القيادة عبر الثقافات المختلفة تتطلب المرونة والفضول

4 دقائق
متطلبات القيادة عبر الثقافات المختلفة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كم ليلة قضيتَها في أحد الفنادق في مدينة تبعد بضعة أميال عن موطنك؟ وبينما تشعر بالتوتر حيال الاجتماع الذي ستجريه صباحاً، ربما تستلقي على السرير تقلب بين قنوات التلفاز بحثاً عن شيء تشاهده ليبقيك مستيقظاً حتى تستطيع أن تعوض الفرق في التوقيت. وتلقائياً، تجد نفسك تبحث عن قنوات وأفلام ناطقة بلغتك.

يعتبر ذلك فرصة ضائعة. فالقيادة عبر الثقافات المختلفة تتطلب المرونة والفضول حتى إذا كنت لا تتحدث اللغة المحلية، بإمكانك أن تتعلم الكثير حول ثقافة البلد عبر مشاهدة برامج تلفزيونية محلية، وعلى الأخص الكوميدية منها. عندما كنت أترأس قسم التطوير التنظيمي والإداري في شركة “بيبسي”، كنت أشجع المسؤولين التنفيذيين الدوليين على مطالعة البرامج الكوميدية المحلية. ربما يكون من الصعب إدراك ما يُعرض في الكوميديا على وجه التحديد، إذا لم تكن قد نشأت في تلك الثقافة، لكن هذا تماماً ما يجعلها تسلط الضوء على كيفية تحديد الثقافات المختلفة (يعتبر مسلسل المكتب The Office، الذي عُرض في حوالي 80 دولة، وكانت هناك نسخ محلية منه في ثماني دول، مثالاً كلاسيكياً على ذلك). فالكوميديا تساعدك في رؤية العالم كما يراه الآخرون.

الإدارة عبر ثقافات متعددة

القدرة على التناغم مع ثقافة ما دون وجود تحيز أو أحكام مسبقة هي إحدى المهارات التي يحتاج أن يتمتع بها جميع القادة في المؤسسات المعقدة العالمية. وقد ثبتت صحة هذا في بحثي حول اليقظة الذهنية والقيادة، حيث احتلت تلك المهارة المرتبة الأولى. تضمن البحث إجراء 88 مقابلة سلوكية متعمقة حول قيادة التغيير وترميزها، حيث أجريت المقابلات مع 65 قائداً موزعين عبر قطاعات صناعية مختلفة ومنتشرين في خمس قارات. كنت آمل أنا وفريق البحث الخاص بي أن نسلط الضوء على المهارات التي أحدثت الفرق الأكبر في القيادة ضمن المؤسسات المعقدة العالمية. وهنا برزت سمة القدرة على التناغم مع ثقافة أخرى والعمل مع وجهات نظر عالم مختلف.

تعزيز التفاهم بين الثقافات يتطلب جهداً متفانياً. وتعتبر مشاهدة التلفاز المحلي مجرد طريقة (ممتعة) للبدء بذلك. وقد مضت إحدى الرئيسات التنفيذيات التي قابلتها، وهي قائدة لمؤسسة خيرية دولية، أبعد من ذلك بكثير. فقد أخبرتني كيف عملت مع زملائها الذين ينحدرون من 50 ثقافة مختلفة ليتمكنوا من رؤية العالم، كل من منظور الآخر. وأوضحت قائلة: “لقد انخرطنا حقاً مع رؤساء تنفيذيين محليين من حول العالم، من أجل بناء ثقة وفهم متبادلين”. “فبدأنا بالالتقاء في أوطان بعضنا كل عدة أشهر. سافرنا سوياً. ذهبنا جميعاً إلى أوغندا (إحدى المقرات الرئيسة لعمليات المؤسسة). وبادلت عملي مع نظيري في الولايات المتحدة، وكان هناك وقت طويل من تبادل الأدوار”.

وعلى الرغم من أن الاستعداد لتجربة ثقافات أخرى يعتبر أمراً جوهرياً، فلا يمكنك في الوقت نفسه أن تذوب كلياً في تلك الثقافات، بالأحرى لا ينبغي لك ذلك. لقد وجدت أن القادة العالميين الناجحين يحتفظون أيضاً بمستوى جيد من الانفصال عن الثقافة المحلية حتى يتمكنوا من رؤية أنماطها بوضوح. إن احتضان ثقافة أخرى وفهمها لا يعني بأي شكل تجاهل عاداتها المتأصلة. (بالمناسبة، هذا صحيح فيما يتعلق بثقافات الشركة، ولا يقتصر على الثقافات القومية أو الإقليمية فقط).

وهذا ما أوضحه رئيس تنفيذي آخر قابلته. لقد استثمر متعمداً حالة الاختلاف الثقافي كي يتحدى الافتراضات القائمة ويعمل على تغييرها من خلال الاستفادة من شعور الفخر الوطني، في حين يبقى محايداً دون إطلاق أي أحكام. وبهذا، في الوقت الذي يتفهم فيه ثقافة الآخر، لا يتبع إملاءاتها مغمض العينين. لقد أدت منهجيته إلى تحول ناجح للغاية في إدارة العمليات في هذه البلد، وحصل كل شيء دون أن يشعر القادة المحليون بأنهم قد أجبروا على أي وضع على الصعيد الثقافي.

وأوضح: “أعتقد أن الأمر الذي ما كان لينجح هو أن يسود النهج المحلي المتمثل في الشعور بالتشاؤم ولوم الآخرين، إذ كان سيعزز ذلك من الميل الغريزي الموجود أصلاً. لذلك، فعلت العكس”. “وقلت حسناً، هذا أمر بإمكاننا إصلاحه على نحو فائق. أنا متأكد أن هنالك الكثير من الأشخاص في هذه المؤسسة يستطيعون مساعدتنا في فعل ذلك. وما نحتاج أن نتفق عليه أولاً هو أن مستقبلاً طيباً بانتظارنا. وأنا على يقين أننا سنبلغ وجهتنا إلى هناك”.

“تسبب هذا في الكثير من الدهشة، وفي البداية أدى كذلك إلى ظهور رد الفعل المتمثل بقولهم ‘ها هو نموذج لشخص غربي آخر وساذج تماماً‘. ولكن إذا تابعت سيرك في تلك القصة، فإن الناس سيبدؤون بتصديقك فعلاً. ومن هنا بدأ التغيير سريعاً”.

والطريقة التي تجعلك تترك مسافة فاصلة بينك وبين هذه المفاهيم المختلفة، والمتكاملة في الوقت نفسه، تكون من خلال التعاطف مع الثقافة المحلية دون إطلاق أحكام عليها، في الوقت الذي تبقى منفصلاً قليلاً عنها، هي ما أصفه بأنه الحرية ضمن إطار العمل. ستمكنك هذه الحرية بشكل أساسي من الخروج بتشبيه مجازي لإطار عالمي موحد وتسمح في الوقت ذاته بالتكيف مع الأوضاع المحلية. دعني أقدم لك مثالاً عن ذلك.

الحرية ضمن إطار العمل

عملت مرة مع قائدة عالمية في شركة “شل” (Shell) للنفط، وهي شركة لها فروع في حوالي مائة دولة، حيث وحّدت هذه القائدة مؤسسة الوقود التجارية هذه ذات الفروع المتعددة فيما أطلقت عليه صفة “أسطول حربي واحد”. أطلقت تعبيراً موحّداً يجمع المؤسسة العالمية الجديدة، حيث استخدمت استعارة شبهت فيها الفروع بأسطول السفن المقاتلة التي تتوحد في مسعاها المشترك، لكن يبقى على كل منها خوض معاركها المحلية الخاصة. استخدمت لهذا الغرض خرائط مصورة تعليمية لإيصال هذه الرؤية إلى كل الفريق (الصورة ليست أبلغ من ألف كلمة فحسب، لكنها أيضاً تعمل بشكل أفضل من الكلمات عندما تتواصل مع آخرين في وجود حواجز لغوية). علاوة على ذلك، دعت كل ثقافة محلية إلى العمل وفق مجاز الأسطول هذا، والتنقل في البحار المتقلبة ومحاربة المنافسين القريبين، وترجمة كل ذلك إلى قصة مقنعة ضمن السياق المحلي الخاص بكل ثقافة. وبالفعل، عملوا بمقتضى هذه الفكرة، فقامت المنطقة الآسيوية مثلاً بترميز نفسها على الخريطة الإقليمية بأسطول قوي من قوارب التنين.

وبالنسبة للقائدة، خلقت هذه الاستعارة لغة مشتركة، لكن بترجمات محلية مختلفة. وقالت لي عندما التقينا: “كنت في سلطنة عمان الأسبوع الماضي، وقرنت {رسالتي} لهم بقصة السفن مجدداً، معززة بذلك رسائل بسيطة حول ما نحتاج إلى تحقيقه… عندما تذهب لزيارة أشخاص من ثقافات مختلفة، وتسمعهم يتحدثون حول الأجندة المشتركة ذاتها، فإذا تجاوزنا أمر التحدث باللغة نفسها، سينتابك إحساس حقيقي بأن الأمور كانت تحدث بعفوية وتلقائية”.

إذاً، لتكون قائداً بإمكانه القيادة عبر الثقافات المختلفة احرص على رؤية العالم بعيون الآخرين، دون أن تذوب كلياً فيها، وضع إطاراً ثابتاً يمكن للثقافات المحلية أن تتكيف ضمنه مع القصة. ومرة أخرى أدعوك لمشاهدة بعض برامج التلفاز المحلي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .