ملخص: يمكنك دائماً الاعتماد على الظروف الخارجية للتأثير في طريقة عرض مذكرات العمل المقدمة إلى كبار القادة والمسؤولين، لذا استعد لتوصيل وجهة نظرك مهما كانت الضغوط، وذلك من خلال الفهم المسبق للتفاعلات الشخصية المؤثرة في المشهد. ما هي "الإيماءات الحاسمة" التي يقوم بها مديرك؟ وكيف يتفاعل مع المواد المعروضة عليه؟ ومَنْ يستعين به في مثل هذه المواقف لإقرارها؟ ستساعدك معرفة هذه الأشياء في وقت مبكر على التفاعل بصورة إيجابية من أجل التعامل مع الرفض والالتفاف عليه عند الضرورة خلال وجودك في الغرفة، سواءً كنت موجوداً بصورة شخصية أو افتراضية.
يعتبر تقديم المذكرات لكبار المسؤولين التنفيذيين فناً يتقنه موظفو البيت الأبيض المَهَرة ويؤدونه يومياً في أحلك الظروف وأكثرها إثارة للتوتر، فهم بارعون في ضغط المعلومات الصحيحة في القدر المناسب من الوقت مهما كان موضوعها معقداً أو كانت معلوماتها شحيحة. وتنطبق المهارات اللازمة لتقديم مذكرة عمل للرئيس التنفيذي في المكتب البيضاوي (المكتب الرسمي للرئيس الأميركي) بحذافيرها على فن تقديم مذكرة عمل لأي مسؤول تنفيذي من أصحاب المناصب التنفيذية العليا في أي مؤسسة.
ولا يمكن الاعتذار بنقص النصائح حول كيفية تقديم مذكرة لكبار المسؤولين، فهي متوافرة بغزارة، ومن أمثلتها: احرص على جعلها قصيرة، وضع الرسالة المطلوب توصيلها في بداية المذكرة.. وغير ذلك. لا بأس بهذه النصائح السديدة، لكنها تهمل المقومات الشخصية التي تعتبر عناصر حاسمة لنجاح المذكرة، وقد يبوء عرضك التقديمي بالفشل أو يتكلل بالنجاح قبل أن يبدأ، وستقل احتمالات نجاحه إذا بخلت بإضفاء الطابع الشخصي وأسرفت في الاهتمام بالجوانب التقنية لبرنامج الباوربوينت.
وتستند النصائح التالية إلى عصارة خبرتي المكتسبة من عملي مرتين في البيت الأبيض وإلى خبرتي التي امتدت لسنوات في تقديم مذكرات لكبار مسؤولي المؤسسات والمنظمات غير الربحية والحكومية، فضلاً عن تدريس مهارات تقديم المذكرات من خلال الندوات التي عقدتها في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وهي نصائح مهمة سواء كنت تقدم المذكرة بصورة شخصية أو افتراضية.
قبل أن تدخل (أو تسجل الدخول) إلى الغرفة:
حدد "أصحاب الإيماءة الحاسمة"
سيلجأ الرئيس إلى أحد مستشاريه المؤتمنين في لحظة حاسمة من المذكرة ويبحث عن تعابير وجهه التي تؤكد ما تدعيه في مذكرتك، ويجب أن تحرص على أن يومئ هذا الشخص برأسه كناية عن "الموافقة"، إذ تعتبر هذه لفتة ضمنية تمنح مديرك الشعور بالطمأنينة، وتدل على سلامة فكرتك ومراجعتها من قبل كافة الخبراء المختصين، أما إذا غابت هذه الإيماءة المؤيدة بأي صورة من الصور، فإن ذلك سيستثير عدداً من الأسئلة التقريرية ويزرع الشك في نفوس كل مَنْ في الغرفة، والأسوأ من ذلك أن النظرة الشائنة من قبل أي من كبار المستشارين أو عدم تأييدهم لفكرتك يمكن أن يودي بمذكرتك إلى الفشل الذريع بأسرع مما تتوقع.
ومن ثم، يجب أن تحرص قبل عرض فكرتك على معرفة أصحاب الإيماءات الحاسمة (قد يكون هناك عدة أشخاص وقد يختلفون باختلاف المشكلة) واستشارتهم مسبقاً. وحتى إذا لم يكن المسؤول التنفيذي الذي تقدم له المذكرة يستعين بشخص معين من أصحاب الإيماءة الحاسمة، فربما يستعين بأشخاص يثق بآرائهم أكثر من غيرهم، ولا بد أن تحصل على دعمهم، أو على الأقل تشعرهم بأنك تواجه معركة شاقة.
اعرف "إيحاءات" مديرك
إذا كنت ممن يقضون وقتاً طويلاً مع المسؤول التنفيذي، فيجدر بك معرفة الإشارات غير اللفظية التي توحي بأشياء مثل "تناول هذه النقطة بمزيد من التفصيل" أو "لخّص هذه الجزئية". أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فابحث عن الأشخاص الذين يقدمون له مذكرات ويتفاعلون معه بانتظام. اسألهم عن الدلائل التي تشي بانزعاج المدير، وما إذا كانت هناك طريقة لمعرفة ما إذا كان ذلك الانزعاج بسبب شيء تقوله أو ما إذا كان غير ذي صلة بمذكرتك. اسألهم أيضاً عن أفضل السبل للاستجابة للإشارات السلبية لمحاولة تغيير الحالة المزاجية. وسيساعدك الفهم المسبق للغة جسد رئيسك في الحفاظ على هدوئك والسير في الاتجاه الصحيح في أثناء تقديم المذكرة.
اعرف كيف يتفاعل المدير مع المادة المقدَّمة له
تتباين أساليب التفاعل مع المعلومات واستيعابها من شخص لآخر، وقد كنت أقدم المذكرات إلى أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض، وكان من عادة هذا المسؤول أن يستفسر عن كل نقطة، كبيرة كانت أم صغيرة، في كل مذكرة، ويعترض عليها (بشدة). وجد بعض الزملاء هذا الأمر مخيفاً حتى تحولوا في النهاية إلى "إمّعات" وفقدوا احترامه، فيما أقدم آخرون على خوض معارك مريرة معه كلما عرضوا عليه مذكرة، حتى بدوا في نظره أشخاصاً ضيقي الأفق وأثاروا غيظه. أما الزملاء الذين نالوا احترام هذا المسؤول فهم مَنْ اختاروا معاركهم بتعقل وحكمة، إذ كانوا يوافقونه الرأي ما وسعهم ذلك ويرفضونه بحكمة وتروٍ متى وجدوا الرفض أكثر نفعاً، أي أنهم كانوا يبدون المرونة دون أن يفقدوا الثقة في آرائهم. إذا عرفت أسلوب رؤسائك في التفاعل مع المادة المقدمة لهم، فستكون أكثر استعداداً لنقل المعلومات بشكل فاعل والتعامل مع الرفض.
ضع خطة لمستويات النجاح والفشل
يجب أن تحدد بالطبع ما تريده من الاجتماع قبل أن تدخل الباب، ولكن إليك هذه النصيحة الثمينة: لا تفكر في الأمر من منطق إما النجاح أو الفشل، بل شارك في الاجتماع وأنت ترجو تحقيق "طلبك" ولكن ضع أيضاً خططاً للطوارئ تحسباً لأي سيناريوهات تعكس نجاحك أو فشلك في تحقيق مطلبك، فإذا اتجهت دفة النقاش نحو "الرفض"، فيمكنك تقديم نسخة مصغرة من اقتراحك، وبالمثل، إذا لاقت فكرتك النجاح، فاحتفظ ببعض الأفكار الإضافية للمطالب الإضافية أو قدم طرقاً لتسريع الجدول الزمني لتنفيذ أفكارك. باختصار: فكر في إمكانية تحقيق نصر محدود بدلاً من الفشل الكامل، أو الحفاظ على الفكرة حية للقتال من أجل طرحها في يوم آخر، أو التوسع في الفكرة وتسريع تنفيذها إذا وجدت الظروف مواتية.
عند دخولك الغرفة
اقرأ وجوه الحاضرين، وليس ملاحظاتك
سواء كنت تقدم المذكرة بصورة شخصية أو افتراضية، فيجدر بك قراءة الإشارات ولغة الجسد. يجب أن تحفظ مادتك عن ظهر قلب عند هذه النقطة حتى لا تفسد منظرك وأنت تقلّب أوراقك، وتستطيع تركيز طاقتك الذهنية على قراءة وجوه الحاضرين في الغرفة والبحث عن أي إشارات جسدية والحذر من المزالق. وإذا كان بالإمكان تلخيص هذه القاعدة، فهي تقول: "دوّن الإشارات وليس الملاحظات" (يجدر بك في الواقع أن تطلب من شخص آخر تدوين الملاحظات إن أمكن، حتى تتفرغ بالكامل لقراءة المشهد في هذه اللحظة).
وجّه كل تركيزك على مهمتك
قد يؤدي ضغط الوقت وتضارب المصالح وحدوث ظروف غير متوقعة إلى إثنائك عن مهمتك الأساسية خلال الاجتماع، ولكن لا تفقد التركيز. ضع مطلبك وأسباب مجيئك إلى هذا المكان على رأس أولوياتك، لذا يجب أن تحرص على توجيه كل طاقتك الذهنية إلى البحث عن فرص تسويق مادتك. وإذا حاد النقاش عن مساره الصحيح، أو ظهرت مسألة تسببت في انحراف الاجتماع عن هدفه، أو شرع أحدهم في الحديث عن موضوع خارج سياق النقاش، فخطط مسبقاً لاستخدام عدة طرق لإعادة توجيه النقاش إلى مساره الصحيح والخروج بالنتيجة المنشودة. تجدر الإشارة هنا إلى أن الإصرار يعتبر موهبة نادرة، ولكنها تستلزم في الوقت نفسه استعمالها بذكاء، ويفترض بالطبع ألا تبدو شخصاً متصلب العقل أو روبوتاً لا روح فيه، ففي كثير من الأحيان تتعرض الاجتماعات للمقاطعات أو يتم اختصار زمنها في بيئة العمل سريعة الإيقاع التي نحيا في ظلها. حاول ألا تنحرف عن موضوعك الأساسي أو أن تطرح تفاصيل لا داعي لها لتقليل فرص مقاطعة مذكرتك قبل إقرار طلبك.
مارس فن الصمت
ها قد عرضت فكرتك أو طرحت طلباتك، وبدأت المناقشات حولها، لذا يجدر بك أن تتعامل الآن من منطلق خطوات استراتيجية مدروسة بعناية حول ما إذا كان يجب أن تتدخل في النقاش ومتى يجدر بك التدخل. وإذا وجدت المسؤول التنفيذي يتفاعل مع الآخرين في الغرفة أو يفكر بصوت عالٍ، فاحذر أن تتحدث في اللحظة الخطأ، وإلا خاطرت بقطع حبل أفكار مديرك أو إزعاجه، كما أنك لست مضطراً لتأكيد شيء ما دون داعٍ أو التباهي بمعرفتك. واحرص على انتهاز الفرص المتاحة أمامك لمحاولة إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح، إذا توجهت دفة المناقشة ضدك، بدلاً من إهدار كل فرصك بالتدخل بمناسبة وغير مناسبة. إذ لا تقل أهمية عدم التحدث في الوقت الخطأ عن قول الشيء الصحيح في الوقت المناسب في كثير من الأحيان.
ومهما بذلت من جهد في حسن الاستعداد، فسوف يتأثر النقاش بأي ظروف خارجة عن إرادتك قد تطرأ على الاجتماع، مثل ظهور أزمة لا صلة لها بموضوعك أو شعور مديرك بالإجهاد في ذلك اليوم، لكن، وعلى الرغم من أنك لن تستطيع بحال من الأحوال ضمان النجاح المؤكد، فإن التركيز على التفاعلات الشخصية في وقت مبكر وتحسين وعيك بالوضع السائد في الغرفة بمجرد دخولك إليها سيجعلك أكثر فاعلية، وستكون مهيأً بصورة أفضل لإيصال الرسالة الصحيحة تحت الضغط، سواء كنت تقدم مذكرة عمل لرئيس الولايات المتحدة أو مسؤول تنفيذي أو أي مسؤول كان.