الموظفون عن بعد يحتاجون إلى الأحاديث الجانبية أيضاً

6 دقائق
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو

ملخص: يفتقد كثير منا الأحاديث الجانبية في حياة العمل، وذلك لأسباب وجيهة. فهذه الأحاديث تساعد الموظفين على إنشاء روابط عاطفية فيما بينهم وتعزز العمل التعاوني والابتكار. ومع ذلك، لا يهتم الجميع بالأحاديث الجانبية، ويعتقد البعض أنها غير صادقة ومضيعة للوقت. ومن أجل تحليل هذه الآراء، أجرى المؤلفون دراسة على مدى 15 يوماً لمعرفة آثار الأحاديث الجانبية على 151 موظفاً. وتوصلوا إلى أنها تؤدي إلى رفع معنويات الموظفين وتشتيت انتباههم في نفس الوقت، وأن إيجابياتها تتفوق على سلبياتها، وأنه من الممكن إدارة سلبياتها. تتمثل المشكلة اليوم في أن الانتقال إلى بيئة العمل عن بعد تسبب حرمان كثير من الموظفين من أحاديث العمل الجانبية، لكن يمكن للمدراء التوصل إلى طرق لإدخال هذه الأحاديث في السياق الافتراضي واستخدام وسائل جديدة لجعلها شاملة ومنتجة أكثر.

 

قبل انتشار جائحة “كوفيد-19” وفرض إجراءات التباعد الاجتماعي، كان معظمنا يعتبر الأحاديث الجانبية من الطقوس اليومية في العمل. فقد كنا نلقي التحية على زملائنا عند دخولنا إلى المكتب، ونتحدث معهم عن عطلة نهاية الأسبوع في أثناء انتظار بدء الاجتماعات، ونتبادل القصص عن عائلاتنا مع شركائنا في المكاتب. وعلى الرغم من أن هذه التفاعلات كانت لا تدوم أكثر من بضع دقائق، فهي تلعب دوراً حاسماً في منحنا شعوراً بالترابط العاطفي في العمل.

الأحاديث الجانبية مهمة

الأحاديث الجانبية مهمة بالنسبة لنا لأسباب أخرى أيضاً، فهي تشعرنا بالاطمئنان وتساعدنا على الانتقال بالحديث إلى مواضيع جدية أكثر مثل المفاوضات ومقابلات العمل والكلمات الترويجية للمبيعات وتقييمات الأداء. وتساهم المعلومات البسيطة التي نعرفها من خلالها عن زملائنا في توطيد علاقاتنا معهم وتعميق الثقة فيما بيننا، كأن نعرف أن أحدهم يعزف على الغيتار مثلاً. كما تشير الأبحاث إلى أن لقاءات المصادفة والمحادثات العفوية مع زملائنا قادرة على تحفيز العمل التعاوني، ما يؤدي إلى رفع قدرتنا على الابتكار والإبداع وتحسين الأداء، ويقول الكثيرون إن الأحاديث الجانبية تمدهم بالطاقة وتمنحهم شعوراً بأن لهم مكان واضح بين زملائهم. يقول موظف في شركة محاسبة متوسطة الحجم: “ليس بالضرورة أن يعرف زملاؤك جميع تفاصيل حياتك، لكن هذه الأحاديث تمنح كلاً منا شعوراً بأنه شخص حقيقي”. لا عجب أن كثيراً منا حزينون على فقدان الأحاديث الجانبية في طفرة العمل من المنزل التي نجمت عن الجائحة.

إلا أن البعض يشككون في فائدة الأحاديث الجانبية، ويقولون إنها تصيبهم بالتوتر وتنشر الثرثرة وتهدر الوقت، كما أنها غير صادقة ومحرجة، حتى أن البعض يتعمدون الوصول إلى الاجتماعات عند موعد بدئها تماماً وليس قبله تفادياً لهذه الأحاديث. هذا ما يجعلها مفارقة اجتماعية نوعاً ما، ويثير التساؤل التالي: هل الأحاديث الجانبية مفيدة أم مؤذية لحياة الموظفين اليومية؟

من أجل تحليل هذه الآراء، أجرينا دراسة استقصائية على أكثر من 151 موظفاً بالغاً يعمل بدوام كامل، وأجاب المشاركون على أسئلة الاستقصاء 3 مرات في اليوم على مدى 15 يوماً من أيام العمل المتتالية قبل الجائحة. سألناهم عن كمية الأحاديث الجانبية التي يجرونها في العمل يومياً وعن عواطفهم الإيجابية (الودّ والافتخار والامتنان) وقدرتهم على التركيز، وفي كل ليلة كانوا يسجلون مستويات الرفاهة التي يشعرون بها والسلوكيات الاجتماعية التي اتبعوها.

كشفت النتائج أن الأحاديث الجانبية كانت تؤدي إلى رفع معنويات الموظفين وتشتيت انتباههم في نفس الوقت. وفي الأيام التي أجرى فيها الموظفون محادثات جانبية أكثر من المعتاد، ازدادت عواطفهم الإيجابية وتناقص شعورهم بالاحتراق الوظيفي، وكانوا أكثر استعداداً لبذل جهد إضافي لمساعدة زملائهم. لكنهم في نفس الوقت، شعروا بتراجع تركيزهم على مهام العمل واندماجهم فيها، ما حدّ من قدرتهم على مساعدة الآخرين. إلا أننا لاحظنا أن المشاركين في إحدى المجموعات لم يقولوا إن الأحاديث الجانبية أدت إلى تشتيت تركيزهم في العمل، لأنهم كانوا يتقنون فهم الآخرين وتكييف محادثاتهم معهم بما يناسب. كما لاحظنا أنه ليس بالضرورة أن تخوض هذه الأحاديث في خصوصيات الموظفين أو أن تكون مطولة كي تكون مفيدة. عموماً، كان جلياً أن إيجابيات الأحاديث الجانبية تفوقت على سلبياتها، وأنه من الممكن إدارة هذه السلبيات.

أهم النصائح لدمج المحادثات الجانبية في حياة العمل

وبما أن المؤسسات تدرس الآن أفضل الاستراتيجيات للعمل عن بعد في زمن ما بعد الجائحة، فهي بحاجة إلى بعض الممارسات التي تساعدها على دمج الأحاديث الجانبية في بيئة العمل. ولحسن الحظ، فإن المشهد الافتراضي يمثل فرصة مذهلة لتعزيز قيمة الأحاديث الجانبية. بناء على بحثنا، نقدم للمدراء والموظفين النصائح التالية:

شجع على تبني عادات اجتماعية جديدة

أدى العمل عن بعد إلى تشويش الحدود بين الوظيفة والحياة الشخصية، ويواجه كثير من الموظفين صعوبة في الانتقال بين هذين العالمين بسبب غياب الأعمال الروتينية اليومية التي تساعد على الفصل بينهما، كرحلة الذهاب إلى العمل والعودة منه. لكن، يمكن للأحاديث الجانبية أن تساعد الموظفين على الانفصال من أدوارهم “المنزلية” وتشغيل “عقلية العمل” بسهولة. لذا، فمن المجدي تخصيص وقت في بداية كل اجتماع افتراضي لتبادل التحية والمجاملات بين الحاضرين وطرح الأسئلة المرحة، وهذا سيضفي روحاً إيجابية على الاجتماع أيضاً.

وتشمل الأساليب الأخرى إنشاء “صالات افتراضية” على منصات مثل “سلاك” أو “تيم وورك”، حيث يتواصل أعضاء الفرق اجتماعياً ويقيمون جلسات افتراضية لتناول القهوة معاً والاجتماع مساءً للتسلية وقضاء وقت مرح وسعيد معاً. في دراسة جديدة أجريت في “المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال” (إنسياد) على أكثر من 500 مهني يعمل عن بعد في جميع أنحاء العالم، تبين أن الفرق الناجحة في البيئة الافتراضية كانت تنظم سابقاً لقاءات اجتماعية تتضمن مسابقات وقوائم موسيقية مشتركة ونواد لقراءة الكتب ومشاهدة الأفلام. على الرغم من أن أوقات “المرح” الإلزامية هذه بدت محرجة بادئ الأمر، فالفرق التي لم تتبنّ هذا النوع من العادات واجه أفرادها صعوبة في التكيف مع الواقع الجديد وأبلغوا عن الشعور بالانفصال عن العمل.

اختلق “اللقاءات العابرة”

توصلت بعض الشركات إلى طرق مبتكرة لتنظيم تفاعلات افتراضية غير رسمية بين موظفيها. إذ تقوم شركات مثل “سبارك كولابوريشن” (Spark Collaboration) بمساعدة موظفيها على تنظيم “لعبة محادثة عبر الفيديو” حيث يتم جمع اثنين من الموظفين لا يعرف أحدهما الآخر ليتعارفا ويخوضا التفاعلات الاجتماعية في الوقت الحقيقي. قال أحد عملاء شركة “سبارك” يعمل في شركة محاماة عالمية موضحاً: “في أثناء الجائحة، كان من الضروري لنا أن نضمن استمرار الموظفين بالتواصل العشوائي الذي يجري عادة في مساحة العمل المشتركة، فذلك يساعدهم على الابتكار وتوسيع شبكة المعارف والتعاون مع الآخرين. وأدى ذلك إلى فوائد عظيمة في بناء العلاقات”. أعدت منصات مثل “إيرميت” (Airmeet) برنامجاً للتعارف الافتراضي السريع بين الموظفين، وأحد جوانبه الإيجابية المحتملة هو أنه على الرغم من أن هذه التبادلات ليست عفوية تماماً، فإنها تتسم بالشمول الاجتماعي بدرجة أكبر مقارنة بالتفاعلات التي تتم وجهاً لوجه، إذ إنها تمنح الجميع الفرصة للتواصل بدلاً من ترك الأمر للمصادفة.

التزم بالتعليمات

يجب أن يتوخى المدراء والموظفون الحذر وعدم السماح للمحادثات الاجتماعية باتخاذ منحى سلبي. إذ يجب أن تكون الأحاديث الجانبية لطيفة وسطحية ومركزة على مواضيع حيادية، كالطقس أو الرياضة أو برامج التلفزيون مثلاً. ويجب ألا تنحدر إلى مستوى الثرثرة، لاسيما بشأن الشركة أو الموظفين الآخرين، إذ إنها تولد المعاملة الفظة والسخرية، وتقوض الثقة. كما يجب أن يبعد المدراء فرقهم عن الأحاديث التي تدور حول مواضيع دينية وسياسية. أضف إلى ذلك ضرورة تجنب الوقوع في خطأ المبالغة في التحدث عن الأمور الشخصية، فالتحدث عن أعمق مخاوفك قد يكون مقبولاً عندما تلتقي بصديق لتناول القهوة، وليس عندما تلقي التحية على شخص لا تربطك به إلا معرفة سطحية. وإذا سألك أحدهم: “كيف حالك؟” فلن يكون من اللباقة أن تجيب بالتذمر من يومك السيئ، غير أن الجائحة أشاعت قول أشياء مثل: “أرجو أن تكون أنت وعائلتك بخير وأمان”، والاعتراف بمشاعر القلق والخوف التي تنتابنا.

أكّد الإيجابيات

يمكن لتسليط الضوء على قدرة الأحاديث الجانبية على تعزيز سعادة الموظفين وصافي مبيعات الشركة أيضاً أن يتغلب على رغبة البعض في عزل أنفسهم. لذا، شجع الموظفين على الاهتمام بصحتهم الاجتماعية عن طريق تخصيص أوقات استراحة اجتماعية يومية. وعلى الرغم من أن أوقات الاستراحة هذه قد تبدو منافية للمنطق عندما تكون مضطراً للعمل تحت ضغط مواعيد التسليم، فإن بحثنا يشير إلى أنها تتمتع بقدرة على تجديد النشاط وتخفيض الاحتراق الوظيفي. ثمة تطبيقات جديدة على الإنترنت، مثل “ووتر كولر” (Water Cooler)، تتيح للموظفين اختيار وقت للدردشة مع زملائهم حول اهتماماتهم المشتركة وهواياتهم أو حتى أهدافهم فيما يتعلق باللياقة البدنية. ولأن البرنامج يحدد مواعيد ثابتة للمحادثات، فهو يمنعها من أن تطغى على وقت العمل المنتج، وهذا الأمر يصعب القيام به على أرض الواقع.

كما يمكن للموظفين طرح أسئلة على أنفسهم، مثل: “هل أشعر أني على اتصال بالآخرين بدرجة أكبر أم أقلّ اليوم؟” و”من الذي يمكنني التواصل معه إذا احتجت إلى المساعدة؟” و”أي العلاقات أهم بالنسبة لي؟” في هذه الأثناء، يمكن لاستراتيجيات بسيطة، مثل المراسلات أو المكالمات المختصرة والمنتظمة بهدف الاطمئنان بين الزملاء أن توقع أثراً كبيراً في تخفيف شعور الموظفين بالوحدة. على الرغم من سهولة هذا الأسلوب فإنه فعّال للغاية، إذ تبين الأبحاث أن الموظفين يشعرون بأقصى درجات الانتماء في العمل عندما يرسل لهم زملاؤهم رسائل نصية أو إلكترونية لمجرد الاطمئنان عنهم.

يجب ألا نحطّ من قيمة الأحاديث الجانبية في أثناء تنقلنا بين الاجتماعات اللا منتهية عبر منصة “زووم” ومواجهة تحديات الحياة والعمل الجديدة. وانتقالنا إلى العمل عن بعد لا يعني أن المحادثات العابرة فقدت أهميتها، بل قد تكون في الواقع أكثر أهمية من أي وقت مضى في مساعدتنا على اغتنام الفرص اليومية للتواصل على الرغم من تباعدنا على أرض الواقع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .