إذا أردت أن تصبح قائداً، فلا تنتظر اللقب الرفيع حتى يأتي إليك، أو المكتب الواقع في زاوية الردهة. يمكنك التصرف والتفكير والتواصل كقائد قبل فترة طويلة من ترقيتك التي ستجعلك تتبوأ ذلك المنصب. وحتى لو كانت مرتبتك الوظيفية لا تزال بعيدة بمستويات عديدة عن مرتبة القائد، وحتى لو كان هناك أشخاص آخرين يحظون بكل الاهتمام، فهناك العديد من الطرق لإظهار إمكاناتك كقائد، ووصياغة مسار لنفسك نحو الدور الذي ترغب فيه. فكيف تصبح قائداً فعلياً؟
ما الذي يقوله الخبراء؟
"ليس من الخطأ إطلاقاً أن يبدأ المرء بالاستعداد لعملية التحول مهما كان هذا التحول بعيداً زمنياً، وبغض النظر عن الموقع الذي تشغله في مسارك المهني". هذا ما خلص إليه ميريل ماينان ويلكينز، المؤلف الشريك لكتاب "امتلك الغرفة: اكتشف صوتك المميز الذي يجعلك تتحكم بحضورك كقيادي" (Own the Room: Discover Your Signature Voice to Master Your Leadership Presence). ويتفق مايكل واتكينز، رئيس مؤسسة "جينسيس أدفايزرز"، ومؤلف كتابي "الأيام التسعون الأولى" (The First 90 Days) و"حركتك القادمة" (Your Next Move) مع ذلك الرأي. فالتخطيط لا يساعدك على تطوير المهارات الضرورية والحضور القيادي فقط، وإنما يزيد من فرصك في الحصول على الترقية، لأن الناس ستدرك أصلاً بأنك تمتلك كل المزايا القيادية. ويكمن المفتاح الرئيسي في اغتنام الفرص، بغض النظر عن المنصب الذي تشغله أو الدور الذي تؤديه حالياً. وفي هذا الصدد، تقول إيمي جين سو، المؤلفة المشاركة لكتاب "امتلك الغرفة": "بوسعك أن تبدي خصالك القيادية في أي وقت من الأوقات، مهما كان لقبك الوظيفي". وفيما يلي بعض الطرق التي يمكنك استعمالها للبدء بتهيئة الأرضية.
قدّم أفضل ما لديك وأنجز كل ما هو مطلوب منك
مهما كانت طموحاتك كبيرة، فلا تدعها تشتتك عن التميّز في أداء دورك الحالي. ركّز على الحاضر بقدر تركيزك على المستقبل، بل ركز على الحاضر أكثر. تقول جين سو: "يجب عليك أيضاً أن تحرز النتائج في وظيفتك الحالية". ويضيف مايكل ويلكينز قائلاً: "يتعين عليك دائماً أن تهتم بأمور اليوم، بحيث لا تدع مجالاً لأحد، سواء الأقران، أو المرؤوسون، أو الرؤساء، بأن يشككوا في أدائك". فهذه هي الخطوة المطلوبة للمضي قدماً.
ساعد مديرك على النجاح
يقول مايكل واتكينز: "يتعيّن عليك أيضاً أن تنجز الأمور بحسب الأولويات التي يضعها مديرك". ويضيف أنه يجب عليك "أن تظهر لمديرك أنك مستعد لفعل كل شيء في سبيل نجاح المشاريع المهمة". أما مايغنان ويلكينز، فينصح بالميل أكثر نحو "قول نعم، وليس قول لا" كلما طلبت منك مديرتك أو مديرك المساعدة في إنجاز أمر جديد. حاول أن تعرف ما هي الأشياء التي لا يرضى عنها مديرك واقترح حلولاً لهذه المشاكل.
اغتنم الفرص القيادية، مهما كانت صغيرة
تأكد من أن مديرك يرى فيك دائماً الشخص المستعد لقول "دعني أتولى هذه المهمة أيضاً من فضلك". لا تتوانى عن قبول المبادرات الجديدة، ولا سيما تلك التي تجعلك في موقع بارز أمام من هم خارج قسمك. فبحسب رأي مايغنان ويلكينز: "هذا الأمر سيعطي الآخرين الفرصة ليروا كيف سيكون أداؤك عندما تتولى منصباً أرفع في الشركة". وليس بالضرورة أن يكون مشروعاً ضخماً يستغرق إنجازه شهراً كاملاً، وإنما قد يكون مهمة بسيطة أشبه بترؤس اجتماع، أو تقديم يد العون في تعيين الموظفين الجدد، أو التوسط لفض نزاع بين زميلين متخاصمين. وقد تجد بعض الفرص خارج إطار العمل أيضاً، إذ يمكنك أن تكون عضو مجلس إدارة في جمعية محلية غير ربحية، أو يمكنك تنظيم يوم للعمل التطوعي في المجتمع المحلي. يقول مايكل واتكينز: "هذه النشاطات ترسل الإشارة بأنك تتطلع إلى شغل مناصب قيادية محتملة".
اقرأ أيضاً: تعرف على سمات القائد العالمي الفعال
ابحث عن الفرص والمشاريع التي لا يريدها الآخرون أو لا ينتبهون إليها
ثمة طريقة أخرى لإثبات القدرات الكامنة لديك، ألا وهي تولي المشاريع غير المرغوبة من الآخرين؛ حيث إن هناك مشاكل لا يرغب الآخرون بمعالجتها أو حتى لا يعرفون بوجودها. يقول مايغنان ويلكينز: "في كل مؤسسة هناك احتياجات لا يلتفت أحد إليها، أو يتعمد الناس تجاهلها". فعلى سبيل المثال، قد تكون قادراً على تحديد احتياج موجود لدى الزبائن لا تلبيه خطوط الإنتاج الحالية في شركتك، واقتراح منتجات جديدة. أو يمكنك إجراء تحليل سريع للوفورات التي يمكن أن تحققها الشركة نتيجة إدخال تغيير محدد. فعندما تتولى مهمة، لا يرغب أحد آخر في توليها، فإنك بذلك تضع نفسك تحت الأضواء.
لا تصب بالغرور
ثمّة شعرة رفيعة تفصل ما بين أن يكون المرء طموحاً وأن يتصرّف وكأنه أكبر من كل المحيطين به. يقول مايكل واتكينز: "لا تحاول أن تمارس السلطة عندما لا تملكها في يدك". وهو ينصح بممارسة ما يسميه: "القيادة الريادية" والتي تعني أن يركز المرء على ما يريد فريقه إنجازه، عوضاً أن يفرض نفسه على الفريق. وتوصي جين سو بـ "الثقة المتواضعة"، والتي تقتضي بأن يبدي الإنسان تواضعاً مناسباً في دوره، على أن يتمتع بالثقة الذاتية ليعلم أنه سيرتقي إلى المستوى التالي.
كن حذراً عندما تتحدث إلى الآخرين عن طموحاتك
من المناسب أن تطرح طموحاتك أمام مديرك إذا كانت علاقتكما متينة وقائمة على الثقة، لكن حاول أن تعبّر عنها بطريقة تركز على ما يحقق الأفضل بالنسبة للشركة. وتقترح جين سو أن تبين إنجازاتك خلال العام السابق ومن ثم تطرح سؤالاً من قبيل: "إذا نظرنا إلى المستقبل، ما هو المجال الذي تجد أنني سأواصل تقديم إسهاماتي فيه؟" ويحذّر مايكل واتكينز بأن هذه الأحاديث لا يجب أن تبدو وكأنها كلها تدور حولك. بدلاً من ذلك، حاول الدخول في محادثة باتجاهين مع مديرك. فإذا كان مديرك من نمط الأشخاص الذين قد يشعرون بالتهديد نتيجة طموحاتك، فمن الأفضل أن تبقي طموحاتك طي الكتمان، وأن تثبت قدراتك الكامنة فقط.
ابحث عن أشخاص يشكّلون أمثلة تحتذى
حاول العثور على أشخاص يتولّون الأدوار التي ترغب فيها، وادرس ماذا يفعلون، وكيف يتصرفون، ويتواصلون، ويلبسون. يقول مايكل واتكينز: "اختر شخصاً ينتمي إلى المستوى التالي. شخصاً يكون مشابهاً لك. وابحث عن طريقة للعمل معه". تطوع في لجنة يترأسها هذا الشخص، أو اعرض عليه المساعدة في أحد المشاريع المحببة إلى قلبه. حدد السلوكيات التي بوسعك تقليدها على أن تظل حقيقياً مع نفسك. يقول مايغنان ويلكينز: "لا يجب أن يكون الأمر مزيفاً". وبحسب رأي مايكل واتكينز قد يكون من المفيد أيضاً دراسة الأشخاص العالقين في حياتهم المهنية كأمثلة على ما يجب تجنّبه وذلك لتحاشي مصيرهم. هل هم فاشلون سياسياً؟ هل يبدون عدم الاحترام تجاه الأشخاص الذين يشغلون مناصب قيادية أعلى ولا يحترمون التراتبية؟ هل يفشلون في تحقيق الارتباط بين مختلف الأقسام؟
اقرأ أيضاً: كن قائداً أفضل وتمتع بحياة أغنى
اعمل على بناء العلاقات
ثمّة قول مأثور باللغة الإنجليزية مفاده "ليس المهم من تعرف أنت، وإنما المهم من يعرفك". فعندما تخضع للتقييم من أجل الحصول على ترقية، من غير المرجح أن يجلس مديرك في غرفة بمفرده ويدرس لوحده قدراتك الكامنة. بل سيعتمد على الآخرين في تقييمها، ما يعني أنك بحاجة إلى أنصار في جميع أرجاء المؤسسة، خاصة الأشخاص المطلعين على العمل الذي تؤديه. يقول مايغنان ويلكينز: "إذا وجدت نفسك تسير في أروقة الشركة مع أقدم الموظفين في مؤسستك، فإنك يجب أن تكون جاهزاً للإجابة عن السؤال التالي: "ما هي آخر أخبارك؟". فأنت لا يجب أن تستخف بأي لقاء أو تفاعل حتى لو بدا غير رسمي. حاول أن تتعامل مع كل وضع أو مناسبة على أنه فرصة كي تظهر القيمة التي تقدّمها للمؤسسة، ومدى معرفتك ودرايتك بالقطاع الذي تعمل فيه".
مبادئ يجب تذكّرها:
ما يجب عليك فعله:
- ابحث عن كل فرصة ممكنة لتظهر قدراتك القيادية الكامنة، سواء في العمل أو خارج المكتب.
- ادعم مديرتك أو مديرك في تحقيق أهدافهم الشخصية.
- ابحث عن أشخاص يشغلون المناصب التي تطمح لشغلها وادرس العوامل التي تجعلهم ناجحين.
ما يجب عليك تحاشيه:
- لا يجب أن تدع طموحاتك تشتت انتباهك عن أداء مهام وظيفتك الحالية أداء جيداً.
- لا تمارس السلطة حيث لا تملكها، بل استعمل نفوذك لتثبت خصالك القيادية.
- لا تناقش طموحاتك علناً؛ فمن الآمن أن تتخذ مقاربة تعتمد على إبداء الأفعال عوضاً عن التفوّه بالأقوال.
المثال العملي الأول: ركّز على حل المشاكل، وليس الحصول على ترقية
في أواخر عام 2010، وبعد أن عملت هيثير إسبينوزا لمدة 10 سنوات في بنك "سيتي غروب"، رقّيت إلى منصب عضو مجلس إدارة منتدب. وقد وصلت إلى هذا المنصب التنفيذي من خلال تحدّيها المستمر لنفسها، ومن خلال الاستفادة القصوى من كل الأدوار التي سبق لها وشغلتها. تقول إسبينوزا: "لم يكن لقبي يعنيني البتة. فعندما كنت أعتقد أن مهمة معينة تشكل فرصة للنمو، كنت أقبلها. وعندما تقدمت بطلبي لشغل منصبي السابق، كان اللقب الوظيفي هو "مدير مشاريع". ولكن بعد حديثي الأول مع المدير، علمت بأن المنصب يتطلب مهارات قيادية معقدة ما سيجعلني أشعر بالتحدي، لذلك قبلت الوظيفة".
في كل دور من الأدوار التي شغلتها إسبينوزا، كانت تتولى مسؤوليات إضافية دون أن يُطلب منها ذلك. "أنا أبذل جهداً كي أتطوع وأرفع يدي حيث أرى حاجة لذلك. وقد بدأت بتولي مسؤولية عضو مجلس الإدارة المنتدب آملة بأنه إذا كان أدائي جيداً، فإن اللقب سوف يأتي لاحقاً". ولطالما احترم مديروها هذه المقاربة التي تتبناها. تقول إسبينوزا: "نادراً ما أدخل إلى مكتب مديري وأقول بأنني أرغب في التحدث حول مسيرتي المهنية أو ترقيتي التالية. بل أدخل وأقول إن هذا الموضوع يشكل لنا مشكلة، وهذا هو الحل المقترح لمعالجتها".
المثال العملي الثاني: اغتنم أي فرصة قيادية تسنح لك
كان مايك سوبيلسكي، وهو الشريك المؤسس وكبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة "بيستاك"، وهي شركة تكنولوجية ناشئة تصنّع البرمجيات لصالح شركات الإعلانات الرقمية، قد قضى معظم حياته المهنية المبكرة في شغل مناصب ومواقع تنطوي على قدر كبير من المسؤوليات، وإن كانت تفتقر إلى السلطة. يقول مايك: "استلمت عدداً من المناصب التي شعرت بأنني امتلك فيها كمّاً كبيراً من النفوذ، لكنني لم أكن أبداً الشخص الذي يتخذ القرارات النهائية".
ومع ذلك فقد عمل بجد، على أمل أن يرتقي السلّم في أحد الأيام. ويشرح سوبيلسكي الأمر قائلاً: "لقد حاولت دائماً أن أكون من الموظفين الذين لا يتعيّن على المدير أن يشعر بأي قلق نحوهم". وقد ركز مايك على بذل قصارى جهده في كل الأدوار التي تولاها، ورفع يده دائماً مطالباً باستلام المشاريع. كما بحث عن فرص لممارسة أدوار قيادية خارج أروقة المكتب. في عام 2004، أطلق جمعية أهلية لا تتوخى الربح في مدينة بالتيمور الأميركية. وعن هذه التجربة يقول مايك: "لقد كانت مختبراً بالنسبة لي. إذ سمحت بأن أتدرب على أداء دور القائد".
ولكن في العام الماضي، عمد هو وشريكه إلى تأسيس شركة "بيستاك". ويمكن القول بأن كل التحضيرات التي قام بها مايك قد أثمرت. حيث تلقت الشركة مليون دولار لتمويل أنشطتها خلال الشهر الماضي. يقول سوبيلسكي: "لقد كنت أعلم دوماً أنني أرغب في أن أكون حيث أنا الآن: أعيّن الموظفين وابني مكاناً رائعاً للعمل". فإذا راودك هذا السؤال: كيف تصبح قائداً فعلياً؟ الآن، أصبحت تمتلك الإجابة.
اقرأ أيضاً: