من المؤكد أنه كلما كان لدينا أفكار أكثر، فإن سجلنا في الإبداع والابتكار سيكون أفضل. لكن الذي تبيّن مؤخراً هو أن هذا الكلام غير صحيح.
فالشركات التي تعقد جلسات لتبادل الأفكار – وهي عبارة عن مجموعة من الأشخاص بقيادة خبراء خارجيين يسعون إلى طرح أفكار بخصوص منتجات وخدمات جديدة – لا تولّد إلا القليل من الإيرادات الإضافية من خدماتها ومنتجاتها الجديدة، مقارنة مع الشركات التي ليس لديها هذا النوع من الجلسات. هذه إحدى الخلاصات التي توصلت إليها دراسة لإحدى شركات السلع الاستهلاكية التي أشرف على قيادتها.
إذاً، ما التفسير المنطقي لهذه النتيجة؟ ألا يفترض أن يكون وجود عدد إضافي من الأفكار أمراً أفضل؟
لقد تبيّن عملياً بأن طرح فكرة جديدة هو أمر سهل نسبياً، أما تعديل مفهوم معيّن وتنسيقه حتى يتحول إلى نجاح اقتصادي فذلك هو الجزء الأصعب. لنأخذ هذه الحالة على سبيل المثال: أول ادعاء معروف باختراع هاتف محمول يعود إلى العام 1906. لكن الأمر استغرق 70 عاماً من التطوير قبل أن تنجح الفكرة ويُصنع ذلك الجهاز.
إذ تتمتع معظم الشركات بفائض من الأفكار. وفي إحدى الشركات التي تمتلك سجلاً بائساً في الابتكار، كان هناك أفكار تخص 800 منتج جديد لم تغادر مكاتب كبار المدراء.
وفي إحدى المرات أخبرني كبير مدراء التسويق في إحدى العلامات التجارية البارزة أن "الجزء الأصعب من الابتكار لا يكمن في التوصل إلى فكرة جديدة، وإنما في اختيار الفكرة الصحيحة لتطويرها".
وأنا عندما أعمل مع مجموعات في مؤسسات تواجه تحديات كبيرة وضغوطاً هائلة كي تبتكر، أقول لهم: "أنا متأكد من أن واحداً منكم في هذه الغرفة لديه الإجابة الصائبة. لكن المشكلة تكمن في أن هناك 200 فكرة أخرى خاطئة في الغرفة نفسها".
ويبقى السؤال هو: إذا كان لدينا أفكار كثيرة مطروحة على المائدة، فكيف نرتّبها وفق سلّم للأولويات؟
أظهرت البحوث أن التعلم من أخطاء الماضي ونجاحاته، وإلى حد كبير، هو ما يترك الأثر الأكبر على زيادة الإيرادات من المنتجات الجديدة. على سبيل المثال، ربما تكون قد اكتشفت عبر السنوات بأن ازدهار منتج جديد يتطلب أن يلتزم زبون شديد النفوذ والتأثير سلفاً بضمه إلى باقة منتجاته. وبالتالي، فإن ذلك يصبح أحد الاعتبارات الأساسية عند اتخاذ قرار بخصوص المنتجات الجديدة التي يجب تطويرها.
إذاً، المفتاح الرئيسي يتمثل في إجراء مراجعة رسمية وإلزامية لجميع المنتجات أو الخدمات الناجحة وغير الناجحة لاستخلاص جميع العبر والدروس المستفادة. ومن ثم يجب استعمال ذلك لوضع معايير صريحة وواضحة ودقيقة يجب اتباعها بصرامة عند اختيار المنتجات أو الخدمات التي ستطور وتطلق.
لذلك يجب أن تفكر مرتين قبل أن تعقد الجلسة القادمة لتوليد الأفكار. فإذا ما حفرت أعمق قليلاً، فإنك سوف تدرك بأن الجلسة لن تكون ذات قيمة كبيرة على الأرجح إذا كان معظم تركيزها على توليد أفكار جديدة. عوضاً عن ذلك، ركّز جهودك في مجال الابتكار على ما سيعود عليك بالمردود الجيد على المدى البعيد، واعمل بجد على التدقيق والتمحيص في فكرة معينة حتى تصبح موازية للهاتف المحمول القادم.