يتوفر لدى نسبة 6% فقط من بين أعضاء مجالس الإدارة المشرفين على أكبر البنوك في العالم خبرات تكنولوجية. يُعدُّ هذا الرقم الوارد في تقرير "أكسنتشر" (Accenture) مفاجئاً نظراً لتزايد رقمنة مجال الخدمات المصرفية، لكن الخدمات المصرفية ليست المجال الوحيد الذي يتم رقمنته. تُحوِّل التكنولوجيا قواعد الأعمال وتُعيد تشكيل مجالات الأعمال في جميع القطاعات تقريباً. فماذا عن الخبير التكنولوجي في مجلس الإدارة؟
ما هو الدور الذي يجب أن يؤديه مجلس الإدارة في اتخاذ قرارات بشأن الاستثمارات التكنولوجية وبلّورة الأعمال في العصر الرقمي؟ وبالتحديد، ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لتعيين الأعضاء في مجلس إدارة الشركة؟
تعتمد إجابة السؤالين على عاملين، أولهما ما إذا كانت التكنولوجيا تُشكل عاملاً فارقاً استراتيجياً بالنسبة للأعمال، والثاني هو طبيعة مجال العمل وهيكل السوق الذي تعمل فيه الشركة. يُساعد هذان السؤالان في تحديد إلى أي حد يجب أن ينخرط مجلس الإدارة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتكنولوجيا المحورية، سواء كان ذلك من خلال وجود خبير تكنولوجي في مجلس الإدارة (منصب في مجلس الإدارة) أم من خلال الاعتماد على نصائح مستشار أم من خلال لجنة خارجية أم ببساطة من خلال تفويض المهام إلى الإدارة التنفيذية (الداخلية) في الشركة.
تُُملي كيفية وما إذا كان يجب تعيين خبير في مجال تكنولوجي ذي صلة في مجلس الإدارة كيف سيتلقى مجلس الإدارة ويفسر المعلومات التي يحتاجها لاتخاذ قرارات الأعمال المحورية مثل تخصيص رأسمال الأصول وتعيين الموظفين وتقييم المخاطر، وبالطبع كيف تُدمج التغيرات التكنولوجية في الأعمال في ساحة تتغير باستمرار.
مواكبة المستجدات أم إنشاء القيمة؟
يمكن تصوّر الحد التي تُميز فيه التكنولوجيا شركة ما عن منافسيها على شكل مقياس أداء متدرج. من ناحية، تضمن ابتكارات وتحسينات التكنولوجيا ببساطة أن تواكب الشركة المستجدات، ومن ناحية أخرى تُشكل التكنولوجيا مصدراً جوهرياً لإنشاء القيمة والتحسين.
إذا كانت التكنولوجيا تؤدي فقط مهمة إبقاء الشركة مواكبة للمستجدات، عندها غالباً لن يحتاج مجلس الإدارة إلى الانخراط بشكل فاعل في الإدارة اليومية لقرارات التكنولوجيا ويجب أن يُفوّض هذه المسؤولية إلى الإدارة التنفيذية. ولكن بالنسبة للشركات التي تستمد حصة مباشرة أو كبيرة من قيمتها المتأصلة من التكنولوجيا، ستحتاج إلى خبراء مستقلين متعمقين في فهم التكنولوجيا كدافع جوهري للقيمة المقدمة الأساسية لدى الشركة، ويعني ذلك أشخاص يمكنهم التحقق من توصيات الإدارة وتحدِيها.
بالفعل وبالنسبة للشركات التي تعتمد قيمتها الجوهرية واستمراريتها بشكل حاسم على اتخاذ قرارات تكنولوجية صحيحة، يجب غالباً أن تقع مسؤولية اتخاذ القرارات التكنولوجية مباشرة على عاتق مجلس الإدارة، والذي يمكن القول أنه يجب أن يحوي على الأقل عضواً واحداً متعمقاً ومتوسعاً في هذا المجال.
أهمية هيكل القطاع
يجب أيضاً أن يدخل هيكل القطاع الذي تعمل فيه الشركة في عملية تقييم مجلس الإدارة لتأثير التكنولوجيا. على سبيل المثال بالنسبة للشركات التي تعمل بموجب هيكل احتكاري، غالباً ما تؤدي التكنولوجيا دور التأكد من كفاءة العمليات بدلاً من تمييز الشركة. يمكن أن يتبنى مجلس الإدارة في مثل هذا السيناريو مُقاربةً حياديةً ويجب أن يقوم بتفويض القرارات المتعلقة بالتكنولوجيا إلى قيادة الشركة التنفيذية. والعكس صحيح للشركات التي تعمل في قطاعات تزيد فيها المنافسة الكاملة، والتي لديها كمٌ غير محدود من المورّدين والمستهلكين. يجب أن يكون لدى مجالس إدارة هذه الشركات أكبر قدر ممكن من الاطلاع على التحولات التكنولوجية وفهمها.
بالطبع ومثل معظم قرارات الأعمال، يُحدد السياق أجوبة الأسئلة حول أفضل طريقة لإضافة خبير تكنولوجي إلى مجلس إدارة شركة ما. ففي النهاية، معظم الشركات معقّدة ولا تعمل بموجب أحد أقصى حدّي المقياس الذي وصفته سابقاً. كذلك، مثلما يُمكن للشركات الاحتكارية أن تقرر القيام بتفويض مسؤوليات التكنولوجيا إذا اعتبرت التكنولوجيا مجرد أمر يُمكِّنها من مواكبة المستجدات كشركات الخدمات العامة، سترغب شركة احتكارية تعتبر التكنولوجيا عاملاً مميِزاً لها بأن تضمن أن يكون لديها الدراية الفنية على مستوى مجلس إدارتها، مثل شركات التكنولوجيا نفسها. على نفس المنوال، يُمكن لشركة تعمل في سوق تنافسي كامل ولكن تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا فقط لتواكب المستجدات أن تُفوّض هذه المسؤولية مع درجة كبيرة من الثقة بخيارها، مثل شركة تنقيب أو شركة غاز ونفط. ومع ذلك، بالنسبة للشركات العاملة في سوق تنافسي كامل تستمد فيه قيمة ملحوظة من التكنولوجيا والذي تتعرض فيه كذلك للمخاطر في حال كانت متأخرة في مجال التكنولوجيا مثل شركات الخدمات المالية، ستكون أفضل طريقة لها هي تعيين خبراء التكنولوجيا المستقلين مباشرة في مجلس الإدارة.
كيفية إدخال خبراء التكنولوجيا
بمجرد أن يتضح لمجلس الإدارة جواب السؤالين المحوريين السابقين، يمكنه أن يقرر بالتحديد كيف يجب عليه إدخال خبراء التكنولوجيا الجدد في مجلس الإدارة. يمكن بشكل عام الاختيار بين 3 خيارات تُغطي كامل نطاق انخراط مجلس الإدارة. ولكل خيار محاسن ومساوئ كالتالي:
يُفوّض مجلس الإدارة المهام المتعلقة بالتكنولوجيا إلى الإدارة
يوفر هذا الخيار ميزة إبقاء المسؤولية والخبرة التكنولوجية داخل الشركة لدى المدراء اليوميين الأكثر إلماماً بالأوجه التفصيلية والمميزة لما تقوم عليه الشركة من هيكل وعمليات وسمات تنافسية، وذلك بافتراض أن الإدارة العليا لا تقوم بنفسها بتفويض مهامها إلى استشاريين خارجيين ولا تستعين بمصادر خارجية. مع ذلك، ينطوي هذا البديل على خطر إفراط مجلس الإدارة في الاعتماد على الإدارة الداخلية ومحدودية قدرته على التحقق من معلومات الإدارة والتحدي فيها، وذلك بشكل خاص عندما تكون المعرفة المستقلة بالتكنولوجيا لدى مجلس الإدارة نفسه محدودة.
اعتماد مجلس الإدارة على مشورة مقدمة من شخص مستقل ولكن دون إنشاء منصب في مجلس الإدارة
في هذه الحالة، يلتمس مجلس الإدارة معرفته التكنولوجية بشكل خاص ويعتمد على أطراف ثالثة لتوفير وجهات نظر منتظمة وموضوعية حول توجّهات التكنولوجية وتأثيرها على الشركة. يمكن أن يكون الطرف الثالث استشارياً أو خبيراً خارجياً، أو قد يكون لجنةً مؤلفةً من خبراء تكنولوجيا مستقلين مسؤولين مباشرة وحصراً أمام مجلس الإدارة. تُعدّ هذه المقاربة خفيفة التأثير نسبياً وتنجح مثل الخيار الأول فقط إذا كان تأثير التكنولوجيا هامشياً على الشركة، وليس في صميم طريقة عمل الشركة وحصولها على الأرباح. والجانب السيئ لهذه المقاربة هو أنها قد تزيد انعدام الثقة وتتسبب باستياء وخلاف بين الدراية الفنية في الداخل وفي الخارج، ما يمكن بدوره أن يؤدي إلى تعقيد عملية اتخاذ مجلس الإدارة للقرارات. تتجسد مشكلة أخرى في أن الخبراء الخارجيين غالباً ما يقدمون مشورة عامة أكثر ممن يكون في داخل الشركة، وذلك لأنهم لا يفهمون الفروقات الدقيقة لسياق الأعمال المستقاة من الإشراف اليومي على الإدارة.
إنشاء مجلس الإدارة لمنصب خبير تكنولوجي
تُمكّن هذه المقاربة مجلس الإدارة من التمتع بإشراف وقدرة تحدي افتراضات الإدارة بشكل مباشر ومستقل وتُساعد أيضاً في ضمان أن تراعي استراتيجية الشركة توجّهات التكنولوجيا. يتمثل تحدي هذه المقاربة في العثور على مرشحين للتعيين في مجلس الإدارة ممن يتمتعون بالخبرة التكنولوجية التي تُحسن قرارات مجلس الإدارة، ولكن أيضاً ممن يتمتعون بمعرفة أوسع بالأعمال تُمكنهم من المساهمة في كامل نطاق حوارات مجلس الإدارة وقراراته. قد يصعُب العثور على مثل هؤلاء المرشحين. على مستوى أبسط، وبما أن مهارات التكنولوجيا تميل إلى أن تكون لدى الشباب، غالباً ما سيُجبرُ مجلس الإدارة في سعيه إلى تعيين خبير التكنولوجيا على مجابهة هياكله الراسخة على مستوى أعمق والتي تستلزم وجود خبرة تشغيلية تقليدية، وفترات خدمة في الشركات، ومتطلبات الحد الأدنى من العمر.
يُعدّ توظيف أعضاء مجالس إدارة الشركات للقيام بالأعمال العالمية تحدياً دائماً. لكن بالنسبة للشركات الكبرى في القرن الواحد والعشرين، يزداد تعقيد هذه المشكلة بفعل تحوّل التكنولوجيا. يجب أن تأخذ أي عملية فعّالة لتعيين الخبير التكنولوجي في مجلس الإدارة وأعضاء مجلس الإدارة عموماً في الاعتبار المسؤوليات الجوهرية الثلاث لدى أعضاء مجلس الإدارة، وهي تحديد استراتيجية الشركة، والإحلال الوظيفي، وتحديد الاتجاه العام من الأعلى مع تركيز خاص على حوكمة الشركة وثقافتها. في نهاية المطاف، يجب أن يسعى خبراء التكنولوجيا إلى تحسين تنفيذ هذه الواجبات.