إنه موسم الحملات في الولايات المتحدة ولا يوجد لدى السياسيين أي التزام بشأن ليّ الحقائق والأرقام، كما توضح القراءة السريعة لموقع تدقيق الحقائق "بوليتيفاكت" (Politifact).
هل يمكن للإلمام بالبيانات أن يشكل حماية ضد أسوأ أشكال هذه الجرائم؟ هل يمكن أن يحمينا من الإعلانات المضللة؟ قد يكون الأمر كذلك وفق ما تقوله البحوث.
ذكاء البيانات
هناك أدلة قوية على أن المهارات الحسابية يمكن أن تساعد على التفكير النقدي، وهناك سبب للاعتقاد أن بإمكانها المساعدة في المجال السياسي بحدود. ولكن هناك أيضاً دليل على أن الأرقام يمكن أن تضلل حتى الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء البيانات عندما تكون في خدمة توجههم السياسي.
في دراسة نشرت نهاية العام المنصرم، فحص فيتوريو ميرولا من جامعة أوهايو الحكومية وماثيو هيت من جامعة لويزيانا ستيت (إل إس يو) كيف يمكن للمهارات الحسابية أن تشكل حماية ضد الرسائل الحزبية. عرضنا على المشاركين معلومات تقارن بين تكاليف المراقبة وتكاليف السجن، ثم سألناهم إن كانوا يتفقون مع العبارة التالية: "ينبغي استخدام المراقبة كشكل بديل للعقاب في حق المجرمين، بدلاً من السجن".
عُرض على بعض المشاركين معلومات رقمية وثيقة الصلة تصب في صالح خيار المراقبة؛ فهذا الأمر أقل تكلفة ويتمتع بنسبة أفضل من المزايا في مقابل التكلفة، كما أن تكلفة السجون الأميركية في ارتفاع. وعُرض على مجموعة أخرى معلومات رقمية أضعف وأقل صلة بالموضوع. لم تحتوِ هذه الرسالة على أي شيء حول تكاليف أو مزايا الإفراج المشروط، وقارنت بدلاً من ذلك تكاليف السجن بحجم الإنفاق على النقل، دون ذكر سبب ارتباطها على الإطلاق. تباينت التجربة أيضاً حين كان يفترض أن يكون مصدر المعلومات دراسة أُجريت بتكليف من الديمقراطيين أو الجمهوريين.
سجل الباحثون المهارات الحسابية للمشاركين من خلال طرح أسئلة مثل: "إذا فرصة الإصابة بعدوى فيروسية هي 0,0005، فمن بين عشرة آلاف شخص، كم منهم تقريباً من المتوقع أن يصابوا بالعدوى؟"
بالنسبة للمشاركين الذين سجلوا نتائج منخفضة في المهارات الحسابية، فقد اعتمد دعمهم على الحزب السياسي الذي يصنع الحجة أكثر من اعتمادهم على قوة البيانات. عندما كان مصدر المعلومات هو حزب هؤلاء المشاركين، كان الاحتمال الأكبر هو الاتفاق معها، بغض النظر عما إذا كانت ضعيفة أو قوية.
على النقيض، أقنعت المهارات الحسابية الأقوى المشاركين الذين سجلوا نتائج أعلى في تلك المهارات، حتى عندما كان مصدرها الحزب الآخر. صمدت النتائج حتى بعد حساب المستوى التعليمي للمشاركين ضمن متغيرات أخرى.
تذهب إحدى القراءات لهذه الورقة البحثية إلى أن الشعور بالارتياح تجاه الأرقام يجعل الشخص أقل عرضة للحكم دون انحياز على المناشدات والنداءات السياسية المدفوعة بالبيانات بناء على الميول الحزبية.
لكن "هيت" يحذر من اعتماد هذه القراءة والمبالغة في تبني هذا الرأي. فمن ناحية، لا يعد الإفراج المشروط مسألة استقطابية كما هو الحال مع ضبط السيطرة على الأسلحة مثلاً على الأقل في الوقت الحالي في الولايات المتحدة. كما أن الدراسات المتعلقة بالموضوعات الأكثر أهمية هي أقل تشجيعاً فيما يتعلق بتأثير المهارات الحسابية على الحزبية.
استخدام المهارات مع البيانات
في عام 2013، أجرى دان كاهان من جامعة ييل والعديد من الزملاء دراسة طلبوا فيها من المشاركين الخروج باستنتاجات من البيانات. في مجموعة واحدة، كانت البيانات متعلقة بمعالجة الطفح الجلدي، وهو موضوع غير سياسي. وطُلب من مجموعة أخرى تقييم البيانات المتعلقة بالسيطرة على السلاح، ومقارنة معدلات الجريمة في المدن التي حظرت الأسلحة المخبأة بالمدن التي لم تفعل.
بالإضافة إلى ذلك، عُرضت بيانات على بعض المشاركين في مجموعة الطفح الجلدي تشير إلى أن استخدام كريم البشرة يرتبط بتحسن المرض، بينما عُرض على بعضهم عكس ذلك. وبالمثل، عُرض على بعض أفراد مجموعة السيطرة على السلاح عدداً أقل من الجرائم في المدن التي حظرت الأسلحة المخبأة، بينما عُرض على بعضهم عكس ذلك.
في كل حالة، تطلب تفسير البيانات بشكل صحيح عملاً ذهنياً صعباً. كان على المشاركين تحويل الأرقام الأولية إلى نسب، ثم مقارنة هذه النسب ببعضها البعض. أظهر بحث سابق أن الكثير من الناس يجدون صعوبة في القيام بهذا الأمر إن لم يكن معظمهم.
قاس "كاهان" وزملاؤه أيضاً المهارات الحسابية التي أجراها المشاركون عبر استبانة. وجدوا أن الأشخاص أصحاب المهارات الحسابية عالية الدقة كانوا أفضل أداء في استنتاج الاستدلال الصحيح في حالة الطفح الجلدي من الأشخاص الأقل دقة. لكن لم يبد أن الارتياح مع الأرقام سيساعد في حالة السيطرة على السلاح. في الواقع، كان المشاركون الأكثر دقة في المهارات الحسابية أكثر تحزباً في مسألة بيانات السيطرة على السلاح من المشاركين الأقل دقة. يبدو السبب في ذلك هو أن المشاركين الذين يحسنون التعامل مع الأرقام قد استخدموا مهاراتهم مع البيانات بشكل انتقائي، فوظفوها فقط عندما ساعدهم ذلك في الوصول إلى استنتاج يتناسب مع أيديولوجيتهم السياسية.
هناك اتجاهان آخران من البحث يرتبطان بهذا الموضوع.
الأول عمل لفيليب تيتلوك وباربرا ميلرز من جامعة بنسلفانيا ويذهب إلى أن الأشخاص الذين يحسنون التعامل مع الأرقام يميلون إلى رسم توقعات أفضل، بما في ذلك ما يخص الأحداث الجيوسياسية. لقد وثّقوا أيضاً كيف يمكن للتدريب الأساسي للغاية على التفكير الاحتمالي أن يحسن دقة التوقع لدى الفرد. ويجادل "تيتلوك" أن هذا النهج يعمل بشكل أفضل عندما يكون جزءاً من أسلوب تفكير كامل يركز على وجهات نظر متعددة.
أما الاتجاه الثاني فهو ما وجدته ورقتان بحثيتان من جامعة أوستن في تكساس ومن جامعة برينستون عن أن الحوافز يمكن أن تقضي على التحيز الحزبي: فمن الأرجح أن يخبر الناس في الواقع عن معتقداتهم الصحيحة حول الاقتصاد عندما يكون المال على المحك.
فكيف يتناسب كل هذا العمل معاً؟
من الصعب القول على وجه اليقين، وهناك خطر في إعطاء أي دراسة بمفردها ثقلاً زائداً عن الحد. (مدح "كاهان" ورقة "ميرولا" و"هيت" البحثية، لكنه شكك في اعتمادها على المشاركين من موقع العمل الجماعي "ميكانيكال تورك" Mechanial Turk). مثل هذه الدراسات شائعة وتحظى بمزايا مقارنة بالتجربة المستمرة الجارية على طلاب المرحلة الجامعية، ولكنها أيضاً ذات أوجه قصور).
ومع ذلك، أشار "هيت" و"كاهان" إلى ملاحظات مماثلة عندما سألتهما كيف يتناسب عملهما معاً. وتوحي لي تلك المحادثات بوجود توليفة ممكنة.
تساعد الكفاءة في استخدام البيانات على التفكير النقدي، كما يتضح من أبحاث "تيتلوك" و"ميلرز"، و"ميرولا" و"هيت"، وأبحاث أخرى. وتشير ورقة "ميرولا" و"هيت" البحثية إلى أن التفكير النقدي قد يحمي من المعلومات المضللة الحزبية، خاصة عندما يكون هذا التضليل واضحاً إلى حد ما وعندما تكون القضية أقل إثارة للجدل. من المحتمل أن يساعد الانفتاح العقلي وعادات التفكير الجيدة التي وضعها "تيتلوك" أيضاً، وكذلك الحوافز الدافعة للوصول إلى استنتاجات دقيقة.
ولكن نظراً إلى أن القضايا أصبحت أكثر إثارة للجدل وصارت المعلومات المضللة أصعب في فك رموزها، فمن المرجح أن يهيمن التحيز الحزبي بين الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء البيانات. في الواقع، ونظراً لأنهم يستخدمون مهاراتهم بشكل انتقائي لإيجاد ثغرات فحسب لدى الجانب الآخر، فقد ينتهي الأمر بالأشخاص الملمين بالبيانات إلى أن يكونوا من بين أولئك الأكثر حزبية.