لا تخلو الساحة من عدد هائل من الكتب والندوات والدورات التي تعالج موضوع تحويل "لا" إلى "نعم"، أو بعبارة أخرى تحويل الرفض إلى موافقة. وسواء تعلّق الأمر بالمبيعات، أو الدبلوماسية، أو السياسة، فإنّ حجم النصائح الموجودة في هذا المضمار هائل جداً.
بيد أنه ليس بين أيدينا سوى القليل جداً من الأدبيات التي تخصّ الأسباب التي تدفع الشخص الرافض ليعبّر عن عدم موافقته. فلكي نحوّل الأشخاص الذين يقفون عائقاً في طريق تحقيق صفقة ما إلى مناصرين لها، فإننا بحاجة إلى فهم دوافعهم – ونقوم بذلك من خلال دراسة موقفهم على مائدة التفاوض. فمعرقلو الصفقات يضعون العصي في عجلات الصفقة لأنّ مصلحتهم الفضلى تقتضي اتخاذ هذا الموقف. ومن واجب من يريد إتمام الصفقة أن يقلب هذا الأمر رأساً على عقب.
لكن السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي يشكّل الدافع لدى المعرقل كي يتّخذ هذا الموقف؟ بحسب تجربتي الشخصية، ثمّة محركات أساسية ثلاثة وراء ذلك:
الاحترام:
بالنسبة لبعض معرقلي الصفقات – وأنا سأسميهم الخبراء – قول "لا" هو ببساطة مسألة كبرياء شخصي. فهم يعلمون أكثر منك بكثير حول مجال معين (المالية، التكنولوجيا، القانون) ويرغبون بأن يرى الجميع ذلك. لماذا؟ لأن المعرقلين هؤلاء أقل قوة بالمقارنة مع الاحترام الذي يحظون به – وهم بالتالي يرغبون في المحافظة على هذا المستوى العالي من الاحترام.
إنّ الانتصار على الخبراء يحتاج إلى عملية مؤلفة من خطوتين. أما الخطوة الأولى فتتمثل في أنه ينبغي عليك أن تتحدث مع هؤلاء الخبراء باللغة التي يفهمونها (كاللغة القانونية، أو اللغة التكنولوجية، أو أي لغة أخرى). وتذكّر أنّ هؤلاء الأشخاص ليسوا مالكين للشركة، وبالتالي فإنّ عرض المكاسب الكبرى التي ستجنيها الشركة من العرض الذي تقدمه لهم لن يكون أمراً مفيداً. فالشيء الذي يهتمون به حقاً هو المحافظة على احترام زملائهم لهم وثقتهم بهم، وهذا يستدعي منهم اتخاذ موقف نقدي. بعبارة أخرى، أنت بحاجة إلى أن تساعد هؤلاء الخبراء على أن يظهروا بمظهر الذكي. وبعد ذلك، حاول إحاطة نفسك بمجموعة قوية من الداعمين الداخليين والخارجيين. فخلق بيئة يمكن فيها للخبراء أن يدلوا بدلوهم بأمان، وعزلهم عن الآثار الجانبية للفشل، يساعدهم على المحافظة على هيبتهم ويساعدهم على دعم الصفقة في الوقت ذاته.
الميزة:
هناك معرقلو صفقات آخرون يقولون "لا" للصفقة لأن مصلحتهم تقتضي عملياً إفشال تلك الصفقة. فأحد هؤلاء المعرقلين – المنافس – قد يكون صاحب فكرة أو حل للمنافسين. وبحسب زاوية رؤيتهم، فإنّ هؤلاء المنافسين قد يتمكّنون من تعزيز فرصهم المستقبلية من خلال استغلال صفقتك لجعل صفقتهم تبدو بديلاً أفضل. وثمة نوع مشابه من معرقلي الصفقات، ألا وهو الشكاك، الذي لا يقول أبداً "لا" للصفقة، لكنه لن يدعمها أيضاً. وبما أنه ليس هناك أي مكاسب محددة سيجنيها من قول نعم (فهو ليس البطل)، فإنه يلعب دور محامي الشيطان. لماذا؟ لأنه إذا أخفقت الصفقة، سيكون الواقفون في موقف المتفرج في أمان أكبر. وعليه فإنّ المفتاح الأساسي لتغيير رأي المتشككين هو أن تعرض عليهم ما يكفي من المكاسب التي ترفع من شأنهم لإخراجهم من موقفهم الذي يفضل البقاء في الظل. ويمكن لهذا الأمر أن يتّخذ شكل الوعد بإشراكهم كجزء من الفريق، أو دعوتهم للحديث في إحدى المناسبات، أو تقديمهم إلى أحد كبار الشخصيات البارزة في الميدان، أو أي شيء آخر يثمّنه هذا الشخص.
الحفاظ على الذات:
بالنسبة للنوع التالي من معرقلي الصفقات، أي الشخص التقليدي، فهو إنسان اعتاد دوماً على تنفيذ أمر معيّن بطريقة محددة. فالتقليديون يتّكلون اتكالاً كبيراً على السوابق. فهذه هي الطريقة التي أثبتوا أنفسهم فيها ضمن المؤسسة – أي من خلال اتباع عملية واحدة معيّنة، أو تكنولوجيا واحدة محددة. وبالتالي إذا قال التقليدي نعم، فإنه بذلك يعرض موقعه الراسخ منذ زمن بعيد للخطر. فالتقليديّون يتحاشون المخاطر لأن معيشتهم تعتمد على ذلك. وعليه، فإنّ الطريقة الفضلى لجعل هذا النوع من المعرقلين يقف إلى صفك، هو أن تجعل التغيير يبدو حتمياً. فبقدر ما يخشى التقليديون التغيير، فإنهم أكثر خوفاً من ألا يكونوا مصيبين أو من أن يفوتهم القطار.