كيف تحافظ سلسلة وجبات سريعة على معدلات دورانها الوظيفي منخفضة للغاية؟

4 دقائق
الحفاظ على معدلات الدوران الوظيفي المنخفضة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتطلع الكثيرون منا إلى وادي السيليكون متشوقين إلى معرفة الجديد عما يجري في الحرب من أجل المواهب. نريد أن نعرف سر توظيف شركة “جوجل” لأفضل الأشخاص أو ما هي نصيحة مارك زوكربيرغ الخاصة بتعيين الموظفين أو نصيحته حول كيفية الحفاظ على معدلات الدوران الوظيفي المنخفضة. ولكن في عالم لا تعمل فيه معظم الشركات في مجالات التحول الرقمي، ومعظم الموظفين ليسوا خبراء في التقنية أو مطوري تطبيقات، يجب أن يتوسع فضولنا لمعرفة الاستراتيجيات غير التقليدية لتعيين المواهب ليشمل المزيد من القطاعات التقليدية في الاقتصاد. ينطق ذلك على سبيل المثال على سلسلة الوجبات السريعة الرائعة “بالز سادن سيرفس” (Pal’s Sudden Service).

نهج شركة “بالز سادن سيرفس”

فمنذ من الوهلة الأولى لن تجد ما يدهشك في “بالز”. لدى هذه السلسلة 26 فرعاً في شمال شرق ولاية تينيسي وفي جنوب غرب ولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأميركية، وكلها على بُعد 130 كيلو متراً تقريباً من المركز الرئيسي للسلسة في مدينة كينغسبورت بولاية تينيسي. تبيع فروع “بالز” شطائر البرغر والهوت دوغ والدجاج والبطاطا المقلية والعصائر بالأسعار المعتادة للوجبات السريعة، إلا أن لمذاقها وجودتها صيتاً ذائعاً بامتيازهما.

ولكن إذا تعمقت وأمعنت النظر ستجد أن كل شيء في “بالز” غير معتاد في مجالها أو أي مجال آخر. والاختلاف الواضح هو التزامها التام بالسرعة والدقة، إذ لا توفر “بالز” خدمة الجلوس داخل مطاعمها. بدلاً من ذلك، يتوقف العملاء بسياراتهم عند نافذة ويقدمون الطلب وجهاً لوجه للموظف، ثم يتحركون إلى الجانب الآخر من المطعم لاستلام طلبهم والانطلاق. كل هذا يحدث بسرعة البرق: 18 ثانية تقريباً أمام نافذة تقديم الطلب، و12 ثانية تقريباً أمام نافذة التسليم لاستلام الطلب. وهذا أسرع 4 مرات من ثاني أسرع مطعم وجبات سريعة في البلاد.

ولا تتمتع “بالز” بسرعة خارقة فحسب، بل وبدقة مذهلة كذلك. يمكنك أن تتخيل احتمالات وقوع الخطأ، حيث السيارات المليئة بأسر تتجادل أو البائعين المنهكين لإسراعهم في إنهاء الطلب خلال أقل من 20 ثانية. إلا أن “بالز” ترتكب خطأ واحداً فقط كل 3,600 طلب. ويعتبر هذا أفضل بعشر مرات من مطاعم الوجبات السريعة في المتوسط، وهو مستوى من التميز يخلق مستويات لولاء العملاء لم يسبق لها مثيل، كما حاز مستوى السلسة على الثناء من خبراء الإدارة. لقد صارت “بالز” في 2001 أول شركة مطاعم من أي نوع تحصل على الجائزة المرموقة “جائزة مالكولم بالدريدج للجودة” (Malcolm Baldrige Quality Award)، وقد كانت هذه الجائزة تذهب لسنوات عديدة إلى أسماء مثل “كاديلاك” (Cadillac) و”فيدكس” (FedEx) و”ريتز كارلتون” (Ritz-Carlton).

في النهاية، ما يثير الاهتمام حقاً في “بالز”، وما يسمح لهذه الشركة الصغيرة أن تطغى على أقرانها، هو مستوى الذكاء والقوة الذي تتعامل به مع الجانب البشري في نشاطها وكيف تُعيّن وتُدرّب وتربط هويتها في السوق بنهجها في مكان العمل. يقول الرئيس التنفيذي توماس كروسبي للسلسة: “عندما تشاهد رياضيين محترفين، يبدو كل ما يفعلونه سهلاً وسلساً. لكنك تدرك في النهاية قدر العمل الذي قام به كل منهم ليخرج ذلك الأداء وكل التدريب وبناء المهارات والساعات التي بذلوها. الأمر كذلك بالنسبة لنا”.

إذاً، ماذا نتعلم من “بالز”؟

أولاً، أفضل الشركات تُعيّن الموظفين بناءً على السلوك وتدربهم على بناء المهارات:

لسلسلة مطاعم “بالز” 26 فرعاً وتوظف حوالي 1,020 عاملاً، 90% منهم بدوام جزئي، و40% منهم تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً. وقد طورت وضبطت نظاماً لفحص وتقييم المتقدمين الذين أجروا هذا الاستبيان الديموغرافي النفسي المكون من 60 نقطة والذي يصعب تنظيمه بشدة، وفيه يتم التقييم بناءً على سلوكيات وصفات الموظفين المتميزين في “بالز”. ويتولى هذا النظام مهمة غريبة، حيث يتنبأ بالمتقدم الذي سينجح على الأرجح. من بين النقاط التي يُجاب عنها بـ أوافق/لا أوافق: “أشعر في الغالب أنني راضِ عن نفسي”، “أعتقد من الأفضل أن تثق بأشخاص التقيتهم للتو”، “يمكن أن يكون الصوت المرتفع وسيلة لحمل شخص على قبول وجهة نظرك”. تفهم “بالز” أن الشخصية عامل مهم كالشهادات، وما أنت عليه لا يقل أهمية عما تعرفه”.

ثانياً، حتى العظماء يحتاجون دائماً إلى فرص للتحسُّن:

ما إن تنتهي “بالز” من اختيار مرشحيها، تغرقهم بِقَدر هائل من التدريب وإعادة التدريب والاعتماد وإعادة الاعتماد. فيحصل الموظفون الجدد على 120 ساعة من التدريب قبل أن يُسمح لهم العمل بمفردهم، ويجب اعتمادهم في كل وظيفة يقومون بها. ثم يحدث ما يلي كل يوم في كل مناوبة في كل مطعم. يختار الكمبيوتر بصورة عشوائية من اسمين حتى 4 أسماء من الموظفين ليُعيد اعتمادهم في واحدة من وظائفهم أو بمعنى آخر يجري اختبارات مفاجئة إذا أردت أن تسميها كذلك. يخضع الموظفون إلى اختبار سريع لمعرفة هل سينجحون أم لا. وفي حالة عدم نجاحهم، يُعاد تدريبهم على تلك الوظيفة قبل أن يقوموا بها ثانيةً. (يخضع الموظف في المتوسط إلى 2 أو 3 اختبارات مفاجئة شهرياً).

يقول الرئيس التنفيذي كروسبي: “يختل أداء الأشخاص تماماً كالآلات. لهذا نعقد تدريبات دائماً ونعلم دائماً ونوجه دائماً. فإذا أردت أن ينجح الأشخاص، عليك أن تكون راغباً في تعليمهم”.

وهذا يقودنا إلى درسٍ ثالث:

على القادة الجادين في تعيين الموظفين أن يكونوا جادين في تعليمهم. جمعت “بالز” قائمة كتب أساسية (Master Reading List) لجميع القادة في الشركة، تضم 21 كتاباً منها أعمال كلاسيكية خالدة، مثل “الأمير” (The Prince) من تأليف “مكيافيلي” (Machiavelli) و”القيادة فن” (Leadership Is an Art) من تأليف “ماكس دي بري” (Max DePree)، كما تحتوي القائمة على مجلدات فنية متخصصة عن الجودة والإدارة المرنة. وكل يوم اثنين، يدعو كروسبي 5 مدراء من أماكن مختلفة لمناقشة أحد الكتب الموجودة في القائمة الأساسية.

وفي الوقت ذاته، يختار يومياً موضوعاً واحداً على الأقل يُعلّمه لشخص واحد في الشركة. هذا في الواقع شرط مطلوب من جميع القادة في “بالز”، حيث يُتوقع منهم قضاء 10% من وقتهم في تعليم الآخرين، واستهداف موضوع ومُتعلم يومياً. يقول كروسبي: “كل القادة معلمون، سواء أدركوا ذلك أم لا. ولهذا أرسينا ثقافة للتعليم. وكل يوم نُعلم وندرب”.

ونظراً إلى التزام “بالز” بالتعيين الذكي والتعليم المستمر، صار الشعور بالولاء لدى الموظفين مساوياً لولاء العملاء، وانخفض معدل الدوران الوظيفي للغاية. على مدار 33 عاماً من العمل، غادر 7 مدراء عامين (الأشخاص المسؤولين عن إدارة الفروع) فقط الشركة بناء على رغبتهم. 7 مدراء! معدل الدوران الوظيفي السنوي بين المدراء المساعدين 1.4%، وهي نسبة منخفضة جداً لمجال ينتقل الأشخاص فيه من شركة إلى أخرى وغالباً ما يتركون الصناعة بأكملها. حتى بين موظفي خدمة العملاء، بلغ معدل الدوران الوظيفي إلى ثلث المتوسط في هذه الصناعة.

يقول كروسبي: “أُسأل ’ماذا لو أنفقت كل هذا الوقت والمال في التدريب ثم غادر الشخص العمل‘ فأجيب بسؤالهم ’ماذا لو لم أنفق الوقت والمال وبقوا على رأس العمل؟‘”.

هذا هو أهم درس على الإطلاق متعلق بكيفية الحفاظ على معدلات الدوران الوظيفي المنخفضة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .