ماذا تفعل لو لم تتمكن من نيل قسط كاف من النوم؟

4 دقائق
أهمية النوم للموظف

هل تعرف أهمية النوم للموظف تحديداً؟ لقد سمعنا جميعاً النصيحة التي تقول: نل قسطاً أوفر من النوم. أقر وأعترف أنني شخصياً قدمت هذه النصيحة من واقع حقيقة مثبتة علمياً تشير إلى أن أسوأ الموظفين من حيث الأداء هم أولئك المحرومون من النوم، وهو ما ينطبق أيضاً على القادة ورواد الأعمال.

لا شك أن الحصول على قسط أوفر من النوم نصيحة سديدة، ولكن دعونا نواجه الأمر على حقيقته، فليس بالإمكان دائماً اتباعها أو العمل بها، فستأتي عليك أيام كثيرة تضطر فيها إلى العمل بعد حصولك على قسط غير كاف من النوم، أو ربما بعد ليلة من السهاد والأرق. عندما يحدث ذلك حتماً، فما الذي يجب عليك فعله خلال يوم العمل؟

لنبدأ بالعلاج الأكثر وضوحاً والأكثر شيوعاً في هذا الموقف، ألا وهو الكافيين. يعتبر الكافيين من أكثر العلاجات استخداماً في عالم العمل، ولا أدل على هذا من وجوده في كل مكان، وهو ما يشي بأن الحرمان المزمن من النوم لا يدفع الموظفين إلى استخدام الكافيين فحسب، بل يوحي أيضاً بأن الكافيين يعطيهم على الأقل جرعة من التفاؤل بقدرته على حل المشكلة. لا يمكن الادعاء أن هذه الفكرة لا تستند إلى أي أساس: فاستهلاك الكافيين يسهم ولو جزئياً في تعويض الكثير من أعراض الحرمان من النوم وتلافي آثاره السلبية على الأداء على المدى المنظور.

لكن لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار الكافيين واستهلاكه الحل الأمثل على المدى الطويل، نظراً لأنه يخفي آثار الحرمان من النوم بصفة عامة دون أن يؤدي إلى تجديد الحيوية والنشاط الذي يتحقق في أثناء النوم. علاوة على ذلك، فإن الكافيين عادة ما يتسبب في تعطيل قدرتك على النوم لعدة ساعات بعد تناوله، ما قد يتسبب بدوره في المزيد من الحرمان من النوم في اليوم التالي، لذا يفضل الاقتصاد في استخدام الكافيين وعدم اللجوء إليه إلا للضرورة القصوى.

يتمثل ثاني أكثر الحلول شيوعاً في ذلك الحل الذي يصعب تنفيذه، ألا وهو معرفة متى يجب أن تتوقف عن العمل. إذ يؤدي العمل تحت تأثير الحرمان من النوم إلى إضعاف قدرة الإنسان على الإدراك، وبالتالي يصير أكثر عرضة لارتكاب الأخطاء وانخفاض جودة إنتاجيته. الأدهى من ذلك أن القادة الذين يعملون تحت تأثير الحرمان من النوم قد يتسببون في الإضرار بنتائج مجموعة العمل بأكملها. بوضع هذا الدليل في الاعتبار، فإن المشكلات التي ستتسبب في وقوعها نتيجة العمل وأنت تشعر بالنعاس قد تضر أكثر مما تنفع إذا عملت تلك الساعات الإضافية، لذا قد يكون تأجيل العمل حتى تحصل على قسط أوفر من الراحة هو أفضل قرار ممكن، وإذا لم تتمكن من الحصول على قسط كاف من النوم، فحاول على الأقل أن تأخذ قيلولة لأن الراحة، ولو لمدة قصيرة لا تتجاوز 20 دقيقة، يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في فاعليتك لبقية اليوم.

لكنك قد تكون في موقف لا يسمح بالانتظار والتوقف عن مواصلة العمل حتى تحصل على قسط أوفر من الراحة، وأفضل فكرة في هذه الحالة هي أن تنتقي المهمات التي يمكن أن تؤديها وأنت محروم من النوم. وقد أثبتت الأبحاث أن الحرمان من النوم يكون أكثر ضرراً للمهمات الجديدة، أو تلك التي تتطلب الإبداع والابتكار، أما المهمات الروتينية التي لا تتطلب الإبداع فهي أقل عرضة لأضرار الحرمان من النوم، في الواقع تشكل عبارة "يمكنني القيام بذلك وأنا نائم" مفهوماً مفيداً لمساعدتك على تحديد المهمات التي يجب عليك أداؤها ومتى، ويجب أن تتحاشى في المقابل المهمات ذات العواقب الخطيرة وأنت تشعر بالنعاس، نظراً لارتفاع مخاطر الأخطاء الكامنة في العمل تحت تأثير الحرمان من النوم، وحاول تأجيلها إلى ما بعد نيل قسط من الراحة.

يمكن الاستعانة هنا باستراتيجية أخرى مفيدة لتقليل الآثار الضارة المحتملة للحرمان من النوم، وذلك من خلال تخطي عقلك. فإذا كان عقلك النائم هو الحلقة الضعيفة، فابحث عن طرق لتكثيف الاعتماد على الحلقات الأخرى. يندرج التفويض تحت هذا البند، وذلك بالاعتماد على التفويض بصورة أكبر مما يحدث وأنت حاصل على قسط وافر من الراحة (مع منح نقاط إضافية لتفويض المهمات الأكثر عرضة للخطر تحت تأثير الحرمان من النوم). يمكنك تكثيف الاعتماد على مشورة الزملاء أو الموجهين أو الخبراء المختصين حينما تشعر بالنعاس، كما تشتمل بعض الوظائف على الاستعانة بأنظمة دعم اتخاذ القرار (التي تعمل غالباً من خلال تقنية تعلم الآلة)، وقد تكون هذه الأنظمة مفيدة للغاية عندما تكون عرضة لارتكاب الأخطاء بسبب الحرمان من النوم.

يمكنك أيضاً التماس الآراء من أطراف خارجية، وذلك من خلال التعهيد الجماعي، صحيح أن بعض الأشخاص في المجمل العام قد يكونون محرومين أيضاً من النوم، ولكن المتوسط العام لمقدار الحصول على النوم قد يكون أعلى كثيراً منك في ذلك اليوم. إذا لم تجد طريقة لتكثيف الاعتماد على الآخرين في اللحظة الحالية، فاطلب إجراء عمليات تدقيق غير رسمية لعملك بعد إنجازه على الأقل لمحاولة اكتشاف أي أخطاء ارتكبتها قبل أن تتحول إلى مشاكل كبيرة (وإذا لم تتمكن من الاستعانة بأحدهم لتقديم المساعدة، فلا بد لك من مراجعة عملك بنفسك متى شعرت بالراحة).

تجسد لنا الطبيعة خير مثال لأحد الحلول الرائعة وطويلة الأمد المستمدة من هذه الأفكار، حيث تواجه الدلافين معضلة محيرة: فهي تعيش في الماء، لكن عليها أن تتنفس الهواء لتعيش، وهذا يعني أن الدلافين يجب أن تسبح دائماً، وغني عن البيان أن السباحة والنوم ضدان لا يجتمعان، بيد أنها استطاعت حل هذه المعضلة بأن تعطي نصف دماغها قسطاً من النوم في حين تجعل النصف الآخر في حالة يقظة تسمح لها بمواصلة السباحة والتنفس.

لا يستطيع الإنسان تنفيذ هذا الحل بكل تأكيد، لكن بإمكان الفريق تنفيذه، لمعرفة أهمية النوم للموظف إذ يمكن للفريق إراحة بعض أعضائه بينما يعمل الآخرون، ثم التدوير بينهم بحيث يكون هناك دائماً أشخاص يعملون على إنجاز المهمة وهم في كامل حيويتهم ونشاطهم. قد يبدو هذا الحل غير واقعي، لكن يتم تنفيذه بانتظام بين أطقم الخطوط الجوية التي تعمل على رحلات دولية أو بين الأطباء والممرضات في المستشفيات.

خذ على سبيل المثال غرف أو حجيرات القيلولة التي تتيح أمام أعضاء الفريق إمكانية أخذ فترات راحة من أجل النوم وتجديد نشاطهم وحيويتهم في أثناء عمل الآخرين. لهذه البنى التحتية فائدة ثانوية تتمثل في لفت الانتباه إلى أهمية وقيمة النوم، إلا أن مخاطر البنى التحتية المخصصة للقيلولة تكمن في أنها قد ترسخ فكرة ثقافة العمل لساعات طويلة التي تتخللها قيلولة لمدة قصيرة حتى تصير من المسلمات التي لا تقبل النقاش، وبالتالي لا بد من الضروري إرسال رسالة واضحة شفهياً وعملياً بأن البنى التحتية المخصصة للقيلولة هي أداة للراحة وليست أداة لزيادة ضغوط العمل.

نعلم جميعاً على وجه العموم أننا بحاجة إلى نيل قسط أوفر من النوم، ولكم أتمنى أن تعمل بهذه النصيحة من أجل صحتك وفعاليتك في العمل، ولكن إذا لم تستطع، فلا يزال لديك في جعبتك بعض الحيل لمحاولة التخفيف من حدة المخاطر الناجمة عن العمل وأنت تشعر بالنعاس، فإدارة هذه المخاطر أفضل بكثير من البديل المتمثل في التعثر دون وعي منك في حقل الألغام إذا عملت تحت تأثير الحرمان من النوم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي