يمكن أن يبدو القلق وكأنه سرب من الذباب الذي يطن داخل رأسك. فالأفكار التي تطاردك تسبب لك القلق، ومن أمثلة هذه الأفكار ما يلي:
أنت عالق في الزحام المروري بالشارع، وتشعر أنك لن تصل إلى المطار في الموعد المحدد للحاق برحلتك وتشعر أنك سوف تتخلف عن اجتماع مهم جداً. عندما تشعر أن العرض التقديمي الذي نفذته كان سيئاً ولن تتمكن من الاستحواذ على العميل الجديد. عندما تقول لنفسك ها هي فرصتك في الترقي قد ضاعت، وربما أتعرض لما هو أسوأ. عندما تقول لنفسك أنا أب مهمل أو أنا أم مهملة، أو أنا زوج غير متعاون أو أنا زوجة غير متعاونة. عندما تقول لنفسك أنا أمضي الكثير من الوقت في العمل، ومع ذلك ليس هذا بالقدر الكافي. لديك موعد لإنجاز أعمالك ويستحيل الوفاء به. بل ويصل الأمر لما هو أسوأ هناك مأدبة عشاء تنظمها الشركة ويجب أن أحضرها. أليست هناك طريقة للخروج من كل ذلك؟ أرى صورة مشوشة ومهلهلة في المرآة. صورة مشوشة لشخص بدين. أنت تتبع نظاماً غذائياً خاطئاً، تنام بطريقة خاطئة، لا تحصل على التمارين الرياضية الكافية. هل تدخر ما يكفيك لفترة التقاعد؟
لو كان بمقدورنا أن نطرد مثل هذه الأفكار من رؤسنا مثلما نهُشّ أسراب الحشرات المزعجة. أفاد "المعهد الوطني للصحة العقلية" (NIMH) أنه في أي فترة زمنية مدتها 12 شهراً، فإن أكثر من 18% من البالغين الأميركيين سيعانون من اضطراب القلق، وهو أحد أكثر أشكال الأمراض النفسية شيوعاً. حتى بالنسبة لأولئك الذين لا يرقى قلقهم إلى مستوى "الاضطراب"، يمكن أن تصبح الأفكار المثيرة للقلق كالصحبة غير المرغوب فيها والتي لا تفارقك تقريباً.
مقترحات للسيطرة على التوتر وإبعاده
بالطبع، ليس القلق بالأمر السيئ دائماً - أحياناً يكون كحجر السن، يشحذ الحواف والأنصال الحادة التي نحتاج إليها لتحسين أدائنا وتحقيق أهدافنا بنجاح. لكن ينبغي على من يعانون من الاضطرابات السعي للحصول على المساعدة من المختصين، ويمكن للجميع الاستفادة من بضعة أساليب بسيطة تساعد في إبقاء القلق عند مستوى يمكن التحكم فيه ويمكن جعله محفزاً للإنتاج. عندما أعمل مع زبائن في مجال التدريب، فإنني أقدم هذه المقترحات كطريقة للبدء منها:
ضرورة وضع هيكل تنظيمي
نحن لا نشعر بالارتياح ـ نعم، قلقين ـ ندور في الفراغ وفي اللاشيء. الفراغ بدون نظام، ويشمل الفراغ العقلي، من الممكن أن يبدو مجحفاً على نحو غريب. ولذلك ينبغي فرض بعض القواعد على هذه الفوضى: ابدأ بوضع قائمة. تسجل فيها ما يتعين عليك أن تفعله، مع خطة للقيام بهذه الأمور وإنجازها. ابدأ بالمهام التي لا تحبها أولاً واستكملها - لن يزيدك التسويف والتأجيل سوى قلقاً على قلق. إذا كانت مشكلتك أنه ليس لديك الكثير لتفعله، وإنما ما لديك قليل للغاية (وهو ما قد يكون أسوأ، بشكل أو بآخر)، ابحث عن أنشطة إضافية تبقيك مشغولاً وتجنب إطالة التفكير في الأمور السلبية.
قلل الضغوط الجسدية أو تخلص منها
نفس السلوكيات التي تكون جيدة بشكل عام لصحتنا تساعد أيضاً في تجنب القلق أو السيطرة عليه. عليك بوضع نظام يضمن لك النوم ساعات كافية. عليك شرب الكثير من الماء. عليك التقليل، أو التخلص، من تناول الكافين والكحول، وكلاهما معروف على أنه من مثيرات القلق. وعليك اتباع نظام غذائي جيد. تنشر مؤسسة "مايو كلينك" (Mayo Clinic)، وهي من أفضل مقدمي خدمات الرعاية الصحية، مقترحات ممتازة تتصل بالممارسات الغذائية التي يمكن أن تساعدك على الحفاظ على سلامك الداخلي. حدد بنفسك مسببات الأمراض الشخصية: السكر والبيتزا والشوكولاتة ومشروب كوكاكولا دايت، وابذل ما يلزم من جهد لتجنبها عندما تبدو بوادر القلق تطل برأسها عليك. كما أن تمارين التأمل والتنفس العميق يمكن أن تنقذك من القلق.
أضف التمارين الرياضية إلى روتينك المعتاد
ربما لا تكون رياضياً متميزاً من الطراز العالمي، ولكن التمارين الرياضية أداة تساعد على تحقيق أعلى أداء عقلي للجميع، وتوفر مقاومة للمعاناة والآلام النفسية. "لقد كشف العلم أيضاً عن بعض الدلائل التي تشير إلى أن الأشخاص الذين يتسمون بنشاطهم الجسدي تقل معدلات تعرضهم للقلق والاكتئاب والمعاناة مقارنة بالأشخاص الذين يميلون لقلة الحركة. من الممكن أن تعمل التمارين الرياضية على تحسين صحتك العقلية من خلال مساعدة المخ في التماشي مع التوتر والضغط الخارجي. في إحدى الدراسات، وجد الباحثون أن أولئك الذين كانوا يمارسون تمارين رياضية قوية منتظمة كانوا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب أو اضطراب القلق بنسبة 25%". المشي، وملاحظة العالم خارج مكتبك، واستنشاق بعض الهواء النقي ـ كل هذه وسائل رائعة لتخفيف الضغط في منتصف النهار.
اضبط خطواتك بنفسك
من المقبول الإبطاء بعض الشيء أحياناً. هناك حكمة تكمن في القصة القديمة التي تروى عن السلحفاة والأرنب، وكذلك في العبارات القديمة الشائعة مثل "ليس الأمر سباق هرولة قصير، إنما هو سباق ماراثون طويل". خذ فترة من الراحة. ليس بمقدور شخص واحد أن يفعل كل شيء، ولذلك لا بأس من أن ترفض الاضطلاع ببعض المهام أو الطلبات التي تفوق مخصصاتك من الوقت أو تفوق طاقتك والتي تعلم أنه لن يمكنك الوفاء بها دون وضع نفسك تحت ضغوط وتوترات لا داعي لها. رحّب بالأنشطة التي تساعدك على الاسترخاء ولا ترفضها: تناول الطعام مع أشخاص تحبهم، حاول الاستمتاع بحمام ساخن متأن دون عجلة، وحاول الاستماع إلى الموسيقى أو قراءة كتاب تحبه. نحن لا نعمل لمجرد تحقيق التقدم والترقي في وظائفنا؛ إنما نعمل في محاولة منا على تحسين نوعية الحياة التي نحياها. فكر في هذا الأمر كتدريب رياضي للفصل بين دورات العمل من أجل التعافي حتى تصبح أكثر قوة. يمكنك التبديل بين العمل الشاق والراحة لتصبح أكثر إنتاجية وأكثر مرونة.
والأهم من ذلك، ينبغي عليك تذكر أنه في حين أن التقنيات والهياكل التنظيمية مثل هذه يمكن أن تساعدنا في تنظيم الإنجازات، إلا أنها لا تمنحنا السيطرة على النتائج. يتطلب منّا التعامل مع القلق والتماشي معه أن تتخلى عن الأوهام من قبيل أننا نستطيع دائماً أن نكون مسيطرين بحيث نضمن تحقيق النتائج المرجوة. يقول عالم النفس الإكلينيكي، الدكتور جوزيف لوتشاني، مؤلف كتاب التوجيه الذاتي: البرنامج القوي لهزيمة القلق والاكتئاب (Self-Coaching: The Powerful Program to Beat Anxiety and Depression): "ليس من الطبيعي أن نحاول السيطرة على الحياة، كما أن تهيئة نفسك لخطر محتمل يخلق كلاً من التوتر النفسي والفيزيولوجي، وهو ما يستنزفنا ويؤدي بنا إلى القلق".
من المرجح أن يكون القلق من هذا النوع أو ذاك يطن في أذهاننا وعقولنا معظم أيامنا. بيد أن فكرة واحدة مقلقة أفضل من مجموعة أفكار مقلقة معاً. إن بعض هذه التقنيات يمكن أن تساعدنا في تقليل الطنين الذي يدور برؤوسنا.