من الصعب على الكثير منا الشعور بالسيطرة على زمام الأمور مع استمرار الجائحة العالمية وطول مدتها. ومع ذلك، ينتاب العديد من قادة الشركات شعور هائل بالذنب حيال تأثير "كوفيد-19" على الموظفين والعملاء، نظراً إلى عمليات التسريح وحالات الإغلاق وتعطُّل الخدمات، وما إلى ذلك. يتفهم القادة أن الإجراءات المؤسسية يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في حياة الموظفين الشخصية، سواء كان الأمر يتعلق بفقدان التأمين الصحي لموظف مسرّح من العمل يعاني من مشكلات صحية أو بعدم القدرة على الوفاء بالاحتياجات الخاصة لأطفالهم أو بالخطورة المتزايدة لاضطرارهم إلى إخلاء منازلهم بسبب عدم القدرة على دفع فواتير الإقامة بها.
شعور القادة بالذنب إزاء قراراتهم والشعور بالذنب بشكل عام هو شعور من المزعج التعامل معه، ولكنه أيضاً علامة على أنك قائد يقظ الضمير. خلال عملي تشاورت مع مئات من القادة المسؤولين المتعاطفين والمهتمين والقادة عميقي التفكير، وتعلمت أنه يمكنك تحويل هذا الشعور بالذنب إلى محفز لمساعدتك على إعادة تقييم الطريقة التي تتعامل بها مع موظفيك وشركتك وتحسينها، وأن تكون قائداً عطوفاً ورحيماً في الظروف الصعبة. فيما يلي 6 طرق للقيام بذلك.
طرق تجعلك قائداً رحيماً وتخلصك من الشعور بالذنب
اتخذ إجراءات وقائية
يشعر العديد من القادة بالقلق حيال صحة موظفيهم، خاصة مع بدء الشركات عملية الانتقال إلى العمل من المكتب. أدركت إحدى عميلاتي أنها لن تسامح نفسها إذا أصيب أي من موظفيها بمرض "كوفيد-19"، أو الأسوأ من ذلك، أن يتوفى نتيجة انتقال المرض إليه من مكان العمل. ولذلك اتخذت إجراءات وقائية قوية: فقد درست المبادئ التوجيهية الطبية والحكومية المتاحة واعتمدت سياسات تشغيلية فاقت تلك المبادئ؛ وذلك بالحفاظ على مسافة أكثر من 1.8 متر بين الموظفين وإنشاء عدد من الحجيرات يعادل عدد الموظفين الذين كانوا يعملون معاً، ما يحد كلياً من التعرض للعدوى. وعندما سُمح بفتح بعض مكاتب شركتها، تم استقبال المتطوعين فقط، وكان إجراء الفحوص الطبية والتباعد وارتداء الكمامة من الأمور الإلزامية. وقد غيّر عملاء آخرون تواريخ عودتهم إلى العمل لتصبح في عام 2021 كوسيلة لتقليل خطر إصابتهم بالفيروس من العمل أو خلال السفر، ولمساعدة الموظفين على التخطيط مسبقاً لاحتياجات عائلاتهم.
لا تنفصل عن فريقك
القادة الذين يشاركون فريقهم الآلام على نحو فعال غالباً ما يكونون أكثر ثقة عند اتخاذ القرارات الصعبة، خاصة عندما يبذلون جهداً لمواجهة موظفيهم بشكل مباشر. عانت شركات عدة من خسائر مالية خلال هذه الفترة، وما زالت مجبرة على تنفيذ عمليات تسريح مؤقت وتقليل ساعات العمل وخفض الأجور. لذلك عندما يفوض القادة مسؤولية نقل الأخبار السيئة للعاملين أو الأشخاص غير المسؤولين عن القرار، فإن ذلك يبدو مثبطاً للمعنويات ويدل على قلة الاحترام ويفتقر إلى التعاطف. في مؤسسة أحد العملاء، أوضح الرئيس التنفيذي من خلال مؤتمر عبر الفيديو على مستوى الشركة لماذا كان إجراء عمليات التسريح المؤقت وخفض الأجور هو الحل الأفضل، ثم أجاب عن أسئلة الموظفين. ونتيجة لذلك، كان الموظفون إيجابيين بشكل ملحوظ وبدا أن معنوياتهم تتحسن بالفعل.
صحح الأخطاء بشكل علني قدر الإمكان
عندما تتخذ قراراً أو إجراءً عن طريق الخطأ وقد أثّر سلباً على الآخرين، اتخذ إجراءات تصحيحية حالما تعرف أو حينما تستطيع أن تفعل ذلك. قد يشعر القادة بالذنب إذا اتضح أن معلوماتهم السابقة غير صحيحة أو مضللة، حتى إذا كان ذلك هو أفضل ما أمكنهم فعله في ذاك الوقت. ولكن يمكنهم إصلاح بعض من هذا الضرر بالاعتراف بخطئهم ثم الإبلاغ بالتطورات الجديدة بشكل متكرر وبانتظام. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك هو تحوُّل الدكتور أنتوني فاوتشي إلى التوصية بأن يرتدي الأميركيون أقنعة الوجه للمساعدة في منع انتقال "كوفيد-19" على الرغم من أنه لم يكن ينصح بذلك في وقت سابق.
أخبرني أحد عملائي أن قائدة كبيرة في شركته تحدثت بشكل غير رسمي (لكن علناً) حول حاجة الموظفين إلى العودة للمكتب بمجرد إعادة فتح الدولة الأنشطة الاقتصادية، قبل أن تكون هناك أي خطط ملموسة لمنع انتقال فيروس كورونا. وعلى الفور انهالت على المدراء أسئلة الموظفين القلقين. وعندما أدركت القائدة مستوى الاضطراب الذي سببته تعليقاتها، أصدرت بياناً رسمياً على مستوى الشركة لطمأنة الجميع أن احتياجاتهم ستُلبى وأنه لن تكون هناك أي تعليمات عامة بالعودة للعمل حتى يتمكنوا من فعل ذلك بأمان، واعتذرت عن تسببها في إثارة قلق غير ضروري خاصة في هذا الوقت العصيب.
قدِّم دعماً إضافياً للموظفين الذين يحتاجون إليه
القادة الذين يعرفون أن أعضاء فريقهم يعانون قد يشعرون بالذنب إذا رأوا أنهم يزيدون أعباء فريقهم، خاصة عندما تضطر الشركات إلى خفض الرواتب أو إجراء عمليات تسريح للموظفين. ولكن هناك أساليب أخرى لتقديم أشكال أخرى من الدعم لأعضاء الفريق. ويمكن أن يشمل ذلك السماح للموظفين المسرّحين بالاستمرار في الحصول على المزايا والخدمات، بما في ذلك مساعدتهم على إيجاد وظائف جديدة.
ويمكن أيضاً النظر في إمكانية زيادة الدعم الهيكلي، كتطبيق نظام العمل وفق ساعات مرنة وتغيير مواعيد الاجتماعات وتعديل المواعيد النهائية، أو زيادة عدد لقاءات المراجعة الرسمية مع كل موظف. حتى الموظفين الذين لا يزالون ضمن فريق العمل بعد إجراء عمليات التسريح ربما أنهم يعانون أيضاً، فهناك ضغوط ناشئة عن تربية الأطفال في سن المدرسة أو رعاية أفراد الأسرة ضعيفي المناعة أو مواجهة عدم المساواة المتواصلة في نسبة تمثيل المرأة في الهياكل التنظيمية للشركات والمؤسسات ومواجهة التمييز العنصري والعنف. وأيضاً قد يواجه بعض الموظفين مشكلات في الصحة النفسية، بينما سيشعر آخرون أنهم مضطربون ومشتتون.
كوّن أحد عملائي فريقاً للاستجابة السريعة للموارد البشرية يعمل بفاعلية على التعرف على شواغل ومخاوف كل موظف، وهذا لم يساعد على طمأنة الموظفين فحسب، ولكنه أتاح للفريق أيضاً تقديم معلومات مهمة لمن يقومون بمهمات قيادية حول ما يمكن توقعه وكيف ومتى ينبغي إجراء تعديلات. وطلب مني عميل آخر أن أعقد ورشات عمل عبر الفيديو لتعريف الموظفين بأساليب تساعدهم على الحد من التوتر وإدارة الوقت والمشاريع وتحسين التعاون بين أعضاء الفريق بما في ذلك فهم متى وكيف يمكنهم طلب المساعدة.
أظهِر السلوكيات المناسبة لكي تكون قدوة لفريقك
يشعر العديد من القادة المتعاطفين بالذنب حيال إفراط أعضاء فريقهم في العمل وإصابتهم بالإنهاك الشديد، خاصة في ضوء التوقعات بتحقيق أقصى مستويات الإنتاجية وعدم وجود حدود فاصلة بين الأنشطة المتعلقة بالعمل وغير المتعلقة به، وهي مشكلة يواجهها الكثير من المهنيين وأصحاب المهارات المعرفية. وبدلاً من الاكتفاء بالقلق حيال ضغوط الموظفين واحتمالية إصابتهم بالإنهاك الشديد، يمكن للقادة مساعدتهم في التوقف عن الإفراط في العمل، حيث يمكنهم توضيح كيفية الحفاظ على الحدود من خلال عدم إرسال رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الأخرى أو الرد عليها خارج ساعات العمل. ويمكنهم أيضاً مناقشة الكيفية التي يوازنون بها بين التزاماتهم الشخصية والتزامات العمل. وفي اللقاءات غير الرسمية والساعات السعيدة عبر برنامج "زووم"، يمكن للقادة مشاركة معلومات حول خططهم للعطلة وتشجيع أعضاء الفريق على وضع خططهم ومشاركتها. ويمكن للقادة أيضاً التحدث عن تحدياتهم وشُكر الموظفين الذين يشاركون نصائحهم ومواردهم لمساعدة الموظفين الآخرين على إدارة أعباء العمل وإعداد جداول زمنية.
ركز على الإعراب عن التقدير والامتنان
بالنسبة إلى القادة الذين تستفيد شركاتهم من الجائحة، أو الذين في وضع يتيح لهم الاستثمار في جهود التنمية التي سيكون لها مردود هائل بعد الجائحة، فإن رضاهم عن النجاحات التي يحققها فريقهم قد يتأثر سلباً بإدراكهم أن العديد من الشركات الأخرى تعاني. فقد يشعرون بالذنب لأنهم في حال جيد بينما يعاني الآخرون بشكل كبير. يمكن أن تكون ممارسة الامتنان مفيدة في الشعور "بالقدرة على تقبُّل الواقع" وتعزيز القدرة على تقدير الأشياء الجيدة. ويكون لها فائدة أكبر إذا استخدم القادة شعورهم بالذنب بوصفه مصدر إلهام لمساعدة الآخرين داخل وخارج مؤسساتهم.
من المفهوم أن القادة يعانون من الشعور بالذنب لأنهم يرون أن الزعزعة والمعاناة التي تسببها أزمة "كوفيد-19" لموظفيهم وزملائهم تكون أحياناً ناتجة عن أفعالهم على وجه التحديد. ولكن إذا نظروا إلى شعورهم بالذنب على أنه فرصة لاتخاذ أفضل القرارات الممكنة بطريقة مدروسة وصارمة، والتواصل بوضوح، والتصرف بتعاطف والحرص على موظفيهم وأنفسهم، سيتمكنون من المساعدة في توجيه فِرقهم ومؤسساتهم نحو مستقبل أفضل.