لا تفوّض إدارة المواهب لقسم الموارد البشرية

3 دقائق

تحتاج كل مؤسسة على المدى الطويل أن تكون ناجحة في تحديد أصحاب المواهب القيادية لتطويرهم والاحتفاظ بهم. لهذا السبب تعتمد الكثير من المؤسسات، خاصة الضخمة منها، على متخصصين في "إدارة المواهب" يعملون بدوام كامل بالتعاون مع قسم الموارد البشرية.

يضع هؤلاء المتخصصون أنظمة لتقييم القدرات القيادية ويحددون الاستراتيجية التي ستسير عليها ترقية الموهبة بمرور الوقت. خذ، على سبيل المثال، الدور الحيوي لمدراء المواهب في شركة "جنرال إلكتريك" على الصعيدين المؤسساتي والتجاري بملء الشواغر الأساسية، وضمان التعاقب السلس، وقيادة برنامج التقييم عبر الشركة، وتصميم أدوات يستخدمها المدراء في توجيه مساراتهم المهنية الخاصة.

على الورق، يبدو هذا منطقياً جداً. بما أن المواهب ضرورة استراتيجية فإن إسناد هذه المهمة إلى فريق مركزي من "الخبراء" سيضمن بالتأكيد القيام بما يلزم على أفضل وجه. بالإضافة إلى ذلك، توفر مركزية هذه الوظيفة استعراضاً موضوعياً وشاملاً لحالة المواهب في الشركة (بطريقة تعالج مشكلة المواهب التي تحبس نفسها عن الأنظار) ويُسهل تطبيق الحلول من خلال، مثلاً، التدريب على القيادة عبر أرجاء المنظمة وبتكلفة مناسبة.

لسوء الحظ، إن الاستثمار في إدارة مركزية للمواهب قد أسفر عن نتائج متباينة عبر العقود. بحسب دراسة أجريت في عام 2013 "كان دمج ممارسات إدارة المواهب بالأهداف الاستراتيجية للشركة فعالاً في منظمة واحدة من بين أربع منظمات". ووجد استبيان من عام 2012 شمل 600 رئيس تنفيذي حول العالم، أن الوظائف المسؤولة عن إدارة المواهب تقيس عادة الأشياء السهلة (مثل مدى الاحتفاظ بالموظف) وتُغفل عوامل أخرى مهمة لنجاح المنظمة (مثل وجود الشخص المناسب ذي الموهبة المناسبة في الموقع المناسب).

أرى من تجربتي في العمل مع عشرات المنظمات في مجالات إدارة المواهب، أن هناك سببين على الأقل لهذه النتائج المختلطة.

الأول هو أن ظهور إدارة المواهب باعتباره تخصصاً منفرداً في ذاته أدى إلى إجراءات مبالغة في التعقيد يصعب فهمها في أفضل الأحوال ومربكة للمدراء في أسواء الأحوال. ليس هذا بالأمر الجديد، في كل مرة تتحول فيها وظيفة تنظيمية إلى "حرفة" مع كل ما يتضمنه ذلك من مؤتمرات وجمعيات وشهادات وغيرها تبدأ هذه الحرفة بتكوين لغتها الخاصة التي لا يفهمها إلا من هم داخلها. مثلاً، نشرت السنة الماضية جمعية "تطوير المواهب"، وهي مجتمع احترافي لمن يعملون في تطوير المواهب، دراسة تقترح 15 وظيفة رئيسية و24 وظيفة ثانوية تراها مهمة للمنظمات لتطوير مواهبها. حتى لو استطاع محترفو إدارة المواهب تذكر وتطبيق كل هذه الوظائف فمن شبه المؤكد أن المدراء سيجدونها مربكة أكثر من اعتبارها مفيدة

المشكلة الثانية هي أن بروز الوظيفة المركزية لإدارة المواهب، يُسّهل على المدراء التخلي عن مسؤوليتهم الشخصية عن الاستحواذ على المواهب الصحيحة وتطويرها. ففي كثير من الشركات لا يؤثر كيفية تعامل المدراء مع المواهب على تقييمهم الشخصي أو مكافآتهم، وكل ما عليهم فعله هو ملء استمارة التقييم وحضور بعض الاجتماعات وترك الباقي لقسم الموارد البشرية مُفترضين أنهم سيهتمون بالقضايا المتعلقة بهؤلاء الموهوبين، وسيضعون اللوم عليهم إن لم تسر الأمور كما ينبغي على الرغم من أنهم في الحقيقة في موقع أفضل من قسم الموارد البشرية لتقييم وتطوير المواهب في فريقهم.

ليس من السهل تغيير هذه التوجهات، لكن لو أمكن مجابهتها سينتج عن ذلك تغيّر كبير في الأداء التنظيمي. هناك مثال جيد من شركة "كوغنيزنت" (Cognizant)، أحد الشركات الرائدة في تقنية المعلومات والاستشارات وخدمات التعاقد الخارجي. تدير الشركة عملياتها من نيوجرسي وقد صُنفت باستمرار ضمن الشركات الأكثر جاذبية والأسرع نمواً في العالم، وتمكنت من مضاعفة إيراداتها التشغيلية في السنوات الخمس الماضية مع إضافة 100 ألف موظف في الوقت عينه.

لضمان بقاء هذه الشركة، التي توظف ما يقرب من ربع مليون عامل على مسارها، جعل الرئيس التنفيذي فرانسوا دي سوزا بناء خط إمداد بالمواهب القيادية العالية الأداء في صلب مسؤوليات كل قائد في المنظمة. ولأنه أراد أن يكون نمو القادة في "كوغنيزنت" أسرع من نمو الشركة، فإنه يعقد اجتماعات شهرية بحضور اثنين من كبار القادة التنفيذيين ورئيس شؤون الموظفين لمراجعة التقدم المنجز على صعيد المواهب التنفيذية ومجمل خط الإمداد بالقادة. كما أنهم يقيّمون دورياً ما إذا كان تطوير المواهب يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية للشركة فيراجعون أداء كبار القادة الجدد الذين عيُّنوا حديثاً، وتنقلات المدراء التنفيذيين بين أقسام الشركة، والأفراد الذين تطور أداؤهم إلى مستوى قيادي، والثغرات في القيادة وما تم عمله لسدها. تقود هذه الاجتماعات كارول كوهين المسؤولة عن التطوير العالمي للقيادة والمواهب التنفيذية وهي توجه الحوار الذي يؤدي إلى قرارات استراتيجية حول الأفراد والاستثمارات والرؤى التنظيمية- لكن القرار النهائي للرئيس التنفيذي وفريقه.

ونظراً لأن فريق الإدارة من غير الممكن أن يكون هو الوحيد من يركز على هذه القضية، تدفع "كوغنيزنت" أيضاً بالمسؤولية عن المواهب عبر جميع مستويات الإدارة. لتحقيق هذا، وضعت الشركة مستنداً من صفحة واحدة يستخدمه المدراء في التقييم السنوي للقادة أصحاب المقدرات. يسأل المستند، على سبيل المثال، كيف يتميز الموظف عن الآخرين من حيث القدرات القيادية التي تنشدها "كوغنيزنت" والأدوار المستقبلية التي من الممكن للموظفين لعبها اعتماداً على اهتماماتهم المهنية ومكامن قوتهم واستعدادهم للانتقال إلى مواقع أخرى. توفر هذه المراجعة للقادة لمحة شاملة وسهلة عن وضع المواهب يمكنهم استخدامها على مدى العام للتخطيط للتنقلات الوظيفية والتطويرات المطلوبة. لا يمكن للمدراء في "كوغنيزنت" نقل مسؤولياتهم عن إدارة المواهب إلى قسم الموارد البشرية، عليهم تحمل المسؤولية.

بالطبع ليس بإمكان أي شركة نسخ ما فعلته "كوغنيزنت". لكن تطبيق المبادئ الأساسية ممكن في أي مكان تقريباً: حدد كيف يمكن لإدارة المواهب المساعدة في تطوير الشركة، احرص على أن المدراء يدركون أهمية تطوير المواهب لنجاح الأعمال، وحمّل المدراء مسؤولية تحقيق ذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي