يبدو أن الانبهار بمعظم مواصفات جيل الألفية في مكان العمل غير متناهٍ. وتكثر الدراسات، والكتب، والمقالات، ومحتويات المدونات، والتقارير الحكومية الرسمية - التي تتناول كل ما يجعل هذا الجيل شديد الاختلاف عن أسلافه. ومع دخول أفراد جيل الألفية إلى سوق العمل واحتلالهم مناصب فيه، تتزايد الكتابات حول سلوكهم (أو سوء سلوكهم) في المكتب.
لكن هل ما يقال صحيح فعلاً عن مواصفات جيل الألفية في العمل؟ هل تختلف إدارة هذا الجيل عن إدارة الجيل إكس أو جيل طفرة الولادات؟ فلننظر إلى بعض المزاعم الأكثر شيوعاً حول جيل الألفية.
- هذا الجيل يختلف "عنّا" تماماً في هذه السن. خطأ.
عمد بيتر كابيللي، وهو أستاذ إدارة الأعمال بكلية "وارتون" في "جامعة بنسلفانيا"، إلى مراجعة البحث حول جيل الألفية، وأكد وجود نواقص فيه. وقال: "ما من أدلة جدية وملموسة على وجود اختلاف بين الأجيال".
لا شك أن الأجيال السابقة تنظر إلى جيل الألفية وتعتبر أنه لا يشبهها. وتستند هذه الملاحظات إلى انحياز معرفي، وليس إلى اختلافات فعلية. ويوضح كابيللي: "يسهل الافتراض أن الشبان مختلفون في تصرفاتهم لأنهم يبدون مختلفين عنا. لكن الشبان لطالما اختلفوا عن الأشخاص الأكبر سناً. على سبيل المثال، يبدي الشبان اهتماماً أكبر بكثير بالمواعدة بالمقارنة مع الأشخاص المستقرين عائلياً الذين يكبرونهم سناً. إلى ذلك، ما من واجبات على عاتقهم كما هو الحال لمن يتقدمهم عمراً".
مواصفات جيل الألفية
الطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كان الشباب في العشرينيات أو الثلاثينيات من العمر مختلفين حقاً عن الجيل الذي نشأ في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي هي مقارنة البيانات. هذا هو بالضبط ما فعلته جين توينج، أستاذة علم النفس في "جامعة ولاية سان دييغو" ومؤلفة كتاب بعنوان بعنوان "جيل الأنا" (iGen)، بالتعاون مع زملائها الباحثين. وقد لجؤوا إلى أسلوب بحث مبني على الفارق الزمني، فيه مقارنة بين أشخاص من العمر نفسه في حقبات مختلفة من الزمن. ولاحظت توينج بعض التحولات بين سلوك الأجيال السابقة وسلوك جيل الألفية حيال العمل، لكنها كانت بسيطة نسبياً، وليست كما تعتقدون.
- جيل الألفية يريد دافعاً أقوى للعمل. خطأ.
"ترسخ في ذهن الكثيرين مفاهيم تفتقر إلى المصداقية بكل بساطة، وهذا أحدها"، وفقاً لتوينج. ويكشف بحثها، الذي يقارن بيانات تعود إلى تلاميذ في الصفوف الثانوية في الولايات المتحدة في الأعوام 1976 و1991 و2006، أنه بعكس ما يتصوره العموم، لا يحبذ جيل الألفيّة "قيم العمل الغيرية (على غرار المساعدة، والقيمة الاجتماعية)" أكثر مما فعلت الأجيال السابقة. والواقع أنه يسلط اهتماماً أقل بقليل على "وظيفة تمنحك فرصةً بمساعدة الآخرين مباشرةً"، بالمقارنة مع أفراد جيل الطفرة، عندما كانوا في العمر ذاته
ولكن، ماذا عن جميع الشركات التي تعرض على الموظفين أجراً لقاء عملهم التطوعي؟ لا يصدر هذا التصرف لتلبية حاجات جيل الألفية الشباب، بل هو من المنافع التي لطالما قيّمها العمال الأميركيون، وقد يكون حافزاً فعالاً بنظر الموظفين، سواء كانوا شباناً أو أكبر سناً. وتفيد في تقريرها قائلة: "الأمر سيّان بالنسبة إلى التركيز على كيفية إفادة الشركة للمجتمع. والواقع أن الاهتمام الذي أظهره جيل الأنا بالمنفعة الاجتماعية لا يُعتبَر أكثر ولا أقل من ذاك الذي أظهرته الأجيال السابقة".
وتُظهِر بحوث إضافية أجرتها توينج أن الاهتمام بالآخرين لدى الجيل تراجع عمّا كان عليه لدى الأجيال السابقة. وتكتب في هذا الصدد: "بالمقارنة مع جيل الطفرة، تراجع الاحتمال بأن يعمد جيل الألفية إلى وهب المال للمؤسسات الخيرية، وبأن يبحث عن وظيفة مفيدة للمجتمع أو عن عمل يقضي بمساعدة الآخرين. وتراجع الاحتمال بأن يوافقوا على الأكل بطريقة مختلفة إن كان ذلك سيمنح الجياع كميات أكبر من الطعام. وقد أظهروا رغبة أقل في العمل داخل مؤسسة تُعنى بالخدمة الاجتماعية، أو في العمل كعاملين اجتماعيين، وتراجع الاحتمال بأن يُظهِروا تعاطفاً مع الفئات الاجتماعية التي لا تشبههم".
ولطالما تعارض المفهوم الذي يفيد بأن جيل الألفية أكثر اهتماماً بمساعدة المجتمع مع مفهوم آخر يعتبر أنهم متطلبون ونرجسيون. وقد تبيّن أن هذه النقطة صحيحة وفقاً لبحث توينج. وعلى الرغم من صغر حجم التحول الحاصل، يحتل جيل الألفية مرتبة أعلى، متى كان الأمر على صلة بالنظرة الإيجابية إلى الذات. وتقول في هذا الصدد: "بالعموم، لهذا الجيل تطلعات عالية جداً متى ارتبط الأمر بالتعليم والوظائف التي قد يحصلون عليها في رأيهم".
لكن كابيلي يذكر بالأمور التي يجب أن نتذكرها، فيقول: "إن كانت فئة العمر المذكورة مختلفة قليلاً، بالمعدل، عن فئة عمر سابقة في حقبة زمنية مختلفة، فهذا لا يعني أن كل ولد من الأولاد سيكون أكثر تطلباً بقليل من الآخرين. وما يحصل هو أننا نتطلّع إلى شريحة سكان كبيرة فعلاً. وكذلك، إن كان الشبان أكثر نرجسية من الكبار في السن، فماذا في ذلك؟".
- يريدون توازناً أكبر بين الحياة العملية والحياة الشخصية. صحيح إلى حد.
بالنظر إلى البيانات، لاحظت توينج ارتفاعاً طفيفاً في مستويات تقييم جيل الألفية للتوازن بين العمل والحياة الشخصية. وكتبت: "تميل الأجيال الأخيرة تدريجياً إلى تقييم الرفاهية في العمل... وقد كرّس الجيل إكس وجيل الأنا اهتماماً أكبر لوقت الرفاهية بالمقارنة مع نظرائهم من جيل الطفرة". وفي العام 2006، زادت نسبة الشبان الذين يعطون الكثير من الأهمية لوظيفة مع إجازة سنوية تزيد على أسبوعين بواقع الضعف، بالمقارنة مع العام 1976، كما أن ضعف هذا العدد تقريباً تمنى الحصول على وظيفة يمكنه فيها العمل على مهل. وفي العام 2006، أراد نحو النصف وظيفة "تترك الكثير من الوقت للقيام بأمور أخرى في الحياة".
لكن كابيللي يشير إلى أن هذه التغييرات لا تزال طفيفة نسبياً. وأضاف أن مدراء كثيرين يبالغون في التركيز على هذا الفارق، ويعود السبب جزئياً إلى أنهم نسوا ما كانوا عليه في سن الشباب. فعندما يكون المرء في سن الثانية والعشرين، "سيرغب على الأرجح الخروج من المكتب بسرعة – ويبدي اهتماماً بما يحصل بعد ساعات العمل"، وفقاً لما كشفه في مقالة صدرت عن صحيفة "نيويورك تايمز" في مارس/آذار 2014.
- جيل الألفية بحاجة إلى معاملة خاصة في العمل. خطأ
كان رأي كابيللي حاسماً في هذا السياق: "إن الأمر مثير للسخرية. إن كنت تشعر بأنك تنتمي إلى جيل مميز، فهل معناه أنك خضعت لإدارة مختلفة؟ اليوم، سيبذل الشبان المستحيل للحصول على وظيفة. فلماذا نعتقد إذاً أنه يجب علينا إدارتها بطريقة مختلفة؟ وهو يرى تحيزاً في إدارة الناس بالاستناد إلى عمرهم ليس إلا، فالناس يملكون مزايا كثيرة تفرّقهم عن غيرهم، مثل العِرق والجنس، والخلفية. وبالتالي، لا داعي لفرض الأنماط المبتذلة. وبدلاً من الافتراض أن موظفين من جيل الألفية في فريق عملك سيتطلبون معاملة مختلفة، حاول أن تعرف كل شخص على حدة. ويضيف: "أعرف في الصميم أن بعض الأمور تعود إلى العمر، وهو ما ينطبق أيضاً على الموظفين الأكبر سناً، ولكن ما تشاهده قد يكون على صلة بأمور أخرى، على غرار الخلفية العرقية مثلاً".
وقد يساعدنا طبعاً معرفة مواصفات جيل الألفية وكيفية إدارة أشخاص من أعمار مختلفة. ولفت إلى أنها نقطة البداية لمقاربة جديدة حيال المنافع، تعتمد على توفير خيارات رهناً بالاحتياجات –وتفيد بأن احتياجات الناس متفاوتة في مراحل مختلفة من حياتهم. وخلال البحث الذي أجراه لكتابه، الذي يحمل عنوان "إدارة الموظّف الأكبر سناً" (Managing the Older Worker)، تعلّم أن فرق العمل التي تُدخل موظفين من أعمار مختلفة تعطي أداء أفضل. وقال: "من الذكاء أن نكون أمام موظفين شبان وآخرين أكبر سناً يعملون جنباً إلى جنب، ولا ينظرون إلى بعضهم البعض على أنهم منافسين، فيزيد بالتالي الاحتمال بأن يساعدوا بعضهم البعض".
اقرأ أيضاً: