غالباً ما تكون أفضل أفكارك هي التي توصلت إليها في النهاية

5 دقائق
التوصل إلى الأفكار الإبداعية

ملخص: أظهرت البحوث بوضوح أن مستوى الإبداع لدى الأشخاص إما يزيد وإما يظل كما هو على مدار جلسة توليد الأفكار. ومع ذلك، يقلل معظمنا باستمرار من أهمية مواصلة عملية الإبداع؛ وهي فكرة مغلوطة يشير إليها المؤلفان بـ "وهم انخفاض القدرة على الإبداع". وعلى الرغم من حقيقة أننا عادة ما نبتكر عدداً أقل من الأفكار كلما طالت مدة العصف الذهني، فإننا نفترض على نحو خاطئ أن هذا الانخفاض في الإنتاجية مرتبط بانخفاض قدرتنا على التوصل إلى أفكار إبداعية. وهذا التصور الخاطئ يمكن أن يدفعنا إلى إيقاف عملية العصف الذهني في وقت مبكر للغاية قبل أن نتوصل إلى أفضل أفكارنا. ولكن لحسن الحظ، يشير بحث المؤلفين إلى أن رفع مستوى الوعي بهذه الظاهرة، سواء من خلال تجارب الأشخاص السابقة مع الأعمال الإبداعية أو من خلال تثقيفهم بشأن هذه الظاهرة، يمكن أن يحد من تأثيرها. وبناءً على هذه الاستنتاجات، يقترح المؤلفان في هذه المقالة العديد من الاستراتيجيات التكتيكية التي يمكن للمدراء الذين يسعون إلى تعزيز قدرة فِرقهم على الإبداع استخدامها، وهي تشمل: شرح طبيعة العملية الإبداعية المخالفة للتوقعات وتذكير الأشخاص بها، وتخصيص وقت أطول لجلسة توليد الأفكار، والتجربة والتعديل بشكل مستمر لتحسين الكيفية التي تتوصل بها الفِرق إلى أفكار جديدة.

نظراً إلى أن المؤسسات الكبيرة والصغيرة تواجه تحديات غير مسبوقة، فقد أصبح تعزيز القدرة على الإبداع التي تُعد ضرورية للخروج بأفكار رائعة أكثر أهمية من أي وقت مضى. ولكن من أجل الارتقاء بمستوى إمكاناتنا وقدراتنا الإبداعية، يتعين علينا أولاً أن نفهم كيفية سير العملية الإبداعية.

أظهرت البحوث السابقة أن الأفكار الأولى التي يخرج بها الأشخاص نادراً ما تكون هي الأفكار الأكثر إبداعاً. إذ إن الخروج بفكرة مبتكرة عادة ما يتطلب إجراء عملية طويلة من العصف الذهني وفيها يتم الخروج بمجموعة كبيرة من الخيارات المحتملة ومناقشتها ومراجعتها قبل الوصول إلى الفكرة الأكثر إبداعاً في النهاية.

وهم انخفاض القدرة على الإبداع

وعلى الرغم من هذه الحقيقة، فإن معظم الأشخاص يقللون باستمرار من أهمية مواصلة عملية الإبداع. وقد وثقنا من خلال بحثنا فكرة مغلوطة نسميها "وهم انخفاض القدرة على الإبداع" (creative cliff illusion)؛ ما يعني أنه على الرغم من أن مستوى الإبداع إما يزيد وإما يظل كما هو خلال جلسة توليد الأفكار، فإن الأشخاص يفترضون أنه يتراجع بمرور الوقت.

وقد استكشفنا هذه الظاهرة، وما يمكن للمدراء فعله للتغلب عليها من خلال سلسلة من الدراسات التي طلبنا فيها من المشاركين التنبؤ بالكيفية التي قد يتغير بها مستواهم في الإبداع على مدار جلسة توليد الأفكار. وقد أجرينا هذه التجارب على عينات مختلفة من السكان في الولايات المتحدة، بما في ذلك: طلاب الجامعات والبالغون العاملون، من خلال تكليفهم بأداء مجموعة متنوعة من المهام المتعلقة بحل المشكلات بإبداع.

في إحدى دراساتنا، سجلنا كوميديين محترفين وهواة في مسابقة لكتابة نكات أو تعليقات. وأجرينا استطلاعاً لمعرفة معتقداتهم حول كيفية تغير مستوى الإبداع بمرور الوقت، ثم جعلناهم يقضون ما يشاؤون من الوقت لابتكار تعليقات أو نكات على رسم ساخر. ووجدنا أن الكوميديين الذين كانوا أكثر قناعة بأن أفكارهم الأولى ستكون أفضل أفكارهم توقفوا عن توليد الأفكار في وقت مبكر. وقد انتهى الأمر بهؤلاء الكوميديين بالخروج بعدد أقل من النكات، والأهم من ذلك أنه تم تصنيف عدد قليل من هذه النكات على أنها إبداعية للغاية، ما يشير إلى أنك عندما تعتقد أن الأفكار التي توصلت إليها في البداية ستكون هي أفضل أفكارك فإنك ستكون أكثر ميلاً إلى إيقاف عملية الإبداع قبل التوصل إلى أفضل أفكارك.

لماذا يخفق الأشخاص في تقدير قدرتهم على الإبداع؟ تكمن الإجابة عن هذا السؤال في مؤشر للأداء غالباً ما يتم الخلط بينه وبين الإبداع (بالخطأ)، ألا وهو: الإنتاجية. فعند توليد الأفكار (أو إنجاز أي مهمة تتطلب طاقة ذهنية)، عادة ما تنخفض الإنتاجية بمرور الوقت، وغالباً ما يعتبر الأشخاص أن سهولة توليد الأفكار دليل على جودتها. بعبارة أخرى، يعلم الأشخاص أن إنتاجيتهم تنخفض بمرور الوقت، ولذلك فإنهم يعتقدون أن قدرتهم على توليد أفكار إبداعية ستنخفض بمرور الوقت أيضاً. لكن الأمر ليس كذلك بالطبع. فخلال العملية الإبداعية، عادة ما تكون الأفكار التي يسهل التوصل إليها هي الأفكار الأكثر وضوحاً، أما الأفكار الجديدة المبتكرة فيتم الوصول إليها من خلال التفكير بعمق أكبر.

لحسن الحظ، لا يتعرض الأشخاص إلى "وهم انخفاض القدرة على الإبداع" بالتساوي. ففي دراسة أخرى ضمن سلسلة التجارب نفسها، طلبنا من المشاركين الإفادة بعدد مرات مشاركتهم في الأعمال أو المهام الإبداعية في حياتهم اليومية. ووجدنا أن الأشخاص الذين أفادوا بأنهم يشاركون في أعمال إبداعية بشكل أكثر تواتراً كانوا أقل ميلاً إلى افتراض أن قدرتهم على الإبداع ستنخفض بمرور الوقت، ما يشير إلى أن التجارب الشخصية مع العمل الإبداعي يمكن أن تساعد الأشخاص في التغلب على افتراضاتهم الخاطئة حول العملية الإبداعية. وفي دراسة ثالثة وجدنا أنه بغض النظر عن التجارب السابقة فإن تثقيف الأشخاص ببساطة بشأن هذا الوهم يمكن أن يساعد في التخفيف من حدته.

مساعدة الفرق على تعديل توقعاتهم حول العملية الإبداعية

بالنظر إلى هذه الاستنتاجات، هناك بعض الأشياء التي يمكن للمدراء القيام بها لمساعدة فِرقهم على تعديل توقعاتهم حول العملية الإبداعية وتمكينهم من الخروج بأفكار أكثر إبداعاً:

1. ثقِّف موظفيك

أظهر بحثنا مدى انتشار "وهم انخفاض القدرة على الإبداع"، ولكنه أوضح أيضاً أن فهم هذه الظاهرة بشكل جيد يمكن أن يحد من تأثيرها. لذا، يتعين على المدراء تثقيف فِرقهم بشأنها، وتوضيح أنه من غير المرجح أن تكون أفكارهم الأولى قيّمة بقدر الأفكار التي تظهر لاحقاً في أثناء العملية الإبداعية. ويمكن أن يتم ذلك من خلال إجراء محادثات ثنائية مع الموظفين الرئيسيين ونقاشات على مستوى الفِرق حول الكيفية التي يمكن بها تكييف عمليات سير العمل في المشاريع للتغلب على التحيز إلى الأفكار التي يتم التوصل إليها في البداية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمدراء تذكير موظفيهم بأنه عندما تنخفض إنتاجيتهم ويشعرون أنهم لا يستطيعون توليد مزيد من الأفكار، فإن هذا لا يعني أن قدرتهم على الإبداع قد انخفضت. وفي حين أن هذا الشعور قد يكون غير مريح، إلا أنه في الواقع ناتج عن تجاوز العقل لحدوده المعرفية والبحث عن روابط جديدة، وهما شرطان أسياسيان لتوليد الأفكار الإبداعية.

2. استثمر في عمليتك الإبداعية

لا توجد وصفة محددة للنجاح (على سبيل المثال، زيادة الوقت المخصص لعملية توليد الأفكار بنسبة "كذا" في المائة سوف يمنحك أفكاراً أكثر إبداعية بنسبة "كذا" في المائة). ولكن هناك عدة طرق لضمان أنك تمنح العمليات الإبداعية الرئيسية ما تحتاج إليه من وقت واهتمام:

  • خصص للعمليات الإبداعية وقتاً أطول مما تعتقد أنه يلزمها، سواء كان ذلك يعني إجراء جلسة إضافية لتوليد الأفكار أو إجراء العصف الذهني لفترة أطول أو حتى تخصيص وقت احتياطي بحيث يمكن استخدامه لإجراء اجتماعات إضافية عند الحاجة.
  • اطلب من فريقك أن يبتكر أفكاراً بمقدار ضعفين أو حتى 3 أضعاف الأفكار التي تعتقد أنك بحاجة إليها، خاصة في المراحل الأولى من جلسة توليد الأفكار. إذ إن طلب عدد كبير من الأفكار يمكن أن يساعد الأشخاص في التغاضي عن الأفكار الواضحة للغاية التي يتم التوصل إليها في المراحل الأولى ومواصلة العملية الإبداعية للخروج بأفكار وفرص جديدة فعلياً.
  • أجرِ تجارب حول العمليات الإبداعية لفريقك وقِس النتائج. ويمكنك بعد ذلك الاستفادة من هذه البيانات في اتخاذ القرارات المستقبلية. على سبيل المثال، في المرة القادمة التي تعقد فيها ورشة عمل، لاحظ المرحلة التي تم فيها توليد أفضل الأفكار. واعرف ما إذا كان مَن خرج بهذه الأفكار هو الفريق الذي أجرى عصفاً ذهنياً لمدة ساعة أم الفريق الذي أجراه لمدة 3 ساعات، وما إذا كانت زيادة عدد الأفكار المطلوبة من فريقك قد أدت إلى الخروج باقتراحات أكثر إبداعاً. إذ إن تجربة هذه المتغيرات المختلفة يمكن أن تساعدك في ضبط عملياتك ومعرفة القدرات الإبداعية لفريقك.

"وهم انخفاض القدرة على الإبداع" شائع للغاية، ولكن يمكن للمدراء مساعدة فِرقهم في التغلب عليه من خلال تثقيف موظفيهم وتحسين العمليات. وباتباع الاستراتيجيات الموضحة أعلاه، يمكن للقادة مساعدة موظفيهم على فهم كيفية سير العملية الإبداعية وبناء عمليات إبداعية تؤكد على قيمة الأفكار التي تظهر في المراحل الأخيرة. وفي حين أن هذا الأمر قد يتطلب بعض العمل الإضافي، إلا أن هذا الجهد المبذول في عملية توليد الأفكار التي تستغرق وقتاً أطول سوف يؤتي ثماره عندما تتوصل إلى أفكار يمكن أن تُحدث تغييرات جذرية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي