لا تخفض ميزانية التسويق في فترات الركود

5 دقائق
الإنفاق على التسويق في فترات الركود

تُحد معظم الشركات من الإنفاق في فترات الركود، خاصة على أنشطة التسويق التي ترى أنه من الأسهل خفض الإنفاق عليها (ما سيؤثر بالتأكيد على كشوف الرواتب). وتكافح وكالات الإعلان في الوقت الحالي لكي تظل واقفة على قدميها، وقد أعلنت "جوجل" و"فيسبوك" أن إيرادات الإعلانات انخفضت بدرجة كبيرة لأن الإنفاق التسويقي ينخفض مع الدورة الاقتصادية (التسويق الدوري). ولكن هذا يعادل اليوم الإصابة بالنزف؛ فهو علاج تقليدي ولكنه واسع الانتشار ويقلل بالفعل من قدرة المريض على مكافحة المرض.

فالشركات التي انتعشت بقوة بعد فترات الركود السابقة لم تخفض إنفاقها التسويقي بل زادته في الواقع. ولكنها غيرت ما كانت تنفق ميزانية التسويق عليه والتوقيت الذي يجب أن تراعي فيه السياق الجديد الذي تعمل ضمنه. لنبدأ بإلقاء نظرة على الفئات المختلفة لتكاليف التسويق.

أنشطة البحث والتطوير وإطلاق المنتجات الجديدة

تُعد عملية إطلاق المنتجات الجديدة محفوفة بالمخاطر حتى في فترات الازدهار، ودائماً ما يكون هناك جدل واسع في أي شركة حول أي من المنتجات الجديدة قيد التطوير ينبغي طرحه في السوق. وفي هذا السياق، يبدو وكأن تقليص مشاريع تطوير المنتجات الجديدة أمر لا يستحق عناء التفكير.

ولكن تُظهر البحوث في سياقات مختلفة، كالسلع الاستهلاكية سريعة الحركة في المملكة المتحدة وأسواق السيارات في الولايات المتحدة، أن المنتجات التي أُطلقت أثناء فترات الركود تتمتع بفرص بقاء أكبر على المدى الطويل وتحقق إيرادات مبيعات أعلى. ويرجع ذلك جزئياً إلى وجود عدد قليل من المنتجات الجديدة التي يمكن منافستها، ولكنه ينبع أيضاً من حقيقة أن الشركات التي تحافظ على أنشطة البحث والتطوير تركز الاستثمارات على أفضل الفرص، وهو ما يمكن أن يفسر لماذا اتضح أن المنتجات التي طُرحت أثناء فترات الركود كانت ذات جودة عالية.

التوقيت مهم بالطبع؛ فقد أظهرت بحوثنا أن أفضل فترة لإطلاق منتج جديد هي بعد منتصف فترة الركود مباشرة. ففي هذه المرحلة يبدأ المستهلكون في التفكير في الأشياء غير الضرورية، حتى المنتجات باهظة الثمن التي لا يرغبون في شرائها في الوقت الحالي (كالسيارات). فالمنتج الجديد والمبتكَر يحيي الأمل في تحسّن الاقتصاد وتمكن المستهلك قريباً من تحمُّل تكلفته.

وحتى إن لم يكن لدى الشركات الذكية منتجات جديدة جاهزة لطرحها في السوق في الوقت المناسب، فإنها تواصل الاستثمار في أنشطة البحث والتطوير أثناء فترات الركود، فقد ثَبُت أن له تأثيراً أقوى على الأداء على المدى الطويل من فئات الإنفاق التسويقي الأخرى كالإعلانات وعروض الأسعار. وهذا لأن الحفاظ على أنشطة البحث والتطوير يعني أن الشركات ستخرج من فترة الركود بمسار مبيعات أقوى نسبياً، خاصة في القطاعات الاقتصادية الدورية كالسيارات والأسمنت والصلب.

الأسعار والعروض الترويجية

لمواجهة انخفاض حجم المبيعات يميل المدراء إلى رفع الأسعار على أمل الحفاظ على الإيرادات وهوامش الأرباح. وليس من الصعب معرفة لماذا تُعد هذه الفكرة سيئة: نظراً إلى أن فترات الركود تجعل المستهلكين أكثر حساسية تجاه الأسعار، فإن أي زيادة في الأسعار ستقلل احتمالية إجراء عملية البيع، وهذا هو السبب الذي يجعل الشركات التي رفعت الأسعار تلجأ سريعاً إلى عروض الأسعار لعكس هذا التأثير. ولكن تُظهر البحوث أن هذا التأرجح في الأسعار يأتي بنتائج عكسية؛ فالشركات التي تفعل ذلك تخسر حصة سوقية أكبر من الشركات التي لا تفعله.

التواصل

في فترات الركود، عندما تقلل معظم الشركات إعلانات علامتها التجارية، تزداد حصة ترويج السلعة إذا تمكنت من الحفاظ على ميزانية الإعلانات أو زيادتها. يُعد ما فعلته شركة "ريكيت بينكيزر" (Reckitt Benckiser) مثالاً على ذلك: في فترة الركود التي أعقبت الأزمة المالية التي اندلعت عام 2008، أطلقت الشركة حملة تسويق تهدف إلى إقناع عملائها بمواصلة شراء سلعها الأغلى ثمناً والأفضل أداء، على الرغم من المناخ الاقتصادي القاسي. ومن خلال زيادة الإنفاق على الإعلانات بنسبة 25% في ظل خفض المنافسين لتكاليف التسويق، تمكنت الشركة في الواقع من زيادة الإيرادات بنسبة 8% والأرباح بنسبة 14%، في الوقت الذي انخفضت فيه أرباح معظم منافسيها بنسبة 10% أو أكثر. فقد نظرت الشركة إلى الإعلانات على أنها استثمار وليس نفقات.

يجب أن يعكس محتوى الإعلانات أثناء فترات الركود التحديات التي يواجهها المستهلكون. ففي فترات الركود يرغب المستهلكون في رؤية العلامات التجارية تبدي تضامنها معهم. ولذلك فإن إعلانات العلامات التجارية الناجحة أثناء فترات الركود لا ينبغي أن تبث روح الدعابة وتثير المشاعر فحسب، بل يجب أيضاً أن تجيب عن هذا السؤال للمستهلكين: كيف يمكننا مساعدتك؟

من الأمثلة على ذلك شركة "كوكاكولا". في عام 2020 استخدمت الشركة ميزانية الإعلانات الخاصة بها لتسليط الضوء على العمل الذي يؤديه العاملون في الخطوط الأمامية، لخلق قصص قصيرة عن أبطال مجهولين. تتميز العلامة التجارية لشركة "كوكاكولا" بمهارتها في هذه الرسائل الموجهة من خلال تذكير المستهلكين بأنها كانت وستظل دائماً بجانبهم في أوقات الشدة والرخاء.

ومن خلال اتباع أسلوب مماثل تمكنت شركة "الخطوط الجوية السنغافورية" (Singapore Airlines) من إبراز ما فعلته لخدمة المجتمع بإعادة توزيع طاقمها الأرضي لمساعدة المجتمع على التعامل مع تفشي الوباء. كما استخدم أفراد طاقم الطائرة مهاراتهم بوصفهم سفراء للرعاية والعناية. فقد ساعد بعضهم الممرضين من خلال قياس المؤشرات الحيوية للمرضى وتسجيل طلبات الوجبات وتقديمها. وعمل آخرون في مراكز النقل للمساعدة في السيطرة على الحشود وضمان الامتثال لإرشادات المحافظة على وجود مسافة آمنة.

تكييف الاستجابة بما يتناسب مع السياق

نعلم جميعاً أن العلامة التجارية الحالية للشركة وحجمها من العوامل الرئيسية في تحديد مدى استعدادها لاجتياز فترة الركود بل وحتى الاستفادة منها. غالباً ما تكون العلامات التجارية القوية أكثر قدرة على الحفاظ على استقرار الأسعار في فترات الركود. وفي الوقت نفسه، يمكن للشركات الكبيرة والمفاوضين الأذكياء الحصول في الغالب على تخفيضات في الأسعار من المورّدين في فترات الركود. ولكن كيفية تأثير وضع الشركة وقدراتها، بالإضافة إلى ما يحتاج إلى تغيير، هي أمور ستعتمد على ديناميات القطاع والدولة المعنية، ما يعني أنه ينبغي للشركات التي تعمل في أسواق متعددة اختيار استراتيجيات مختلفة لأجزاء العمل المختلفة.

لنأخذ على سبيل المثال شركة روسية كبيرة ومتعددة الأنشطة قدمنا لها المشورة أثناء الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008 وبعدها. تعمل الشركة في 6 دول و6 قطاعات، تتراوح بين الملابس العادية إلى الخدمات المصرفية المتخصصة. وقد حافظت الشركة على ميزانية الإعلانات عن علامتها التجارية المتخصصة في الملابس العادية في روسيا، في حين أن العلامات التجارية الأخرى (الأجنبية في الغالب) خفضت ببساطة كمية الرسائل الموجهة إلى العملاء ولم تفعل شيئاً يُذكر لتغيير محتوى المنتجات التي أطلقتها. وقد نجح هذا الأمر مع الشركة لأن وضعها الحالي بوصفها علامة تجارية محلية تقدم قيمة مقابل المال جذب المستهلكين عندما كان الإنفاق على الكماليات الأجنبية في وضع سيئ. ومع تلاشي فترة الركود، ظل العديد من العملاء الجدد مع العلامة التجارية المحلية بعدما انتقلوا إليها من علامات تجارية لملابس أجنبية أعلى تكلفة.

طبقت هذه الشركة متعددة الأنشطة نهجاً مختلفاً للغاية على عملياتها المصرفية في رومانيا. فقد توقعت عميلتنا، على عكس معظم منافسيها، حدوث ركود عميق وانتعاش بطيء. في هذا السيناريو كانت فرص الحصول على أعمال جديدة ضعيفة، وبالتالي خفضت الشركة ميزانيتها الضخمة التي كانت مخصصة لإعلانات البيع بالتجزئة وأغلقت عدداً كبيراً من فروع البيع بالتجزئة. وقد أدى ذلك إلى توفير الموارد لكي تتمكن الشركة من دعم العملاء الحاليين على نحو أفضل. وفي غضون ذلك، كانت جميع جهود الاستحواذ على العملاء مركزة على الأفراد ذوي الثروات الطائلة. وقد ساعد تركيزها على مساعدة العملاء الحاليين واستهدافها المتأني للعملاء الجدد في مساعدة البنك على نمو أعماله المصرفية في فترة انتعاش ما بعد الركود.

لن يكون التسويق أو الإنفاق عبى التسويق في فترات الركود سهلاً أبداً، لأنه غالباً ما ينطوي على مخالفة الغرائز والمعايير التشغيلية الموحدة. كما أن سلوكيات العملاء تخضع إلى تغييرات عميقة تنعكس على ظروفهم واحتياجاتهم، وقد تكون مؤلمة أحياناً. لذلك في هذه البيئة يتعين عليك دعم عملائك خلال هذه الرحلة الجديدة المختلفة، بتحويل رسالتك وإعادة تصميم عرض القيمة الخاص بشركتك. فهذا ليس وقت التوقف عن إنفاق المال، بل وقت تغيير طريقة إنفاقه. والشركات المستعدة لأن تكون بالشكل الذي يحتاج إليه العملاء في فترات الركود ستحافظ على العديد من العملاء الجدد الذين تكتسبهم، بالإضافة إلى ترسيخ ولاء عملائها الحاليين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي