بحث: الترقية إلى مدير لا تبدو دائماً خطوة للأمام

5 دقائق
الترقية إلى منصب مدير
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو؛ مانغو ستار_ ستوديو/غيتي إميدجيز

ملخص: قد يبدو أن الترقية من العمل في الخطوط الأمامية إلى شغل منصب إداري خطوة للأمام. لكن بالنسبة إلى البعض، يمكن أن يكون هذا الدور الجديد مخيباً للآمال، ما يؤدي إلى ترك موظفين جيدين لمناصبهم. لمعرفة الأشخاص الذين قد يعانون من “كآبة المناصب الإدارية“، أجرى الباحثان مقابلات حول الترقية إلى منصب المدير مع نوعين من الموظفين جرت ترقيتهم إلى مناصب إدارية في شبكة قطارات الأنفاق في باريس، وقد كانوا سائقي قطارات سابقين وبائعي تذاكر سفر بالقطارات سابقين. ووجدا أن السائقين الذين كانوا يتعاملون بصفة منتظمة مع مواقف حرجة تتطلب حماية حياة الركاب بمفردهم، كانوا يتمتعون بشعور كبير بالمسؤولية الشخصية بوصفهم من العمال، وهو ما افتقدوه في أدوارهم الجديدة بوصفهم مدراء. وعلى النقيض، وجد بائعو التذاكر السابقون معنى كبيراً لعملهم بوصفهم مدراء. هذه النتائج يمكن أن تساعد المؤسسات على إعداد المدراء الجدد على نحو أفضل بناءً على أدوارهم السابقة، كما أنها يمكن أن تكون ذات أهمية خاصة بالنسبة إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية وضباط الشرطة أيضاً.

 

عادةً ما تُعد الترقية إلى مدير خطوة إيجابية في الحياة المهنية للأشخاص. فالانتقال إلى هذا المنصب المرموق الذي يُرتجى أن يكون مُرضياً يُنظر إليه على أنه إنجاز، ما يُعد إشارة واضحة على أن المؤسسة تثق في الموظف للاضطلاع بمسؤولية أكبر. ومع ذلك، ثمة أدلة على أن بعض الأشخاص يعانون من “كآبة المناصب الإدارية”، أو يشعرون بخيبة أمل إزاء وظائفهم الإدارية، معتبرين أنها أقل أهمية من وظائفهم السابقة. وهذا الشعور بخيبة الأمل يمكن بسهولة أن يدفع الأشخاص إلى ترك المناصب الإدارية بعد وقت قصير من شغلها، ما قد يؤدي إلى خسارة كبيرة للمؤسسة ولمسيرة الموظف المهنية.

“كآبة المناصب الإدارية”

إذاً، كيف يمكن للمؤسسات أن تتنبأ بالموظف الذين قد يعاني من “كآبة المناصب الإدارية”؟ يقدم بحثنا بعض الإجابات بناءً على مقابلات شخصية أُجريت مع مدراء يعملون في شبكة قطارات الأنفاق في باريس وجرت ترقيتهم حديثاً.

أجرينا إجمالاً مقابلات مع 58 شخصاً ينتمون إلى مجموعتين: تتألف المجموعة الأولى من سائقي قطارات الأنفاق والمجموعة الثانية من وكلاء المحطات (معظمهم يبيعون التذاكر للمسافرين). ومن خلال الترميز الاستقرائي لنصوص المقابلات، وجدنا أن السائقين فقط هم مَن أفادوا بمعاناتهم من “كآبة المناصب الإدارية”، ما يشير إلى أن التوقعات التي يحملها الأشخاص من وظائفهم السابقة إلى وظائفهم الجديدة قد تساعد في فهم هذه الفروق.

في حالة سائقي قطارات الأنفاق، علمنا أنهم تعاملوا مع مواقف حرجة في وظائفهم (القديمة) لسنوات، مع شعورهم باستمرار بمسؤولية كبيرة عن حياة الآخرين. أخبرنا أحدهم: “هناك ما يقرب من 600 إلى 800 راكب في قطار الأنفاق الواحد، ونحن مسؤولون عن جميع هؤلاء الركاب وعن سلامتهم وعن كل ما يحدث”. قال السائقون إنهم بحاجة إلى أن يكونوا “يقظين للغاية” و”حريصين” على عدم ارتكاب أي أخطاء خوفاً من “تعريض الأرواح للخطر”. وشعورهم بالمسؤولية الشخصية يزداد بوجه خاص عند وقوع حوادث خطيرة، مثل حالات الانتحار أو عندما يقفز الركاب أمام القطارات. (جميع السائقين تقريباً يتذكرون حالة انتحار واحدة على الأقل حدثت في أثناء حياتهم المهنية). وقد ظلت هذه الأحداث راسخة في أذهان السائقين لسنوات. فكما أوضح أحدهم: “مثل هذه اللحظات تترك بصمة بداخلنا… ولن ننساها أبداً”.

لكن لم يكن التعامل مع المواقف الحرجة هو الشيء الوحيد الذي شكَّل توقعاتهم حول المسؤولية. فقد كانت القيادة أيضاً مهمة يتعين عليهم القيام بها بمفردهم، ما يعني أنهم نادراً ما يمكنهم الاعتماد على الزملاء للحصول على المساعدة أو تقاسم اللوم مع أي شخص إذا حدث خطأ ما. وقد قال أحد السائقين عن فترة عمله بوصفه سائقاً: “إذا كانت هناك انتقادات يجب توجيهها، هناك شخص واحد فقط [يقع عليه اللوم]… فعليّ أن أتحمل مسؤولية أفعالي وحدي”.

عندما عُرض على هؤلاء السائقين شغل منصب إداري، مثل نظرائهم من وكلاء المحطات السابقين، ذكروا أنهم كانوا متحمسين “لتطورهم على الصعيد المهني” و”كسب المزيد من المال” و”تعلُّم شيء جديد”. وأوضح أحد الأشخاص أنه نظر إلى الأمر على أنه “تحدٍ” ووافق على شغل المنصب معتقداً “أنها تجربة يمكن أن تكون مُثرية”. وبدأ، مثله مثل المدراء الآخرين، في الإشراف على 25 إلى 50 موظفاً على أحد خطوط قطارات الأنفاق، وكان مسؤولاً عن أي مشكلات تظهر في هذا الخط. خضع جميع المدراء لتدريب لمدة عام لتطوير مهاراتهم الإدارية وكان لديهم فكرة جيدة عما تنطوي عليه الوظيفة الجديدة. وبحلول الوقت الذي تحدثنا فيه معهم، كانوا يمارسون عملهم منذ 4 سنوات تقريباً، وهو وقت كافٍ للتكيف مع أدوارهم الجديدة. لكن السائقين والوكلاء السابقين نظروا إلى الوظائف الإدارية نفسها بطرق مختلفة تماماً.

نتائج البحث

أشار أكثر من ثلثي سائقي القطارات السابقين إلى أنهم إما تقدموا بالفعل بطلب لشغل وظائف أخرى وإما أنهم يأملون في تغيير وظائفهم في أقرب وقت. وعلى الرغم من أنهم رأوا بعض الجوانب الإيجابية في حصولهم على هذه الترقية، مثل الاستمتاع بالتواصل مع مرؤوسيهم المباشرين، حتى أنهم شعروا أنهم يجيدون الإدارة، فقد عانوا أيضاً من الشعور بخيبة الأمل. فوظائفهم الإدارية لم تكن ذات معنى مثل وظائفهم السابقة. عبَّر سائق سابق عن هذا الأمر قائلاً: “نحن لا نفعل شيئاً مهماً حقاً”. وعلى الرغم من أنهم لم يرغبوا في العودة إلى قيادة قطارات الأنفاق، فقد أرادوا الانتقال إلى مناصب في الشركة تجعلهم “يشعرون أنهم يقومون بشيء مهم حقاً” و”أنهم يُحدثون فرقاً”. كان هذا على النقيض تماماً من وكلاء المحطات السابقين الذين تحدثنا معهم؛ فالغالبية العظمى منهم كانوا راضين عن وظائفهم الإدارية.

أظهر تحليلنا أن “كآبة المناصب الإدارية” التي يعاني منها السائقون السابقون تُعزى بشكل كبير إلى كيفية رؤيتهم للمسؤولية الشخصية وفهمهم لها. فقد أمضوا في المتوسط 12 عاماً في وظيفة كانت أفعالهم خلالها تؤثر على حياة الركاب بشكل مباشر، مع عدم وجود أي شخص آخر لإلقاء اللوم عليه أو الاعتماد عليه عند حدوث خطأ ما. وعندما جرت ترقية هؤلاء السائقين، لم يعودوا يتعاملون مع مواقف حرجة يومياً ونادراً ما كانوا يعملون بمفردهم. وقد أقروا بأنهم أصبح لديهم استقلالية أكبر في صناعة القرارات وأصبحوا مسؤولين عن نطاق أوسع من الأنشطة بوصفهم مدراء، ما يزيد بالتأكيد من شعورهم بالمسؤولية الإدارية. لكن بشكل عام، لم يكن لهذا الشعور أهمية كبيرة مقارنة بتوقعاتهم. فبالنسبة إليهم، الترقية إلى مدير كانت خطوة للأمام وللوراء أيضاً في السلم الوظيفي.

كان هذا على النقيض من وكلاء المحطات السابقين الذين لم يتعاملوا مع مواقف حرجة ونادراً ما كانوا يعملون بمفردهم في وظائفهم السابقة ولم تكن لديهم توقعات مماثلة لتوقعات السائقين بشأن الشعور بالمسؤولية. وبالتالي فإنهم لم يشعروا بالخسارة. في الواقع، تحمُّل وكلاء المحطات السابقين مسؤولية إدارة مرؤوسيهم المباشرين جعلهم يشعرون أنهم “ارتقوا درجة” فيما يتعلق بالمسؤولية الشخصية، لأنهم أصبحوا مسؤولين الآن عن وظائف أشخاص آخرين ورفاههم، على عكس السائقين السابقين الذين رأوا أن هذا الواجب الإداري نفسه أقل أهمية، لدرجة أنهم قارنوه بالإشراف على الأطفال في أثناء العطلات.

الأدوار الإدارية الهامشية وغير المرضية

“كآبة المناصب الإدارية” ليست مشكلة خاصة بالعاملين في شبكة قطارات الأنفاق الذين أجرينا معهم مقابلات. فقد أظهرت دراسات سابقة أن بعض الأطباء في النرويج والمملكة المتحدة يرون أن أدوارهم الإدارية “هامشية” و”غير مرضية” مقارنة بأدوارهم السابقة عندما كانوا يعملون في الخطوط الأمامية. بالإضافة إلى ذلك، اتضح أنضباط الشرطة يفضلون “العمل الحقيقي” (أي إنفاذ القانون في أثناء اضطلاعهم بالدوريات) على أي مهام أخرى، وبالتالي فهم من المرشحين الرئيسيين للشعور بالحزن والكآبة.

نعتقد أيضاً أن آثار جائحة “كوفيد-19” قد تؤدي إلى زيادة الشعور بالمسؤولية والاستقلالية. فقد تعين على آلاف الممرضين والأطباء ومقدمي الرعاية المنزلية وموظفي المؤسسات الإصلاحية التعامل مع العواقب المميتة للجائحة، وغالباً كانوا يفعلون ذلك بمفردهم. وبعد سنوات من الآن، أو ربما بعد وقت أقصر، ستتم ترقية قلة مختارة منهم ليشغلوا مناصب إدارية. وبالنظر إلى تجاربهم السابقة، نعتقد أن الكثيرين منهم سيعانون من “كآبة المناصب الإدارية”.

إذا كانت الترقية إلى مدير تعني الرجوع خطوة إلى الوراء بالنسبة إلى بعض المدراء، فإن الفهم والاستعداد الأفضل لهذا الانتقال قد يساعد في تجنُّب عواقب الشعور بخيبة الأمل التي من المحتمل أن تكون مكلفة. وقد يعني هذا إعادة النظر في تصميم الوظائف الإدارية لهؤلاء القادمين من وظائف تؤثر على حياة الآخرين، لاسيما إذا كان العمل يتم بشكل مستقل. على سبيل المثال، يمكن للممرضة التي جرت ترقيتها إلى منصب إداري الاحتفاظ بإمكانية رعاية عدد قليل من المرضى، فقد تكون هذه الطريقة أكثر فعالية في التخفيف من الشعور بالخسارة.

بشكل عام، إذا كانت الترقية إلى منصب المدير يمكن أن تؤدي إلى عدم الوفاء بتوقعات الأشخاص بشأن المسؤولية، ينبغي لأصحاب العمل التفكير في طرق جديدة لإدارة هذا الانتقال والتأكد من أن هؤلاء الذين تم اختيارهم لهذه الترقية يشعرون بالرضا تجاه أدوارهم الإدارية بشكل كامل. وفي حين أنه من المهم معرفة العناصر الملموسة، مثل المهارات والمعرفة والشبكات الاجتماعية، التي يحملها الأشخاص معهم من وظائفهم السابقة، إلا أنه يجب الاهتمام أيضاً بالعناصر الذاتية، مثل التوقعات، لأنها يمكن أن تؤثر بشكل ملموس على وظائفهم الإدارية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .