لماذا نماطل عندما تكون مواعيد التسليم بعيدة؟

5 دقائق

"هل بمقدورك إنجاز هذا العمل وتسليمه لي في نهاية هذا الأسبوع؟" هو طلب لا يرغب الكثير من الموظفين سماعه. بيد أنّ العديد من الناس يرون أنّ تحديد مواعيد نهائية قريبة بدلاً من المواعيد النهائية البعيدة – كمثل القول: "هل تعتقد أنّ بوسعك إنجاز هذا العمل نهاية هذا اليوم؟" – قد يساعدهم على إنجاز المهمة والنظر إليها بوصفها أقل صعوبة.

في دراسة حديثة نُشرت في مجلة بحوث المستهلكين، وجدنا أنا والزملاء "راجيش باغتشي" و"ستيفن هوك" أنّ المواعيد النهائية البعيدة قد تدفع الموظفين للاعتقاد بأنّ المهمة المكلفين بها أصعب مما هي عليه في الواقع، ما يحملهم على تخصيص المزيد من الموارد لإنجاز هذه المهمة، وهذا بدوره يزيد من نسبة المماطلة في الإنجاز واحتمال تركها دون إنجاز. ويصح هذا الأمر أيضاً في الحالات التي يكون فيها سبب تأخّر الموعد النهائي عرضياً، كتعطل أحد الأماكن أو عدم توفر أحد العاملين لفترة طويلة من الزمن.

طلبنا في البحث الذي أجريناه من متطوعي أحد مراكز المجتمع المحلي تقديم إجابات عن استبيان قصير حول موضوع التخطيط للتقاعد وحددنا للمشاركين موعدين نهائيين مختلفين لملء استمارة الاستبيان عبر الإنترنت، الموعد الأول للمجموعة الأولى بعد سبعة أيام، والموعد الثاني للمجموعة الثانية بعد 14 يوماً. أظهرت النتائج أنّ المشاركين ضمن المجموعة الثانية التي منحت فترة أطول للإجابة قد دونوا أجوبة أطول واستغرقوا وقتاً أطول في الإجابة من زملائهم في المجموعة الأولى. لكن الأمر اللافت هو أنّ المشاركين في المجموعة الثانية التي منحت وقتاً أطول كانوا أكثر ميلاً إلى المماطلة وأقل ميلاً إلى إتمام المهمة من نظرائهم في المجموعة الأولى التي منحت وقتاً أقصر.

كما أظهرت دراسة أخرى أنّ المهل الزمنية الأطول دفعت المستجيبين إلى تخصيص قدر أكبر من المال لتقديم إقراراتهم الضريبية، حتى لو كان طول تلك المهل ناتج عن عامل عرضي غير مقصود – كانتظار وصول بديل عن استمارة ضريبية مفقودة. وفي هذه الدراسة، لم يضطر الأشخاص الذين وصلتهم الاستمارة الضريبية في وقت متأخر (وبالتالي كان أمامهم مدة زمنية أقصر لملئها) إلى إنفاق ذلك القدر من المال لإنجاز المهمة ذاتها مثل أندادهم، الذين اضطروا للاستعانة بخدمات المحاسب الضريبي أو لشراء برمجيات إعداد الضرائب.

يوفر هذان البحثان دروساً وعبراً للمدراء والموظفين الذين يحددون المواعيد النهائية سواء أكان ذلك لأنفسهم أم للآخرين. إنهما يبنيان أيضاً على فهمنا لقانون باركنسون الذي ينص على أنّ "العمل يتوسع ليملأ الوقت المتاح لإنجازه". وتظهر النتائج التي توصلنا إليها أنه يتعين على المدراء أن ينظروا إلى المواعيد النهائية لإنجاز المهام نظرة أكثر شمولية. فمن جهة، في حين أنّ قانون باركنسون يشير إلى أنّ المهل الزمنية الأطول تدفع الناس إلى وضع أهداف أسهل وبالتالي إلى خفض الجهود المبذولة، وجدنا نحن أنّ المواعيد النهائية الأطول تجعل المهام تبدو أكثر صعوبة. ومن جهة أخرى، بينما يشير قانون باركنسون فقط إلى عامل الوقت اللازم لإنجاز المهام، وجدنا نحن أنّ المهل الزمنية العرضية الأطول تزيد أيضاً من الالتزام المالي المرصود لإنجاز تلك المهام. وبالمحصلة، عندما تُرصَد ميزانية محددة لإنجاز مهمة ما، يكون من الأفضل تحديد الموعد النهائي لإنجاز تلك المهمة في وقت أقرب وليس أبعد.

ترتبط هذه النتائج بالحالات التي يكون المرء فيها ملزماً بإنجاز مهمة واحدة في موعد نهائي واحد، غير أننا غالباً ما نضطر للتعامل مع مهام متعددة ومتزامنة يتعين إنجازها في مواعيد نهائية متباينة ومتقاطعة. ولهذا قمنا – زميلاي "يانغ يانغ" و "كريس هسي" وأنا – بتصميم دراسة منفصلة للبحث في كيفية استجابة الأفراد لمجموعة من المواعيد النهائية. وخلصنا في هذه الدراسة إلى أنّ الناس الذين يتعين عليهم إنجاز مهام عدة تتنوع في أهميتها في مواعيد نهائية متعددة، يفضلون في الغالب إنجاز المهام الأقل أهمية وذات المهل الزمنية الأقصر على تلك المهام الأكثر أهمية وذات المهل الزمنية الأطول. وفي مقالتنا المنشورة في مجلة بحوث المستهلكين، أطلقنا على هذا الأثر اسم "أثر الضرورة الملحة" لتبيان كيف أنّ المهل الزمنية القصيرة تؤثر في كيفية ترتيب تنفيذ المهام حسب الأولوية.      

درسنا هذه المسألة من خلال تقديمنا لطلاب الكلية ثلاث قطع من الشوكولاتة "هيرشي كيسز" لينجزوا مهمة معينة في مهلة زمنية قصيرة، أو خمس قطع من الشوكولاتة ذاتها لإنجاز مهمة مشابهة في مهلة زمنية أطول. والأمر المهم هنا هو أنّ الخيار ذا الجائزة الأصغر قد سبّب إلحاحاً زائفاً بسبب قصر المدة المتاحة، والسبب في ذلك هو أن بمقدور الطلاب دائماً إتمام المهام (التي كانت تُنجز تلقائياً في خمس دقائق بالضبط) ضمن المهلة الزمنية المحددة. لقد كان عدد أكبر من الطلاب على استعداد للتخلي عن الجائزة الأكبر لمجرد أنّ المهمة ذات الجائزة الأصغر قد ارتبطت في أذهانهم بهذا الوهم من الضرورة الملحة. وفي دراسة أخرى من دراساتنا، وجدنا أنّ العمال المهنيين المتعاقدين للعمل على منصة "أمازون ميكانيكال تورك" (Amazon Mechanical Turk) والذين تشمل وظيفتهم اليومية تسجيل أسمائهم للعمل في مهام مختلفة ذات صلة بالذكاء الإنساني بهدف جني الأموال، كانوا يفضلون التخلي عن 8% من أجرهم الكامل المنصوص عليه في عقودهم، فقط لأن خيار إنجاز المهام ذات الأجر المتدني كان يتسم بوهم الضرورة الملحة.

أظهرت هذه الدراسات أنّ ميل الناس إلى المماطلة وتأجيل ما هو مهم بهدف إنجاز المهام الملحة الأقل أهمية إنما يعكس تفضيلاً نفسياً أساسياً لدى أولئك الناس. ولعل الكثيرين منا يعلمون ذلك من سلوكهم البديهي؛ إذ إننا نتفقد بريدنا الإلكتروني ونجيب على الرسائل المرسلة إلينا باستمرار على حساب إنجاز أعمالنا المهمة كإعداد تقرير الأرباح أو تنفيذ مشروع فريق عملنا. وعلاوة على ذلك، ننحو إلى تأجيل إجراء الفحوص الطبية الروتينية التي قد تنقذ حياتنا – مثلاً عند تشخيص مرض السرطان في مرحلة مبكرة تجعله قابلاً للعلاج – ونفضل عوضاً عن ذلك زيارة أحد المتاجر لأن فترة تخفيضاته على وشك الانقضاء. ويحدث هذا نظراً لصعوبة المهام المهمة وبُعد أهدافها عن التحقق، في حين إنّ المهام الملحة مرتبطة بتعويضات وأجور محددة ومباشرة أكثر من سواها، وربما تكون لدى الناس رغبة في إنجاز المهام الملحة أولاً ومن ثم العمل على إنجاز المهام المهمة لاحقاً. بيد أنّ دراساتنا تذهب أبعد من ذلك وتظهر أننا قد نفضل المهام الملحة البسيطة حتى عندما تغيب الأسباب المنطقية السابقة الذكر ولو أدى ذلك إلى خسارتنا مادياً. إننا نتصرف كما لو أنّ تولّي إنجاز المهام الملحة له جاذبيته الخاصة بمعزل عن التبعات الموضوعية.

من الضروري بالنسبة للمدراء وغيرهم ممن يحددون مواعيد الإنجاز النهائية أن يدركوا ويتذكروا أنماط السلوك هذه، وذلك لأن نتائج أبحاثنا ودراساتنا قد كشفت حقائق وسبلاً للتحكم بالأمور وضبطها: فالمهل الزمنية القصيرة والمواعيد النهائية القريبة لإنجاز المهام الملحة تستدعي اهتمام الأشخاص المكلفين بها، بحيث أنهم من المرجح أن ينجزوها بسرعة وألا يماطلوا فيها وهم على استعداد لأن ينفقوا ما يلزم من المال في سبيل إنجازها أكثر مما يمكن أن ينفقوه في حال تكليفهم بمهمة إنجاز العمل ذاته في مهلة زمنية أقل إلحاحاً.   

بيد أنّ بعض المهام تتطلب مهلاً زمنية أطول وبخاصة عندما تكون ذات طبيعة معقدة جداً أو تتدخل في الأمر عوامل خارجية تؤدي إلى إطالة الجدول الزمني للإنجاز. فهل هنالك إمكانية في هذه الحال أيضاً لتحسين الإنتاجية عبر إدارة المهل الزمنية بطريقة مختلفة؟ الجواب هو "نعم"، وذلك وفقاً للنتائج التي توصلنا إليها.

عندما تكون المهل الزمنية الطويلة ضرورية، يستطيع المدراء حرف انتباه موظفيهم بعيداً عن الموعد النهائي من خلال التركيز على النتائج النهائية للمهام الجزئية اليومية. ولعل تذكير الموظفين بالتعويضات النهائية للمهام المختلفة يمكن أن يشكل طريقة فعالة وناجعة في هذا الصدد. وثمة ظروف تكون فيها المهل الزمنية الطويلة أكثر فعالية من المهل الزمنية القصيرة، مثلما هي الحال عندما تكون لدى الأفراد نزعة طبيعية نحو وضع الخطط ضمن مهل زمنية مريحة ولا تستهلك طاقتهم كلها، كتوفير المال للدراسة في الجامعة أو التخطيط للتقاعد على سبيل المثال. وعلى الرغم من أنّ البعض سيبقى يماطل في إنجاز هذه المهام أو يتركها دون إنجاز، فإنّ أولئك الذين سيلتزمون بها سيحققون الأهداف المنشودة بسهولة لأنهم يفترضون مسبقاً أنّ إنجاز تلك المهام يتطلب بذل قدر من الجهد أكبر مما هو مطلوب عادة. وفي هذه الحالة، يمكن لضغط المهل الزمنية الخفيف أن يوازن الراحة الناجمة عن وضع الخطط المريحة زمنياً.

ملاحظة المحرر: وضحنا النتائج ذات الصلة بدراسة الاستمارة الضريبية لنبين كيف ينفق الناس أموالهم عندما يتصرفون تحت ضغط المهل الزمنية المحددة.  

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي