم تجاهك وردهم عليك بنفس طريقة استجابتهم للإعلانات، ولكن بالطريقة التي يستجيبون بها لقصائد شعرية وقصص ومسرحيات رائعة؛ أي رد يتسم بالامتنان. ويمكنك بناء حياة مهنية أو عمل أو مشروع جديد أو حتى خط إنتاج جديد اعتماداً على هذا الامتنان. يتعيّن عليك أن تفعل ذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي