لطالما لعبت بعض الشركات الكبرى التي تتمتع بالوعي الاجتماعي دوراً في معالجة قضايا الظلم العنصري من خلال خطة تنوع في سلاسل التوريد (برنامج تنوع الموردين) التي تشجع على اتباع نهج شامل للتوريد. وفي ظل ما يسببه تسليط الضوء على العنصرية المنهجية من تعكير لصفو الولايات المتحدة الأميركية، تكتسب هذه البرامج أهمية أكبر من أي وقت مضى، إلا أنها مع ذلك لا تطبق إلا في عدد قليل جداً من الشركات، حيث تعتبر غالباً مجرد مبادرات رمزية.
في بحثنا، أجرينا مقابلات مع شركات ومؤسسات تتسم بالتنوع، وحلّلنا التغطية الإعلامية وتقارير الشركات، وتمكنا من رسم خريطة تاريخ برامج التنوع وآثارها الاجتماعية والتجارية. ويؤكد بحثنا الفوائد التجارية والاجتماعية لهذه البرامج ويدعو الشركات إلى إعادة النظر في جهودها، وقد يدعوها إلى الالتزام بأخذ هذه البرامج على محمل الجد إذا دعت الحاجة.
ما هي خطة تنوع سلاسل التوريد (برامج تنوع الموردين)؟
المورد المتنوع هو شركة تعود ملكيتها وإدارتها بنسبة لا تقل عن 51% إلى شخص أو مجموعة أشخاص ينتمون إلى الفئات التي لا تتمتع بالتمثيل الكافي أو لا تحصل على الخدمة الكافية عادة في المجتمع. تشمل التصنيفات الشائعة للموردين المتنوعين الشركات التجارية الصغيرة والشركات التي تملكها الأقليات والشركات التي تملكها النساء. ومع مرور الوقت، توسع تعريف التنوع ليشمل الشركات المملوكة لفئات الأقليات الأخرى، مثل المحاربين القدامى وأصحاب الهمم أو "ذوي الاحتياجات الخاصة".
تتعمق الجذور التاريخية لتنوع الموردين في الولايات المتحدة لتصل إلى حركة الحقوق المدنية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. عقب الاضطرابات العنصرية في ديترويت عام 1968، أعدت شركة "جنرال موتورز" ما يعتبر من أوائل برامج تنوع الموردين، وحذت حذوها معظم شركات السيارات الأميركية. وأسست شركات الصناعات الإلكترونية التي كانت من أوائل الشركات التي سارت في هذا الاتجاه، مثل شركة "آي بي إم" (IBM)، برامج لتنوع الموردين في الفترة نفسها تقريباً. ولاحقاً، أسس القانون العام رقم 95-507 برنامجاً لتشجيع المتعاقدين الحكوميين على ضم الشركات التي تملكها الأقليات إلى سلاسل توريدهم.
الأمر الصحيح الذي يجب فعله
يمكن أن تشكل برامج تنوع الموردين جزءاً من جهود الشركة للحفاظ على المعنويات المرتفعة والمعايير الأخلاقية. أخبرتنا كريس أوزولد، نائبة رئيس برنامج عالمي لتنوع الموردين في شركة "يو بي إس" (UPS)، أن برنامج تنوع الموردين في شركتها، الذي بدأ عام 1992، أنشئ نتيجة للرغبة العميقة للشركة بأن تكون أكثر شمولاً وأن تفعل الأمر الصائب. تنفق الشركة الآن 2.6 مليار دولار كل عام على عمليات تجارية مع نحو 6,000 مورد صغير ومتنوع وتهدف إلى زيادة مبلغ الإنفاق عاماً بعد عام.
وتطور برنامج شركة "يو بي إس" حتى أصبح قادراً على تحديد الموردين المتنوعين الناشئين ومساعدتهم. على سبيل المثال، تتشارك شركة "يو بي إس" مع عدة مجالس وأطراف أخرى وتدعمها، مثل "المجلس الوطني للمؤسسات التجارية النسائية" (Women’s Business Enterprise National Council) و"المجلس الوطني لتطوير الموردين من الأقليات" (National Minority Supplier Development Council) وغرفة التجارة اللاتينية في الولايات المتحدة، من أجل تنفيذ برامج توجيه وتدريب تدعم نمو الموردين المتنوعين ونجاحهم. يشمل هذا العمل إقامة الورش، والمواءمة المهنية في مؤتمرات تنوع الموردين، وتعزيز فرص استثمار رؤوس الأموال، والتعليم الإداري.
ويحقق التوريد الشامل فوائد اجتماعية أوسع من خلال توليد فرص اقتصادية للمجتمعات المحرومة. تقدّر إدارة الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة أن هناك 8 ملايين شركة مملوكة لفئات الأقليات في الولايات المتحدة منذ عام 2018. ويقول "المجلس الوطني لتنوع الموردين من الأقليات": "إن الشركات المرخصة التي تعود ملكيتها إلى الأقليات تولّد 400 مليار دولار من الناتج الاقتصادي الذي يؤدي إلى خلق 2.2 مليون وظيفة أو الاحتفاظ بها، و49 مليار دولار من العائدات السنوية للسلطات الضريبية المحلية والحكومية والفيدرالية". وهذه الأرقام تنمو على نحو ثابت.
ولتشجيع هذا النمو، تنفق شركة "كوكاكولا" أكثر من 800 مليون دولار سنوياً على الموردين المتنوعين وتهدف إلى رفع هذا المبلغ إلى أكثر من مليار دولار بحلول نهاية عام 2020. أجرينا مقابلة مع تيريز طمسون، نائبة رئيس البرنامج العالمي للشمول والتنوع في التوريدات في شركة "كوكاكولا"، أكدت فيها دور برامج التنوع في احتضان ريادة الأعمال في مجموعات الأقليات الأكثر تأثراً. ومنذ أربعة أعوام، أنشأت شركة "كوكاكولا" بالتعاون مع "جامعة ولاية جورجيا" (Georgia State University)، معهداً لتطوير الموردين يقدم برامج تعليم حول كيفية إنشاء المجموعات الصغيرة والمحرومة للشركات. كما تنفذ الشركة مبادرة "ستيب" (STEP)،لدعم رائدات الأعمال من خلال التدريب والتعليم والتوجيه والإرشاد.
وتشجع بعض الشركات الكبيرة مورديها على إنشاء مبادرات التنوع الخاصة بهم، وتلزمهم بها في بعض الأحيان، من أجل توسيع نطاق أثر هذه المبادرات. خذ مثلاً شركة تجارة التجزئة "تارغت" (Target)، التي تنفق منذ عام 2019 مبلغ 1.4 مليار دولار على سلع وخدمات يقدمها موردون متنوعون من الشريحة الأولى، وأثرت على مورديها من الشريحة الأولى ليشتروا عروضاً بقيمة تتجاوز 800 ألف دولار من الموردين المتنوعين من الشريحة الثانية.
تعتبر برامج تنوع الموردين نقطة لصالح الشركة وتزيد من رغبة الموظفين في العمل لديها. وفقاً لأوزولد، أجرت شركة البحث في التسويق ومعلومات المستهلكين، "هوتولوجي" (Hootology)، استقصاءً قال 52% من المشاركين فيه إنهم يرغبون في العمل لدى شركة تنفذ برنامج تنوع وشمول للموردين. ساعد هذا البحث في تشكيل نهج الشركة المتبع في التوظيف، والسبب في ذلك حسب قول أوزولد: "لم نفكر بإعلام المرشحين عن جهودنا فيما يتعلق بتنوع الموردين قبل إجراء هذا البحث".
المزايا التجارية لبرامج تنوع الموردين
إلى جانب هذه الحجج الأخلاقية والمعنوية، ثمة أسباب تجارية تستدعي إنشاء برامج تنوع الموردين.
تساعد استراتيجية التوريد الشاملة في توسيع مجموعة الموردين المحتملين وتعزيز التنافس في قاعدة التوريد، ما يؤدي إلى تحسين جودة المنتج وتخفيض التكاليف. وعندما يوفر الشمول مزيداً من خيارات التوريد، ستصبح سلاسل التوريد أكثر مرونة وقدرة على الصمود، وهي ميزة تزداد أهمية في هذه الفترة التي يكتنفها الغموض. قالت طمسون من شركة "كوكاكولا": "الموردون المتنوعون قادرون على التكيف، وهم الآن يعتبرون متعاقدين على خلاف المعتاد نظراً للحاجة الملحة إلى المرونة، إذ أثبتوا مرونتهم في استجابتهم".
ثمة مثال عن فائدة المرونة في الجائحة، قدمته لنا ستيسي كي، رئيسة مجلس "تطوير الموردين من الأقليات في جورجيا ورئيسته التنفيذية"، وهو عن شركات يملكها أفراد من الأقليات اعتمدت على خبراتها في تركيب وتصنيع منتجات العناية بالشعر من أجل إنشاء خطوط إنتاج خاصة بها لصنع منتجات تعقيم الأيدي والمنظفات المطهرة متعددة الاستعمال.
قد يؤدي عامل "الشعور بالرضا" المرتبط ببرامج التنوع إلى تلميع صورة الشركة. في عام 2019، أجرت شركة "هوتولوجي"، وهي شركة توريد متنوعة أيضاً، دراسة لصالح شركة "كوكاكولا" وجدت فيها أن الأشخاص الذين يعرفون مبادرات "كوكاكولا" لتنوع الموردين كانوا يرون أن الشركة تثمن التنوع أكثر بنسبة 45%، ويحملون صورة إيجابية عنها أكثر بنسبة 25%، ويستخدمون منتجاتها أكثر بنسبة 49%. قدرت شركة "هوتولوجي" أن هذه النظرة الإيجابية أدت إلى زيادة في أعداد من يستخدمون منتجات الشركة بشكل متكرر إلى 670 ألف مستهلك.
بالتأكيد، فإن الغضب الحالي حول العلاقات العرقية في الولايات المتحدة، والدعم المتزايد لحركات مثل حركة "حياة أصحاب البشرة السمراء مهمة" (Black Lives Matter) سيعزز أثر برامج تنوع الموردين على الشركات.
التحديات والعقبات
ثمة مشكلة أساسية وهي أن برامج التنوع غالباً ما يتم إنشاؤها بطريقة رد الفعل على أنها أقسام منفصلة ويتم التعامل معها على أنها برامج ثانوية. وقد لا يخصص لهذه الأقسام الرمزية مقعد على طاولة مفاوضات التوريدات، ولذلك فهي لا تملك تأثيراً يذكر على قرارات الشراء.
والعلاج الواضح هو أن تتجاوز هذه البرامج صفتها الرمزية وتكتسب دوراً مركزياً في اتخاذ قرارات التوريد. تقول أوزولد من شركة "يو بي إس"، في مقالة نشرت في مدونة "يو بي إس لونغيتيودز" (UPS Longitudes): "من أجل دفع العجلة نحو تحقيق العدالة الاقتصادية بحق، يجب ألا يبدو تنوع الموردين سراً مخبأً في أعمال التوريد، بل يجب أن يتصدرها".
تتمثل العقبة المحتملة الأخرى في العثور على شركات توريد صغيرة يملكها أفراد من الأقليات تلبي متطلبات التوريد في الشركة المشترية. وللمساعدة في معالجة هذه المشكلة، يمكن أن تبحث الشركات عن شركات توريد صغيرة متنوعة تحتاج إلى الدعم في عملية منح التراخيص، وتنشئ برامج توجيه وتدريب لمساعدتها على الوفاء بالمعايير. ويتمثل النهج الآخر في التشارك مع المجالس وغرف التجارة المعنية التي توفر أنظمة الدعم هذه.
لكن، ثمة مشكلة أخرى تحتاج إلى حل، وهي تحمل المسؤولية. كيف يمكن للشركات التحقق من أن استثماراتها في برامج التنوع تصل إلى المجموعات المناسبة وأن هذه المجموعات حقيقية؟ يجب أن تمتثل كل الشركات التي تعتبر متعاقداً فيدرالياً لمتطلبات التعاقد الفرعي مع الشركات الصغيرة أو قوانين الاستحواذ الفيدرالية التي تحدد متطلبات إعداد التقارير. كما أن عدداً من الشركات التي أجرينا عليها دراستنا، والتي تنفذ برامج مستمرة على مدى فترة طويلة، تمكنت من تأسيس آليات للمراقبة. مثلاً، لدى شركة "يو بي إس"، مجلساً لتوجيه التنوع والشمول يؤدي هذه الوظيفة، ويضم الرئيس التنفيذي للشركة وأعضاء آخرين من فريق القيادة التنفيذية ومدراء آخرين. وتستعين شركة "يو بي إس" بشركة طرف ثالث للتحقق من تراخيص الموردين كل ربع عام وإجراء عمليات تدقيق للإنفاق على التنوع والتأثير الاقتصادي للبرامج.
حان وقت النهوض
يمكن التغلب على جميع العوائق التي تعرفنا عليها إذا كانت الشركات ترغب بصدق في جعل استراتيجياتها في التوريد شاملة.
قد يكون إنشاء برنامج لتنوع الموردين (خطة تنوع في سلاسل التوريد) صعباً على المدى المنظور في القطاعات المتخصصة، حيث لا نجد عدداً كبيراً من الموردين، مثل قطاع الدفاع. لكن بالنسبة إلى معظم الشركات الكبرى، تمثل هذه البرامج فرصة للمشاركة الفعالة في مكافحة التمييز العنصري وخلق الفرص الاقتصادية وتعزيز أعمالها التجارية.