كيف تُسخر الحكومات المحلية التكنولوجيا لخدمة مواطنيها بشكل أفضل؟

4 دقائق
تسخير التكنولوجيا لخدمة المواطنين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في هذا العالم المتصل والمتمحور حول العميل، أصبح العملاء يتوقعون تلبية احتياجاتهم بسرعة وسلاسة، خاصة في المدن، حيث تقوم شركة “إنستاكارت” (Instacart) بتوصيل البقالة إلى شقتك، وتوفر “أمازون” خدمة توصيل المشتريات في نفس اليوم، وتتنافس شركتا “أوبر” و”ليفت” لتقديم خدمات التوصيل بالسرعة القصوى. فكيف يمكن تسخير التكنولوجيا لخدمة المواطنين؟

نقاط هامة من أجل استخدام التكنولوجيا لخدمة المواطنين

لطالما عمدت الحكومات المحلية على تقديم تجربة مختلفة لمواطنيها، متمثلة في النماذج الجاهزة التي يجب طباعتها وإرسالها بالبريد، والمدفوعات التي تُسدد نقداً أو بشيك فقط، وحجز المواعيد بشكل شخصي وفي المكاتب التي تفتح في توقيت محدد، من الساعة 9 صباحاً حتى 5 مساء (أو من 9 صباحاً إلى ظهيرة يوم الجمعة)، حيث تصادمت هذه التجربة على نحو مطرد مع مستوى الخدمات التي تدرب عليها السكان من قبل شركات مثل: “زيلو” (Zillow)، و”كاياك” (Kayak)، و”يلب” (Yelp). وبالتالي فنحن نعيش في عالم يجد فيه المواطنون المفاضلة بين المقاهي أسهل من المفاضلة بين المدارس العامة، والمفاضلة بين الفنادق أسهل من المفاضلة بين المستشفيات. وهذه فرصة ضائعة على الحكومات يجب استغلالها، لتحسين حياة الأشخاص المستفيدين من خدماتهم، ولإثبات قيمتها وتوسيع المشاركة المدنية أيضاً.

لقد أدركت بعض الحكومات المحلية المجدِدة أهمية هذا الفرصة، وعملت على استخدام التكنولوجيا والعقلية التي تتمحور حول العميل، لتقديم خدمات مبتكرة ومحسّنة للمواطنين، سواء عند تأسيس الأعمال التجارية أو عند تجديد رخصة القيادة. ومن خلال تجربتنا، وجدنا أن هذه الحكومات قد نجحت في استغلال هذه الفرصة من خلال إدراكها لـ 5 نقاط أساسية، مقتبسة من القطاع الرقمي أو التكنولوجي الاستهلاكي:

الحجم مهم

تبدو تلك النقطة بديهية، ولكن من المهم ذكرها. فالعنصر الحاسم في قطاع الإنترنت الاستهلاكي، كما ندرك جميعاً هو النجاح في جذب عدد كبير من الجمهور، حيث تزداد أهمية الشبكات الاجتماعية عندما يشترك عدد أكبر من الأشخاص في هذه المواقع، ويكون تأثير المواقع الإلكترونية أكبر عندما يتصفحها عدد كبير من الأشخاص. ولكي تحظى الخدمات الحكومية بتأثير كبير، فإنها ستحتاج إلى جمهور كبير. فعندما تتيح التطبيقات الجديدة للسكان إمكانية شراء تراخيص الصيد، أو التحقق من جداول العبور، أو دفع الضرائب المحلية في الوقت المحدد سيكون لها التأثير البنّاء. يكتفي العديد من الحكومات بقياس التأثير وفق الآلاف عمليات تنزيل التطبيق أو عدد مرات ظهور الإعلان عن التطبيق، وليس عشرات الآلاف أو حتى الملايين من التنزيل أو مرات الظهور. بينما يطمح المبتكرون الحقيقيون لتحقيق الأهداف الكبيرة.

تحقيق التناغم بين الجهود المبذولة في إطار شبكة الإنترنت وخارجها

فالحكومات الناجحة تُسخّر نقاط الاتصال عبر شبكة الإنترنت وخارجها على حد سواء في بناء جمهورها الرقمي. وذلك بتوفير فرص الاشتراك عبر مراكز الاتصال، ونقاط خدمة العملاء، وفي الأحداث الاجتماعية، أو عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. كما تعمل على تحسين المواقع الإلكترونية الخاصة بها لإتاحة الفرصة أمام الزائرين للتسجيل والحصول على تحديثات حول أي محتوى محدد يقع ضمن اهتماماتهم. على سبيل المثال، لدفع عدد كبير من الأشخاص للاشتراك من أجل الحصول على تنبيهات الطوارئ المتعلقة بهطول الثلوج، تعلن مدينة مينيابولس الأميركية عن إتاحة إمكانية الاشتراك في تنبيهات منصة “غوف ديليفيري” (GovDelivery) عبر لوحات الإعلانات، والمراسلات البريدية، وعبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي. فبواسطة رسالة مترابطة واحدة ستدفع السكان للاشتراك لتلقي تنبيهات الطوارئ المتعلقة بهطول الثلوج، وبذلك سيتمكنون من معرفة آخر المستجدات حول الموانع الخاصة بمواقف السيارات.

يجب ربط الحسابات الحكومية الموجهة للمواطن على نحو سلس

ففي كثير من الأحيان، تطلب حكومات المدن من المواطنين إنشاء حسابات مختلفة لبعض المهام، كدفع مخالفات ركن السيارات، أو الضرائب، أو رسوم جمع القمامة، حتى وإن كانت كل تلك الخدمات موجودة على موقع الحكومة الإلكترونية. ففي التقسيمات الإدارية الكبرى، قد ترغمك كل مدينة يمكن أن تمر بها على تنصيب تطبيق مواقف السيارات الخاص بها، وذلك في بعض المناطق الحضرية الكثيفة، وهكذا ستحتاج إلى ثلاثة أو أربعة تطبيقات مختلفة لمواقف السيارة ضمن دائرة نصف قطرها 8 كيلو متر.

وفي هذا المجال تتقدم الحكومات على الشركات الخاصة، حيث يمكن للجهات الحكومية أن تتشارك مع بعضها البعض، وأن تتقاسم المعلومات وقواعد البيانات الخلفية النهائية (back-end) لمنح المواطنين تجربة ملائمة وسلسة بشكل أكبر. فعلى سبيل المثال، لقد أنشأنا شبكة ضمن منصتنا، بحيث يظهر لكل من يُنهي إجراءات الاشتراك للحصول على معلومات من إحدى المؤسسات الحكومية، نافذة تالية تقدم للمستخدمين خيار الاشتراك للحصول على إشعارات أخرى من خدمات مماثلة، أو إغلاق الموقع. ولقد وجدنا أن المواطن يعمد إلى الاشتراك في جهة إضافية أخرى في المتوسط خلال كل عملية التسجيل الأساسية.

يعتمد تحقيق الاندماج والمشاركة على التقسيم الذكي

لتحقيق معايير الاندماج والتحويل المُطبقة في القطاع الخاص، يجب على المؤسسات الحكومية تقسيم الجماهير لفئات واستهداف الفئة المرغوبة، مع احترام خصوصية المواطن طبعاً، حيث تُعتبر عمليات التواصل المصممة خصيصاً وفق اهتمامات الجمهور هي الأنسب، ما يُرجح نجاح هذه العمليات في جذب الانتباه وإشراك المواطنين في البرامج والمبادرات القيّمة.

على سبيل المثال، لتنسيق خدمات الصرف الصحي بشكل أفضل، تقدم مدينة لويزفيل الأميركية خدمة إرسال الرسائل للتذكير بمواعيد جمع القمامة للسكان عبر منصة “غوف ديليفيري”، حيث تقوم بإرسال الرسائل وفقاً للتقسيم الجغرافي. ولقد اشتركت أكثر من 12 ألف أسرة لتلقي التنبيهات عبر الرسائل النصية، بحيث يتم إرسال رسالتين للمشترك، رسالة قبل أسبوع واحد من الموعد المقرر لوصول سيارة جمع القمامة وأخرى قبل يوم من هذا الموعد. ومن خلال المبادرة بالتواصل مع السكان حول مواعيد جمع القمامة، تمكنت مدينة لويزفيل من رفع كفاءة مركز الاتصال الخاص بالمدينة، ما أدى إلى خفض عدد المكالمات الواردة إلى مركز خدمة العملاء (311) والمتعلقة بالاستفسار عن مواعيد جمع القمامة بنسبة 45% منذ عام 2013. وفي مثال آخر، تطلق هيئة المحافظة على الأسماك والحياة البرية في فلوريدا حملات تجديد الاشتراك الربع سنوية للترويج عن البرامج أو الخدمات أو الموضوعات الجديدة التي تثير اهتمام المشتركين الحاليين. علاوة على ذلك، تستخدم ولاية ميشيغان الحملات المُوجهة وبيانات الجمهور لزيادة عدد طلبات الأسر التي تكفل أطفالاً.

المؤثرون يعملون على رفع معدلات الاندماج والمشاركة

إن بث الرسالة الصحيحة إلى الأشخاص المناسبين يخلق تأثيراً واسع الانتشار، ويمكن بل يجب على الحكومات أن تستفيد من هذه الظاهرة. فقد أظهرت دراسة أجراها “مركز بيو للأبحاث عام 2014، أن عدد البالغين الذين أنجزوا الخدمات الحكومية الشائعة بالأسلوب الرقمي بلغ أقل من 30%. وهنا نجد أن العامل الأساسي في هذه الحالة هو أن العديد من المواطنين قد لا يعلمون بأمر العروض الرقمية المتاحة لهم، حيث يبرز دور التسويق الترويجي في العثور على المؤثرين الرئيسيين ليساعدوا على نشر رسالتك.

ويعد الكشف عن هؤلاء المُروجين وتوظيفهم تحدياً كبيراً. كما يمكن للمؤسسات الاستفادة من الجماهير لمساعدتها على نشر معلوماتهم بشكل أكبر، وذلك من خلال تحديد الجماهير ذات مستوى المشاركة المرتفع والحديث إليهم، أي أولئك الذين لديهم أعلى نسب مشاركة للمحتوى مع أصدقائهم وعائلاتهم. على سبيل المثال، تستفيد مقاطعة كينغ في ولاية واشنطن من رؤى أكثر المشاركين للمحتوى الرقمي للبت في الحملات الترويجية المتقاطعة التي يمكن أن يستجيبوا لها بشكل جيد. فمن المرجح أن يستجيب المواطن المشارك إلى حد كبير برسائل البريد الإلكتروني المرسلة من المناطق التعليمية بشكل جيد للمناشدات المحددة الأهداف، كالتطوع أو تقديم الدعم لتحصيل الرسوم المدرسية.

وأخيراً تتجه حكومات المدن في مختلف أنحاء العالم نحو تسخير التكنولوجيا لخدمة المواطنين وتقديم تجربة حقيقية للمواطنة المتصلة. ومن خلال استخدام التكنولوجيا السليمة واستراتيجية الاتصالات المدروسة بعناية، لن يطول حصول المواطنين على تجربة مبسطة ومتسقة من القطاع العام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .