آن الأوان لتفكر الشركات الناشئة بعقلية الجمل بدلاً من أحادي القرن

6 دقيقة
الشركات الناشئة بعقلية الجمل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في أعقاب جائحة “كوفيد-19” والركود الذي تسببت به في العالم، يستعد قادة الشركات والمبتكرون ورواد الأعمال والمستثمرون لمواجهة الظروف شديدة الصعوبة في السوق العالمية على مدى فترة طويلة من الزمن. وهذه الظروف جديدة لم يسبق أن اختبرها نموذج الشركات الناشئة في وادي السيليكون الموجه نحو النمو السريع وإنشاء الشركات المليارية “أحادية القرن”. ورمز الجمل ملائم لهذه الشركات أكثر من رمز وحيد القرن. فالجمال قادرة على العيش لفترات طويلة في الظروف شديدة القسوة. تقدم الشركات الناشئة التي تتبنى عقلية الجمل دروساً ذات قيمة كبيرة للشركات في جميع القطاعات والفئات حول طريقة الاستمرار وتحقيق النمو في الظروف الصعبة. وتنجح هذه الشركات في ذلك باتباع 3 استراتيجيات، وهي تحقيق نمو متوازن، واتباع خطة طويلة الأجل، وترسيخ التنويع الاستثماري في نموذج العمل.

لقد تغير العالم، وفي أعقاب جائحة “كوفيد-19” والركود الذي تسببت به في العالم، يستعد قادة الشركات والمبتكرون ورواد الأعمال والمستثمرون لمواجهة الظروف شديدة الصعوبة في السوق العالمية على مدى فترة طويلة من الزمن. لكن، كيف يمكن للشركات الناشئة والمبتكرين من كافة القطاعات الاستمرار في هذه الظروف؟ فكثير منهم غير مستعد لها. ما هي الشركات الناشئة بعقلية الجمل؟ وبماذا تختلف عن الشركات أحادية القرن (يونيكورن)؟

الوضع الحالي صعب جداً على وادي السيليكون، حيث يهيمن نموذج الشركات أحادية القرن (يونيكورن)، وهو اسم يشير إلى الشركات الناشئة التي تبلغ قيمتها مليار دولار أو أكثر، وتحقق هذه القيمة عادة من خلال النمو السريع. لكن المشكلة الآن تتمثل في أن هذه المنهجية التي تسعى لتحقيق النمو بأي ثمن كان، والتي تجيدها أبرز شركات وادي السيليكون بصورة استثنائية، لا تنجح إلا في أقوى الأسواق الصاعدة (سوق الثور) وفي الظروف المثلى.

لكن، خذ مثلاً ما أسميه الأسواق “المبتدئة” أو (Frontier Markets)، وهي بيئات العمل خارج فقاعة “باي إيريا” (منطقة خليج سان فرانسيسكو في شمال كاليفورنيا بالولايات المتحدة)، حيث لا يمكن للشركات الناشئة الحصول على رؤوس الأموال أو رأس المال البشري المدرب على العمل في الشركات الناشئة، وخصوصاً في كثير من القطاعات الجديدة، وهذه الشركات أكثر عرضة للتأثر بصدمات الاقتصاد الكلي الشديدة غير المتوقعة. ورمز الجمل ملائم لهذه الشركات أكثر من رمز وحيد القرن. فالجمال قادرة على الصمود لفترات طويلة من دون ماء وطعام، وتتحمل حرارة الصحراء الملتهبة وتتكيف مع التغيرات الكبيرة التي تطرأ على المناخ، وتعيش وتتكاثر في المناطق التي تشهد أقسى الظروف على وجه الأرض.

حتى وإن لم يكن التشبيه المستخدم براقاً، إلا أن هذه الشركات الناشئة التي تفكر بعقلية الجمل تقدم دروساً ثمينة للشركات في جميع القطاعات حول الصمود في الأزمات والاستمرار والنمو في الظروف السيئة. تنجح هذه الشركات في ذلك باتباع ثلاث استراتيجيات، وهي تحقيق نمو متوازن، واتباع خطة طويلة الأجل، وترسيخ التنويع الاستثماري في نموذج العمل.

التوازن عوضاً عن الاستنفاد

لا تهتم شركات “الجمل” بما يسمى “التوسع الخاطف” الذي يتمثل ببناء الشركة بسرعة كبيرة وتفضيل السرعة على الكفاءة في السعي إلى تحقيق حجم هائل. وهي تطمح للنمو مثل أي شركة أخرى في وادي السيليكون، إلا أنها تتبع أسلوباً أكثر توازناً لتحقيقه. وهذا النهج المتوازن يتألف من ثلاثة عناصر رئيسية.

التسعير المناسب منذ البداية. لا يقدم رواد الأعمال في الأسواق النامية منتجات مجانية أو مدعومة مالياً من أجل إدامة نمو العملاء، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع “معدلات الاستنفاد”. بل يطالبون عملاءهم بدفع قيمة عروض المنتجات منذ البداية. وتدرك شركات “الجمل” أنه ليس من المفترض أن تشكل الأسعار عائقاً في وجه النمو، بل هي ميزة يتمتع بها المنتج وتعكس جودته وموقعه من السوق.

إدارة التكاليف على مدى دورة حياة الشركة. في نفس الوقت، تعمل شركات “الجمل” على إدارة التكاليف على مدى دورة حياتها كي تتوافق مع منحنى النمو المستمر عبر فترة زمنية أطول. خذ مثلاً مات غلوتزباك، الرئيس التنفيذي لشركة “كويزليت” (Quizlet)، وهي شركة إلكترونية على الإنترنت تقدم المساعدة التعليمية والدراسية، فهو يفهم كيف تنطبق هذه الاستراتيجية في ضوء تكلفة اكتساب العملاء والنفقات الرئيسية المتمثلة بالموظفين. يقول موضحاً: “يجب أن تكون شركتك قادرة على الصمود في أفضل الظروف وأسوأ الظروف. بالنسبة لي، تشمل القدرة على التحمل عاملين: أحدهما هو المناسيب الاقتصادية للوحدة فيما يخص اكتساب المستخدمين، والثاني هو مدى استعدادك للاستثمار في الموظفين قبل أن يقود منحنى الإيرادات عملية تحفيز النمو. وهنا، نتخذ قرارات محسوبة ونضع توقعات من الاستثمار، وإن صدقت توقعاتنا هذه فسنحقق نمواً هائلاً، وإلا فلن نعاني من خسارة كبيرة”.

تغيير المسار. إدارة الاستنفاد طوال دورة حياة الشركة تهيئ الشركات الناشئة للتصدي للظروف الصعبة على مدى فترة زمنية مستدامة. يمر مسار التدفق النقدي في الشركة الناشئة التقليدية في وادي السيليكون بما يسمى “وادي الموت”، وهو انحدار حاد في الخط البياني يوضح الخسارات الكبيرة التي تتكبدها الشركة قبل تحقيق الربحية. بيد أن الخط البياني للشركات الناشئة المبتدئة يبدو مختلفاً. بالطبع، لا تتجنب شركات “الجمل” الناشئة النمو أو تمويل رأس المال المغامر (الجريء)، وإنما تتبع في توسيع أعمالها مساراً متأنياً أكثر تكون معدلات الاستنفاد فيه أقل. وفي بعض الحالات، كما في شركة “غراب هاب” (Grubhub)، تحقق هذه الشركات نمواً بطفرات منتظمة من خلال عدم اتخاذ خطوة فعلية والقيام بالاستثمار إلا عندما تتوفر فرصة مؤكدة تستدعي ذلك، وغالباً ما يكون هذا الاستثمار عن طريق جمع رأس المال المغامر (الجريء). وبعد هذه الطفرة، تكون الاستدامة، المترافقة مع الربحية غالباً، في متناول اليد مجدداً عند اللزوم. تكمن نقطة الاختلاف هنا في أن شركات “الجمل” تتمسك بخيار تعديل مسار نموها والعودة إلى العمل التجاري المستدام.

تبنى شركات “الجمل” على المدى الطويل

يعي المؤسسون في الشركات المبتدئة أن بناء الشركة ليس عملاً قصير الأجل. ولا تتمكن غالبية الشركات من تحقيق إنجاز مهم بسرعة، وإنما تحققه في مراحل لاحقة من حياتها، ويكون استمرارها هو استراتيجيتها الأساسية. وهذا يتيح الوقت لبناء نموذج العمل، والتوصل إلى منتج يلاقي صدى في السوق، وتطوير عمليات قابلة للتوسع. ستكون المنافسة قائمة، لكن سيكون السباق متمثلاً في القدرة على الاستمرار لأطول فترة ممكنة، وليس الوصول إلى السوق أولاً.

جمعت شركة “كويزليت” مؤخراً 30 مليون دولار في جولة التمويل من الفئة “ج”، ما رفع قيمتها إلى مليار دولار في شهر مايو/أيار من هذا العام. لم تأخذ الشركة أيّ تمويل عند إنشائها، وفي عام 2015، أي بعد 10 أعوام من العمل، أقامت جولة التمويل الأولى من الفئة “أ” وجمعت فيها 12 مليون دولار فقط. أخذت الشركة وقتها في الوصول إلى هذه المرحلة، واعتمدت في عملها على فلسفة التقدم البطيء والثابت نحو تحقيق النمو. أخبرني غلوتزباك أن هذه الوتيرة حمت شركة “كويزليت” من الدمار، يقول: “أؤمن بحق أن شركة “كويزليت” لم تكن ستستمر لو أنها جمعت مبلغاً كبيراً من المال في مراحل حياتها الأولى. فوضع توقعات كبيرة والمجازفة بتوسيع الأعمال بصورة مبالغ فيها بناء على هذه التوقعات وضخ رأس المال في مراحل مبكرة، لم يكن سيفيد في تسريع الأعمال بما يكفي لتلبية هذه التوقعات. وكنا سنبالغ في قطع الوعود ونعجز عن الوفاء بها، كما هو حال كثير من الشركات الناشئة”. من الضروري اتباع خطة طويلة الأجل من أجل إدارة المفاضلة بين المخاطر والأرباح.

نطاق القدرة على التحمل وعمقها

يواجه رواد الأعمال في الشركات المبتدئة قيوداً فريدة من نوعها تتحول عادة إلى مكامن قوة في الأوقات العصيبة. يبني رواد الأعمال الشركات الناشئة في الأسواق الأصغر غالباً بحكم الضرورة، لكن هذه الأسواق غير كافية لنمو هذه الشركات واستمرارها. لذا، يجد رواد الأعمال أنفسهم مرغمين على بناء شركات ناشئة على نطاق عالمي واستهداف أسواق كثيرة منذ البداية. خذ مثلاً “مجموعة فرونتير للسيارات” (Frontier Car Group)، وهي منصة شهيرة لبيع السيارات المستعملة، انطلقت أساساً في خمسة أسواق يعمل كل منها كمركز إقليمي، فنجحت في بعض المناطق ولم تنجح في الأخرى، واستمدت دروساً ثمينة من كل خطوة وأغلقت عملها في الأسواق التي لم تكن ملائمة. ولو وضعت هذه الشركة كامل مواردها في البلد غير المناسب كي تنطلق منه، لما استطاعت الاستمرار إلى الآن.

وبصورة مماثلة، بسبب عدم توفر المزيج القوي المكون من البنية التحتية وبيئات العمل التمكينية للمنتجات والخدمات المتجاورة في الأسواق المبتدئة، يحتاج رواد الأعمال عادة إلى التعمق أكثر وبناء مجموعة البنى الداعمة بأكملها. وهذا يعني امتلاك خطوط أعمال ومنتجات متعددة وتقديم نظام خدمات كامل منذ اليوم الأول. وعندما يتباطأ سير أحد الخطوط، ينقذ الخط الآخر الوضع. خذ مثلاً حالة “غيابولسو” (Guiabolso)، وهي منصة لإدارة التمويل الشخصي تساعد الزبائن في البرازيل على فهم وضعهم المالي كي يتمكنوا من إدارته على نحو أفضل (شبيهة بمنصة “مينت” Mint.com في الولايات المتحدة) وعلى النقيض من الشركات النظيرة لها في بيئات العمل الأكثر تطوراً، كان على شركة “غيابولسو” بناء طبقة الترابط المصرفي المتبادل من العدم، وتقديم رؤى حول الجدارة الائتمانية من دون بنية تحتية متينة لتقييمها، وأن تطلق سوق منتجها من الصفر كي يتمكن زبائنها من تحقيق أقصى فائدة من الرؤى المالية الجديدة التي حصلوا عليها.

بالطبع، يجب ألا يبالغ رواد الأعمال في اتباع استراتيجية المحفظة الاستثمارية الواسعة والعميقة هذه. فبناء شركة ناشئة يزداد صعوبة، والمبالغة في التوسع على عدة جبهات هي حكم محقق بفشلها كلها. إلا أن شركات “الجمل” الناجحة لا تنفق مواردها إلا على الأنشطة ذاتية التعزيز (حيث تفيد الدروس المستقاة من حالات النجاح والفشل في دعم الشركة ككل) والتي تتوازن بصورة تلقائية (حيث يحمي كل جزء من المؤسسة الجزء الآخر بصورة طبيعية).

من خلال منح الأولوية للنمو المتوازن والبناء على المدى الطويل والتعمق والتنويع في الاستثمارات من أجل بناء القدرة على التحمل، ستتمكن شركات “الجمل” الناشئة من التصدي لصدمات السوق، والنمو والازدهار في أوقات الرخاء والأزمات على حد سواء. باختصار، تحول هذه الشركات المحنة إلى فائدة. ومع استعدادنا للتحديات الصعبة المقبلة، لن نعثر على الأجوبة في فقاعة وادي السيليكون المنعزلة، وإنما في التعلم من شركات “الجمل” الناشئة في الأسواق المبتدئة التي كانت تملك الجواب منذ البداية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .