هل يؤدي رضا الموظفين إلى ارتفاع قيمة الشركة فعلاً؟ وكيف يمكن إدارة رضا الموظفين والقيمة طويلة الأجل للشركة؟ لا يزال الجواب عن هذا السؤال غير واضح، ففي حين أنه من الطبيعي أن يسهل رضا الموظفين عملية توظيفهم والحفاظ عليهم وتحفيزهم، إلا أنّ الاستثمار فيه يعتبر أمراً مكلفاً. لذا فإن السؤال هو: هل المنافع تفوق التكاليف؟
العلاقة بين رضا الموظفين وارتفاع عوائد الأسهم
الجواب هو نعم بكل وضوح. في ورقة بحثية صادرة عن "أكاديمية وجهات النظر الإدارية" (The Academy of Management Perspective)، تم إيجاز محتواها في إحدى محاضرات "تيد إكس" (TEDx)، قمت بدراسة مجموعة من البيانات التي تمتد لفترة 28 عاماً، ووجدت أن الشركات التي تتمتع بمستوى مرتفع من رضا الموظفين تتفوق على نظرائها بنسبة 2.3% إلى 3.8% سنوياً في عوائد الأسهم طويلة الأجل - وهو ما يعني 89% إلى 184% تراكمي، حتى بعد التحكم في العوامل الأخرى التي تحفز الإيرادات. إضافة إلى ذلك، تشير النتائج إلى أن رضا الموظفين هو الذي يتسبب في تحقيق الأداء الجيد، وليس الأداء الجيد هو الذي يسمح للشركة بالاستثمار في رضا الموظفين.
قمت بقياس رضا الموظفين باستخدام قائمة أفضل 100 شركة للعمل في الولايات المتحدة الأميركية. وتتضمن هذه القائمة ميزتين، أولاهما، أن هذه القائمة موجودة منذ عام 1984، لذلك لديّ الكثير من البيانات وأستطيع التأكد من أنّ أي علاقة هي فعلاً قائمة ومستمرة بصفة عامة، وليست فقط محددة بفترة زمنية معينة. ثانياً، إن هذه القائمة بالتحديد تعتبر شاملة، فبعض الدراسات السابقة تقيس رضا الموظفين عن طريق سؤال المدراء عن مدى اهتمامهم بموظفيهم، وهو أمر معرض للتلاعب. بدلاً من ذلك، تم تجميع هذه القائمة بشكل مستقل عن طريق "معهد مكان العمل العظيم" (Great Place to Work Institute)، التي تختار 250 موظفاً بشكل عشوائي وتطرح عليهم 57 سؤالاً. تشمل هذه الأسئلة مختلف محاور المصداقية والاحترام والإنصاف واالشعور بالفخر وأيضاً الشعور بالألفة في بيئة العمل. ونتيجة لشموله واستقلاله، يحظى هذا المقياس باحترام كبير من جانب كل من المدراء والموظفين على حد سواء.
يتعلق السؤال الثاني بكيفية قياس الأداء، حيث إن الدراسات السابقة قد اهتمت تماماً بالنظر في مسألة الأرباح، ولذلك فإن هذا الأسلوب يؤدي إلى مشكلة السببية المذكورة أعلاه: هل رضا الموظفين يؤدي إلى تحسين الأرباح أم أنّ الأرباح هي التي تتسبب في الرضا؟ إن النظر إلى الأرباح المستقبلية لا يحل المشكلة لأن الأرباح مستمرة. على سبيل المثال، إذا وجدت أن الرضا في عام 2015 كان مرتبطًا بأرباح كبيرة في عام 2016، فقد يكون ذلك لأن الأرباح المرتفعة في عام 2015 قد أدت إلى رضا كبير في عام 2015 وكذلك أرباح مرتفعة في عام 2016، تنشأ نفس المشكلة عند دراسة قيمة الشركة (على سبيل المثال معدل الأسعار إلى الإيرادات، أو مقارنة القيمة الدفترية للشركة بقيمتها السوقية)، بدلاً من الأرباح. فقيمة الشركة ثابتة أيضاً.
لذلك قررت معالجة مشكلة السببية من خلال قياس الأداء باستخدام عائدات الأسهم على المدى الطويل. بعد السيطرة على قوة اندفاع أسعار الأسهم، فلن تكون عوائد الأسهم ثابتة. على سبيل المثال، إذا أدت عائدات الأسهم المرتفعة في عام 2014 إلى ارتفاع معدل رضا الموظفين في بداية عام 2015، فلن تستمر عائدات الأسهم المرتفعة هذه بالضرورة خلال عام 2015، حيث إنه من المحتمل بشكل متساوي أن السهم الذي حقق أداءً جيداً في عام 2014 قد يرتفع أو ينخفض أداؤه خلال عام 2015. بعيداً عن ذلك، فإن دراسة عوائد الأسهم على المدى الطويل قد تعالج أي مشكلة تتعلق بقصر نظر الدراسات المعتمدة على أداء سوق الأوراق المالية، حيث إن ظهور منافع رضا الموظفين قد يستغرق بعض الوقت. ولعزل أثر رضا الموظفين، فإننا نعمل على التحكم في العوامل المتعلق بالقطاع الذي تعمل به الشركة، مثل حجم الشركة، والأداء الأخير، وعائد الأرباح، وفرص النمو، والمخاطر، وغيرها من العوامل الأخرى. (يتم شرح هذه العوامل والضوابط الأخرى بمزيد من التفصيل في الورقة البحثية). بعد القيام بذلك، توصلت إلى معدل ارتفاع في الأداء يتجاوز 2.3% إلى 3.8% سنوياً.
رضا الموظفين يحقق أفضل النتائج
توجد للنتائج آثار على كل من المدراء والمستثمرين على حد سواء. فبالنسبة للمدراء، فإنهم يشيرون إلى أن الشركات التي تعامل العاملين فيها بشكل أفضل، تحقق نتائج أفضل. ورغم أن هذه النتيجة تبدو بسيطة، فإنها تتناقض مع أسلوب تفكير التقليدي الذي يستخدم التحكم في التكلفة كمقياس للكفاءة. على سبيل المثال، تشتهر شركة "كوستكو" (Costco) برواتب منسوبيها التي تعتبر أعلى كثيراً من المتوسط السائد في المجال الذي تعمل فيه، كما توفر لهم مزايا الرعاية الصحية بعد فترة خدمة أقصر بكثير مما هو شائع. ونقلت مجلة "بزنس ويك" عن أحد محللي الأسهم قوله إن "إدارة شركة "كوستكو" تركز على... الموظفين ولو كان ذلك على حساب المساهمين. بالنسبة لي، لماذا قد أرغب في شراء أسهم كهذه؟" في الواقع، توصلت الدراسات السابقة إلى ما يدعم صحة وجهة النظر التقليدية. حيث وجدت إحدى الدراسات التي نشرت في المجلة العلمية المرموقة "المجلة الاقتصادية الأميركية" (American Economic Review) أن إعلانات زيادة الأجور تقلل من تقديرات السوق فعلياً بواقع دولار لكل دولار، بما يتماشى مع منظور القيمة الصفرية الذي يشير إلى أن كل دولار يُدفع للموظفين هو دولار مأخوذ من حصص المساهمين. بينما وجدت دراسة أخرى عن مجالس العمال في الشركات الألمانية أن مشاركة الموظف بشكل أكبر تقلل من الربحية والتقييم السوقي للشركة.
على عكس ما سبق، أعتقد أن المنافع المترتبة على رضا الموظفين تفوق التكاليف. قد تكون هذه النتائج المختلفة نابعة من استخدام مقياس أعلى وأكثر شمولاً لتقييم رضا الموظفين، والذي يتكون مما هو أكثر من مجرد أجر مالي ومشاركة. وقد يعتقد المرء أن هناك مستوى مثالي محدد لرضا الموظفين كحد أقصى، وأن الشركات التي تحتل أعلى القائمة ربما تبالغ في مستوى الاستثمار مع تحقيق أداء ضعيف. ومع ذلك، لم أجد دليلاً على هذه الرؤية. قد يرجع ذلك إلى أن الشركات بصفة عامة لا تستثمر بشكل كافٍ في رضاء الموظفين، ربما بسبب النظرة التقليدية القائلة بأن الاستثمار في رضا الموظفين هو ببساطة إنفاق مهدر، وبالتالي فإنه حتى كبرى الشركات لم تتخط المستوى الأمثل.
إذن ما هي الآثار المترتبة على المستثمرين؟ إن مجرد قيام المدراء بالاستثمار في رضا الموظفين لا يعني بالضرورة أنه يجب على المستثمرين أداء ذلك أيضاً. إذا كانت إحدى السمات جيدة لقيمة الشركة، فالسوق تدرك ذلك أيضاً وينبغي أن يظهر ذلك في سعر السهم، ويشبه ذلك عدم قيام المستثمرين بالاستثمار تلقائياً في الشركة الرائدة في السوق في أحد القطاعات نظراً لأن سعر السهم سوف يأخذ ذلك بعين الاعتبار.
المسؤولية الاجتماعية للشركات ورضا الموظفين
إن قوائم أفضل الشركات تعتبر بمثابة معلومات عامة، وبالتالي يجب أن تقفز أسعار الأسهم الخاصة بها بمجرد نشر القائمة، خاصة وأن أفضل الشركات تكون بالفعل بمثابة شركات كبيرة ويتبعها معظم المستثمرين. ومع ذلك، فقد وجدت أن ذلك الأمر يستغرق من الوقت حوالي أربع إلى خمس سنوات حتى يعكس السوق هذه المعلومات بشكل كامل. وفي حين أن الأسواق جيدة بالفعل في تقييم الأصول الملموسة، مثل الأرباح وعوائد الأسهم، إلا أنها بطيئة للغاية في تقييم العوامل غير الملموسة مثل رضا الموظفين، ربما لأنها قد تعتقد بالخطأ أن الشركات الداعمة لموظفيها غير حريصة على النتائج النهائية. كما أن الأسواق لا تعتبر رضا الموظفين جزءاً من الخصائص المميزة والمرغوبة للشركات. وقد يمتد تأثير هذا الأسلوب إلى ما هو أبعد من رضا الموظفين، فيؤثر أيضاً على عناصر أخرى مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)، حيث سيتم تجاهلها أيضاً من قبل المستثمرين الذين يشككون في منفعتها لقيمة الشركة. نتيجة لذلك، فحتى المستثمر التقليدي الذي يستهدف الإيرادات المالية البحتة قد يكون من الأفضل له الاهتمام بخصائص المسؤولية الاجتماعية للشركات.
بالعودة إلى المدراء، فإن رد الفعل البطيء من قبل الأسواق على المسائل المتعلقة برضا الموظفين يعتبر بمثابة سيفٍ ذي حدين، ففي حين أن الاستثمار في رضا الموظفين يؤتي ثماره بالفعل فإن السوق يستغرق وقتاً طويلاً لتمييز هذه الفوائد. وبالتالي، فإن المدير التنفيذي الحريص على تحقيق مستهدفات الأرباح ربع السنوية قد يختار عدم الاستثمار في معنويات الموظفين، وبهذا الاختيار فإنه يضر أداء الشركة على المدى الطويل. ولكن يمكن لكل من المستثمرين وأعضاء مجالس الإدارة اتخاذ بعض الإجراءات لتخفيف هذا الأمر، حيث ينبغي على المستثمرين النظر إلى ما هو أبعد من مجرد التقارير ربع السنوية. في الواقع، توقف بول بولمان، الرئيس التنفيذي لشركة "يونيليفر" عن الإبلاغ عن الأرباح ربع السنوية حتى يسمح للشركة (ومستثمريها) بالتركيز على القيمة طويلة الأجل.
وبالمثل، ينبغي على مجالس الإدارة أن تمنح المدراء حصص الملكية لفترات طويلة، بدلاً من تحديد مكافآتهم وبدلاً من الاحتفاظ بهم أو إقالتهم على أساس الأرباح قصيرة الأجل. إن مشكلة المدى القصير مشكلة في النظام نفسه، فلن يفكر المدراء بأسلوب يراعي المدى البعيد إلا عندما يقوم أعضاء مجلس الإدارة والمستثمرون الذين يقومون بتقييمهم بالتفكير بهذا الأسلوب، وبعدها سيتمكنون من إدارة رضا الموظفين والقيمة طويلة الأجل لشركاتهم.