كيف تجري حواراً شائكاً مع شخص من ثقافة مختلفة؟

4 دقائق
إجراء حوارات شائكة مع أشخاص من ثقافات مختلفة

لا يستمتع معظمنا بإجراء النقاشات الشائكة، لكنها عندما تكون مع شخص ينتمي إلى ثقافتنا نفسها، فإننا نستطيع عادة الاعتماد على بعض الافتراضات الأساسية المشتركة حول مسار التفاعل بيننا. إلا أننا عندما نخوض حواراً شائكاً مع شخص من ثقافة مختلفة، فإن الأمر يزداد صعوبة بمقدار الضعف. لا نكون مضطرين إلى خوض موضوع قد يكون شائكاً فحسب، بل نضطر لفعل ذلك بينما نناور بسلاسة لتجنب العديد من الفخاخ الثقافية.

سيكون من المفيد من أجل التعامل مع هذه المشكلة أن نفهم فخاخ التواصل الأربعة الأكثر شيوعاً والخطر الذي يمثله كل منها.

علاقات العمل مقابل العلاقات الشخصية

في بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية، ينظر الناس إلى المناقشات باعتبارها فرصة لتبادل المعلومات، حيث يتوقع المشاركان في المناقشة أن يدخل كل منهما في صلب الموضوع بسرعة، حتى لو جرت بينهما دردشة خفيفة ومقتضبة في البداية. فإذا تعمق أحدهما في الحديث عن متانة العلاقات الشخصية بدلاً من الدخول في صلب الموضوع، فسيشعر الطرف الآخر بالحيرة حيال الهدف من المناقشة - وبالضيق كذلك من إهدار وقته.

ولكن في دول أخرى مثل المكسيك، تعتبر المناقشات فرصة لتعزيز العلاقات قبل أي شيء. في هذه الحالة يتوقع المشاركان في الحوار أن يركز معظم التفاعل على هدف شخصي يرمي إلى ترسيخ المودة وتعزيز مشاعر الترابط والالتزام المتبادل. فإذا دخل أحد الطرفين في صلب الموضوع بسرعة، فسيشعر الطرف الآخر بالحيرة حيال سبب تلقيه هذه المعاملة الجافة. وحسب سياق الموقف، فإنه قد يشعر بالإهانة أو يتخذ موقفاً دفاعياً أو يفسر التعامل الجاف باعتباره إشارة على انتهاء العلاقة.

اقرأ أيضاً: كيف تحول الحوار مع الآخرين إلى حوار مثمر؟

يكمن الخطر هنا في أن الشخص القادم من دولة يسودها التواصل العملي قد يركز بشدة على المشكلة محل النقاش لدرجة أن الطرف الآخر القادم من بلد يسوده التواصل القائم على العلاقات الشخصية قد يشعر بالمهانة. من ناحية أخرى، فإن الطرف القادم من بلد يسوده التواصل القائم على العلاقات الشخصية قد يبذل قصارى جهده لتجنب إثارة المشاكل لدرجة أن نظيره القادم من بلد يسوده التواصل العملي يفترض عدم وجود أي مشكلة.

التواصل المباشر مقابل التواصل غير المباشر

في دول مثل ألمانيا، يُعد التحدث بوضوح دون ترك مجال للتأويلات وسوء الفهم علامة على الاحترام والاحترافية، وبخاصة في خضم حوار شائك. فالأشخاص الذين يتحدثون بشكل مراوغ يُنظر إليهم باعتبارهم غير واضحين أو مشوشين ذهنياً أو يفتقرون إلى الثقة بالنفس أو يخفون أمراً ما. فإذا خاض أحد الطرفين نقاشاً شائكاً بالمراوغة في الحديث، فعلى الأرجح سيشعر الطرف الآخر بالحيرة ونفاد الصبر.

وعلى النقيض من ذلك، في دول مثل اليابان، يفضل الناس التواصل غير المباشر، وبخاصة حين يكون الموضوع حساساً. ولتجنب إفساد العلاقات أو إهانة أحد دون قصد، يستعرض الناس المشاكل من خلال التلميحات الضمنية أو الإشارات المبهمة أو التصريحات العامة. وإذا أراد أحد أن يطرح مشكلة ما بشكل مباشر، ففي أفضل الأحوال سيبدو عديم اللباقة وفجاً وغير جدير بالثقة، وفي أسوأ الأحوال قد يجرح الطرف الآخر أو حتى يتسبب في انتهاء العلاقة بينهما.

يكمن الخطر هنا في أن الشخص القادم من ثقافة مباشرة قد يبدو غير مراع لمشاعر الآخرين وعديم التهذيب، بينما قد يبدو الشخص القادم من ثقافة غير مباشرة مشتتاً ومراوغاً.

التواصل الصريح مقابل التواصل الضمني

في دول مثل كندا، تكون رسالة أي حوار واضحة بشكل أساسي في الكلمات المنطوقة. قد يلاحظ المشاركون في الحوار أيضاً وضعية الجسم وتعبيرات الوجه والتلميحات التي لا تُنطق من باب اللباقة، لكنهم لا يقيمون لها وزناً بقدر ما يقوله كل طرف فعلياً.

في دول أخرى مثل كوريا الجنوبية، يبحث المشاركون في الحوار عن المعنى الضمني عبر مستويات عديدة ومختلفة. فهم لا يكتفون بقراءة ما بين السطور في الكلمات المنطوقة والانتباه إلى الجانب العاطفي للرسالة فحسب، ولكنهم أيضاً يقيمون وزناً لسياق الحوار ودرجة العلاقة بين الطرفين والسياق المؤسسي والاجتماعي الأعم الذي يدور خلف الكواليس.

يكمن الخطر هنا في أن الشخص القادم من ثقافة صريحة قد يعتقد أنه يعبر عن رسالة شديدة الوضوح والتحديد، بيد أن المستمع قد يستنتج شتى أنواع الرسائل غير المقصودة. من ناحية أخرى، قد يظن الشخص القادم من ثقافة ضمنية أنه يقدم معنى شديد الثراء والتنوع، في حين أن الشخص الذي ينصت إليه ربما لا يسمع سوى الكلمات التي يتفوه بها.

التواصل غير الرسمي مقابل التواصل الرسمي

في بعض الدول مثل أستراليا، حيث يتسم السكان بالعفوية والبساطة بصفة عامة، قد يحاولون نزع فتيل أي توتر عن طريق خوض الحوار دون كثير من التكلّف. حتى أنهم في الواقع قد ينظرون إلى السياق الذي يتسم بالرسمية الواضحة باعتباره علامة على أن الموقف أسوأ مما كانوا يعتقدون، وهو ما يثير توترهم.

ولكن في دول أخرى مثل بولندا، يتوقع الناس درجة من الشكليات الرسمية التي تتوافق مع جدية الموضوع الخاضع للمناقشة. فالاجتماع في مكتب رسمي مع مراعاة البروتوكول الرسمي أمر متوقع، لأنه يعكس الاحترام ويدل على جدية الهدف. في هذه الحالة، قد يُنظر إلى السلوك العفوي على أنه وقاحة أو استهتار، أو قد يعطي انطباعاً بعدم التفكير ملياً في العواقب.

يكمن الخطر هنا في أن الشخص القادم من ثقافة غير رسمية يبدو دون قصد وكأنه لم يعبأ بما يكفي ببذل أي مجهود، أو قد يستخف دون عمد بالموضوع الذي يحتاج إلى مناقشته. وفي الوقت نفسه، فإن الشخص القادم من ثقافة رسمية قد يبالغ دون قصد ويجعل الطرف الآخر يظن أن الموقف أكثر خطورة مما كان يعتقد.

حين تفكر في الأمر بهذه الطريقة، فإن خوض نقاش شائك مع شخص من ثقافة أخرى قد يبدو محفوفاً بالمخاطر، وربما يكون كذلك بالفعل. إذاً، ما الذي بوسعك فعله حيال هذا الأمر؟

حلل سياق الحوار الذي تريد خوضه، وحدد الجوانب المحتملة التي قد توقعك في براثن هذه الفخاخ.

راجع ما تعرفه عن الطرف الآخر والثقافة التي ينحدر منها. إذا لم تكن تعرف عنه أي شيء على الإطلاق، فقد حان الوقت لجمع بعض المعلومات، لأن النقاش الذي تريد خوضه إذا كان شائكاً، فمن المحتمل أيضاً أنه مهم.

ابحث عن سبل للتوافق مع أسلوب الطرف الآخر. بالنسبة إلى معظم الناس، يمكن اللجوء إلى الحلول الوسط. فالشخص القادم من ثقافة تعتمد على التواصل العملي يمكن أن يخصص مثلاً خمس أو عشر دقائق في بداية حديثه لاحتساء الشاي والتحدث عن العلاقة، والشخص القادم من ثقافة رسمية يمكن أن يتعمد تقليل جديته في بعض المناقشات.

ركز على أكثر الفخاخ أهمية بالنسبة إليك. إذا كان من الصعب للغاية تجاوز جميع هذه الفخاخ الأربعة معاً، فضع في الأولوية الفخ الذي تعتقد أنه قد يكون أكثر أهمية في هذا السياق تحديداً.

إن إجراء نقاش شائك ليس أمراً سهلاً أبداً بطبيعة الحال. ولكن عندما نخوض تلك النقاشات مع أشخاص ينحدرون من ثقافات مختلفة، قد يزداد الأمر إرباكاً. عن طريق الانتباه إلى هذه الفخاخ التي استعرضناها، وتفاديها بكل حذر، يمكنك الحيلولة دون أن يقف أسلوب الحوار في طريق إيصال المعنى المطلوب.

اقرأ أيضاً: كيف نحول أي نزاع إلى حوار سلمي؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي