ينطوي التنافس الذي يخص المواهب المميزة على الترويج للوظائف لأفضل المرشحين على الإطلاق والحفاظ على أصحاب المناصب الأعلى أداء. ولكي يُنظر إليك على أنك رب عمل يقدم عروضاً ذات قيمة مغرية للموظفين، يتوجب عليك أن تسلك مسلك العديد من الشركات التي تقيس معدل دوران العمالة لديها وتُجري مقابلات شخصية للموظفين الراحلين عنها بغية التعرف على ملاحظاتهم بشأن تجارب عملهم لدى تلك الشركات والأسباب التي دعتهم للرحيل. ولكن ثمة ممارسة أقل شيوعاً تنطوي على تعقب علة رفض المرشحين لعروض العمل بشركتك، والنظر إلى الأشخاص الذين يرفضون عرض العمل معنا، وثمة ممارسة حتى أقل شيوعاً تقضي بجمع ملاحظات المرشحين الذين يتلقون عرض عمل لديك غير أنهم لا يقبلونه. وشأنها شأن "المقابلات الشخصية للموظفين الراحلين"، يمكن أن تتمخض المقابلات الشخصية لرافضي عروض العمل عن معلومات غزيرة حول مؤسستك وكذلك بيانات قيّمة عن صناعتك ومنافسيك.
وبينما تعمد المؤسسات الأكاديمية إلى جمع ملاحظات الطلاب المؤهلين لديها غير أنهم لا يُسجلون فيها بغية تحسين عملية استقطاب الطلاب والحفاظ عليهم والارتقاء بالمنافسة مع المؤسسات المنافسة، ومن النادر القيام بالأمر عينه مع المرشحين للعمل بطريقة نظامية ومتسقة في العالم المؤسسي. وكما هو الحال مع أنواع أخرى من الترويج والتسويق، يمكنك أن تتعلم بالقدر نفسه الذي تتعلمه من ملاحظات العملاء المعرضين عن الشراء منك، كذلك الذي تتعلمه من المقبلين على منتجاتك، هذا إن لم تتعلم أكثر.
الاستفادة من ملاحظات الأشخاص الذين أجروا مقابلات شخصية
إذا لم تلتمس ملاحظات خاصة من الأشخاص الذين أُجريت لهم مقابلة شخصية (وحتى لو فعلت)، فربما قدموا هم ملاحظاتهم على مواقع ويب مثل غلاسدور (Glassdoor) حول تجاربهم إذ أجريت لهم مقابلة شخصية في مؤسستك. ويمكن أيضاً أن تقدم المقابلات الشخصية لرافضي عروض العمل لديك وملاحظاتهم إنذاراً مبكراً بشأن العوامل التي تؤدي إلى تراجع معدلات عروض عملك، ما يساعدك على اتخاذ إجراءات استباقية للحيلولة دون ذلك.
إنّ الملاحظات التي يقدمها المرشحون يمكن أن تنقسم إلى عدة فئات. وهناك بعض العوامل التي لا تكون للشركة أدنى تدخل فيها — على سبيل المثال، إذا قرر المرشح للعمل أخيراً البحث عن مسار مهني آخر أو العمل في صناعة مختلفة أو في موقع جغرافي مختلف. وهناك ملاحظات أخرى ربما كانت ضمن نطاق سيطرة الشركة غير أنه من الصعب تغييرها على المدى القصير، كجودة المنشآت أو المسمى الوظيفي أو مستوى الوظيفة المعنية أو المقابل المادي والمزايا المقدمة للمرشح للعمل.
ومع ذلك، فالملاحظات التي على الأرجح أن تكون مفيدة للشركة وفي استطاعتها الاستجابة إليها قد تكون في الوقت عينه الأكثر حساسية وصعوبة على المرشح للعمل من حيث مشاركتها. وقد يكون من الصعب على المرشح أن يفصح لمدير التوظيف صراحة أو شريك أعمال الموارد البشرية أنه رأى أنّ مدير التوظيف لم يكن ودوداً أو منتبهاً، أو أنّ بعض القائمين على إجراء المقابلة الشخصية أبدوا مستوى متدن للاهتمام بالعمل لدى المؤسسة نفسها، أو أنه كان هناك عدد أكبر من اللازم من القائمين على إجراء المقابلة الشخصية، أو أنّ مختلف القائمين على إجراء المقابلة الشخصية أعربوا عن أفكار متضاربة حول استراتيجية الشركة وخططها أو مستوى الصلاحيات أو المسؤوليات المتعلقة بالوظيفة المعنية أو التحديات الأساسية لهذا المنصب أو مقتضيات النجاح في هذه الوظيفة.
ولذا، فمن المفيد جمع الملاحظات عبر طرف ثالث محايد كشركة بحوث أو استشارات خارجية، أو بحث داخلي للسوق أو قسم التمييز السلعي للمؤسسة أو قسم التحليل الذي يقع في نطاق بعيد عن قسم التوظيف والموارد البشرية. وكذلك يمكن إنجاز ذلك من دون ذكر أسماء عبر استفتاءات الويب أو البريد الإلكتروني. وبمشاركة الملاحظات مع طرف ثالث خارج نطاق عملية التوظيف أو عبر منصة تقنية مجهولة المسمى، يمكن للمرشحين أن يتحروا الصدق والصراحة بالقدر الكافي بشأن تجاربهم ومقترحاتهم من دون أن ينتابهم القلق من قطع طريق العودة على أنفسهم.
ومن المفيد إعلام المرشحين الذين يرفضون عروض الشركة بأنّ مشاركتهم في "مقابلة شخصية لرافضي العروض" ستكون محل تقدير وأنه ما من ضغائن بين الشركة وبينهم وأنّ ملاحظاتهم الفردية، متى طُلبت ومتى أمكن، ستظل سرية أو مجهولة المصدر. إنّ اليقين بأنّ المؤسسة ستدع الباب مفتوحاً أمام فرص مستقبلية محتملة أخرى وستلتزم فعلياً بتحسين قدرتها على التنافس كصاحب عمل قد يشجع المرشحين للعمل على المشاركة والإفصاح عن منظورهم الصادق الأمين.
الأسئلة التي يجب أن تطرحها على المرشحين الرافضين لعرض العمل لديك
إليكم بعض الأسئلة التي يمكنك، بل وينبغي عليك، طرحها على المرشحين الرافضين لعرض العمل لديك:
-
ما الجوانب الإيجابية التي لمستها في المنصب المعروض عليك وفي العمل لدى مؤسستنا؟
-
ما أسباب تخوفك من المنصب والعمل لدى مؤسستنا؟
-
ما أهم العوامل التي دفعتك إلى اتخاذ القرار الذي اتخذته؟
-
ما الملاحظات أو المقترحات التي لديك بخصوص المقابلات الشخصية والقائمين عليها وعملية الالتقاء شخصياً بالمرشحين نفسها؟ أو كيف لنا أن نطور من تجربتك الكلية كمرشح للعمل لدينا؟
-
هل يمكنك أن تقدم لنا أية تعليقات أو ملاحظات أو مقترحات لمدير التوظيف أو لقسم الموارد البشرية أو للمؤسسة نفسها؟
-
ما الملاحظات أو المقترحات الإضافية التي يمكنك الإدلاء بها بخصوص كيفية طرحنا لعرض قيمة جذاب لمرشحين مثلك في المستقبل؟
هذا النوع من الملاحظات يمكن أن يضمن فرصاً ممتازة للمؤسسات من أجل تطوير نظرياتها المتعلقة بكيفية تحسين عملياتها وتمييز علاماتها التجارية وتجربة المرشحين للعمل لديها. ولكن، من المهم استيعاب أنّ الحساسيات والدخائل الشخصية والسياسات المؤسسية ستتكيف لا محالة في نهاية المطاف مع الفرضيات التي يخلص إليها الناس والتفسيرات التي ينتهون إليها والنتائج التي يتوصلون إليها و"القصص" التي يقصونها على بعضهم بعضاً. قد يؤمن مدير التوظيف بأنّ قسم الموارد البشرية لم يُدر توقيت المرشح للعمل ولوجستياته على النحو السليم، بينما يمكن أن يظن قسم الموارد البشرية أنّ مدير التوظيف ليس بارعاً في إجراء المقابلات الشخصية أو لا يمثل الشركة التمثيل السليم. وقد يعتقد مدير التوظيف ومسؤول الموارد البشرية أنّ الرئيس التنفيذي كان عليه ترتيب أموره بحيث يفسح مجالاً للقاء المرشح للعمل بنفسه في وقت مبكر خلال عملية التوظيف.
وهذا يعني أنه من المهم وضع إطار لجمع الملاحظات بطريقة إيجابية واستشرافية والتعامل بذهن منفتح وطرح أسئلة مفتوحة (على ألا تكون استدراجية) على المرشحين الذين تلقوا عروض الشركة ولم يقبلوها للتعرف على انطباعاتهم ومشاعرهم الحقيقية. وإذا قرروا قبول عرض عمل آخر أو البقاء في وظائفهم الحالية، فمن المفيد التعرف على المعايير التي استندوا إليها في قرارهم، ولا سيما إذا كان الخيار صعباً عليهم.
ويمكن لمدير التوظيف ومسؤول قسم الموارد البشرية أيضاً أن يقارنا ما بين ملاحظات رافضي عروض العمل وقابليها، ومن ثم يمكنهما محاولة استبيان وجه الخلاف في عملية صنع القرار للمرشحين المستقبليين الذين تسعى المؤسسة إلى استقطابهم. على سبيل المثال، ربما تدرك المؤسسة أنها بحاجة إلى تدريب مدراء التوظيف بحيث يصبحوا أكثر وداً وتركيزاً خلال المقابلات الشخصية، أو بحيث يطرحوا أسئلة ذات صلة بالوظيفة المعنية، أو كبديل لما سبق يمكن أن يبحث مدير التوظيف عن مجموعة أكثر تنوعاً وحماساً من المتخصصين في إجراء المقابلات الشخصية الذين قد يمثلوا المؤسسة تمثيلاً أفضل أمام مختلف المرشحين للعمل لديها، ويخلقون تواصلاً أكثر إيجابية معهم.
إنّ الحرص على إتقان جميع القائمين على إجراء المقابلات الشخصية لكيفية توصيف المنصب المقترح والتوجه المستقبلي للشركة يمكن أن يساعد على بناء جبهة موحدة وضمان ألا يستشف المرشح للعمل أي نوع من سوء التنظيم أو التضارب. ويجوز أن يستقر رأي قسم الموارد البشرية على وضع حد للعدد الأقصى للقائمين على إجراء المقابلة الشخصية الواجب أن يلتقي بهم، كما في شركة جوجل (عموماً، يبلغ الحد الأقصى للمقابلات الشخصية بالشركة أربع مقابلات، بحسب توصيف لازلو بوك، نائب رئيس قسم العمليات في شركة جوجل، في كتابه قواعد العمل Work Rules)، ما يساعد أيضاً على ضمان أنّ العملية برمتها لا تستنفد وقتاً طويلاً أو تمثل عبء على المرشح للعمل أو المؤسسة. علاوة على ذلك، فإنّ تعيين حد زمني للفترة الفاصلة ما بين المقابلة الشخصية وقرار التعيين يمكن أن يساعد على ضمان أن المؤسسة تكفل ردود أفعال محددة زمنياً للمرشحين الذين خضعوا لمقابلات شخصية بدلاً من تركهم بانتظار القرار لمدة أطول من اللازم.
ليس من السهل على أي مدير توظيف أو قسم للموارد البشرية أو مؤسسة مواجهة الرفض والتعامل معه على نحو بنّاء. ومع ذلك، فالتمتع بالشجاعة والانضباط لجمع الملاحظات الصريحة الصادقة من الأشخاص الذين يرفضون عرض العمل معك والتعلم منها والتصرف بناء عليها بشكل مثمر، يمكّنك أنت وزملاؤك من تحسين سمعة التوظيف لديكم والترويج لعرض قيمتكم بطريقة أكثر فعالية من المؤسسات المنافسة لكم، وتحسين تجربة المرشحين للعمل والارتقاء بمعدل قبول عروض العمل لديكم في المستقبل.