ما العلاقة بين الإعلانات والخصوصية تحديداً؟ وسعت شبكة الإنترنت بشكل هائل من الأدوات التي يمكن أن يستفيد منها المسّوق في الوقت الراهن، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى تطور واحد بسيط ولكنه جوهري: ألا وهو البيانات الرقمية. إذ أن مشاركة المستخدمين بانتظام للبيانات الشخصية على الإنترنت وقدرة ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) على شبكة الإنترنت على تتبع كل نقرة، مكنت المسوقين من اكتساب نظرة متعمقة لم يسبق لها مثيل حول المستهلكين وتقديم الحلول المُصممة خصيصاً لتُلائم احتياجاتهم الفردية. وقد كانت النتائج مُذهلة. فقد أظهرت الأبحاث أن الاستهداف الرقمي لكل فرد يُحسن الاستجابة للإعلانات بشكلٍ كبيرٍ، وأن أداء الإعلانات يتراجع عندما تقل إمكانية وصول المسوقين إلى بيانات المستهلكين. ولكن هناك أيضاً أدلة تُشير إلى أن استخدام "المراقبة" على الإنترنت لبيع المنتجات يمكن أن يؤدي إلى رد فعل عكسي من قِبل المستهلكين. كان السائد حتى وقت قريب في الأبحاث التي تركز على استهداف الإعلانات لكل فرد على دراسة المستهلكين الذين يجهلون أن بياناتهم تحدد نوعية الإعلانات التي يرونها. في الوقت الراهن، أصبحت هذه السذاجة نادرة على نحو متزايد.
الإعلانات والخصوصية
فقد وضع الغضب الشعبي تجاه الانتهاكات المتعلقة بالبيانات المستمدة من الشركات واستخدام الاستهداف لنشر أخبار مزيفة وإثارة التعصب السياسي، المستهلكين في حالة تأهب. وقد أوضحت التجارب الشخصية مع إعلانات شديدة التخصيص (مثل الإعلان عن أغذية الحيوانات الأليفة التي تبدأ بعبارة مثل، "لأنك تقتني كلباً، قد ترغب في ...") أو الإعلانات التي تتبع المستخدمين عبر مواقع الإنترنت، أن المسوقين غالباً ما يعلمون بالضبط من يستقبل رسائلهم الرقمية على الطرف الآخر. والآن بدأت الهيئات التنظيمية في بعض الدول في إلزام الشركات بالكشف عن كيفية جمع واستخدام المعلومات الشخصية للمستهلكين.
يضيف ذلك ديناميكية جديدة تماماً على مسألة الإعلانات والخصوصية تحديداً، تستثير السؤال التالي: ما مدى نجاح الإعلانات الموجهة في مواجهة زيادة وعي المستهلكين؟ فمن ناحية، يمكن أن يؤدي الوعي إلى تحسن أداء الإعلانات إذا جعلت العملاء يشعرون بأن المنتجات التي يرونها مناسبة لهم بصورة شخصية. إذ يقول مؤيدو استخدام ملفات تعريف الارتباط وأدوات المراقبة الأخرى أن الإعلانات الأكثر صلة بالمستهلك تؤدي إلى تجربة إلكترونية عالية القيمة وأكثر إمتاعاً. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي الوعي إلى تراجع أداء الإعلانات إن أثار المخاوف بشأن الإعلانات والخصوصية وأثار اعتراض المستهلك.
ويبدو أن النتيجة الأخيرة ستكون الأرجح إذا استمر المسوقون في اتباع نهج العمل المعتاد. إذ كشفت إحدى الدراسات أنه عندما بدأ تطبيق قانون في هولندا، في العام 2013، يُلزم المواقع على شبكة الإنترنت بإبلاغ الزوار بالتعقب السري، انخفضت نسبة النقر على الإعلانات. وقد توصلت التجارب المركزة على مجموعات معينة إلى نتائج مماثلة.
نجحت بعض الشركات في تحقيق نتائج أفضل من غيرها في توقع كيفية استجابة العملاء للاستهداف الإعلاني. تُظهر شركة أمازون إعلانات التسوق على موقعها، مستندة بشكل صريح -وواضح غالباً- على بيانات البحث الخاصة بالمستخدمين، دون إثارة غضب المستهلكين على الإطلاق. ومع ذلك، في مثال مُشين، عندما اتبعت شركة "تارغت" (Target) ممارسة مماثلة عن طريق إنشاء عروض ترويجية مستندة على البيانات الاستهلاكية للمتسوقين الأفراد، لم تكن الاستجابة جيدة. إذ أرسل المتجر قسائم شراء منتجات ذات صلة بالأمومة إلى نساء استنبط أنهن حوامل. وكان من بينهن فتاة مراهقة، الأمر الذي جعل والدها غاضباً، ثم خجِلاً عندما اكتشف أن ابنته كانت في الواقع تنتظر مولوداً. وعندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الحادث، غضب العديد من المستهلكين، وواجهت سلسلة المتاجر مشكلة تتعلق بالعلاقات العامة. وبالمثل، سرعان ما تراجعت شركة "أوربان آوتفيترز"(Urban Outfitters) عن تخصيص صفحتها الرئيسية على أساس نوع الجنس بعد شكوى العملاء. وقال ديميتري سيغيل، المدير التنفيذي للتسويق المسؤول عن المبادرة، في مقابلة مع صحيفة التايمز "رأينا أن شعور العملاء بخيبة الأمل الناتجة عن كونهم مستهدفين يفوق أي فائدة".
بالنسبة إلى المستهلك الذي يفضل الإعلانات المتصلة به على غيرها (من غير الواقعي في الوقت الراهن تصور تجربة خالية من الإعلانات في ساحة شبكة الإنترنت المدعومة بالإعلانات)، من المهم أن يحقق المسوقون التوازن الصحيح. يحتاج المسوقون الرقميون إلى فهم متى سيلاقي استخدام بيانات المستهلك لتخصيص الإعلانات القبول أو الانزعاج حتى يتمكنوا من احترام توقعات المستهلكين حول كيفية استخدام المعلومات الخاصة بهم. الخبر السار هو أن علماء الاجتماع يعرفون بالفعل الكثير عما يثير مخاوف العلاقة بين الإعلانات والخصوصية ويؤدي إلى تجاوزها للحدود، بالإضافة إلى أن الأبحاث الجديدة التي أجريناها نحن وآخرون تبين أن هذه المعايير يمكن أن تفيد أعمال المسوقين في المجال الرقمي. من خلال سلسلة من التجارب، بدأنا في فهم الأسباب التي تجعل المستهلكين يعترضون على الاستهداف وكيف يمكن للمسوقين استخدام التخصيص بينما يحافظون على احترام خصوصية الأشخاص في الوقت نفسه.
إشكالية الإعلانات والخصوصية
لا يتصرف الناس دائماً بشكل منطقي عندما يتعلق الأمر بإشكالية الإعلانات والخصوصية تحديداً. على سبيل المثال، غالباً ما نتشارك التفاصيل الحميمة مع أشخاص غرباء تماماً بينما نخفي الأسرار عن المقربين منا. ومع ذلك، فقد حدد علماء الاجتماع عدة عوامل تتنبأ بمدى شعور الأشخاص بالراحة تجاه استخدام معلوماتهم الشخصية. وأحد هذه العوامل واضح إلى حد ما، ألا وهو طبيعة المعلومات. تنطوي الفطرة السليمة على أنه كلما زادت حميمية وخصوصية المعلومات (البيانات المتعلقة بالجنس والصحة، والوضع المالي، حساسة بصفة خاصة)، كلما قل شعور الناس بالراحة تجاه معرفة الآخرين بها.
وثمة عامل ثان، أكثر دقة، يتعلق بالطريقة التي تتنقل بها المعلومات الشخصية للمستهلكين، وهو ما يسميه علماء الاجتماع "تدفق المعلومات". يمكن توضيح هذا المعيار بلغة يفهمها القارئ غير المتخصص بأنه "عدم التحدث عن الآخرين في غيابهم". فبينما قد يشعر الناس بالراحة عند الكشف عن المعلومات الشخصية بشكل مباشر (ما يطلق عليه العلماء مصطلح "مشاركة الشخص الأول")، فقد يشعرون بعدم الراحة تجاه انتقال هذه المعلومات دون معرفتهم (ما نطلق عليه مصطلح "المُشاركة عبر الطرف الثالث"). إذا علمت أن أحد الأصدقاء قد كشف عن شيء شخصي يتعلق بك إلى صديق آخر مشترك، فإنك على الأرجح ستنزعج من ذلك، على الرغم من أنك قد لا تمانع في أن يعرف كلا الطرفين هذه المعلومات. ومن المحظور كذلك أن تستنبط جهاراً معلومات عن شخص ما، حتى لو كانت تلك الاستنباطات دقيقة. على سبيل المثال، يمكن لامرأة أن تخبر زميلاً مقرباً عن حملها المبكر، ولكن من المحتمل أن تجد أنه من غير المقبول أن يخبرها ذلك الزميل باعتقاده أنها حامل قبل أن تكشف هي عن أي شيء.
وقد عرفنا عبر الدراسات التي أجريت مؤخراً أن تلك المعايير المتعلقة بالمعلومات تنطبق أيضاً على الفضاء الرقمي. في دراستنا الأولى، أعددنا قائمة بالطرق الشائعة التي يستخدم من خلالها غوغل وفيسبوك البيانات الشخصية للمستهلكين لإنشاء الإعلانات. ثم طلبنا من المستهلكين تقييم مدى قبولهم لكل طريقة، وباستخدام تقنية إحصائية تسمى "تحليل العامل"، حددنا مجموعات الممارسات التي يميل المستهلكون إلى الانزعاج منها، والتي تعكس الممارسات المتجاوزة للحدود التي تدفع الأشخاص للشعور بعدم الراحة:
- الحصول على معلومات من خارج الموقع الإلكتروني الذي یظھر عليه الإعلان، ھو أشبه بالحديث عن شخص ما في غيابه.
- استنتاج المعلومات عن شخص ما استناداً إلى التحليلات، وهو أشبه باستنباط المعلومات.
وبعد ذلك، أردنا أن نرى مدى الأثر بين الإعلانات والخصوصية والذي سيُحدثه الالتزام بمعايير الخصوصية أو انتهاكها على أداء الإعلانات. ولذلك قسمنا المشاركين في دراستنا إلى ثلاث مجموعات. في محاكاة للمعايير المقبولة، الممثلة في مُشاركة الشخص الأول، تصفحت إحدى هذه المجموعات في البداية موقعاً على شبكة الإنترنت؛ وعلى نفس الموقع عرضنا إعلاناً، في وقت لاحق مصحوباً بعبارة "أنت ترى هذا الإعلان على أساس المنتجات التي نقرت عليها أثناء تصفح موقعنا على الانترنت". وفي محاكاة للمعايير غير المقبولة، الممثلة في مشاركة الطرف الثالث، تصفحت مجموعة أخرى موقع على شبكة الانترنت ثم زارت موقعاً ثانياً، حيث عرضنا إعلاناً مصحوباً بعبارة "أنت ترى هذا الإعلان على أساس المنتجات التي نقرت عليها أثناء تصفح موقع طرف ثالث على شبكة الإنترنت". وكانت المجموعة الأخيرة بمثابة مجموعة المقارنة، إذ انخرط هؤلاء المشاركون في تصفح الإنترنت، مثل المجموعات الأخرى، ثم عرض عليهم بعد ذلك إعلاناً موجهاً، ولكن بدون رسالة. في جميع المجموعات، قمنا بقياس اهتمام المشاركين بشراء المنتج المعلن عنه وكذلك احتمال زيارتهم إلى موقع الإنترنت المعلن. بالإضافة إلى ذلك، لفهم كيفية تأثير سيناريوهات الإعلانات الثلاثة هذه على تصرفات المستهلكين، طلبنا من جميع المشاركين تحديد ما يفضلونه أكثر: سواء كان تخصيص الإعلانات أو خصوصية البيانات الخاصة بهم.
وجدنا أنه عند حدوث مُشاركة الطرف الثالث غير المقبولة، فاقت المخاوف المتعلقة بالعلاقة بين الإعلانات والخصوصية تقدير الناس لتخصيص الإعلانات. وتنبأت تلك التصرفات بدورها بمدى الاهتمام بالشراء، والذي انخفض بنسبة 24% تقريباً في المجموعة المُعرضة للمشاركة غير المقبولة مما كان عليه في مجموعة مشاركة الطرف الأول ومجموعة المقارنة - وهو مؤشر واضح على رد فعل عكسي.
ثم أجرينا اختباراً مماثلاً باستخدام المعلومات المعلنة (المقبولة عادة من المستخدمين) مقابل المعلومات المستنبطة (غير المقبولة). بعد استكمال ملف التعريف الشخصي للمتسوقين عبر الإنترنت، شاهدت إحدى المجموعات إعلاناً مصحوباً بعابرة "أنت ترى هذا الإعلان استناداً إلى المعلومات التي قدمتها عن نفسك". وبعد ملء نفس النموذج، رأت مجموعة ثانية من المشاركين إعلاناً ولكن قيل لهم "أنت ترى هذا الإعلان استناداً إلى المعلومات التي استنبطناها عنك". ورأت مجموعة المقارنة الأخيرة الإعلان دون أي رسائل مصاحبة. أظهرت المجموعة التي رأت الإعلان المنشأ استناداً إلى الاستنباطات انخفاضاً بنسبة 17% في الاهتمام بالشراء مقارنة بالمجموعات الأخرى - على الرغم من أن الإعلانات كانت متطابقة تماماً عبر المجموعات. وخلاصة القول إن هذه التجارب تقدم دليلاً على أن إدراك المستهلكين أن معلوماتهم الشخصية تتدفق بطرق لا تروق لهم، ينخفض الاهتمام بالشراء.
الحد من رد الفعل العكسي تجاه الإعلانات والخصوصية
على الرغم من ذلك لم تكن الأخبار كلها سيئة. إذ يمكن لثلاثة عوامل أن تعزز من الجانب الإيجابي للإعلانات الموجهة للمُسوّقين والمستهلكين على حد سواء. وأخذ هذه العوامل في الاعتبار سيُساعد المسوقين على تقديم إعلانات مُخصصة من شأنها أن تعرِّف المستهلكين بالمنتجات التي يريدونها ويحتاجون إليها ولكن بطريقة مقبولة بالنسبة لهم.
الثقة. تمثل الشفافية الطوعية للإعلانات إحدى الممارسات الشائعة التي يستخدمها المعلنون حالياً لاستباق رد الفعل العكسي تجاه الإعلانات الموجهة. إذ يعرض العديد منهم الآن أيقونة "خيارات الإعلان"، وهي رمز أزرق يشير إلى أن الإعلان المصاحب صمم وفقاً للخصائص الفردية الخاصة بكل مستلم. وفي بعض الحالات، يمكن للمستهلكين النقر على الأيقونة لمعرفة سبب عرض الإعلان لهم. قدمت شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك في عام 2014 خاصية مشابهة على الموقع لمعرفة سبب عرض الإعلان "لماذا أرى هذا الإعلان؟".
يُمكن أن يكون هذا الإفصاح مفيداً عند تنفيذ الاستهداف بطريقة مقبولة -وخاصةً إذا كانت المنصة التي تقدم الإعلان موثوقاً بها من قِبل عُملائها. في إحدى التجارب التي أجريت مع مستخدمي فيسبوك، سألنا المشاركين أولاً عن مدى ثقتهم في شركة التواصل الاجتماعي. ثم بعد ذلك، طلبنا منهم العثور على أول إعلان في قسم آخر الأخبار على صفحة الفيسبوك الخاصة بهم وقراءة رسالة الشفافية المصاحبة له. وقد طلبنا منهم توضيح ما إذا كانت الرسالة تشير إلى أن الإعلان قد أنشئ باستخدام معلومات من طرف أول أم طرف ثالث وإذا ما استخدم معلومات معلنة أم مستنبطة. ثم استفسرنا عن مدى اهتمامهم بشراء المنتج المعلن عنه وعن مدى اهتمامهم بالتفاعل مع المعلن بشكل عام (على سبيل المثال من خلال زيارة موقعه على شبكة الإنترنت أو إبداء الإعجاب بصفحته على فيسبوك). بشكل عام، كان أداء الإعلانات المستندة إلى تدفق المعلومات غير المقبول أسوأ من الإعلانات المستندة إلى التدفقات المقبولة. غير أن الثقة عززت مدى تقبل المستهلكين: إذ أعرب الأشخاص الذين وثقوا في فيسبوك ورأوا الإعلانات المستندة إلى المعلومات العلنية المقبولة تعكس اهتماماً أكبر بشراء المنتج والتفاعل مع المُعلن.
كما وجدنا أنه عندما زادت الثقة، أدى الإفصاح عن الطرق المقبولة لتدفق المعلومات إلى زيادة نسبة النقر على الإعلانات. وخلال مجموعة من التجارب الميدانية، تعاونا مع شركة "ماريتز موتيفيشن سولوشنز" (Maritz Motivation Solutions)، التي تدير مواقع استعادة برامج ولاء العملاء مثل برامج شركات الطيران للمسافرين المتكررين، وهو السياق الذي عادة ما تكون فيه ثقة المستهلك مرتفعة. وتستخدم هذه المواقع نفس تقنية مواقع التجارة الإلكترونية الضخمة، باستثناء أن العملة هي النقاط بدلاً من المال. في إحدى التجارب، عندما كشفنا عن مشاركة الطرف الأول من خلال إخبار المتسوقين بأن الإعلان يستند إلى نشاطهم على الموقع، ارتفعت نسبة النقر على الإعلانات بنسبة 11%، وارتفع الوقت المستغرق لرؤية المنتج المعلن عنه بنسبة 34%، وازدادت إيرادات المنتج بنسبة 38%.
السيطرة. يمثل فقدان السيطرة أهمية محورية بالنسبة للمخاوف المتعلقة بالعلاقة بين الإعلانات والخصوصية تحديداً. فقد لا يعترض المستهلكون على استخدام المعلومات في سياق معين، ولكنهم يشعرون بالقلق إزاء عدم قدرتهم على تحديد من لديه إمكانية الوصول إليها وكيف سيتم استخدامها في المستقبل.
في تجربة مُبتكرة، تعاونت كاثرين تاكر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) مع منظمة غير ربحية تعلن على فيسبوك. وقد استهدفت المؤسسة غير الربحية 1.2 مليون مستخدم من مستخدمي فيسبوك بدعوات تحث المستخدمين على المشاركة في حملات مثل "مساعدة الفتيات في شرق أفريقيا على تغيير حياتهن من خلال التعليم". وخُصصت الإعلانات لنصف هؤلاء المستخدمين، مستندة بوضوح على معلومات كشفها المستخدم على فيسبوك. على سبيل المثال، قد يصاغ الإعلان كما يلي "بصفتك من محبي بيونسى، تعلم أهمية النساء القويات"، إن أبدى المستخدم إعجابه بصفحة الفيسبوك الخاصة بالمغنية المشهورة. وفي منتصف هذه التجربة، أضاف فيسبوك ميزات خصوصية جديدة أتاحت للمستخدمين مزيداً من السيطرة على معلوماتهم الشخصية (دون تغيير الخصائص التي يُمكن للمُعلنين استخدامها لاستهداف الأشخاص). مكنت منصة التواصل الاجتماعي الأشخاص من الحفاظ على خصوصية جهات الاتصال وإدارة إعدادات الخصوصية الخاصة بهم بسهولة أكبر. قبل تغيير هذه السياسة، لم تحقق الإعلانات المخصصة اداءً جيداً للغاية؛ بل كان احتمال أن ينقر المستخدمون عليها أقل من الإعلانات العامة. إلا أنه بعد التغيير، تضاعفت تقريباً فاعلية الإعلانات المخصصة عن تلك العامة. وبعبارة أخرى، عندما يُقدَم للمستهلكين قدر أكبر من السيطرة على طرق استخدام المعلومات التي شاركوها بوعي، فيمكن أن يؤدي دمجها بشفافية إلى زيادة أداء الإعلانات.
في تجربة أخرى، عرضنا على المشاركين إعلاناً موجهاً، وغيرنا بشكلٍ منهجي الإقرارات المصاحبة له. صاحب الإعلان الذي عرض على مجموعة من المشاركين، رسالة تفيد بأن معلومات الطرف الثالث (غير المقبولة) قد استخدمت لإنشائه. بينما رأت المجموعة الثانية من المشاركين رسالة الشفافية نفسها - بالإضافة إلى رسالة تذكير بأنه يمكنهم تعيين التفضيلات الإعلانية الخاصة بهم. ورأت المجموعة الثالثة الإعلان فقط. انخفض الاهتمام بالشراء في المجموعة الأولى مقارنة بالمجموعة الأخيرة. غير أنه في المجموعة الثانية - المستهلكين الذين ذُكروا بإمكانية تعيين تفضيلات الإعلانات الخاصة بهم - ارتفع الاهتمام بالشراء إلى نفس مستوى المجموعة التي لم ترَ أي رسالة. وبعبارة أخرى، فإن تذكير المستهلكين بأنهم يستطيعون السيطرة بشكل فعال على إعدادات الخصوصية الخاصة بهم، خفف من أي رد فعل عكسي يتعلق بجمع البيانات غير المقبول. إلا أنه كان يوجد أيضاً مجموعة رابعة في هذه التجربة - أكدت ردود فعلها للأسف إمكانية تعرض المستهلكين للتضليل. تلقى أعضاء هذه المجموعة رسالة الشفافية الإعلانية بالإضافة إلى رسالة تذكير بشأن إدارة معلوماتهم. غير أن تذكير المشاركين اقتصر في هذه المرة على إمكانية اختيارهم لصورتهم الشخصية. كان الاهتمام بالشراء في هذه المجموعة مرتفعاً مثلما كان في المجموعة التي لم تر أي رسالة.
أصبحت السيطرة على البيانات الشخصية ذات أهمية متزايدة في عالم الإنترنت في الوقت الراهن، حيث صار جمع البيانات المُمتد والمتعدد الطبقات أمراً شائعاً. على سبيل المثال، يجمع وسطاء البيانات جميع أنواع المعلومات الشخصية من المنصات مثل فيسبوك وكذلك مواقع التسوق على الانترنت، ومستودعات برامج الولاء، بل وأيضاً من شركات بطاقات الائتمان. ولذلك، كلما أصبحت الإعلانات الموجهة أكثر تعقيداً وتحديداً، وازداد وعي المستهلكين بالسبل التي يمكن أن تعرض خصوصياتهم للخطر، فإن إتاحة وسائل السيطرة الفعالة للأشخاص على معلوماتهم سيؤدي إلى تحسين أداء الإعلانات على الأرجح.
التبرير. يُمكن أن يساعد الكشف عن سبب استخدام البيانات الشخصية في إنشاء الإعلانات، ويدفع المستهلكين لإدراك الجانب الإيجابي للإعلانات الموجهة. في إحدى التجارب التي أجرتها تيفاني بارنيت وايت وزملاؤها من جامعة إلينوي، أسفر إعلان مخصص من قبل شركة تأجير أفلام استند على المواقع الجغرافية للمستخدمين، عن نتائج عكسية، إلا أن أداء الإعلان تحسن عندما أوضحت النسخة الإعلانية السبب الذي يرجع إليه أهمية الموقع الجغرافي: وهو أن المستهلك مؤهل للحصول على خدمة غير متوفرة في جميع الأماكن. كما أن الالتزام بتقديم التبرير يُمكن أن يعزز الاستخدام الملائم للبيانات. إذا كان لديك صعوبة في التوصل إلى سبب وجيه للطريقة التي تستخدم بها بيانات المستهلكين، يجب أن يجعلك ذلك تُفكر بحذر.
مبادئ توجيهية للمسوقين الرقميين
عندما يتعلق الأمر بتخصيص الإعلانات، هناك خيط رفيع بين ما هو مخيف وما هو مبهج، لذلك قد يكون من المُغري الوصول إلى أن النهج الأكثر أماناً هو إبقاء الناس في الظلام، وإخفاء حقيقة أن المعلومات الشخصية تستخدم لاستهداف المستهلكين، لا سيما عند الإعلان عن منتجات ذات طابع أكثر حساسية. وفي الواقع، هذا هو ما حاولت شركة تارغت فعله بعد فضيحة العروض الترويجية متعلقة بالحمل، إذ بدأت -حسبما ذكر- في إرسال قسائم لشراء أغراض عشوائية في رسائلها إلى الأمهات الحوامل، لتبدو إعلانات منتجات الأطفال عرضية وأقل وضوحاً. وقد يكون من المغري أيضاً التلاعب بالمستهلكين من خلال منحهم فرصاً لا معنى لها ليشعروا بالسيطرة، لخلق إحساس زائف بالتمكين.
وفي حين أن هذه الأساليب قد تنجح على المدى القصير، فإننا نعتقد أنها في نهاية المطاف مضللة. وحتى إذا نحينا جانباً القضايا الأخلاقية المحتملة، فإن الخداع يضعف الثقة عند اكتشافه. وكما توضح تجاربنا، فإن الثقة تُعزز من الآثار الإيجابية لاستخدام المعلومات الشخصية بالطرق التي يعتبرها المستهلكون مقبولة. كما تُشير الأبحاث في مجالات أخرى إلى أن الثقة لها فوائد غير مباشرة. على سبيل المثال، بالتعاون مع بافيا موهان وريان بايل، أجرت إحدانا (ليسلي) بحثاً حول التسعير -وهو مجال آخر، يمكن أن يؤدي الإخفاء والتلاعب فيه إلى زيادة الأرباح على المدى القصير- وتبين أن شفافية الشركات بشأن التكاليف المتغيرة التي ينطوي عليها إنتاج سلعة، تسفر عن نمو ثقة المستهلكين وزيادة المبيعات. وأخيراً، فمن غير المُؤكَّد أن يظل الإخفاء أسلوباً قابلاً للتطبيق؛ إذ أصبح المستهلكون أكثر حذراً، وتضغط الهيئات التنظيمية على الشركات للكشف عن ممارسات جمع البيانات الخاصة بها. وقد يكون هذا المثال مرشداً نافعاً على الرغم من أنه خارج عن الموضوع: قد تكتسب ميزة مؤقتة عن طريق خداع صديق، ولكن الضرر الناتج عن اكتشاف هذا الخداع سيكون عميقاً ودائماً. ولذلك، تكون العلاقات أقوى إذا تحلت بالصدق.
إذن ما هي الاقتراحات التي نقدمها إلى المسوقين الرقميين الذين يتطلعون إلى تحقيق أقصى استفادة من إمكانات الإعلانات الموجهة؟ نحن نقدم خمسة اقتراحات:
- ابتعد عن المعلومات الحساسة
حاول تجنب استخدام أي شيء متعلق بالظروف الصحية، والميول الجنسية، وما إلى ذلك. على سبيل المثال، لا تسمح شركة غوغل للمُعلنين بالاستهداف على أساس الاهتمامات الجنسية أو "المصاعب الشخصية". وبالمثل، حدث فيسبوك سياساته مؤخراً، مما منع المُعلنين من الاستناد في استهدافهم على السمات الشخصية مثل العرق والميول الجنسية والحالة الصحية. وتمثل هذه الخطوة تحدياً للشركات التي تبيع هذه المنتجات الحساسة، والتي ربما يجب عليها تجنب الاستهداف تماماً. وبدلاً من ذلك، ينبغي لمثل هذه الشركات البحث عن وسائل أخرى لإيجاد عملائها دون اللجوء إلى استخدام البيانات الشخصية -على سبيل المثال، عن طريق الإعلان على المواقع التي يرجح أن يزورها هؤلاء العملاء.
- الالتزام بالحد الأدنى من الشفافية على الأقل
ثمة نطاق واسع بين الإخفاء والإفصاح بصورة كاملة، مع العديد من النقاط المقبولة بين الطرفين. وكقاعدة عامة، نقترح أن يكون المسوقون مستعدون على الأقل لتقديم معلومات حول ممارسات استخدام البيانات عند الطلب. وينبغي أن تكون هذه الإفصاحات واضحة ويسهل الوصول إليها. يُعد ذلك أحد أهداف أيقونة "خيارات الإعلان"، إذ يُمكن للمستهلكين المهتمين النقر عليها لمعرفة سبب عرض الإعلان عليهم (أو تعطيل الإعلانات الموجهة)، ولا تمثل الأيقونة مصدراً لإزعاج المستهلكين الأقل حساسية تجاه قضايا الخصوصية. ببساطة، يمكن لوجودها على الموقع أن يكون مفيداً ويمكن أن يعزز الثقة في حد ذاته. غير أن فشل مبادرة الشفافية في الوفاء بوعدها - على سبيل المثال، بتقديم تفسيرات مربكة أو مبهمة لسبب عرض الإعلان - سوف يضعف قيمتها لدى المستهلك. وقد يكون الالتزام الحقيقي بالإفصاح بمثابة نوع من الإجراءات الوقائية التنظيمية ضد إساءة الاستخدام، وذلك من خلال التأكد من أن الموظفين يفهمون أن الممارسات المتعلقة بالبيانات يجب أن تكون أخلاقية وترتكز دائماً على العملاء. وكما تقول الحكمة، أشعة الشمس هي أفضل مطهر.
- استخدم البيانات بحكمة
يفسح جمع البيانات المجال لتقديم جميع أنواع الأفكار المبتكرة والذكية تجاه العملاء، ولكننا ننصح مرة أخرى بضبط النفس. يتفاعل المستهلكون بشكلٍ سيء عندما تستخدم المعلومات الشخصية للتوصية أو الإعلان بشكل اقتحامي أو غير ملائم. وعلى العكس من ذلك، سيمنحون المعلنين مزيداً من الفرص والحرية إذا شعروا بالراحة من مبررات الموضوع. على سبيل المثال، تعرف شركة "ستيتش فيكس" (Stitch Fix)، الكثير عن عملائها، بما في ذلك المعلومات التي يفضل الأشخاص عادة إبقاءها سراً، مثل أوزانهم ومقاييس الألبسة الداخلية. إلا أن هذه المعلومات مفيدة للغاية للموقع الذي تقدم خدمات متعلقة بتجهيز وتهيئة مجموعة متكاملة من قطع الملابس التي تناسب العميلة، وتسليمها إلى منزلها. ونظراً إلى أن استخدام شركة "ستيتش فيكس" للمعلومات الشخصية مناسب ومفيد، فإنه لا يُشعر باقتحام الخصوصية.
وقد يكون المستهلكون على استعداد للتغاضي عن جمع البيانات غير المقبول إذا استفادوا منه بطريقة مقنعة. على سبيل المثال، يخبر تطبيق المواعدة "تندر" (Tinder) المستخدم عن عدد الأصدقاء المشتركين على فيسبوك بينه وبين شريك مرتقب، مما يوضح حدوث تبادل للمعلومات مع طرف ثالث، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي عادة إلى رد فعل عكسي. غير أن، في هذه الحالة من الواضح أن المشاركة مُقدرة من طرف المستخدمين، ولذلك يبدو أنهم يتقبلون هذه الممارسة.
- تبرير أسبابك لجمع البيانات
نقترح أيضاً أن يشرح المسوقون سبب جمعهم للمعلومات الشخصية، وكيف سينتج ذلك إعلانات أكثر ملاءمة وفائدة. وينطبق هذا بشكل خاص على الحالات التي لا يتضح فيها للمستهلكين سبب أهمية طلب معلومات معينة. فمثلاً، تُبرر شركة "لينكد إن" سياستها الخاصة باستخدام البيانات على النحو التالي: "نستخدم البيانات التي لدينا عنك لتقديم خدماتنا ودعمها وتخصيصها (بما في ذلك الإعلانات) وجعلها ذات صلة وفائدة أكبر لك وللآخرين". ويمكن لعمليات الكشف والإفصاح هذه أن تكون أيضاً بمثابة بيان مهام للموظفين-مما يساعد مرة أخرى على منع إساءة الاستخدام.
- حاول جمع البيانات بالطرق التقليدية أولاً
يجب على المسوقين ألا ينسوا أنهم يستطيعون (وينبغي لهم) جمع المعلومات من العملاء بالطريقة القديمة بدون استخدام تقنيات المراقبة الرقمية. ففي حين تستند شركة "ستيتش فيكس" على قدر كبير من الاستنباطات حول تفضيلات المستهلكين من خلال سلوكهم على الإنترنت، فإنها تستخدم أيضاً -على نطاق واسع- استطلاعات الرأي التي يكشف من خلالها المستهلكين برغبتهم عن أذواقهم وسماتهم البدنية. وهناك بعض الشركات الأخرى كذلك التي تعتمد بشكلٍ كبير على تقديم اقتراحات دقيقة للعملاء - مثل أمازون ونيتفليكس - تعطي فرصة للمستهلكين لتوضيح تفضيلاتهم مباشرة. إن الاستعانة بالطرق الأقل شفافية لاستخدام معلومات المستهلكين لمساندة الطرق الأكثر انفتاحاً ووضوحاً يمكن أن يقلل من شعور المستهلكين بالعدوان. الأهم من ذلك، يمكنها أيضاً تقديم صورة أكثر ثراءً عن العميل، مما يسهل تقديم اقتراحات أفضل. صحيح أن جمع البيانات مباشرةً من المستهلكين يعدّ أمراً مكلفاً وقد يكون غير عملي في بعض الأحيان (أحد أسباب ذلك هو أن معدلات الاستجابة لاستطلاعات الرأي من قِبل المستهلكين منخفضة للغاية). ولكن إذا كان عليهم اللجوء إلى معلومات الطرف الثالث، يُمكن للمُسوّقين إعطاء المستهلكين السيطرة الحقيقية على كيفية استخدامها. على سبيل المثال، يتيح كل من غوغل وفيسبوك قدراً كبيراً من السيطرة للمستخدمين حول الطرق التي يُمكن استهدافهم من خلالها.
لا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه عن كيفية استجابة الناس لجمع البيانات على الإنترنت والإعلانات الموجهة، فقد تتغير المعايير المتعلقة بالعلاقة بين الإعلانات والخصوصية مع مرور الوقت، مع تحول الشباب الذين يتفاعلون مع التقنيات الحديثة منذ سن مُبكر، إلى مستهلكين، واستمرار تغلغل التقنيات الحديثة في جميع نواحي حياتنا. وفي الوقت الراهن، يُمكن أن يساعد تطبيق المعايير من العالم غير المتّصل بشبكة الإنترنت، الشركات على التنبؤ بالممارسات التي سيقبلها المستهلكون. وفي النهاية، يجب أن تركز جميع الإعلانات الموجهة على العميل في سبيل خلق قيمة مضافة للمستهلكين.