ما هي قصتك عندما يحين وقت إعادة التمحور وتغيير مسار أعمالك؟

14 دقيقة
عملية إعادة التمحور
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

غالباً ما يدرك المبتكرون أنهم ارتكبوا خطأ؛ حيث يتضح لهم أن الخطة كانت خاطئة وأنهم طلبوا من الكثير من الأشخاص أن يكرسوا وقتهم ومالهم وجهدهم لشيء لن ينجح. فقد كان عليهم إجراء تغيير محوري (أو ما يعرف بـ “عملية إعادة التمحور”). ففي عام 1908 خطط روال أموندسن من النرويج للقيام برحلة استكشافية إلى القطب الشمالي وطلب من العلماء أن يساهموا بوقتهم ومعداتهم وفاز بمنحة من البرلمان النرويجي وأقنع داعمين آخرين بضخ مبالغ هائلة في المشروع. واستعار مركباً شراعياً زنة 400 طن مزوداً بثلاثة صواري وأطلق عليه اسم “فرام” (Fram)، وعيّن رجالاً مستعدين للمخاطرة بحياتهم للذهاب في رحلة عبر “مضيق بيرنغ” المتجمد. شجع النرويجيون العاديون أموندسن متخيلين أنه سيرفع عَلمهم على أرض لم يذهب إليها أحد من قبل. ولكن قبيل الإبحار، تلقى أموندسن خبراً مفاده أن الأميركيين روبرت بيري وفريدريك كوك وصلوا قبله إلى القطب الشمالي. والآن ما العمل؟

يُعد المأزق الذي وقع فيه أموندسن مألوفاً للغاية لدى رواد الأعمال، حيث تتطلب المساعي الطموحة دعماً كبيراً، وينبغي لك جذب التمويل والموظفين، وستحتاج إلى تغطية إعلامية لبناء المصداقية. وللحصول على جميع هذه الأشياء ستحتاج إلى قصة جيدة. عادة ما تركز القصة على مشكلة وحل، وعلى خطة وهدف، وتسلط الضوء على مواهب فريق القيادة، ويتم سردها بشغف واقتناع. وإذا حالفك الحظ، يتزايد الشعور بالحماس تجاه القصة وتحصل على دعم المستثمرين، جنباً إلى جنب مع الموظفين والشركاء الآخرين ثم العملاء في نهاية المطاف. ولكن غالباً ما يدرك المبتكرون أنهم ارتكبوا خطأ؛ حيث يتضح لهم أن الخطة كانت خاطئة وأنهم طلبوا من الكثير من الأشخاص أن يكرسوا وقتهم ومالهم وجهدهم لشيء لن ينجح. فقد كان عليهم إجراء تغيير محوري (أو ما يعرف بـ “إعادة التمحور”).

فكرة المقالة باختصار

المشكلة

رواد الأعمال بحاجة إلى سرد قصة جيدة ليدعم أصحاب المصلحة شركاتهم. ولكن العديد من المؤسسين في مرحلة ما يدركون أنهم بحاجة إلى إعادة التمحور وتغيير استراتيجيتهم ونموذج عملهم. ولكن كيف سيفعلون ذلك دون فقدان دعم أصحاب المصلحة؟

الرسالة

في البداية يتصرف رواد الأعمال الفاعلون مثلما يتصرف السياسيون. حيث إنهم يصوغون قصصاً عامة، تنطوي على تطلعات شاملة وليس على حلول ضيقة الأفق، تترك مجالاً للتحرك استراتيجياً. وعندما يغيرون المسار، يمكنهم الإشارة إلى أن نموذجهم الجديد لا يزال يحترم طموحهم الأصلي.

التداعيات

ينبغي لرواد الأعمال، الذين يجرون عمليات إعادة تمحور، تفسير التحولات في المسار مع إبداء خجلهم من ذلك والتعبير عن تعاطفهم نظراً إلى الإزعاج الذي سيسببونه للعملاء والموظفين والشركاء الحاليين.

فكلما كانت قصة الشركة الناشئة أكثر تحديداً، زادت احتمالية أن يتضح فيما بعد أنها خاطئة. ولذلك يصوغ رواد الأعمال الأذكياء قصصاً عامة.

نظرياً، يُعد تغيير الاتجاه أمراً جيداً في الأعمال التجارية، فنادراً ما يكون الطريق نحو تحقيق النجاح مستقيماً. على سبيل المثال، انتقل كورنليوس فاندربلت من مجال صناعة البواخر إلى صناعة السكك الحديدية، وانتقل ويليام ريغلي من صناعة مسحوق الخبز إلى صناعة العلكة. كما أنه تم إطلاق موقع “تويتر” بوصفه دليلاً للمدونات الصوتية، وموقع “يلب” (Yelp) بدأ بوصفه خدمة بريد إلكتروني مؤتمتة، وموقع “يوتيوب” كان موقعاً للمواعدة. وتُظهر البحوث أن الشركات الجديدة التي تعيد ابتكار أعمالها، حتى إن كان ذلك لعدة مرات، تقلل فرص فشلها من خلال الحفاظ على الموارد مع الاستمرار في معرفة المزيد عن العملاء والشركاء التجاريين والتقنيات الجديدة.

إلا أن عملية إعادة التمحور يمكن أن تؤدي إلى عواقب سلبية إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح. فإعادة توجيه التركيز هي إقرار ضمني بأن الخطة التي التزم بها المؤسسون بشدة كانت معيبة. حيث يمكن أن يكون هذا الانحراف عن المسار مزعجاً وقد يشير إلى انعدام الاتساق والكفاءة. وبذلك فإن المستثمرين والموظفين والصحفيين والعملاء بحاجة إلى تفسير منطقي لسبب سير الأمور على نحو خاطئ وتوضيح ما سيحدث بعد ذلك، ما يعني أنه يجب إقناعهم بالبقاء.

كما هو الحال مع العلماء، يضع رواد الأعمال فرضيات ويختبرونها لإيجاد حلول ناجعة وتقديمها، وهذا هو أساس نهج الشركات الناشئة الرشيقة المتبع لإنشاء الشركات. ولكن يجب على رواد الأعمال أيضاً أن يفعلوا مثلما يفعل السياسيون البارعون من خلال تبرير التحولات من المواقف الأولية على نحو مقنع وإدارة مختلف الفئات المستهدفة طوال الوقت. ومن المرجح أن يصبح هذا المزيج من المهارات أكثر أهمية في ظل الاضطرابات التي سببها مرض “كوفيد-19”. فالعديد من الشركات التي كانت تشهد نمواً كبيراً قبل الجائحة هبطت عائداتها وتسعى جاهدة إلى ابتكار نماذج أعمال جديدة وإعادة صياغة استراتيجياتها. قد تجد الشركات الناشئة فرصاً هائلة في المراحل الأولى من الأزمة، على سبيل المثال من خلال خدمة اقتصاد “البقاء في المنزل”، ثم تتركها لتتلاشى عند تخفيف إجراءات التباعد الاجتماعي. لا يمكن لأي شخص التنبؤ بالتأثير طويل الأجل على سلوك المستهلك. والشركات التي من المرجح أن تصمد في هذا الوضع ستكون هي الشركات التي تتكيف بشكل سريع، والتي يمكنها بفاعلية إقناع أصحاب المصلحة بالتغيير.

إذن كيف يمكن لرواد الأعمال فعل ذلك؟ أجرينا في السنوات الأخيرة مقابلات مع مئات من المؤسسين وقادة الابتكار في الشركات ومحللي السوق وصحفيين ماليين، وراجعنا عشرات من البيانات الصحفية وتقارير المحللين والقصص الإعلامية لكل من الشركات عالية ومنخفضة الأداء التي تعمل كثير منها في قطاعات التقنيات الجديدة. ومن خلال هذا البحث حددنا مجموعة من الحيل التي تُعد بالغة الأهمية للحصول على دعم أصحاب المصلحة والحفاظ عليه في أثناء عمليات إعادة الانطلاق الكبرى.

الخطاب الترويجي

ركّز على الصورة الأشمل

لبناء المصداقية في مرحلة مبكرة، خاصة مع المستثمرين، يجب أن يكون لدى رواد الأعمال خطة فريدة تلبي احتياجات سوقية محددة أو تحل مشكلات معينة. وينبغي أن تشتمل على مفهوم منتَج مُصاغ جيداً ومسار نحو تحقيق النمو والربحية. ولكن في أثناء حرص رواد الأعمال على كسب دعم أولي لحلولهم، فإنهم غالباً ما يضعون أنفسهم في موقف سيئ؛ وكلما كانت قصة الشركة الناشئة أكثر تحديداً، زادت احتمالية أن يتضح فيما بعد أنها خاطئة. ولتجنب الوقوع في هذا الفخ، تشير بحوثنا إلى أن رواد الأعمال الأذكياء يصوغون قصصاً عامة تنطوي على تطلعات شاملة وليس على حلول ضيقة الأفق تترك مجالاً للتحرك استراتيجياً على طول الطريق.

وهذا يتطلب مقاومة الرغبة في توخي الدقة الشديدة حول ميزات المنتج أو قدرته الوظيفية، خاصة في مرحلة مبكرة. كما هو الحال في الحملات السياسية الجيدة، يكون للخطابات الترويجية الأكثر فاعلية القدرة على إثارة العواطف والتأكيد على تلبية هدف أكبر. كما أنها لا ترسم خارطة طريق، بل تَعد بالوصول إلى وجهة محددة. ولكن هذا لا يعني أن يتخلى رواد الأعمال عن المصداقية أو أن يُنظر إليهم على أنهم غير ملتزمين أو غير منظمين. في الواقع، إن استخدام الأفكار العظيمة المجردة يشجع الجمهور على رؤية ما يرغبون في رؤيته؛ على سبيل المثال، أظهرت بحوث العلوم السياسية أن الناخبين يستجيبون بشكل إيجابي للمرشحين الذين يتخذون مواقف غامضة إزاء القضايا، ما يجعل موقفهم يحتمل تفسيرات مختلفة (وهو ما يمكن أيضاً أن يساعدهم لاحقاً على تجنُّب اتهامهم بأنهم “يغيرون آراءهم”). حيث تشير بحوثنا إلى أن رواد الأعمال الذين يتبعون نهجاً مماثلاً مع أصحاب المصلحة يثيرون حماستهم ويكسبون دعمهم، ويحصلون على تقييمات أعلى في نهاية المطاف.

زملاؤنا في كليات الأعمال غالباً ما يوبخون الشركات لوضعها بيانات رؤية غامضة أو مليئة بالملاحظات التافهة. ولكن بالنسبة إلى الشركات الناشئة التي لا تزال في بدايتها، يمكن أن يكون التأكيد على المبادئ المقبولة على نطاق واسع (خاصة المبادئ الشعبوية) مفيداً عند السعي إلى إقناع أصحاب المصلحة بإعادة التمحور. لنأخذ على سبيل المثال، بدايات شركة “نتفليكس” (Netflix). فقد بدأ مؤسسها ريد هاستينغز، الذي كان يتوقع التحول إلى خدمات البث الشبكي في وقت لاحق، بالهدف المعلن المتمثل في تقديم أفضل عرض للفيديوهات في المنزل للجميع، وليس في شكل أقراص رقمية “دي في دي” تُرسَل بالبريد، التي كانت المنتَج الفعلي للشركة. ومع تغيير مسار الأعمال نحو التوزيع الرقمي، لا يزال الطموح الأصلي الشامل منطقياً. حتى أن اسم الشركة دعّم مسارها المستقبلي. فقد قال هاستينغز إنه يريد أن يكون مستعداً لتوفير الفيديوهات حسب الطلب عندما تسمح التكنولوجيا بذلك، ولذلك أطلق على الشركة اسم “نتفليكس”.

ولكن لتلبية طلب الداعمين على الخطابات الترويجية المميزة، قد يضطر رواد الأعمال إلى توضيح مَن هم وما الذي يفعلونه بشكل صريح قبل أن تصبح هذه الأمور واضحة تماماً. وعندما يغيرون المسار فإنهم يميلون إلى تخيُّل المشكلات من خلال النظر إليها بشكل غير متسق أو مشوش أو بانتهازية مفرطة. تُعد شركة “ماجيك ليب” (Magic Leap)، الرائدة في مجال الواقع المعزز، مثالاً جيداً على ذلك. فقد روّجت الشركة لمنتجها في مراحله الأولى، وهو عبارة عن سماعة رأس للألعاب عالية الجودة، ووضعت صورة غريبة بشعارات من قبيل “حرر عقلك” و”ادخل نظام ماجيك فيرس” (تقوم فكرة “ماجيك فيرس” المبتكرة على دمج الأبعاد الرقمية بالأبعاد المادية مستقبلاً). ولكن عندما كان استيعاب مطوري الألعاب والمستهلكين لتقنية الواقع المعزز أبطأ من المتوقع، بدأ المسؤولون التنفيذيون بالشركة في البحث عن أسواق أخرى بتقديم عطاءات للحصول على عقد حكومي لبيع سماعات الرأس التي تعمل بتقنية الواقع المعزز للجيش. لم تفز “ماجيك ليب” بالعقد، وفي عمود نشرته مجلة “كوارتز” (Quartz) تعرضت للسخرية لمحاولتها تحويل التركيز من “تقنية تبهج المستهلك” إلى “أداة عسكرية فتّاكة”. (أعلنت الشركة عن تحويل تركيزها بشكل كامل إلى تطبيقات المؤسسات في أبريل/نيسان عام 2020، وعيّنت أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة “مايكروسوفت” ليكون رئيسها التنفيذي الجديد في يوليو/تموز).

إعادة التمحور

أكِّد على الاستمرارية

العقل البشري يثمّن الاتساق. تشير بحوثنا إلى تعرُّض الجماهير إلى مخطط مربك، حيث إنهم ينظرون إلى المؤسسات التي تتصف بعدم الاتساق على أنها أقل شرعية وبالتالي فإنها أقل استحقاقاً لدعمهم. ولكن من غير المرجح أن يروا أن الانحرافات عن المسار كبيرة إذا بدت متوافقة مع الأهداف الأكبر. إلا أن الرابط بين الاتجاه الاستراتيجي الجديد والخطاب الترويجي الأولي لا يكون واضحاً على الدوام، ولذلك كي يحافظ المؤسسون على المصداقية ويتجنبوا التعرض للعقوبة، فإنهم بحاجة إلى توضيح هذا الرابط.

عندما أدركت ستيف كوري وجين روبيو، الشريكتان المؤسستان للشركة الناشئة “أواي” (Away) لحقائب السفر، أن حقائب الشركة الأولى لن تكون جاهزة في موسم الأعياد (كما وعدتا المستثمرين والعملاء والصحفيين وأصحاب المصلحة الآخرين)، بدأتا في إعداد كتاب حول السفر يوضع على طاولة احتساء القهوة بدلاً من ذلك. ورغم أنه كان يحتوي على بطاقة هدايا يمكن استبدالها بحقيبة في العام التالي، فإن هذه الخطوة بدت كأنها انحراف جذري عن الخطة وكان من الممكن بسهولة أن تثير توتر الداعمين وتؤدي إلى تخليهم عن المشروع الناشئ. إلا أن المؤسِستين حافظتا على المصداقية والدعم من خلال توضيح مدى ملاءمة الخطوة مع الغاية العليا للشركة وهي: بناء علامة تجارية للسفر ونمط الحياة. وفي حين أن حقائب السفر كانت جزءاً أساسياً من هذه العلامة التجارية، إلا أن فكرة الكتاب نجحت أيضاً واقتنع المستثمرون والصحفيون بها. ونشر عدد من وسائل الإعلام قصصاً حول شراء هدايا العيد تحكي عن حقائب لا وجود لها حتى ذلك الوقت. وفي غضون أسابيع قليلة، بِيعَ 2,000 كتاب (ما يعني أنه تم طلب 2,000 حقيبة مقدماً)، وطلبت المؤسِستان إجراء عملية إنتاج ثانية. (استقالت كوري من منصبها بوصفها رئيسة تنفيذية مشاركة في يوليو/تموز).

إعادة التمحور: أكِّد على الاستمرارية

يعمل أسلوب توضيح الرابط هذا بشكل أفضل إذا كان الهدف الأسمى يتوافق مع هدف مجتمعي أكبر. في الواقع، تشير البحوث إلى أن الأشخاص المنخرطين في أداء مهام ذات مغزى لا تزعجهم تصحيحات المسار بقدر كبير على طول الطريق. ويتضح هذا الأمر من خلال شركتين درسناهما بعمق. فقد بدأت الشركتان بتقديم خدمة متخصصة يتمكن من خلالها أعضاء في مجتمع عبر الإنترنت من محاكاة المعاملات المالية للمستثمرين الماهرين. تمثلت الفكرة في جذب المستثمرين إلى المواقع وتحديد الأكثر موهبة منهم ثم جني المال من استراتيجياتهم. بدأت الشركتان في غضون 6 أشهر من بعضهما البعض، وحصلتا على مبالغ التمويل نفسها وكانت فِرقهما على المستوى نفسه تقريباً من التعليم والخبرة. وفي النهاية غيّرت كلتاهما مسارهما لتقديم خدمات استثمارية إلى المستهلك مباشرة مع احتمالية إحلال خدمة آلية قائمة على البرمجيات محل المستشارين الماليين البشريين. ولكن أصبحت إحداهما رائدة في قطاع الخدمات الاستشارية الاستثمارية الآلية، مع توفر أكثر من مليار دولار تحت تصرف الإدارة، بينما اضطرت الأخرى إلى بيع أصولها وإغلاق أبوابها. وبعد إجراء تحليل مقارن متعمق، خلصنا إلى أن السبب الرئيسي لمساراتهما المتباينة يتلخص في الطريقة التي تعاملت بها الشركتان مع أصحاب المصلحة. فالشركة الناجحة لم تحد أبداً عن رسالتها الأساسية المتمثلة في نشر ثقافة التمويل على نطاق واسع حتى عندما غيّرت استراتيجياتها. وقد وصف الرئيس التنفيذي التغيير الذي أُجري على خطط العمل بأنه مجرد طريقة أخرى للوفاء بالهدف نفسه الذي التزم به أصحاب المصلحة.

أما الشركة غير الناجحة، فقد أعادت صياغة كل عملية تكرار جديدة في الأعمال بوضع هدف جديد، والانتقال من “توخي الشفافية في استثمار المعلومات” إلى “فلنجعل الاستثمار اجتماعياً” ثم إلى “تقديم استشارات استثمارية موثوقة”. والأسوأ من ذلك أن الرئيس التنفيذي، على عكس نظيره في الشركة المنافسة الذي حذّر أصحاب المصلحة من التغييرات المرتقبة، وفريق إدارته تواصلوا بالكاد مع أصحاب المصلحة المتأثرين، ما زاد من الشكوك في حكمة هذه التحولات. وقد أشار الرئيس التنفيذي، أثناء حديثه معنا بعد انهيار شركته، إلى أن التغير المفاجئ في شكل الرسائل كان سبباً أساسياً في عدم قدرة المؤسسة على الاحتفاظ بأصحاب المصلحة، حيث قال: “بعد أن تجري عملية إعادة التمحور، قد يكون موقعك الجديد غير واضح بالنسبة إلى العملاء والشركاء الذين أولوا اهتماماً لبياناتك الصحفية الأصلية”.

وقد كان هذا الغموض السائد فيما بين أصحاب المصلحة الرئيسيين هو أيضاً ما حكم على شركة “آنكي” (Anki) بالفشل، وهي شركة تستخدم تقنية الروبوتات في الألعاب وأغلقت أبوابها عام 2019 بعد فشل جولة تمويل لاحقة بشكل مفاجئ. أُسست الشركة عام 2010 بواسطة 3 من خريجي “معهد الروبوتات” (Robotics Institute) بجامعة “كارنيغي ميلون” (Carnegie Mellon)، وجمعت ما يقرب من 200 مليون دولار من مستثمرين رفيعي المستوى مثل شركة “آندرسن هورويتز” (Andreessen Horowitz). سعى المؤسسون المشاركون في البداية إلى “إدماج الذكاء الاصطناعي والروبوتات في الحياة اليومية (للمستهلكين)”. وبالتالي صاغ المؤسسون الثلاثة قصة مقنعة حول كيفية تركيز تقنية الذكاء الاصطناعي على تطبيقات المؤسسات، ما يترك مجال تطبيقات المستهلك مفتوحاً. ووضعوا خارطة طريق واضحة للمستثمرين بدأت بالألعاب وتوسعوا بإدخال منتجات استهلاكية ممتعة أخرى تم إطلاق العديد منها لتلقى إشادة من النقاد، وأصبحت من السلع الأساسية لدى المتاجر الكبرى لبيع الألعاب بالتجزئة. ولكن بحلول عام 2018 كان من الواضح أن التقنية التي تستخدمها شركة “آنكي” لم تقدم قيمة كافية للأطفال. وبالتالي كان المؤسسون بحاجة إلى تحويل التركيز بعيداً عن تصنيع المنتجات الاستهلاكية تماماً، وبذلك فقد استبعدوا رؤية الشركة المتمثلة في أنها الجيل الجديد من شركات الألعاب.

ولكن سرعان ما انقلب أصحاب المصلحة عليهم؛ فقد بدأ الموظفون في الشكوى من أن الإدارة تفتقر إلى الرؤية، وأصبح المستثمرون متشككين في قدرة الشركة على الاستمرار على المدى الطويل. وبالتالي لم يستطع فريق الإدارة إقناع المستثمرين بعد فشله في ربط عملية إعادة التمحور بالأهداف الأصلية للشركة. وبعد فشل صفقة تمويل كبيرة، اضطرت “آنكي” إلى إغلاق أبوابها.

تحرك بسرعة ولكن أظهر شعورك بالخجل

في حين أن تحويل التركيز بعيداً عن خطاب ترويجي أولي محدد للغاية يُعد أمراً صعباً، إلا أنه ليس من المستحيل حفظ ماء الوجه والاحتفاظ بثقة أصحاب المصلحة. والسبيل إلى ذلك هو إعادة النظر في الخطاب الترويجي الأصلي وتوسيع نطاقه، وليس تغييره. لنأخذ على سبيل المثال شركة “3 دي روبوتيكس” (3D Robotics) المعروفة اختصاراً باسم “ثري دي آر”. في أوائل عام 2010 كانت “ثري دي آر” شركة ناشئة سريعة النمو للطائرات المسيرة (الدرون) الاستهلاكية تضم أكثر من 350 موظفاً بتمويل يقدر بما يقرب من 100 مليون دولار من شركة “كوالكوم فينتشرز” (Qualcomm Ventures) وريتشارد برانسون وآخرين. ولكن بحلول عام 2015، تعرضت الشركة لضغط من المنافسين الذين قدموا طائرات مسيرة أفضل وأرخص. والأسوأ من ذلك أنه بسبب مشكلات التصنيع غير المتوقعة، اضطرت الشركة إلى تأخير إطلاق إحدى الطائرات المسيرة التي تُعد من أهم إنجازاتها حيث اتضح أنها تعاني من مشكلات فنية كثيرة بعد طرحها. تأثرت المبيعات خلال أيام العطلات بشدة وكانت الأموال تنفد وبدأ الموظفون في مغادرة الشركة. وكان الجميع مرتبكين وخاصة المستثمرين.

في محاولة أخيرة لإنقاذ الشركة، أجرى كريس أندرسون، الرئيس التنفيذي للشركة ورئيس التحرير السابق لمجلة “وايرد” (Wired)، عملية إعادة تمحور كبيرة لتقديم برمجيات وخدمات الطائرات المسيرة للشركات. في البداية كان هذا التغيير المفاجئ في القصة مقلقاً. فقد اعتبرت بعض وسائل الإعلام أن الشركة فشلت فشلاً ذريعاً. واعترف أندرسون نفسه أنه استخف بالمنافسين بشكل كبير خاصة شركة “دي جيه آي” (DJI) الرائدة في هذا القطاع. ومع ذلك نجح أندرسون في تهدئة مخاوف المستثمرين من خلال بث الشعور باستمرارية الأعمال بمهارة أثناء إجراء تحول استراتيجي كبير. ولكن كيف فعل ذلك؟ قال إن تقديم البرمجيات للشركات كان متسقاً في الأساس مع رؤية الشركة طوال الوقت. كل ما في الأمر أن الرؤية، كما فهمها أصحاب المصلحة سابقاً، لم تكن دقيقة للغاية؛ حيث إن “ثري دي آر” لم تكن متعلقة بالطائرات المسيرة فحسب، بل بتوسيع نطاق الإنترنت ليصل إلى السماء. وسواء كانت تلك الخدمات تُقدَّم للمستهلكين أو للشركات، فإن استخدام الطائرات المسيرة أو بعض الطرق الأخرى هو أمر جانبي. وقد اقتنع بعض المستثمرين بالخطاب الترويجي المعدّل. وعلى الرغم من الماضي الأليم لشركة “ثري دي آر”، فإنها نجحت في تأمين تمويل آخر بقيمة 80 مليون دولار لدعم مسارها الجديد.

التداعيات

تحرك بسرعة ولكن أظهر شعورك بالخجل

يجب أن تتحرك الشركات الجديدة بسرعة لاقتناص الفرص العابرة. فغالباً ما تحول القيود المتصلة بالموارد والوقت دون اتباع نُهج مدروسة بشكل أكبر، كالانسحاب التدريجي من تقديم منتَج قديم أو من سوق قديمة. إلا أن التراجعات السريعة لا تحظى دائماً برضا العملاء الحاليين وأصحاب المصلحة الآخرين الذين يشعرون أنه قد تم التخلي عنهم بعد إجراء عملية إعادة انطلاق كبرى.

يُعد إبداء التعاطف وتأنيب الضمير بمثابة بلسم عند إخبار الأشخاص بالتغييرات التي قد لا تكون موضع ترحيب بالنسبة إليهم. فأصحاب المصلحة (خاصة الموظفين والعملاء الأوائل، الأكثر عرضة لخطر الابتعاد والنفور) أكثر استعداداً للحفاظ على ولائهم للشركة إذا حصلوا على توجيه بشأن الكيفية التي سيتأثرون بها بالتغيير وإذا بدا أن القادة يهتمون حقاً بوضعهم. وفي حين أن “التصرف وفق الآداب العامة” قد يبدو أمراً مفروغاً منه، إلا أن العديد من قادة الشركات بحاجة إلى تذكيرهم بذلك.

غالباً ما يعتقد رواد الأعمال أن التعاطف علامة على الضعف أو أن أصحاب المصلحة سيفقدون ثقتهم في الشركة إذا اعتذروا عن إجراء عملية إعادة التمحور. وبسبب الخوف من فقدان الدعم، والالتزام بتحقيق الكفاءة التي لا هوادة فيها في الشركات الناشئة الرشيقة، يجري البعض التغيير ببساطة ولا يعترفون أبداً أنهم ارتكبوا خطأ. وبدلاً من إعداد الجماهير لإجراء تغيير ما، يفاجئونهم به، وفقط عندما يستجيب أصحاب المصلحة، وأحياناً ما يكون ذلك بقسوة، حينها يعتذرون لهم. ولكن بحلول ذلك الوقت يكون قد فات الأوان ويتخذون موقفاً دفاعياً.

غالباً ما يعتقد رواد الأعمال أن التعاطف علامة على الضعف أو أن أصحاب المصلحة سيفقدون ثقتهم في الشركة إذا اعتذروا عن إجراء عملية إعادة التمحور.

هناك شركة أخرى في مجال صناعة الطائرات المسيرة تُقدم مثالاً جيداً ولكن هذه المرة لما لا يجب فعله. تأسست شركة “إيروير” (Airware) عام 2011 وجمعت أكثر من 100 مليون دولار من مستثمرين مثل شركة “كلاينر بيركنز” (Kleiner Perkins) و”آندرسن هورويتز” وشركة “جوجل فينشرز” (GV) لبناء منصة تعمل بنظام الطيار الآلي لجمع بيانات جوية. ولكن عندما اكتشف قادة الشركة الناشئة أن العقبة التي تحول دون تبني الشركة هي معالجة البيانات وتوفيرها على نطاق واسع، حولوا تركيزهم إلى تطوير البرمجيات السحابية. بعد صدمة الشركاء والعملاء والموظفين من التحول المفاجئ وغير المتوقع في الاستراتيجية، انتقدوا فريق القيادة بسبب عدم مبالاته وطالبوا بمزيد من الشفافية والتواصل المفتوح. وقد تنحى الرئيس التنفيذي للشركة عن منصبه في العام التالي وأفلست الشركة عام 2018 واضطرت إلى إغلاق أبوابها.

قارن المثال السابق بتحول لعبة “غليتش” (Glitch) إلى شركة “سلاك” (Slack). في عام 2012، كانت “غليتش” لعبة فيديو عبر الإنترنت تركز على التعاون بين اللاعبين وتواجه صعوبات. ولكن سرعان ما أدرك مؤسسوها أن تقنية التراسل التي طوروها لكي يتمكن اللاعبون من التواصل مع بعضهم البعض ستكون أداة رائعة للشركات ولذلك انتقلوا إلى مجال واعد بشكل أكبر. وعلى عكس فريق قيادة شركة “إيروير”، أظهر مبتكرو اللعبة ما يشعرون به من خجل وتأنيب ضمير نظراً إلى احتمالية تأثُّر الآخرين بهذا التغيير. وبعبارات صريحة (ولكنها عاطفية إلى حد ما)، أصدرت الشركة اعتذاراً علنياً قائلة أن اللعبة فشلت في جذب عدد كافٍ من اللاعبين. وأعرب المسؤولون التنفيذيون عن تعاطفهم مع هؤلاء الذين سجلوا في اللعبة وشكرتهم على دعمهم. وقدموا لهم معلومات مفيدة حول ما سيحدث بعد الإغلاق كتفاصيل استرداد الأموال. وأشاروا إلى منتَج المراسلة الجديد الذي ستطوره الشركة ولكن قالوا إن القلق الحقيقي هو ما يشعر به الموظفون الذين سيخسرون وظائفهم. فقد كانت الرسالة الموجهة إلى أصحاب المصلحة صادقة وودية ومراعية لاحتياجاتهم. باختصار، كانت رسالة لطيفة ومتعاطفة. ثم أعلنت الشركة القرار ومضت قدماً. وفي النهاية، لم يتسبب تحول “غليتش” في إثارة رد فعل سلبي خطير، وهي مخاطرة كبيرة خاصة عندما يشعر مستخدمو التكنولوجيا بالرفض، وأُطلقت الشركة الجديدة بتمويل يبلغ نحو 17 مليون دولار من شركة “أكسل بارتنرز” (Accel Partners) و”آندرسن هورويتز”، وكلتاهما من المستثمرين الأصليين في “غليتش”.

في حين أن بحوثنا ركزت على الشركات الناشئة، إلا أنه ينبغي تطبيق المبادئ نفسها عندما تحول الشركات الكبيرة تركيزها إلى نماذج أعمال جديدة. فكّر كم كان من السهل بالنسبة إلى مارك بينيوف في شركة “سيلز فورس” (Salesforce) أن ينتقل إلى خطوط أعمال جديدة نظراً إلى هدف شركته العام المتمثل في “نشر ثقافة التحول الرقمي”؛ أو الاستحسان الذي حصلت عليه شركة “مايكروسوفت” بعد أن برر قادتها تحولهم إلى الخدمات السحابية عام 2013 من خلال ربط التغيير في الاستراتيجية بالرؤية العامة للشركة المتمثلة في “إضفاء الطابع العصري على مكان العمل”. ولا تزال “نتفليكس” أيضاً تستفيد من هذه الأساليب. فقد كان للخطاب التوفيقي أهمية محورية في الحفاظ على ولاء العملاء وثقة أصحاب المصلحة في الشركة بعد انتقالها من إرسال الأقراص الرقمية “دي في دي” عبر البريد إلى تقديم خدمات البث الشبكي.

أدرك القادة العظماء على مر التاريخ أن صياغة القصص وبناء المعنى لهما أهمية خاصة في أثناء الفترات التي يشوبها الغموض والقلق. ونظراً إلى أن جائحة “كوفيد-19” تزعزع القطاعات وتغير عادات وسلوكيات المستهلكين، فإن الشركات من جميع الأحجام ستحتاج على نحو متزايد إلى إجراء عملية إعادة تمحور وعملية إعادة توجيه استراتيجي. والطريقة التي سيشرحون ويبررون بها عمليات إعادة الابتكار ستعزز قدرتهم على التحمل والصمود بقدر كبير. وقد أدرك المستكشف روال أموندسن ذلك. فعندما علم أن آخرين سبقوه إلى القطب الشمالي، قرر أن يغير مساره حرفياً. فكما أخبر زملاءه النرويجيين، لم يكن الطريق أو الوجهة هو ما يهم. فمن البداية كان هدفه هو الخروج في مهمة للتوصل إلى اكتشاف علمي. وظل ملتزماً بهذا الهدف. فقد ذهب أموندسن في طريقه ليصبح بطلاً، وكان أول شخص على الإطلاق يصل إلى القطب الجنوبي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .