عند البحث عن وظيفة أو استكشاف مسار مهني جديد، من الذكاء أن تذهب إلى مقابلات استشارية للحصول على معلومات عن الوظائف. لكن ماذا تقول عندما تكون في مقابلة مثيلة؟ ما الأسئلة التي ستساعدك في كسب أكبر قدر من المعلومات؟ هل هناك مواضيع عليك تجنبها؟ وكيف تطلب مزيداً من المساعدة عندما تحتاج إليها؟
ما الذي يقوله الخبراء حول الاستفادة من المقابلات الاستشارية؟
تقول دوري كلارك، مؤلفة كتاب "كيف تتميّز في إنشاء شبكة علاقاتك؟" (Stand Out Networking): "لا غنى عن المقابلات الاستشارية لمساعدتك في معرفة المزيد عن القطاع أو الشركة أو الوظيفة التي تهتمّ بها. فقد تظن أنك تعرف كل شيء عن منصب معين، إلا أن الحديث مع شخص آخر مباشرة حول هذا المنصب يمنحك فرصة لاختبار افتراضاتك". يوافقها جون ليز في الرأي، وهو المتخصص في الاستراتيجيات المهنية في المملكة المتحدة ومؤلف كتاب "مفتاح النجاح" (The Success Code)، حيث يقول إن المقابلات الاستشارية "تكشفك، وهي وسيلة كي تصبح معروفاً في سوق الوظائف الخفي، فهذا الظهور قد يضعك مباشرة في القائمة القصيرة للمرشحين لوظيفة معينة، حتى لو لم يُعلن عن هذه الوظيفة بعد". كما تعزز هذه المقابلات من تقديرك لذاتك. ويفسّر جون ليز هذا قائلاً: "عندما ترتدي ملابس رسمية وتزور أماكن العمل، يحافظ هذا على مستويات ثقتك في عملية البحث عن وظيفة". سواء كنت تحاول جاهداً تغيير وظيفتك أم تستكشف فقط مسارات مهنية مختلفة، إليك بعض النصائح لتحقيق الاستفادة القصوى من المقابلات الاستشارية.
استعد وتدرّب
وفقاً لـ "كلارك"، تُعد المقابلات الاستشارية "بيئة آمنة لطرح الأسئلة". لكن هذا لا يعني ألا تستعد على الإطلاق. هدفك في النهاية أن تصل إلى طريقة تدفع الآخرين إلى مساعدتك، فقم بواجبك. ادرس لغة القطاع، واعرف أكبر الجهات الفاعلة فيها. كن قادراً على الحديث عن أهمّ اتجاهاتها، فأنت لا ترغب في إضاعة وقت خبيرك في أسئلة يمكنك البحث عنها على "جوجل". تقول كلارك: "ستبدو مرشحاً أكثر جدية إذا كنت على دراية باللغة والمصطلحات". ويتفق معها ليز، حيث يقول: "إذا أوضحت أنك أجريت بحثاً لمعرفة المزيد، سيغرس هذا فكرة المصداقية في عقل الشخص الآخر". اعمل أيضاً على مهارات الاستماع والمحادثة. يقترح ليز أن تتدرب على "طرح أسئلة عظيمة ونقل طاقة لا تنسى" مع "الأشخاص الذين يسهل عليك التحدث معهم، مثل أسرتك وأصدقائك وأصدقاء أصدقائك".
عرّف نفسك بفقرة قصيرة
يقول ليز: "ما يثير حنق الأشخاص المنشغلين عندما يوافقون على مقابلة استشارية، أن يقضي الشخص طالب النُصح 15 دقيقة في الحديث عن نفسه وعن بحثه عن وظيفة" بدلاً من التعلّم منهم. فهذه المقابلات ليست مكاناً للتدرب على لغة الإقناع، بل هي فرصة لـ "استيعاب المعلومات واكتشاف الأمور". لذا تقترح كلارك إعداد "شرح مختصر وموجز عن نفسك" يمكنك سرده في 3 دقائق على الأكثر: "هذه خلفيتي، وهذا ما أفكر فيه، وأريد معرفة رأيك وملاحظاتك". لا أحد سيتمكن من مساعدتك ما لم يفهم ما تبحث عنه، ولكن احرص على جعل هذا الجزء من المحادثة مختصراً.
حدد نبرتك
يقول ليز: "هدفك أن تترك لدى الآخرين انطباعاً إيجابياً عنك ومعلومات كافية تسمح لهم بترشيحك لأشخاص آخرين". في بداية المقابلة، وطّد علاقتكما بأن تذكر كيف حدث التواصل بينكما لأول مرة. "ستجد على الأرجح أنك تعرّفت على هذا الشخص في إطار وديّ". قد يكون بينكما صديق أو زميل مشترك أو كنتما في الجامعة ذاتها. فذكّرهم بهذا كما ينصح ليز. فكرة جيدة كذلك أن تذكر في البداية أنك "مهتم بالحديث مع 10 أو 15 خبير في القطاع" في أثناء مرحلة جمع المعلومات. "فبهذه الطريقة، سيبدأ الشخص الآخر في معالجة حقيقة أنك تبحث عن مصادر إضافية مقدماً. أما إذا انتظرت حتى النهاية وطلبت اقتراح آخرين، ستكون هذه مفاجأة مُرْبِكة". تقول كلارك: "اسأل عن حدود المدة المتاحة لك مقدماً. وعند انتهاء الوقت المخصص، إذا أعجبتك المحادثة، قُل ’أنا أحترم وقتك. سأحب أن أواصل الحديث، لكن إذا كان عليك الذهاب، سأتفهم ذلك.‘ اثبت أنك شخص تحترم كلمتك".
فكّر كصحفي
تقول كلارك: "جهّز قائمة بأسئلة معلوماتية ذكية مقدماً. لست مضطراً بالضرورة إلى الالتزام بنَصّها، لكن إذا شعرت بعدم التركيز وعدم التنظيم، فإنك قد تتسبب في إهانة للشخص الآخر". يقترح ليز التعامل مع مقابلتك كـ "صحفي يتقصّى الحقائق". بالتأكيد لن تقارن ما أفادك به خبيرك بحقائق أخرى لمعرفة صحتها، ولن تحب أن يُنظر إليك كـ "متغطرس أو صعب الإرضاء"، إلا أن عليك "استكشاف ما يثير فضولك بلطف والاستماع". ويقدم ليز إطار عمل من 5 أسئلة على غرار "منهج باي" الذي وضعه دانيال بوروت:
كيف تدخل إلى مسار العمل هذا؟
ما الذي تجده ممتعاً فيه؟
ما سلبيّاته؟
ما الذي يتغير في القطاع؟
أي نوع من الأشخاص ينجحون في هذا القطاع؟
يمكنك تكييف هذه الأسئلة حسب أغراضك، المهم أن تساعدك في "تحديد الوظائف والمجالات التي تناسب مهاراتك وخبرتك وتمنحك فهماً لصفات الأفراد الأفضل أداءً".
تعمّد اختبار فرضياتك
مهمتك هي فهم حقيقة القطاع والوظيفة لتتمكن من تحديد ما إذا كانت ستناسبك أم لا، فلا تخجل من المواضيع الحرجة. تقول كلارك: "عليك معرفة خفايا المجال"، وتقترح أسئلة "مصممة لاستبعاد المعلومات الأسوأ" مثل:
ما أسوأ الجوانب في وظيفتك؟
ماذا كنت تجهل قبل دخولك هذا القطاع وودت لو أن شخصاً أعلمك به؟
قد تبدو بعض المواضيع -كالمال مثلاً- منطقة محرّمة، لكن بإمكانك التطرق إليها بلطف. تقول كلارك: "لا تسأل ’كم تكسب؟‘ بل قُل شيئاً على غرار ’لقد بحثت على الإنترنت ويبدو لي أن الراتب يتراوح عادة بين كذا وكذا‘. بهذا أنت تطلب تأكيداً لمعلومة عامة فحسب".
لا مشكلة كذلك في طلب نصيحة حول "كيفية تقديم نفسك" لوظيفة في القطاع بجعل خبرتك ومهاراتك تبدو وثيقة الصلة بها. تقترح كلارك أن تقول شيئاً على غرار "بناء على ما تعرفه عن خلفيتي، ما نقاط الضعف التي تراها بي؟ وماذا عليّ أن أفعل لتهدئة المخاوف المحتملة لمدير التوظيف؟" إذا كانت الملاحظات سلبية، فكر بها كمعلومات لها قيمتها، ولكن اطلب رأياً ثانياً وثالثاً. تقول كلارك: "كلام شخص ما ليس كتاباً مقدساً. قد لا تكون مؤهلاً، ولكن ربما تكون قد تحدثت إلى شخص مُتزمّتٍ يُحبط الجميع. لا تدعه يَحُدّ من خياراتك الوظيفية".
أنهِ المحادثة بالامتنان لا الطلبات
لا بد من شكر الشخص على وقته عبر البريد الإلكتروني، إلا أن ليز يقترح أيضاً إرسال رسالة قصيرة بخط اليد للتعبير عن امتنانك بعد اللقاء مباشرة. يقول: "ستساعد في أن تكون شخصاً لا يُنسى". لا داعي لأن تكون رسالة الشكر مليئة بالزهور والعواطف، بل يجب أن توضح كيف أفادك هذا الشخص، والأفضل أن توضح كيف أفادتك إرشاداته في الوصول إلى "نتيجة ملموسة" في بحثك عن وظيفة.
تضيف كلارك: "أياً كان ما تفعله، لا تطلب خدمة فوراً". فهذا لا "يعتبر وقاحة" فحسب، بل إنه عملياً "فخ لأنك بالكاد تعرف هذا الشخص". وهكذا "إذا أُعلِنَت وظيفة بعد أسبوعين في شركة هذا الشخص، يمكنك إعلامه أنك ستتقدم لها وتطلب منه أي أفكار سريعة حول الخبرات المهنية التي عليك التركيز عليها في خطابك التعريفي". فإذا قبل طلبك واستجاب له وعرض أن يوصي بك، فهذا رائع. لكن لا تطلب هذا".
تحلّ بالصبر
يقول ليز إن الغرض الحقيقي من المقابلات الاستشارية هو بناء علاقات و"كسب الحلفاء والداعمين والأبطال في المستقبل". فلا تفكّر فيها وكأنها اجتماعات لمرة واحدة "يمنحك فيها شخص 15 دقيقة من وقته". انظر بعيداً وفكر في طرق لتعزيز علاقتك المهنية الجديدة. على سبيل المثال: أرسل إليه رابط مقال وثيق الصلة بمجال عمله ومنشور في إحدى المجلات، أو حاول دعوتها لحضور مؤتمر قادم أو فعالية لبناء العلاقات. بمعنى آخر، كن مفيداً. يقول ليز: "عليك أن تظهر كشخص معطاء لا تأخذ فقط باستمرار". تشير كلارك إلى اقتراح آخر قد يكون صعباً مع اتساع الفارق العمري أو المهني بين الشخصين، ولكن إذا كان تركيزك على "إعلام الشخص بتقدمك"، فربما ستكون لفتة طيبة أن تكتب إليه رسالة قصيرة تقول فيها أنك قرأت الكتاب الذي أوصى به، أو انضممت إلى الاتحاد المهني الذي اقترحه. "هذا سيوضح أنك استمعت إلى نصيحته، وأنها تهمك".
مبادئ عليك تذكرها
ما ينبغي فعله:
قم بواجبك. عليك أن تجري بحثاً لجمع معلومات أساسية قبل الذهاب إلى المقابلة لتبدو كمرشح مقنع وجاد في دخول القطاع الجديد.
أعدّ شرحاً موجزاً لخلفيتك وما تبحث عنه.
أرسل رسالة شكر قصيرة بخط يدك، فهذه سلوكيات طيّبة ستجعل منك شخصاً لا يُنسى.
ما ينبغي تجنبه:
عدم الاستعداد. تدرّب على المقابلات الاستشارية مع الأصدقاء والعائلة لتعتد على طرح الأسئلة والاستماع.
أن تدع مقابلة سلبية واحدة تُثير كراهيتك تجاه الوظيفة أو الشركة أو المسار المهني. اطلب آراءً أخرى.
طلب الخدمات من الآخرين. فهذا فعل غير لائق. بدلاً من ذلك، اطلب النصح بشأن كيفية تقديم نفسك في سوق الوظيفة.
دراسة حالة رقم 1: استعد وكن لطيفاً
منذ عامين، أراد مات ماكونيل المقيم في كاليفورنيا الجنوبية، أن ينتقل من عالم الأموال إلى التسويق. لم يكن واثقاً تماماً من اتجاهه، لذا بدأ يستغل المقابلات الاستشارية ليتعرف على المسارات المهنية للآخرين، آملاً في تضييق نطاق تركيزه. يقول مات: "كنت أستغل هذه المقابلات في معرفة المزيد عن المؤسسات الأخرى لأرى ما إذا كانت أماكن سأود العمل فيها".
لم تَسِر مقابلته الاستشارية الأولى على ما يرام، وتحمل مات كامل المسؤولية، حيث يذكر هذا قائلاً: "لم أستعد. لم يتمكن من معرفة ما أريده، وأخبرني أنني أضيع وقته".
تعلّم مات درساً مهماً. يقول: "لم أكرر ذلك الخطأ ثانية. والآن أستعد دائماً بدرجة تفوق اللازم".
عند الاستعداد لمقابلة، يطّلع "مات" على ملفات الأشخاص على موقع "لينكد إن"، ويبحث على "جوجل" عن سيرتهم المهنية، ويتفحص مواقع شركاتهم. كما يميل إلى طرح نفس الأسئلة التي تدور حول كيف بدء الشخص عمله وكيف انتهى إلى وظيفته الحالية. يقول: "لكنني أضع ملاحظات عن أسئلة محددة أود طرحها ليكون لدي ما أعود إليه عند توقف المحادثة".
وبعد كل لقاء، يتبع مات روتيناً محدداً، حيث يوضح هذا قائلاً: "أطلب بطاقة العمل وأرسل فوراً رسالة شكر قصيرة أكتبها بخط يدي. يكون هذا الشكر عادةً في حدود 3 أسطر، وأذكر دائماً نقطة واحدة محددة من اجتماعنا لاقت صدى لديّ كي يعرف الشخص الآخر أنني كنت أستمع إليه وأرى أن الاجتماع معه كانت له قيمة كبيرة".
"في بداية مساري المهني، راودني القلق والشعور بأنني لا أملك ما أقدمه لأي طرف في المقابل. [لكنني] عرفت أن الأشخاص يتمتعون بمشاركة خبراتهم وتقديم نصائحهم، لذا أحرص على التعبير عن خالص امتناني".
أجرى "مات" في النهاية مقابلة استشارية مع رئيسة التسويق في مجموعة مطاعم للوجبات السريعة، وأثمرت نتائج إيجابية. يقول: "بعد اجتماعنا، اتصلت رئيسة التسويق بي وقالت أن شركتها تبحث عن موظفين لشغل وظيفة ما وأنها تظن أنني مناسب لها. أعطت اسمي لقسم الموارد البشرية، ورتبوا للاتصال بي خلال 30 دقيقة لإجراء مقابلة عبر الهاتف، ثم انتهت المقابلة الهاتفية إلى مقابلات شخصية، حتى حصلت في النهاية على عرض عمل في تلك الشركة".
عمل مات في الشركة لبضع سنوات قبل أن ينتقل منها، ويعمل الآن مديراً للتسويق في شركة "أستروفيزيكس" (Astrophysics)، وهي شركة تصمم أجهزة التصوير بالأشعة السينية وأجهزة التصوير الأمنية.
دراسة حالة رقم 2: احترم الآخرين ولا تدع الآراء والملاحظات السلبية تحبطك
عندما قررت سوزان بيبركورن وهي مدربة مهنية ومؤسسة شركة "بوزيتيف وورك بليس بارتنرز" (Positive Workplace Partners) ومقرها في بوسطن، تأليف كتاب عن الرضا الوظيفي. كانت المشكلة أنها لم يكن لديها أي خبرة في مجال النشر خارج المدونات. ولتعلّم نفسها، أجرت العديد من المقابلات الاستشارية.
تقول سوزان: "أجريت مقابلات مع كُتّاب، ومقابلات أخرى مع محررين، وغيرها مع مؤلفين ناشرين. وفي كل حالة، كنت أفكر قبل المقابلة في خبرة كل شخص، وأركز أسئلتي على المجالات التي أرى أنه سيقدم لي نصائح قيّمة حولها".
تحرص "سوزان" على احترام وقت الآخرين، ولا تطلب أكثر من 30 دقيقة، ودائماً ما تعقد الاجتماع في الوقت الذي يناسب الشخص لا هي. وقبل كل مقابلة، تفكّر "سوزان" في المساعدة التي يمكنها تقديمها للشخص الذي ستلتقي به: قد تعرف شخصاً يمكنها أن تُعرّفه به مثلاً، أو تعرض عليه الاطلاع على سيرته الذاتية أو خطابه التعريفي.
كان هناك ناشر محتمل من بين من التقت بهم مؤخراً، فشعرت سوزان بالحماس، واستعدت بالتفكير فيما قد يبحث عنه هذا الشخص في عملائه. بدأت المحادثة بوصف لفكرة كتابها استغرق دقيقتين، ولكن في أثناء نقاشهما، تبين لها أن أهداف المحرر وأهدافها مختلفة تماماً. "قال لي بطريقة لطيفة للغاية أنني في الواقع لن أجد ناشراً يقبل بمقترح كتابي. فتحطمت آمالي سريعاً".
ولكن بعد الإحباط الذي لاقته في البداية، وجدت سوزان أن نصائحه ذات قيمة كبيرة. تقول: "عرفت أهمية أن يكون لي منصة قبل التواصل مع ناشر، لأنه سيريد أن يعرف مقدماً ما إذا كان كتابي سيحقق مبيعات جيدة أم لا. وفّر هذا عليّ الكثير من الوقت والجهد الذي كان سيضيع في محاولاتي التقدم للناشرين، وساعدني على التفكير في جدوى النشر الذاتي. كما جعلني أدرك أن أمامي الكثير لفعله بشأن توضيح قيمة كتابي وتوصيلها".
ساعدتها هذه التجربة أيضاً في صقل منهجها في المقابلات الاستشارية اللاحقة، فصارت تشارك مخططاً موجزاً لكتابها مقدماً مع فقرة قصيرة حول دافعها لكتابته.
وقد أفادها للغاية أحد لقاءاتها الأخيرة مع مؤلف ناشر، حيث تقول موضحة: "لقد شرح لي مفهوم المنصة وساعدني في التفكير في المنصات المحتملة لعملي".