يتسم نموذج أعمالنا عن فكرة بيع تصاميم الملابس في شركة ستيتش فيكس (Stitch Fix) بالبساطة: إننا نرسل إليك قطع الملابس والاكسسوارات التي نتوقع أن تنال إعجابك؛ وأنت تحتفظ بالقطع التي تعجبك وتعيد إلينا الباقي. إننا نوظف علم البيانات لكي نزود زبائننا، وعلى نطاق واسع، بملابس ذات طابع شخصي، متخطين بذلك أسلوب تجارة التجزئة التقليدية المعروفة وأسلوب تجارة التجزئة الإلكترونية على حد سواء. ولعل الزبائن عموماً يستمتعون بأن يتولى مصمم أزياء خبير اختيار ملابسهم، كما أنهم يقدرون البساطة التي تتسم بها خدمتنا والراحة التي توفرها.
فكرة بيع تصاميم الملابس
وبالطبع فإن الحفاظ على بساطة الخدمة وتوفير الراحة للزبائن، وفي الوقت ذاته ضمان العمل بربحية وعلى نطاق واسع، لهو أمر غاية في التعقيد. ولعله أكثر تعقيداً في قطاع تجارة التجزئة المتخصص في الأزياء والموضة، والذي يتسم بالتزاحم والمنافسة والتقلب والتغير السريع. يعمد بعض تجار الألبسة الآخرون إلى تمييز أنفسهم من خلال أقل الأسعار أو ضمان أسرع شحن؛ غير أننا في شركة ستيتش فيكس نتميز من خلال فكرة بيع تصاميم الملابس ذات الطابع الشخصي لعامة الناس. فكل إرسالية من شركتنا هي عبارة عن صندوق يحوي خمس قطع ملابس واكسسوارات انتقيناها لك خصيصاً. وتقوم اختياراتنا تلك على المعلومات التي زودتنا بها أنت وملايين الأشخاص الآخرين – وذلك أولاً من خلال الاستبيان المفصل والشامل الذي تملؤه عندما تنضم إلى زبائننا، ومن ثم عبر الملاحظات التي تزودنا بها بعد كل إرسالية.
باعت ستيتش فيكس في العام 2016 ما قيمته 730 مليون دولار من الملابس، في حين باعت في العام 2017 ما قيمته 977 مليون دولار. ويمكننا القول إن 100% من إيراداتنا تتأتى مباشرة من توصياتنا التي هي جوهر أعمالنا. لدينا أكثر من مليوني زبون نشط في الولايات المتحدة، ونبيع ملابس تحمل أكثر من 700 علامة تجارية. إننا لا نحاول إقناعك بشراء أحزمة تناسب البلوزة التي أضفتها للتو إلى سلة مشترياتك، ولا نروج لعلامة تجارية بعينها لأنك كنت قد اشتريت منها سابقاً، ولا نعتمد على أنماط تصفّحك لكي نستشعر أنك قد تكونين تبحثين عن ثوب أسود صغير – وهي أنشطة تتسم جميعها بأنها تقوم على نسب منخفضة من الحوار بيننا وبين الزبون؛ بل إننا نصمم لك عوضاً عن ذلك إرسالية تحوي اختيارات خاصة قائمة على البيانات التي بحوزتنا وعلى التعلم الآلي المدعوم بتقدير اختصاصيين يتمتعون بالخبرة والمهنية.
ولا يكفي أن نقول إن علم البيانات متغلغل في ثقافتنا وجزء لا يتجزأ منها، بل إن ذلك العلم هو ثقافتنا بذاتها. فلقد بدأنا وعلم البيانات في صميم أعمالنا، ولم نضِفْه إلى بنيتنا التنظيمية التقليدية؛ وبنينا خوارزميات الشركة على نحو يتمحور حول زبائننا واحتياجاتهم. يعمل معنا أكثر من 80 عالم بيانات، يحملون في غالبيتهم شهادات دكتوراه في مجالات العلوم الكمية كالرياضيات، وعلم الأعصاب، والإحصاء، وفيزياء الفلك. ويتبع فريق علم البيانات لي مباشرة، ومن دون هذا الفريق ما كانت ستيتش فيكس موجودة. الأمر بهذه البساطة.
قصتنا عن فكرة بيع تصاميم الملابس لا تشبه قصص وادي السيليكون
لا تشبه شركتنا في شيء الشركات الناشئة النمطية في وادي السيليكون. وأنا لا أعد نفسي رائدة أعمال وفقاً للخطوات التقليدية: فشركة ستيتش فيكس هي أول شركة أطلقها. لكنني مفتونة بخبرات تجارة التجزئة ومندهشة بمدى عدم تأثرها بالتكنولوجيات الحديثة في القرن الواحد والعشرين. لقد عملت كثيراً أثناء سنوات دراستي الأولى في جامعة ستانفورد في بداية الألفية الثالثة وفي وظيفتي الأولى، كاستشارية في بارثينون غروب، مع شركات تجارة التجزئة والمطاعم. وبينما أحببت كلا القطاعين وعرفت قيمتهما بالنسبة للناس، فوجئت بأنهما لا يزالان يقدمان من حيث المبدأ نفس الخبرة التي كانا يقدمانها في السبعينيات – وحتى في الخمسينيات – من القرن الماضي، برغم التغير الكبير الحاصل في العالم. ولذلك فكرت في طريقة فعالة يتكيفان بها مع هذا التغير مستقبلاً، وأردت أن أكون جزءاً من ذلك المستقبل.
انتقلت من بارثينون غروب لأصبح شريكاً في شركة ليدر فنتشرز، وهي شركة استثمار، وذلك في الوقت الذي ظهرت فيه هواتف آي فون عام 2007. لكنني بقيت أفكر في تجارة التجزئة. لقد درست الأداء الاقتصادي لشركة بلوك باستر أثناء صعود شركة نتفليكس. فمن جهة كانت بلوك باستر مسيطرة على مبيعات المتاجر العادية التقليدية؛ ومن جهة أخرى كانت نتفليكس مسيطرة على المبيعات من دون متاجر على الأرض، الأمر الذي وفر فرصة لإجراء دراسة حالة مثالية، حيث كنت قادرة على أن أرى بدقة متى ترجح الكفة ولأي طرف. وهكذا وجدت أنه كلما وصلت حصة نتفليكس من السوق عتبة 30% كان متجر بلوك باستر في المنطقة يغلق أبوابه، ويواجه الـ 70% الباقون الخيار: إما أن يجربوا التعامل مع نتفليكس وإما أن يسافروا مسافة أبعد لاستئجار الأفلام التي يرغبون في مشاهدتها. ولقد كان العدد الأكبر منهم يجرب التعامل مع نتفليكس، الأمر الذي أدى إلى ازدياد الضغوط على شركة بلوك باستر؛ حيث سيغلق متجر آخر أبوابه، وعدد أكبر من زبائن هذه الشركة سيقفون أمام الخيار: إما تجريب نتفليكس وإما السفر إلى مسافة أبعد للحصول على الأفلام، وقد واجهت العديد من الشركات هذا الخيار.
ولقد أدركت أن فكرة بيع تصاميم الملابس والكثير من شركات تجارة التجزئة الأخرى قد تلاقي نفس مصير بلوك باستر إن لم تُعِد النظر في استراتيجيتها للعمل. قمت على سبيل المثال بطرح السؤال التالي: كيف سيقوم الناس بشراء سراويل الجينز بعد عشر سنوات؟ كنت أعلم أنهم لن يسلكوا النموذج التقليدي: بأن يذهبوا إلى ستة متاجر مختلفة، ويسحبوا السراويل من الرفوف ويجربونها. كما أنني لم أعتقد أنهم سيسلكون طريق الشراء الإلكتروني الشائع اليوم، حيث يزور المتسوق 15 موقعاً مختلفاً ويقارن بين مواصفات السراويل المختلفة ويقرأ ملاحظات المتسوقين الآخرين حولها. فالطريقة الأجدى هي إذاً أن يشتري الزبائن عدداً من السراويل، يحتفظوا بالملائمة منها ويعيدوا غير الملائمة إلى الشركة البائعة.
لقد كان الجزء المحب للبيانات في شخصيتي يدرك أن تلك البيانات يمكن الاستفادة منها لخلق خبرة تسوق أفضل في مجال الألبسة. ففي المحصلة ليست الملاءمة والذوق سوى مجموعة من المواصفات مثل: قياس الخصر، والمقاس، والمادة، واللون، والوزن، والمتانة، والتصميم؛ وكلها مجرد بيانات. فإذا ما جمعت كماً كافياً من البيانات، فإنك ستحصل على تصور جيد جداً عما يرغب الناس في ارتدائه.
غير أن الجزء المحب للثياب في شخصيتي كان يدرك العامل الإنساني في عملية التسوق – الاستمتاع بالعثور على قطعة ثياب لم تكن تتوقع وجودها في السوق والشعور بالرضا لأن قطعة الثياب تلك تلائمك وسعرها يناسب ميزانيتك. لقد رأيت فرصة للجمع بين العنصرين – عنصر البيانات وعنصر التجربة الشخصية – من أجل ابتكار نموذج جديد لشراء الملابس.
هل فكرة بيع تصاميم الملابس سيئة؟
لم أكن أخطط في بادئ الأمر لإطلاق شركة جديدة؛ بل كنت أنوي التشارك مع شركة ناشئة ترغب في تبني هذه الفكرة. ولقد التقيت وأنا في شركة ليدر بمئات رواد الأعمال وأملت بأن أتفق مع الشخص المناسب. غير أن ذلك لم يحدث. ولذلك التحقت بكلية هارفارد للأعمال لكي أتعلم كيف أشق طريقي نحو ريادة الأعمال بعيداً عن المخاطر. وهكذا استفدت من سنتَي دراستي في الكلية لكي أضع الخطط لشركتي الخاصة وأطلقها. وتلقيت ورقة شروط تمويل ستيتش فيكس في شهر فبراير/ شباط من العام 2011؛ وشحنت أول إرسالية انطلاقاً من شقتي الخاصة في شهر أبريل/ نيسان؛ وتخرجت من الكلية في شهر مايو/أيار من العام ذاته.
ليست الملاءمة والذوق سوى الاختيار الصحيح لمجموعة من المواصفات مثل: قياس الخصر، والمقاس، والمادة، واللون، والوزن، والمتانة، والتصميم.
لم يقتنع الكثيرون بفكرتي، فلقد وصفها أحد أساتذتي في الكلية بأنها كابوس من حيث المخزون المطلوب. فلقد أردت امتلاك كل المخزون الذي أرغب في بيعه بحيث يمكنني فهم مواصفات كل سلعة وتحويلها إلى بيانات كثيرة منظمة ومرتبة. غير أن ملكية كامل المخزون في مجال تجارة التجزئة أمر محفوف بالمخاطر، وهكذا رأى أستاذي أن من شأن ذلك أن يجعل استراتيجيتي مكلفة مالياً وخطرة. لكنها كانت استراتيجية صائبة في نهاية المطاف. فاستخدام البيانات لفهم ما يريده الزبائن يمكننا من تدوير المخزون بسرعة أكبر من الكثير من تجار التجزئة التقليديين، لأننا نستطيع شراء السلع المناسبة وإيصالها إلى الزبائن المناسبين. وهكذا تبين أن بيع المخزون بسرعة كافية لدفع مستحقات البائعين من النقود التي يدفعها الزبائن، إنما هو نموذج عمل يمتاز بدرجة كبيرة من كفاءة رأس المال.
وعلاوة على ذلك لاقت فكرتي انتقاداً ومعارضة من قبل أصحاب رأس المال المغامر (أو ما يسمى برأس المال الجريء). فلقد كنت آتي إلى اللقاءات مع أولئك الأشخاص وأجلب معي صندوقاً من قطع الملابس مع بطاقة مواصفات عمّا يناسب الشخص الذي ترسل إليه موقعة من قبل أحد مصممينا المحترفين. وأذكر أن أحد أصحاب رأس المال قال لي خلال الخمس دقائق الأولى من لقائنا: "إنني لا أفهم ببساطة كيف أن أحداً في الدنيا يمكن أن يرغب في تلقي مثل صندوق الملابس هذا". فما كان مني إلا أن شكرته على صراحته. لم يكن الكثيرون من أصحاب رؤوس المال متحمسين كثيراً لفكرة المخزون المليء بالثياب. كما استغرب الكثيرون اعتمادنا على توظيف مصممين يحصلون على أجرهم بالساعة، وهو ما بدا فكرة بعيدة كل البعد عن تفكير أصحاب رأس المال الاستثماري الأقرب إلى أتمتة كل شيء وتوظيف التطبيقات الحاسوبية لعمل التصاميم عوضاً عن توظيف مصممين من البشر. وعلى الرغم من نجاحنا المبكر، لاقت المرحلة الثانية من سلسلة محادثات تمويل أعمال شركتنا استجابات فاترة. فلقد أخبرني أحد المستثمرين: "أرى أنك شخص رائع وأن فريقك مدهش وأن أعمالك تسير على ما يرام؛ لكنني أرغب في انتقاء شركة أو شركتين لأستثمر فيهما سنوياً، وأرغب في انتقاء شركات تعمل في مجال يشبهني. لكن مع الأسف لا يمكنني أن أنجذب إلى تجارة التجزئة ولا إلى الفساتين النسائية".
خوارزمياتنا تساعدنا على اكتشاف التوجهات باكراً وبنحو أكثر دقة، بحيث نتمكن من إدارة مخزوننا على نحو أكثر كفاءة.
كان ما قاله واقعياً، ولكنه محبط. وفي الواقع فإن 87% من الموظفين، و35% من علماء البيانات، و32% من المهندسين في ستيتش فيكس هن من السيدات؛ في حين أن 90% من أصحاب رأس المال المغامر هم من الرجال، ولذلك فلقد شعرت أن دينامية نوع الجنس في هذا القطاع كان يعمل ضد صالحنا. لكن الضربة التي لم تقسم ظهرنا جعلتنا في نهاية المطاف أقوى، كما يُقال، لأنها أجبرتنا على تركيز اهتمامنا على الربحية وكفاءة رأس المال. ومنذ ذلك الحين بتنا نوظف السيولة النقدية الناتجة عن عملياتنا في إطلاق أعمال جديدة، بما في ذلك الملابس الرجالية والملابس النسائية ذات المقاسات الكبيرة جداً.
وأخيراً هنالك خصوصية أيضاً لقطاع عملنا ذاته، فجعل حجم العائدات متوقفاً على تقديم توصيات الموضة يعد من المهمات الأصعب بالنسبة للتعلم الآلي. وحتى الأشخاص الذين يظنون أنهم لا يبالون بأية ملابس يرتدون، يهتمون في واقع الأمر ببعض مواصفات تلك الملابس: كمقاسها، وتصميمها، والمواد المصنوعة منها – فتلك مواصفات تهمنا جميعاً. الأمر الذي يجعل قطاع العمل هذا دقيقاً ومعقداً: فهو ممتع، لكنه صعب أيضاً. وفي بادئ الأمر لم يصدق الناس في فرق اختبار هذه الفكرة أننا نستطيع فعلاً اختيار الملابس التي تعجبهم، فقد كانوا يقولون على الدوام: "كيف لذلك أن ينجح؟ من المستحيل أن تنجح هذه الفكرة".
ولقد زاد في تردد الزبائن أن عليهم أن يدفعوا 20 دولاراً كرسوم اختيار الملابس التي تناسب كل زبون قبل شراء أي شيء، تُحسب لهم في حال اشتروا أية قطعة ملابس؛ فلقد كانوا يسألون: "لماذا علي دفع 20 دولاراً إذا لم أحتفظ بأية قطعة ثياب؟" فكانت مهمتنا هي إقناع الزبائن وطمأنتهم إلى أن اختيارنا سيعجبهم بكل تأكيد، الأمر الذي أثبت صحته فعلاً – بفضل علم البيانات.
إدخال الخوارزميات
عندما بدأت العمل كانت أدوات عملي في علم البيانات بدائية، فلقد كنت أعتمد على برنامج "سرفي مونكي" و"جوجل دوكس" إلى جانب بعض الطرق الإحصائية لتتبع تفضيلات الزبائن ومحاولة تقديم توصيات جيدة. وقد كنت بادئ الأمر أتولى عمل مستشار الأزياء الشخصي، وأوصل في بعض الأحيان الإرساليات بنفسي. غير أن خطتي كانت على الدوام تتمثل في بناء آليات عمل تقوم على علم البيانات بحيث يمكن توسيع نطاق الأعمال بفعالية وسلاسة. وإذا كانت توصياتنا اليوم ناجحة، فبفضل خوارزمياتنا الجيدة، ولكن جودة هذه الخوارزميات إنما تعود إلى اعتمادنا على علم البيانات.
هنالك ثلاثة أمور تجعل التعلم الآلي فعالاً:
أن يكون اختصاصيو علم البيانات تابعين للرئيس التنفيذي مباشرة. يتبع اختصاصيو علم البيانات في معظم الشركات إلى المدير التقني بوصفهم أعضاء في الفريق الهندسي، وقد يتبعون أيضاً إلى المدير المالي. أما في شركتنا فهم يشكلون فريقاً منفصلاً بقيادة كبير مدراء الخوارزميات، إيريك كولسون، الذي يشغل مقعداً في مجلس الاستراتيجيات. لقد أتى إيريك من شركة نتفليكس في شهر أغسطس 2012. وكان قبل ذلك مستشاراً لنا. وقد اهتم بشركتنا لأنه وجد في العمل معنا تحدياً. وهو يتذكر عندما كان يعمل في نتفليكس أن أحداً ما قال: "لماذا لا نبدأ بتشغيل أحد الأفلام التي نظن أنها تعجب الشخص المعني بمجرد أن يضغط على تطبيقنا؟" ولقد كانت تلك فكرة جريئة لكنها خطرة – أن يوضع الرهان كله على توصية واحدة فقط. وقد أدرك حينئذ أن ذلك بالضبط ما تقوم به شركتنا ستيتش فيكس. وعندما كان مستشاراً لنا أمضى عطلته كلها يعالج بعض بياناتنا، فقرر الانضمام إلينا بدوام كامل – وقد شكل ذلك انعطافاً كبيراً بالنسبة لشركة ناشئة صغيرة كشركتنا.
علينا أخذ جميع بيانات القياس في الحسبان إضافة إلى ذوق الزبون، والفصل من السنة، والمكان الذي نعيش فيه، والتوجهات السابقة للموضة، وهو ما يعني الكثير من المتغيرات في معادلات الحساب.
ولما كانت عائداتنا متعلقة بالاقتراحات المهمة التي تنتجها خوارزمياتنا، فإن التواصل المباشر بين خبراء علم البيانات في الشركة والرئيس التنفيذي يغدو أكثر أهمية وحيوية. وهو يبعث برسائل مهمة إلى المؤسسة ككل حول قيمنا وأسلوب تعاملنا على الصعيد الاستراتيجي، بأن علم البيانات يحتل في مؤسستنا مكانة مميزة، وأن بوسع فرق العمل الأخرى كالتسويق والهندسة أن تعزز من قدراتها وكفاءاتها من خلال التعاون عن قرب مع فريق علم البيانات لدينا.
أن يكون الإبداع في الشركة من اختصاص فريق علم البيانات. لقد طورت شركتنا عشرات الخوارزميات التي لم يطلبها أحد، لأننا نشجع فريق علم البيانات على ابتداع الحلول الجديدة واختبار نجاعتها، فلا أحد يطلب من أفراد الفريق صراحة أن يطوروا خوارزمية توصي بشراء المزيد من سلعة ما على سبيل المثال، (الأمر الذي يغدو ضرورياً عندما تباع تلك السلعة من المخزون بتواتر كبير ويكون علينا شراء المزيد منها وتخزينها لنتمكن من تلبية الطلب عليها بسرعة). تساعدنا خوارزمياتنا على اكتشاف هذه التوجهات باكراً وبنحو أكثر دقة، بحيث نتمكن من إدارة مخزوننا على نحو أكثر كفاءة والاستجابة بسرعة أكبر لزيادة الطلب المفاجئة. ومؤخراً اكتشف فريق علم البيانات طريقة جديدة لتتبع تحركات موظفينا في مخازننا ووضع خوارزمية للمساعدة في اتباع الطريق الأقصر لإيجاد السلع المطلوبة من دون الحاجة إلى إعادة مسح شاملة للمكان في كل مرة يحدث فيها تغير.
قد يصعب أحياناً تصوّر مدى أهمية علم البيانات المتجذر عميقاً في عملياتنا وثقافتنا. إننا نستخدم اليوم أنواعاً كثيرة من الخوارزميات، ونقوم بوضع عدد كبير من الخوارزميات الجديدة. فصياغة توصيات الملابس ذات الطابع الخاص والمناسب لكل شخص على حدة تتم بالطبع بمساعدة التعلم الآلي. كما أن تنفيذ الطلبات وإدارة المخزون يتمان أيضاً من خلال الخوارزميات لخفض تكلفة رأس المال وضمان تحريك المخزون والقيام بأعمال التوريد بكفاءة عالية. كما لجأ فريق تطوير المنتجات إلى تكييف بعض الخوارزميات المستخدمة في علم الوراثة للتوصل إلى "موروثات" ناجحة في مجال الملابس. حتى إننا بدأنا نستخدم التعلم الآلي لتصميم الملابس ودعم فكرة بيع تصاميم الملابس بالفعل.
لقد نشأت "التصاميم الهجينة"، وهي علامتنا التجارية المميزة داخل الشركة، في بعد ظهر يوم ماطر، حيث كان عدد من علماء البيانات في الشركة يتباحثون في كيفية ملء بعض فجوات المنتجات في السوق. فعلى سبيل المثال كان عدد كبير من الزبونات ممن هن في منتصف الأربعينات من العمر يطلبن بلوزات ذات أكمام قصيرة، وقد كان هذا النمط من البلوزات مفقودًا من مخزوننا؛ وبعد سنة من ذلك بتنا نمتلك 29 قطعة ثياب نسائية وبقياسات كبيرة جرى تصميمها بالكمبيوتر وتلبي بعض الاحتياجات الخاصة لزبائننا التي لم تلبى سابقاً.
أما الطريقة الأخرى التي نطبق بها المنهج الكمي على تصميم الأزياء، فهي في مجال بيانات القياس. إننا نجري ما بين 30 إلى 100 قياس على كل قطعة ثياب في مخزوننا، وذلك تبعاً لنوع قطعة الثياب، كما إننا بتنا اليوم نعلم – من الخبرات التي جمعناها من أكثر من مليوني زبون ناشط – ما هي مواصفات قطع الثياب التي تدفع الزبون إلى إنفاق أكثر مما يسمح به نطاق راحته. إننا نعلم القيمة المثلى للنسبة بين مقاس الصدر ومقاس أكتاف القميص الرجالي؛ ومن خلال تحليل البيانات قمنا بتعديل المسافة بين ياقة القميص وأول زر فيه لتناسب الرجال ذوي الصدور الكبيرة. ومن ناحية أخرى نعرف نسبة الناس الذين يناسبهم مقاس 66 سم بين مجموع السكان، ولذلك فإننا سنحدد بناءً على تلك النسبة حجم مخزوننا من ذلك المقاس.
ولكن يمكن القول إن ذلك هو الجزء الأسهل من المهمة، فالتحدي الحقيقي إنما يتمثل في تحديد الثوب المناسب بالمقاس واللون المناسبين وفي الوقت المناسب أيضاً. إن المعالجة الرياضية لهذه المهمة معقدة جداً إذ يتعين علينا أخذ جميع بيانات القياس في الحسبان إضافة إلى ذوق الزبون، والفصل من السنة، والمكان الذي نعيش فيه، والتوجهات السابقة للموضة – ما يعني الكثير من المتغيرات في معادلات الحساب.
إننا لا نضع الأشخاص في مواجهة البيانات، بل نرغب في أن يعمل الطرفان معاً. إننا لا نمرّن الآلات لكي تتصرف كالبشر، وبالطبع لا نمرن البشر لكي يسلكوا سلوك الآلات.
ولذلك فعندما يتوفر لنا مبلغ من المال لنوظفه في التسويق أو الإنتاج أو علم البيانات، فإننا غالباً ما نختار توظيفه في علم البيانات. ونشعر حقاً بالسعادة لأننا أدخلنا علم البيانات إلى جوهر عملنا منذ البداية ولم نعتمد نظاماً تقليدياً لتجارة التجزئة وحاولنا تعديله لاحقاً، إذ أن ذلك ما كان لينجح حسب رأيي. فإذا ما قررت شركة تقليدية لتجارة التجزئة أن تعمل وفق نمط عمل شركتنا ستيتش فيكس، سيكون ذلك كما لو أنني أقول: "أريد أن أكون أطول مما عليه أنا الآن".
يجب ألا تنسى العامل البشري. إن الجزء المحب للتحليل في شخصيتي مولع بمنهج الخوارزميات الذي نتبعه في شركتنا. غير أن خبرة التسوق هي نشاط إنساني وشخصي في المقام الأول. ولذلك فإننا نصر على اتخاذ القرارات بناء على التشارك والتعاون بين خوارزميات علم البيانات وآراء خبراء التصميم في شركتنا الذين قد يعدلون كلياً تشكيلة قطع الثياب التي توصلت إليها خوارزميتنا المتخصصة باختيار الأزياء المناسبة لأحد زبائننا. وفي حين يأتي مصممونا من خلفيات متنوعة من حيث نهج التصميم ونهج تجارة التجزئة المتبع، إلا أنهم جميعاً يشتركون في تقديرهم العالي للبيانات وفي حبهم لزبائننا وتعاطفهم معهم. ولا شك في أن البشر أفضل بكثير من الآلات في بعض الأمور – ولعلهم سيبقون كذلك لوقت طويل بعد.
فعلى سبيل المثال، عندما تكتب لنا إحدى زبوناتنا وتطلب "فستاناً يناسب عرساً خارج المنزل في شهر يوليو / تموز"، فإن مصممونا سرعان ما يحددون خيارات الفساتين الملائمة لهذه المناسبة. وفضلاً عن ذلك فإن زبوناتنا غالباً ما يشاركننا ببعض التفاصيل الخاصة عن حالهن، كأن تكون إحداهن حاملاً أو أن تفقد الكثير من الوزن خلال فترة محددة، أو أنها تجهز نفسها لشغل فرصة عمل جديدة – ويصعب على الخوارزميات أن تعطي كل هذه التفاصيل حقها من الفهم والتقدير. أما مصممونا فيعلمون تماماً قيمة تلك اللحظات ولذلك تجدهم يجهدون أنفسهم لتنسيق المظهر المناسب للزبونة، والتواصل معها، وارتجال الأفكار الجديدة إن لزم الأمر. ومن شأن ذلك أن يخلق سوية مدهشة من الولاء للعلامة التجارية.
الأمر غاية في البساطة عن فكرة بيع تصاميم الملابس تحديداً: شخص جيد زائد خوارزمية جيدة أفضل بكثير من أفضل شخص لوحده أو خوارزمية لوحدها. إننا لا نضع الأشخاص في مواجهة البيانات، بل نرغب في أن يعمل الطرفان معاً. إننا لا نمرّن الآلات لكي تتصرف كالبشر، وبالطبع لا نمرن البشر لكي يسلكوا سلوك الآلات. علينا جميعاً أن نقر بأننا عرضة للخطأ – المصممون والعلماء وأنا كمديرة. فجميعنا يخطئ أحياناً – حتى الخوارزميات. المهم أن نتعلم من أخطائنا.