يعتبر العصف الذهني الطريقة الافتراضية التي تتبعها العديد من فرق العمل والمؤسسات لتأتي بأفكار جديدة. ويقال عادة أنه كلما كانت المجموعة أكثر تنوعاً، زادت إمكانية الحصول على أفكار ابتكارية. على أي حال، لا تجري الأمور دوماً على هذا النحو.
يلائم أسلوب العصف الذهني بعض الشخصيات والثقافات أكثر من غيرها. عادة ما يحقق الأشخاص المنفتحون الذين "يفكرون بصوت عالٍ" والغربيون الذين نشؤوا في بيئة تعليمية تجعل المشاركة في الصف الدراسي إلزامية، نجاحاً كبيراً في جلسات العصف الذهني. في حين أن الآخرين من حول العالم قد نشؤوا في بيئات تعليمية تلقنوا فيها ضرورة التفكير ملياً قبل التحدث، وأن عليهم أن يتجنبوا إبراز ما لديهم من أفكار فريدة، وهؤلاء لا يحققون نجاحاً كبيراً في جلسات العصف الذهني. ونتيجة لذلك، نجد العديد من الأفراد في أماكن العمل العالمية يخشَون جلسات العصف الذهني ولا يعبّرون فيها عن رأيهم إلا بالنزر اليسير.
تحديات الفرق متعددة الثقافات في اعتماد جلسات العصف الذهني
أمضيت أنا وزملائي السنوات الخمس عشرة الأخيرة بالبحث في مسألة الذكاء الثقافي، أو ما يرمز إليه اختصاراً في اللغة الإنجليزية بـ "CQ"، وقد درسنا أكثر من 55,000 حالة لمتخصصين من 98 دولة حول العالم. وقد خلُصنا إلى أن هناك عدة تحديات تواجهها فرق العمل العالمية فيما يتعلق بالعصف الذهني. بالطبع، يحدث العديد من هذه التحديات ضمن فرق العمل المتجانسة الثقافة أيضاً، إلا أن حدّتها تتفاقم ضمن الفرق متعددة الثقافات:
الفكرة الأولى هي التي تفوز: في أغلب الأحيان، تكون الفكرة التي تُطرح أولاً في جلسة العصف الذهني هي الفكرة التي تلقى القبول. وعادة ما تأتي الفكرة الأولى من أكثر المشاركين حزماً ضمن المجموعة وهو غالباً أكثرهم نفوذاً كذلك. لذلك، تحظى الفكرة سريعاً بالموافقة وتطغى على غيرها من آراء المشاركين المجتمعين.
الطلاقة اللغوية: إن تقديم أفكار جديدة والتعبير عنها بلغة مختلفة قد يكون أمراً في غاية الصعوبة بالنسبة للأفراد غير الناطقين بها. فغالباً ما يعني ذلك ترجمة السؤال إلى لغتك الأم، ثم تحضير إجابة له، ومن ثم ترجمة هذه الإجابة إلى اللغة الإنجليزية، في الوقت الذي يكون فيه الحوار قد استُرسل دونك.
حفظ ماء الوجه: يجد العديد من أعضاء الفريق العالمي، وعلى الأخص أولئك المنحدرون من آسيا أو أميركا اللاتينية، أن العصف الذهني يشكل تحدياً لهم لأنه يتعارض مع مفاهيمهم الثقافية المتعلقة بالانسجام والتوافق. يستند أسلوب العصف الذهني إلى حد كبير على استقبال وجهات النظر الفردية، حيث يتم تشجيع الجميع للمشاركة، وكلما تنوعت الأفكار، كانت النتيجة أفضل. لذلك، عندما تطلب من المشاركين من ذوي الثقافات التي تُؤْثر الرأي الجماعي أن يتحدثوا بجرأة عن فكرة فريدة، فكأنك تطالبهم بفعل شيء غير بديهي على الإطلاق.
الصورة المجملة مقابل التحليل التفصيلي: يمكن لفرق العمل أيضاً أن تواجه صدامات ثقافية من حيث أساليب انتهاجها للعصف الذهني. فمن جهة يفضل الأميركيون الشماليون عادة التركيز على الصورة المجملة للطرح المقدم وإطلاق العنان لأفكارهم، في حين يولي الألمان اهتماماً أكبر بالتحليلات التفصيلية الدقيقة. ويمكن لذلك أن يتنوع كذلك من شخصية لأخرى، ومن قسم عمل لآخر. على سبيل المثال، يبدي متخصصو المبيعات استعداداً أكبر للمشاركة في طرح المفاهيم الكُليّة ويعتبرون أن الخوض في التفاصيل يبعث على التشتت، في حين يرى المهندسون عكس ذلك.
لا شك أن فرق العمل المتنوعة تقدم مجموعة أغنى من الأفكار من تلك التي قد تطرحها مجموعات تضم أفراداً ينحدرون من الخلفية نفسها ويفكرون على نحو متشابه. لكن بحثنا توصل إلى أن الفرق المتنوعة التي تتسم بمستوى منخفض من "الذكاء الثقافي" (CQ)، وهو قياس لمدى قدرة الفرد على العمل والتواصل الفعال في مواقف ثقافية مختلفة. تأتي مثل هذه الفرق بأفكار أقل ابتكارية في جلسات العصف الذهني، مقارنة بما تطرحه في المقابل الفرق المتجانسة الثقافة.
تضمن هذا البحث عدة دراسات شملت بدورها عدة مئات من المشاركين من سياقات جامعية وأخرى من أماكن العمل. طُرحت بعض المواضيع على فرق متنوعة (تتألف من زملاء ينتمون إلى خلفيات وطنية متنوعة على مستوى الولايات المتحدة الأميركية) في حين طرح بعضها الآخر على فرق عمل متجانسة (ينتمي جميع أفرادها إلى الخلفية الوطنية نفسها). كُلِّف كل فريق بتناول مشروع معقد لمدة ثلاثة أشهر. كان الأشخاص أصحاب مستوى الذكاء الثقافي المنخفض أقل قدرة على التحدث بجرأة في فريق عمل متنوع الثقافات، مقارنة بأولئك الموجودين ضمن فريق متجانس الثقافة. ومع ذلك، تحدث أعضاء الفريق الذين يتمتعون بمستوى عال من الذكاء الثقافي بجرأة عندما كانوا ضمن فريق متنوع الثقافات بالقدر ذاته أو ربما أكثر مما فعلوا عندما تحدثوا ضمن فريق متجانس الثقافة. لقد خفف ذكاؤهم الثقافي من المخاطر المحتملة للتعبير عن رأيهم ضمن مجموعة من الزملاء متنوعي الثقافات.
استراتيجيات لممارسة العصف الذهني مع فريق عالمي
إن أفضل ما يمكن لقائد أن يفعله من أجل الاستفادة من الطيف المتنوع للأفكار لدى فريق عالمي هو أن يساعد المشاركين على تحسين مستوى ذكائهم الثقافي. إضافة لذلك، إليك بعض الاستراتيجيات البسيطة لاستخدامها عند ممارسة العصف الذهني مع فريق عالمي:
* حدد الهدف المنشود بوضوح. يجب تحديد الهدف المنشود والنتائج المرجوة في أي جلسة للعصف الذهني، وعلى القادة أن يخصصوا وقتاً إضافياً لهذا مع الفرق العالمية. تبدأ معظم التحديات بين الثقافات بحدوث تصادم في التوقعات. ولمعالجة الأمر، اطلب من كل فرد في الفريق أن يحضر إلى جلسة العصف الذهني بعد أن يدوّن كتابياً مفهومه حول الهدف المقصود، وفي الاجتماع، استعرض بإيجاز ما كتبه المشاركون. انتبه إلى الاختلافات الدقيقة، ولا تنتقل إلى نقطة أخرى قبل أن تتأكد من تماشي الجميع في فهمهم للهدف. يمكنك أن تتأكد من مدى الفهم لدى المشاركين من خلال مطالبتهم بتوضيح الطريقة التي يمكنهم عبرها شرح الهدف لأفراد آخرين في فرقهم.
* أعطِ إخطاراً مسبقاً. لا تبادر فجأة لعقد جلسة عصف ذهني مع فريق عالمي. دعهم يعلمون عنها مسبقاً. فأولئك الذين يفضلون الحصول على وقت لاستنباط أفكارهم، سواء على نحو مستقل أو من خلال مشاورة الآخرين، سيشعرون بأنهم أكثر استعداداً للمشاركة. يمكنك أيضاً التحدث إلى المشاركين الذين يميلون إلى السيطرة على الحوار وإخبارهم بأنك ستطلب من الآخرين مشاركة أفكارهم أولاً. وبالمثل، شجّع أولئك الذين يبدون تحفظاً أكثر ليشاركوا وجهات نظرهم الفريدة، ما يعزز ثقتهم. يمكنك أيضاً أن تقترح عليهم طرقاً بديلة لمشاركة آرائهم (كأن يرسلوا إليك مثلاً قائمة أفكار مكتوبة).
* احرص على تحقيق المشاركة بنسبة 100%. على افتراض أنك تريد مشاركة من الجميع، اجعل طلبك هذا واضحاً. وأكد للفريق أن الهدف لا يتمثل في جعل الجميع يتحدثون بالقدر نفسه من الوقت ولكن الهدف هو ضمان تلقي الأفكار من الجميع. اعرض طرقاً مختلفة لعرض الأفكار. مثلاً، قد يفضل أولئك الذين يأتون من خلفيات تُؤْثر الرأي الجماعي أن يقضوا بعض الوقت مسبقاً لمناقشة الأفكار معاً ومشاركتها بشكل جماعي مع أفراد المجموعة.
صحيح أن هذه الاستراتيجيات ليست بالأمر الصعب، إلا أنها قد يتم إغفالها أو التغاضي عنها بسهولة.
في الحقيقة، أستمتع شخصياً بجلسات العصف الذهني، لذلك أفترض أن الجميع يشعرون بالطريقة ذاتها، حتى وإن كنت أعلم بشكل أفضل منهم. وبالأخص عندما نكون مشغولين للغاية أو متوترين، يكون من السهل التخلي عن منهج واع واستباقي للعصف الذهني، الذي يمكن أن يستغرق القليل من الوقت الإضافي في التحضير. لكن من خلال حرصك على التفكير بإمعان أكثر واتباع استراتيجية محددة في مقاربتك للعصف الذهني، فإنك حتماً ستزيد من المشاركة وتحصد المزيد الأفكار الابتكارية.