كيف سينعكس الدماغ الموصول بالكمبيوتر على مستقبل العمل؟

7 دقائق
الدماغ الموصول بالكمبيوتر ومستقبل العمل

تخيل لو كان بمقدور مديرك أن يعرف ما إذا كنت قد حضرت الاجتماع الأخير المنعقد على منصة "زووم" وأنت في كامل انتباهك من عدمه، أو تخيل لو بإمكانك إعداد العرض التقديمي التالي باستخدام أفكارك فقط. قد تصبح هذه السيناريوهات حقيقة واقعة قريباً بفضل تطور تقنية واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر أو (الدماغ الموصول بالكمبيوتر) (BCIs).

ما هي واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر (الدماغ الموصول بالكمبيوتر)؟

لشرح هذه التقنية بأبسط العبارات الممكنة، انظر إلى واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر كجسر يربط بين عقلك وجهاز خارجي. ما زلنا نعتمد حتى اليوم على مخطط كهربية الدماغ (EEG) للقيام بذلك، وهو عبارة عن مجموعة من الأساليب لمراقبة النشاط الكهربائي للدماغ، لكن هذا الوضع آخذ في التغير> فقد بات بالإمكان الآن تحليل إشارات الدماغ واستخلاص أنماط الدماغ ذات الصلة، وذلك باستخدام أجهزة الاستشعار المتعددة والخوارزميات المعقدة، ومن ثم يمكن تسجيل نشاط الدماغ بواسطة جهاز غير جراحي، أي دون الحاجة إلى تدخل جراحي. وتعتبر غالبية أجهزة واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر الحالية والسائدة غير جراحية، في واقع الأمر، مثل عصابات الرأس وسماعات الأذن القابلة للارتداء.

لقد ركز تطوير تقنية واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر في البداية على مساعدة المصابين بالشلل على التحكم في الأجهزة المساعدة من خلال استخدام أفكارهم، إلا أنه يتم استحداث استخدامات جديدة طوال الوقت، فقد صار بالإمكان، على سبيل المثال، استخدام واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر كأداة للتدريب على الارتجاع العصبي من أجل تحسين الأداء المعرفي، وأتوقع أن نشهد تزايد عدد المتخصصين الذين يستفيدون من أدوات واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر لتحسين مستوى أدائهم في العمل. يمكن، على سبيل المثال، أن تكتشف واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر أن مستوى انتباهك منخفض جداً مقارنة بأهمية اجتماع أو مهمة معينة وتطلق إشارة تنبيهية على هذا الأساس. يمكنها أيضاً تغيير إضاءة مكتبك بناء على مدى شعورك بالتوتر، أو تمنعك من استخدام سيارة شركتك إذا اكتشفت شعورك بالنعاس.

طورت شركة ناشئة تُدعى "ميوز" (Muse) يقع مقرها في تورنتو عصابة رأس للاستشعار بإمكانها توفير معلومات آنية في الوقت الحقيقي حول ما يحدث في عقلك. ولك أن تتخيل أن هذه الشركة لديها "برنامج لرفاهة المؤسسات" يمكن استخدامه في "مساعدة موظفيك على تقليل الشعور بالتوتر وزيادة القدرة على التحمل وتحسين مستوى اندماجهم". وتستخدم أنواع أخرى من عصابات الرأس في السوق أيضاً أجهزة استشعار خاصة للتعرف على إشارات الدماغ والاستفادة من خوارزميات تعلم الآلة لتوفير رؤى ثاقبة حول مستويات اندماج المستخدمين والعاملين، كما يمكنها تتبع درجة تركيز الفرد ومعرفة ما إذا كان في كامل تركيزه أم أنه مشتت الذهن. يمكن أن يسهم هذا من الناحية النظرية في مساعدة الأفراد على أداء مهماتهم اليومية على الوجه الأكمل من خلال تحديد المهمات التي يجب معالجتها أولاً بناء على مستوى انتباههم، ولكن ثمة احتمالية كبيرة لإساءة استخدام هذه التقنية (للمزيد عن هذا الموضوع، انظر أدناه).

حيث تتيح هذه القدرة على مراقبة مستويات الانتباه (وربما التحكم فيها) إمكانيات جديدة تماماً يستطيع المدراء استغلالها كيفما شاءوا، فهي تُمكّن الشركات، على سبيل المثال، من الدخول إلى نقطة محددة في "لوحة المتابعة الخاصة بالموارد البشرية في واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر" يتم فيها عرض كافة بيانات أدمغة الموظفين بصورة آنية في الوقت الحقيقي. وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سنجد مشرفين يراقبون مستويات انتباه زملائهم؟ وهل سنقوم أيضاً بتحليل مستويات الانتباه والمقارنة فيما بينها في نهاية كل مراجعة أداء سنوية بفضل واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر؟ قد تكون المعلومات المستقاة من دماغك ذات أهمية لأصحاب العمل في شركتك، ما يسمح لهم بمراقبة مدى تركيزك ومن ثم توزيع أعباء العمل على الموظفين وفقاً لذلك. نعود ونكرر أن ثمة احتمالية كبيرة لإساءة استخدام هذه التقنية.

أتوقع أيضاً استفادة المزيد من الفعاليات المهنية من واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر في المستقبل القريب، فقد أثبتت الأبحاث في واقع الأمر أن البيانات المستقاة من الدماغ يمكن أن تساعد على توقع الأجنحة والأنشطة التي ستحظى باهتمام الزوار.

هل سنحتاج إلى واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر في المستقبل للمشاركة في الفعاليات التجارية؟

تحاول بعض الشركات حالياً التوصل إلى حلول تُمكّنها من تعديل نشاط الدماغ، إلى جانب تحليل إشارات الدماغ. ونجح باحثون في "جامعة كولومبيا" في التوصل إلى كيفية استخدام الارتجاع العصبي باستخدام "واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر القائمة على مخطط كهربية الدماغ" من أجل التأثير على مستوى اليقظة وتحسين أداء الأفراد في المهمات التي تتطلب المعرفة الإدراكية.

وعلى الرغم من هذه النتائج الواعدة، فإن بعض الخبراء، مثل ثيودور زانتو، مدير "برنامج علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو"، يقولون إن واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر القائمة على صور مخطط كهربية الدماغ يمكن أن تحدد مستويات انتباه المستخدم، إلا أنها لا تزال عاجزة عن تمييز الجوانب التي يركز عليها المستخدم في واقع الأمر، وهو ما أشار إليه في مقاله المنشور في يناير/كانون الثاني 2019 على منصة "ميديوم" (Medium)، حيث قال: "لم أر أي بيانات تشير إلى إمكانية تحديد ما إذا كان أحدهم ينتبه إلى المعلم أم إلى هاتفه أم أنه منتبه فقط لأفكاره الداخلية وأحلام اليقظة".

علاوة على ذلك، فقد توصلت من خلال عملي الخاص إلى أن واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر تتأثر أيضاً بالسمات الشخصية للمستخدم، مثل النوع والعمر ونمط الحياة. وأعكف أنا وفريقي في الواقع على محاولة تحديد كيفية تأثير نشاط الدماغ على أداء الرياضيين، حيث وبحسب بعض الأبحاث فإن "ديناميكيات الدماغ اللحظية تتأثر بالعوامل النفسية، كالانتباه وحمل الذاكرة والإرهاق والعمليات المعرفية المتنافسة بالإضافة إلى السمات الشخصية الأساسية للمستخدمين مثل نمط الحياة والنوع والعمر". ويعتقد الخبراء أن ما يقرب "من 15% إلى 30% من البشر غير قادرين بطبيعتهم على إنتاج إشارات دماغية قوية بما يكفي لتشغيل واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر". ويمكن أن يؤدي هذا الوضع بطبيعة الحال إلى نتائج خاطئة وبالتالي اتخاذ الشركات قرارات سيئة في النهاية. ومن هنا، يمكن القول إن الطريق لا يزال طويلاً أمام واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر، وهناك حاجة إلى الكثير من التحسينات.

استخدامات الدماغ الموصول بالكمبيوتر في العمل

هناك استخدام آخر لواجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر في العمل يرتبط بالطرق التي نتفاعل بها مع الآلات والأجهزة. وأتوقع أن "أخطر" الوظائف ستستدعي استخدام واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر في المستقبل. وقد استخدمت بعض شركات واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر، على سبيل المثال، "مخطط كهربية الدماغ" (EEG) بالفعل لتحليل إشارات القيادة تحت تأثير النعاس. وقد تطلب الشركات التي يعمل بها عمال يقومون بتشغيل آلات خطرة أن يخضع عمالها للمراقبة بالطرق نفسها. وأعتقد أنه سيتم إلزام الطيارين والجراحين في يوم من الأيام بارتداء واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر في أثناء العمل.

تعد فكرة تفاعل البشر مع الأجهزة أحد أعمدة واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر، حيث توفر هذه التقنية اتصالاً مباشراً بين الدماغ والأجهزة الخارجية، وقد نتمكن في السنوات القليلة المقبلة من التحكم في العروض التقديمية المصممة عبر برنامج "باوربوينت" أو ملفات "إكسل" باستخدام أدمغتنا فقط، إذ يمكن لبعض النماذج الأولية التجريبية ترجمة نشاط الدماغ إلى نصوص أو تعليمات لجهاز الكمبيوتر، وسنشهد من الناحية النظرية أشخاصاً يستخدمون واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر لكتابة مذكرات أو تقارير في العمل مع تطور التكنولوجيا.

يمكننا أيضاً تخيل بيئة عمل تتكيف تلقائياً مع مستوى شعورك بالتوتر أو أفكارك، حيث تستطيع واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر التعرف على الحالة العقلية للموظف وضبط الأجهزة المجاورة وفقاً لذلك (استخدام المنزل الذكي). ويمكن أن ترسل عصابة الرأس معلومات ملموسة (باستخدام البلوتوث) إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بك عند الإحساس بالإجهاد بحيث يبدأ تشغيل قائمة التشغيل "الهادئة"، أو تتحول قناة "سلاك" إلى وضع "عدم الإزعاج" بينما يمكن إلغاء موعدك التالي تلقائياً. بيد أن هذا السيناريو يثير عدداً من الأسئلة حول الحفاظ على الخصوصية، مثل: هل ستطمئن إلى فكرة أن الآخرين يمكنهم أن يعرفوا بدقة ما تشعر به عقلياً؟ ماذا لو تم استخدام هذه المعلومات ضدك؟ ماذا لو تم تعديل هذه البيانات بواسطة شخص آخر دون موافقتك؟

يعكف الباحثون أيضاً على تجربة استخدام "أفكار المرور" كبديل لكلمات المرور، وقد نسجل قريباً الدخول إلى أجهزتنا ومنصاتنا المختلفة باستخدام أفكارنا، وكما هو موضح في هذه المقالة المنشورة بمجلة "آي إي إي إي سبكتروم" (IEEE Spectrum)، فإننا "عندما نؤدي مهمات عقلية مثل تخيل شكل معين أو ترديد أغنية ما في رؤوسنا، فإن أدمغتنا تولد إشارات كهربائية عصبية مختلفة، بحيث إذا دندن مليار شخص الأغنية نفسها في عقولهم، فلن يتشابه نمطان من موجات الدماغ الناتجة عن هذه المهمة. ويقرأ مخطط كهربية الدماغ موجات الدماغ تلك باستخدام أقطاب كهربائية غير جراحية تسجل الإشارات. ويمكن استخدام أنماط فريدة مثل كلمات المرور أو تحديد الهوية بالاستعانة بالسمات البيولوجية".

ولك أن تتخيل أن هناك عدداً لا يحصى من الأسئلة والمخاوف الأخلاقية المحيطة باستخدام تقنية واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر في مكان العمل. وقد تواجه الشركات التي تفضل استخدام تقنية واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر ردود فعل سلبية من الموظفين، ناهيك عن الجمهور، فعندما يتعلق الأمر بجمع بيانات الدماغ، فثمة احتمالية مخيفة لإساءة الاستخدام: حتى إذا تم استخدامها بحسن نية، قد تخاطر الشركات بالإفراط في الاعتماد على استخدام بيانات الدماغ لتقييم الموظفين ومراقبتهم وتدريبهم، وهناك مخاطر مرتبطة بذلك.

هل تعتبر تقنية الدماغ الموصول بالكمبيوتر مثالية؟

يُشار في هذا السياق إلى أن واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر لا تُعد تقنية مثالية بسبب عدم تحديد نوعية الأخطاء أو الحوادث المؤسفة التي سنواجهها عند شروع الشركات والأفراد في استخدام هذه الأجهزة على أرض الواقع.

علاوة على ذلك، قد تتعرض واجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر للاختراق مثل أي تقنية أخرى، وذلك من خلال دخول المخترقين إلى عصابة الرأس الخاصة بواجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر وإنشاء بيانات مخطط كهربية الدماغ أو إرسالها بعد التلاعب بها، وقد يقدم المخترقون أيضاً على اعتراض كل البيانات المرسلة بواسطة واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر الخاصة بك وتغييرها، وقد يلجأ المخترقون إلى سرقة بيانات "أفكار المرور" الخاصة بالمستخدم والتفاعل مع أجهزته (الكمبيوتر المحمول والسيارة.... وغير ذلك).

وقد تؤثر هذه المخاطر بشكل مباشر على سلامتنا الجسدية. قد تتعرض أيضاً بيانات الدماغ للسرقة واستخدامها ضدك بغرض الابتزاز. وهكذا، فثمة احتمالية كبيرة لإساءة استخدام هذه التقنية على نحو ينذر بالخطر. وعندما تشرع الشركات في استخدام بيانات الدماغ وتحليلها، فكيف ستعطي الأولوية للخصوصية وأمن البيانات وتفي بأعلى معايير حماية بيانات الموظفين؟ ومن الذي يحق له امتلاك البيانات التي يتم جمعها في النهاية؟ وما الحقوق المكفولة للموظفين عندما تشرع شركاتهم في تنفيذ هذه التقنيات؟ غني عن القول، أن التكنولوجيا تستلزم الكثير من السياسات والقوانين التي يجب وضعها موضع التنفيذ.

ولكن التكنولوجيا تغزو السوق العامة ببطء شديد، إذ إن معظم معظم الشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا الكبيرة تعمل على إنشاء واجهات أكثر أماناً ودقة وأرخص تكلفة للتخاطب بين الدماغ والكمبيوتر، وأتوقع أن أرى قادة الشركات يعتمدون هذه التكنولوجيا ويحاولون الاستفادة من بيانات الدماغ لرفع مستوى الكفاءة في العمل وتعزيز الأمان، لذا، أنصح قادة الشركات بأن يشرعوا في وضع استراتيجية لواجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر (الدماغ الموصول بالكمبيوتر) في أقرب وقت ممكن من أجل معالجة المخاطر وجني الفوائد المحتملة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي