تكمن قوة الفرق متعددة الثقافات في تنوع خبرتها ومنظورها ورؤاها. لكن للحصول على هذه الثروات، يتعين على الزملاء الالتزام بالتواصل المفتوح والتمتع بشجاعة مشاركة أفكارهم مع الآخرين. لسوء الحظ، نادراً ما يكون هذا سهلاً. على مدار 25 سنة من إجراء الأبحاث على مجموعات العمل حول العالم، وجدنا أن التحديات تنشأ عادة في ثلاثة قطاعات رئيسة تكون واحدة من أسباب فشل التواصل بين الثقافات المختلفة.
إثارة الأفكار
تختلف مبادئ المشاركة بدرجة كبيرة عبر الثقافات المختلفة، ستجد أعضاء الفرق من الدول التي تشيع فيها المساواة واستقلالية الفرد -مثل الولايات المتحدة أو أستراليا- معتادين على التصريح بآرائهم وأفكارهم كما هي دون تنقيح، أما الأعضاء ذوي الثقافات القائمة على التسلسل الهرمي -مثل اليابان- فهم لا يميلون إلى التحدث حتى يصرح الزملاء الأعلى منصباً بآرائهم، وقد يتردد الأشخاص من بعض الثقافات في المشاركة لأنهم يخشون أن تبدو أفكارهم سطحية أو حمقاء.
اقرأ أيضاً: كيف تغير رأي شخص ما بشكل حقيقي؟
على سبيل المثال، يفضل الفنلنديون منهج "فكر قبل أن تتكلم"، في حين أن الأميركيين هم عكس ذلك تماماً، حيث يشيع بينهم منهج "قل ما لديك دون تفكير".
كما أن أنماط التواصل تُصعّب على الأشخاص المشاركة بقدرٍ متساوٍ في جلسات العصف الذهني. فالبرازيليون على سبيل المثال لا يضيقون عادةً بتداخل المحادثات والمقاطعات، ويرونها علامات على الاندماج. إلا أن الآخرين المعتادين على أنماط من التواصل أكثر نظاماً، سيشعرون بعزلهم أو إبعادهم نتيجةً لهذه التصرفات.
الحل: لضمان مساهمة الجميع، على قادة الفرق متعددة الثقافات أن يضعوا نظماً واضحةً للتواصل الواضح، وهناك أسلوب كلاسيكي عند طلب الأفكار أو الآراء يتمثل في المرور بجميع الموجودين على الطاولة (أو الجالسين في صفوف المؤتمرات أو شاشات الدردشة المرئية) مرة واحدة على الأقل حتى تتاح للجميع فرصة التحدث.
ويجب عليك تشجيعهم على الاستكشاف بطرح أسئلة مفتوحة والاحتفاظ بأفكارك لنفسك في البداية. حيث توضح الأبحاث الحديثة حول الفرق التي تضم أعضاء من أميركا وشرق آسيا أن هذه الأساليب تؤدي إلى زيادة المساهمات بدرجة هائلة: فبعد أن كان عدد المرات التي يتحدث فيها الأميركيون يعادل خمسة أضعاف عدد المرات التي يتحدث فيها أقرانهم من الصينيين أو اليابانيين أو الكوريين أو التايوانيين، صار الأميركيون يأخذون فرصاً أكثر بنسبة 50% فقط، وبعد أن كانوا يستخدمون كماً من الكلمات يعادل عشرة أضعاف ما يستخدمه أقرانهم، صاروا يفوقونهم في عدد الكلمات بنسبة 4% فقط، وذلك عندما طُبق منهج الشمولية في قيادة الفريق.
اقرأ أيضاً: 7 أمور يمكن قولها عندما تصبح المحادثة سلبية
وإذا كانت المشكلة في الوقت الذي يضيع دون إفادة أو المقاطعات، جرّب تطبيق "قاعدة الأربع جمل" لوضع حدود لأعضاء فريقك الأكثر ثرثرة، أو صمم على عمل فاصل إلزامي بين كل متحدثين لمنح الجميع فرصةً لدخول المحادثة باحترام.
ظهور المعارضة
عدم الضيق بالمعارضة العلنية نقطة أخرى تعتبر مثاراً للخلاف في الفرق متعددة الثقافات. فالأعضاء من الثقافات التي تضع قيمة كبرى لـ"الشكل" وتناغم المجموعة قد تكره المواجهة لأنها تفترض أنها تؤدي إلى الخلاف وتحدث اضطراباً في المجموعة، أي أنها باختصار فشل اجتماعي. وفي ثقافات أخرى، يعتبر "القتال الإيجابي" دليلاً على الثقة. كما يختلف الأشخاص من مختلف أنحاء العالم في قدر المشاعر التي يبرزونها ويتوقعونها من الآخرين أثناء نقاش مهني.
على سبيل المثال، عندما ترتفع أصوات أشخاص من ثقافات لاتينية أو من الشرق الأوسط، قد يبالغ الزملاء من الثقافات الأخرى المحايدة في تقدير درجة المعارضة المُعبَّر عنها. وعلى الجانب الآخر، عندما يصمت أشخاص من آسيا أو اسكندنافيا أو يستخدمون لغة الجسد الاعتراضية للتعبير عن معارضتهم، فغالباً ما تضيع رسالتهم وسط أقرانهم من الأشخاص الأكثر تعبيراً عن شعورهم.
الحل: لتشجيع النقاش الصحي، فكر في تعيين شخص معارض دوره التفكير في المقترحات المختلفة وإثارة النقاش حول التحديات المصاحبة لها، ويمكن تبادل هذا الدور أثناء مناقشة بنود جدول الأعمال أو من اجتماع لآخر ليكون الجميع أكثر ارتياحاً فيه. وهناك خيار آخر يتمثل في نشر هذه المسؤولية بحيث يُطلب من الجميع عرض إيجابيات وسلبيات موضوع محدد ليشعر الأشخاص بحرية النقاش على الجانبين دون التقيد بموقف يشعرون بأنهم ملزمون بالدفاع عنه.
التقييم والآراء
النقد البناء جزء مهم من فريق العمل على مستوى العالم، حيث يساعد في حل مشكلات لا مفر منها تتعلق بالانتظام أو أسلوب التواصل أو السلوك في الاجتماعات، والتي تزيد من حدة الصور النمطية وتزعزع التعاون مع الآخرين. إلا أن التقييمات والآراء قد تصبح حقل ألغام ثقافي. فالمسؤولون التنفيذيون من الثقافات الأكثر تمتعاً بالحرية الفردية والأكثر تركيزاً على المهام -خاصة الولايات المتحدة- مبرمجون على رؤية التقييمات فرصة لتطوير الذات، و"هدية" يجب تقديمها واستلامها فوراً حتى أمام مجموعة.
وعلى النقيض، فإن الأشخاص من الثقافات الجمعية المركزة على العلاقات ربما ليسوا معتادين على التصريح أو الاستماع إلى النقد علناً، ولو كان الفريق سينتفع منه. ولأسباب تتعلق بحفظ ماء الوجه، قد يفضلون الاجتماعات بين شخصين بصورة غير رسمية على الغداء أو خارج العمل.
اقرأ أيضاً: الأنماط الثقافية ربما تجعل منك مفاوضاً لا يتحلى بالأخلاق الكافية
أما إذا كان الأعضاء من ثقافات تعتمد على التسلسل الهرمي -مثل ماليزيا أو المكسيك- فقد لا يشعرون من الأساس أن دورهم تقديم آراء وتقييمات مباشرة لأقرانهم، وبدلاً من ذلك، يقدمونها لقائد الفريق ليبلغ الأشخاص المعنيين. كما ستختلف الكلمات التي يستخدمها الأشخاص بدرجة كبيرة، فالمسؤولون التنفيذيون من الثقافات التي تتسم بالصراحة في التعبير -مثل هولندا- فإنهم يتبعون منهجاً أكثر مباشرةً في تقييماتهم التصحيحية، إلا أن أقرانهم من الثقافات الأقل صراحةً -مثل الهند أو دول الشرق الأوسط- يفضلون في الغالب استخدام لغة أكثر ضمنيةً (غير صريحة).
الحل: يجب على القادة تشجيع أعضاء الفرق متعددة الثقافات على إيجاد أرضية مشتركة. يمكنك أن تدرب الأشخاص على تخفيف حدة التقييم الناقد بوضعه في إطار إيجابي أو بتوجيهه إلى الفريق بأكمله حتى لو كان موجهاً لشخص واحد فقط. على سبيل المثال، إذا تكررت مشكلة عدم الالتزام بالوقت، يمكنك أن تقول "سأكون ممتناً إذا حضرنا معاً لنتمكن من تحقيق أقصى استفادة من وقتنا معاً".
ومن المهم أن تكون قدوةً للسلوك الصحيح بحيث توضح أنك تتوقع النقد البناء وترحب به. فيمكنك أن تطرح السؤال التالي لطلب التقييم والنقد: "بمراجعة اجتماعنا، ما الذي كان يجب علي زيادته أو تقليله أو أفعل كما فعلت دون تغيير؟"
وإلى جانب هذه الحلول السريعة المعنية بحل أسباب فشل التواصل بين الثقافات المختلفة، تحتاج الفرق إلى التصرف والاستباق لوقف الخلاف في الفرق متعددة الثقافات، وذلك بتطوير مناخ من الثقة يشعر فيه الزملاء بأمان يشجعهم على التعبير عن أفكارهم. فإذا ناقشت المشكلات المحتملة مبكراً وبانتظام، ستكون على الطريق الصحيح لاستغلال تنوع مجموعتك بدلاً من النظر إلى هذا التنوع كعائق أمام تقدمك وأدائك.
اقرأ أيضاً: أفضل أساليب التفاوض