المصدران الرئيسان للتوتر بالنسبة لموظفي المستويات العليا

3 دقائق
مصادر التوتر وضغوط العمل

من المعروف أن الوظائف عالية المستوى لها عدة مزايا تشمل الدخل المرتفع، والاستقلال الوظيفي، حتى أن أعمار شاغليها تكون أطول وفقاً لبعض الأبحاث. لكن قد يكون لهذه الوظائف أيضاً بعض السلبيات، وهي المستويات الأعلى من التوتر والسعادة الأقل في العمل.

لطالما اعتقد علماء الاجتماع أن الوظائف منخفضة المستوى تنطوي على قدر أعلى من التوتر والضغط، إلا أن الأبحاث في السنوات الأخيرة أوضحت خلاف ذلك، حيث بدا أن موظفي المستويات الأعلى أكثر عرضة لمصادر التوتر وضغوط العمل. إلا أن البحث لم يكتمل، حيث اعتمد على ما يذكره الأشخاص عن الضغط الذي تعرضوا له بصفة عامة على مدار الأيام أو الأسابيع القليلة الماضية. وقد يتسبب هذا في مشكلات نظراً لأن الأشخاص قد لا يتذكرون كم التوتر الذي تعرضوا إليه بدقة أو يخلطونه بتوتر واجهوه في مكان مختلف (كالمنزل)، حيث يكون التوتر من طبيعة الوظيفة.

مستويات التوتر وضغوط العمل

ولفحص مستويات التوتر المختلفة لذوي المستوى الاجتماعي والاقتصادي المرتفع (يُقاس في دراستنا حسب المستوى التعليمي للشخص ودخله) وذوي المستوى الاجتماعي والاقتصادي المنخفض في مكان العمل، استخدمنا في بحثنا تقنية حديثة لجمع البيانات، حيث استخدم الموظفون فيها أجهزة محمولة قدمناها لهم، وأدخلوا مستويات التوتر التي كانوا يشعرون بها عندما تلقوا إشارة صوتية لتسجيل هذه المستويات عدة مرات خلال اليوم بينما يتابعون حياتهم اليومية. وهذا يسمح لنا بقياس مستويات الضغط وتصورات العمل المصاحبة للوظيفة في الحال، لنتمكن من فهم كيف تتغير بمرور الوقت بصورة أفضل. طلبنا من المشاركين كذلك جمع عينات من لعابهم وقت تسجيل مستويات التوتر، وذلك لقياس ارتفاع مستويات الكورتيزول لديهم (وهو المقياس الحيوي للتوتر)، والذي يوضح زيادة التوتر من عدمه.

مكّنتنا البيانات التي جمعناها باستخدام هذه المنهجيات الحديثة من التأكيد في بحثنا (في مجال العلوم الاجتماعية والطب) أن الموظفين في المستويات العليا بالفعل يعانون من التوتر المصاحب للوظيفة بدرجة أعلى من الموظفين في المستويات المنخفضة، كما أنهم أوضحوا عدم سعادتهم في العمل. لكننا لم نجد اختلافات في مستويات الكورتيزول نتيجة لضغط العمل بين ذوي الوظائف العليا والوظائف الأقل.

فكيف نشرح هذه الاختلافات في مستويات التوتر؟ تضمنت البيانات التي جمعناها 3 مجموعات من الأسئلة المطروحة على المشاركين للإجابة عنها فوراً، وتناولت هذه الأسئلة تصوراتهم عن العمل وقت السؤال. تشير إجابات الموظفين -ونسميها "تصوراتهم اللحظية"- إلى بعض النقاط المهمة.

وما يثير الدهشة هو أن الموظفين أصحاب المستويات الاقتصادية والاجتماعية العليا قد سجلوا وقت السؤال قدرة أقل على الوفاء بمتطلبات الوظيفة وتوفر موارد أقل للقيام بوظائفهم، مقارنة بذوي المستويات الأقل. كما كان الأشخاص من ذوي المستوى الاجتماعي والاقتصادي المرتفع أكثر ميلاً لذكر أن وظائفهم أقل إيجابية من الموظفين في المستويات الأقل. بمعنى آخر، يشعر الموظفون في المستويات الاجتماعية والاقتصادية الأعلى، على الرغم من شغلهم وظائف بدخل عال، أنهم أقل قدرة على إتمام مهام العمل، وأنهم يفتقرون إلى الموارد اللازمة لإتمام هذه المهام، كما أنهم يشعرون بإيجابية أقل تجاه أماكن العمل.

من هم الموظفون الأكثر سعادة وأقل توتراً في العمل؟

وقد ارتفعت وانخفضت مستويات التوتر والسعادة مع هذه التجارب اللحظية. فعلى سبيل المثال، عندما سجل الموظفون توفر موارد أعلى، سجلوا كذلك مستوى أعلى من السعادة ومستوى توتر أقل. وبالمثل، في الأوقات التي كان ينظر فيها إلى مكان العمل بإيجابية أكبر، كان الموظفون أكثر سعادة وأقل تعرضاً للتوتر مع مستويات كورتيزول أقل. وعلى النقيض، كانت تجربة الوفاء بمتطلبات العمل أكثر تعقيداً، حيث كانت اللحظات التي سجل فيها الموظفون قدرتهم على الوفاء بكثير من الطلبات مصحوبة بسعادة أقل وتوتر أكبر مع مستويات أعلى من الكورتيزول. على الرغم من أهمية وقيمة الوفاء بمتطلبات مكان العمل، قد تكون تكاليف القيام بذلك على حساب الجانب البدني والشعوري والذهني للموظف الذي يبذل جهداً للوفاء بهذه المتطلبات. ولعل تقديراتنا اللحظية قد رصدت هذه "التكاليف" الشخصية للإنتاجية. هذا لا يعني أن عدم الوفاء بالمتطلبات لن يتسبب في التوتر، ولكن قد تختلف التكاليف المصاحبة لكل منها. ويجب على الأبحاث المستقبلية تقييم ما إذا كان التوتر المصاحب لإنهاء كل المطلوب أكثر أو أقل من التوتر المصاحب لعدم إنهاء العمل المطلوب كله.

علاوة على ذلك، كان الافتقار إلى الموارد اللازمة لأداء الوظيفة مصحوباً بمستويات أقل من السعادة وتوتر أكبر، حيث تشير نتائجنا إلى أن الموظفين من أصحاب المستوى الاجتماعي والاقتصادي المرتفع سجلوا في الغالب افتقارهم إلى الموارد اللازمة لأداء أعمالهم. ويمكن تفسير ذلك بأن وظائفهم أكثر مشقة وتستلزم موارد أكثر من الموارد المتاحة، أو أن الموظفين من المستوى الاجتماعي والاقتصادي المرتفع يتوقعون موارد أكثر من الموارد المتاحة، ما يؤدي إلى تصور أنهم يفتقرون إلى الدعم في مكان العمل.

علينا أن ننتبه أننا لن نفسر هذه النتائج للإشارة إلى أن الوظائف الأقل مكانة أكثر نفعاً للموظفين. إننا نتساءل في الواقع عما إذا كانت بعض الضغوط المصاحبة للوظائف الأقل مكانة يظهر دورها بشكل أكبر في المنزل مقارنة بالعمل، حتى وإن كانت التجارب في العمل أقل إثارة للتوتر. فعلى سبيل المثال، قد يكون عمل الموظف في المستوى الأقل أكثر قابلية للتوقع في أثناء العمل، لكن من المحتمل وجود مخاوف أكثر بشأن التغييرات في المناوبات أو جدول العمل غير المستقر، أو الرواتب المنخفضة وعلاقتها بتأمين الغذاء أو المسكن. فينبغي على الأبحاث المستقبلية تناول هذه الأسئلة وما يتعلق بها بحرص. وتتعرض نتائجنا بالطبع إلى الاختلافات بين أنواع الوظائف في المتوسط، ولا تتناول أي حالة فردية بصورة مباشرة.

يمكن لأصحاب الأعمال أن يفكروا حالياً في طرح سؤالين بسيطين على الموظفين بناءً على النتائج التي توصلنا إليها:

هل لديك الموارد الكافية لأداء وظيفتك؟

هل تشعر بقدرتك على الوفاء بمتطلبات وظيفتك؟

وبناء على إجابة الموظفين عن هذه الأسئلة، بإمكان أصحاب الأعمال النظر في إعادة تهيئة العمل نفسه أو إيجاد الطرق المناسبة لتعويض عدم كفاية الموارد. وقد تؤدي هذه الخطوات بدورها إلى أن يصبح الموظفون أكثر سعادة وأقل توتراً وأقل تأثراً بضغوط العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي