تقرير خاص

مستقبل العمل بعد كوفيد-19

3 دقائق
مستقبل العمل بعد كوفيد-19
shutterstock.com/nito
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أحدث مرض “كوفيد-19” زعزعة كبرى في القوى العاملة؛ إذ أبرز أهمية التفاعلات القريبة في مكان العمل وحفَّز إجراء التغييرات في نماذج عمل الشركات وسلوك المستهلكين، والتي نتوقع استمرار العديد منها بعد الوباء.

نقدم لكم في هذا المقال ملخصاً عن بحث أنجزه مجموعة من الباحثين من “مركز ماكنزي العالمي للأبحاث” حول التأثير طويل الأمد لكوفيد-19 على العمل عبر العديد من المجالات، حيث سنتناول فيما يلي: مستقبل العمل بعد “كوفيد-19” وأهم النتائج الرئيسية للبحث وتوجهات العمل المستمرة بعد “كوفيد-19”.

ويتناول هذا البحث دراسة التأثير طويل الأمد لكوفيد-19 على العمل عبر العديد من المجالات وفي ثمانية اقتصادات تتسم بتنوع أسواق القوى العاملة فيها وهي: الصين وفرنسا وألمانيا والهند واليابان وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

النتائج الرئيسية

ومن أهم النتائج الرئيسية لهذه الدراسة كانت ما يلي:

أدت اعتبارات الصحة والسلامة إلى إبراز البُعد المكاني للعمل باعتباره عاملاً جديداً يعيد تشكيل مستقبل العمل. ونقوم في هذه الدراسة بتجميع المهن بطريقة جديدة بناءً على مستوى التقارب الجسدي، وتواتر التفاعلات البشرية، والمكان الذي يتم فيه إنجاز العمل. ويُظهر التحليل الذي أجريناه أن تأثير الوباء على المدى القصير والطويل يتركز في 4 مجالات عمل تتسم بمستويات عالية من التقارب، وهي: مرافق الترفيه والسفر (بما في ذلك المطاعم والفنادق) التي توظف أكثر من 60 مليون شخص في البلدان الثمانية، وتفاعل الزبائن في الموقع بما في ذلك البيع بالتجزئة والضيافة (150 مليون)، والعمل المكتبي القائم على الحاسوب (300 مليون)، والإنتاج والتخزين (أكثر من 350 مليون).

في المقابل، فإن تأثيرات الوباء قد تشهد انحساراً سريعاً في مجالات العمل ذات الكثافة الأقل مثل مواقع الإنتاج الخارجية. كما أن مجالات أخرى ذات مستوى عالي من التقارب الجسدي مثل الرعاية الطبية والعناية الشخصية قد تتعرض لتغييرات أقل بسبب طبيعة المهن فيها.

توجهات العمل المستمرة بعد كوفيد-19

لقد أدى “كوفيد-19” إلى تسريع 3 توجهات يمكن أن تستمر بدرجات متفاوتة بعد الوباء حاملة تأثيرات متمايزة على مستقبل العمل.

أولاً، من الممكن أن يتواصل نموذج العمل الهجين عن بعد؛ حيث إن 20 إلى 25% من العاملين في الاقتصادات المتقدمة، وحوالي 10% من العاملين في الاقتصادات الناشئة قد يواصلوا العمل من منازلهم لمدة 3 إلى 5 أيام في الأسبوع، خاصة في مجال العمل المكتبي القائم على الحاسوب. وتمثل تلك المدة أربعة إلى خمسة أضعاف المستوى الذي كانت عليه قبل الوباء، وربما تؤدي إلى تراجع الطلب على وسائل النقل الجماعي والمطاعم وتجارة التجزئة في المراكز الحضرية.

ثانياً، من المرجح أن تتابع حصة التجارة الإلكترونية و”اقتصاد التوصيل” نموهما الذي كان أسرع بمرتين إلى خمس مرات في عام 2020 عما كان عليه قبل الوباء. ويؤدي هذا التوجه بالفعل إلى زعزعة الوظائف في مجال السفر والترفيه وتسريع وتيرة تناقص فرص العمل ذات الأجور المنخفضة في المتاجر والمطاعم التقليدية، ويؤدي في نفس الوقت إلى زيادة فرص العمل في مراكز التوزيع وتوصيل السلع في الميل الأخير.

أخيراً، لجأت الشركات إلى الأتمتة والذكاء الاصطناعي للتعامل مع الاضطرابات الناجمة عن “كوفيد-19″، ومن الممكن أن تعزز تبنيها في السنوات القليلة القادمة من خلال زيادة أعداد الروبوتات في معامل التصنيع والمستودعات وإضافة أكشاك الخدمة الذاتية وروبوتات الخدمة في المجالات التي تنطوي على التفاعل مع الزبائن.

نرجّح أن تختلف تأثيرات هذه التوجهات باختلاف مجالات العمل والبلدان وأن تثير مسائل جديدة بالنسبة للمدن. تمثل مجالات العمل الأربعة الأكثر تأثراً بالتقارب الجسدي حوالي 70% من القوى العاملة في الاقتصادات المتقدمة الستة التي شملتها الدراسة، في حين أنها تصل إلى حوالي 60% في الصين و40% فقط في الهند، حيث يمارس أكثر من نصف القوى العاملة أعمالاً خارج مقرات العمل.

هناك اختلافات أيضاً بين الاقتصادات المتقدمة؛ وعلى سبيل المثال، يسود العمل المكتبي القائم على الحاسوب في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بينما تسجل ألمانيا أعلى إنتاج داخل مقرات العمل بفضل قاعدتها التصنيعية الكبيرة. تفضي هذه الاختلافات إلى تباينات في إمكانات العمل عن بعد ومستويات التنقلات الوظيفية. وستطال تداعيات ذلك المدن الكبيرة؛ حيث سيؤدي العمل عن بُعد إلى تراجع الطلب على وسائل النقل وتجارة التجزئة والخدمات الغذائية. وقد يصب ذلك في مصلحة المدن الأصغر التي كانت تشهد تناقصاً في الطلب على هذه الخدمات قبل الوباء.

قد يكون نطاق تغيير القوى العاملة للمهن أكبر من توقعاتنا قبل الوباء، وقد تتراجع حصة التوظيف في فئات الوظائف منخفضة الأجر. وتبعاً لمدى استمرارية هذه التوجهات، تشير سيناريوهاتنا إلى أن أكثر من 100 مليون عامل في البلدان الثمانية قد يضطرون إلى تغيير مهنهم بحلول عام 2030، بزيادة قدرها 12% عن توقعاتنا العامة قبل الوباء في الاقتصادات التي شملتها الدراسة، وتصل هذه الزيادة إلى 25% في الاقتصادات المتقدمة.

من المحتمل أن تكون النساء والأقليات العرقية والعمال الأقل تعليماً هم الأكثر تضرراً. ونتوقع أن تنخفض حصة التوظيف في المهن منخفضة الأجر لأول مرة بحلول عام 2030، حتى في ظل استمرار توسع المهن ذات الأجور المرتفعة في مجال الرعاية الصحية ومجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

تفسح هذه التوجهات المجال أمام الشركات وصانعي السياسات لتسريع العديد من حتميات مستقبل العمل التي كانت جلية حقاً قبل “كوفيد-19”. ويمكن للشركات أن تستغل هذه الفرصة الجديدة لإعادة تصور كيفية ومكان إنجاز العمل، والتفكير في مجالات عمل وأنشطة مهنية محددة.

ستبرز الحاجة إلى إعادة توزيع العاملين بصورة سريعة وفعالة، على سبيل المثال من خلال التوظيف وإعادة التدريب على أساس المهارات والخبرة بدلاً من الشهادات الأكاديمية. قد يفكر صانعو السياسات في إعطاء الأولوية للوصول العادل إلى البنية التحتية الرقمية، ويدرسون طرقاً جديدة لتمكين التنقلات الوظيفية. وفي ظل تنامي نسبة العمال المستقلين، ستتجلى الحاجة إلى مزيد من الابتكار لتوفير مزايا لهم.

في حين أن الوباء سينحسر في نهاية المطاف، فإن الرشاقة والإبداع التي أبداها صانعو السياسات والشركات خلال الأزمة ينبغي أن تتواصل بما يتيح العثور على الاستجابات الفعالة لتحديات القوى العاملة التي تلوح في الأفق.

مستقبل العمل بعد كوفيد

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .