“كيف سيكون شكل الواقع الجديد القادم؟”

12 دقيقة
كيف سيكون الواقع الجديد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف سيكون الواقع الجديد حالياً؟ كان نقاش المائدة المستديرة هذا، الذي عقد عبر الإنترنت في أواخر أبريل/ نيسان، مختلفاً عن المعتاد، وبالتالي كان متماشياً تماماً مع هذه الأيام شديدة الغرابة. وقد قالت توري بورش (Tory Burch) مصممة الأزياء ومؤسسة شركة توري بورش مازحة إنها تأنقت لحضور هذه الجلسة عبر تقنية الفيديو بعد أن ظلت ترتدي ثياب النوم لأسابيع. أما كيفين سنيدر، الشريك الإداري العالمي في “ماكنزي آند كومباني” (McKinsey & Company)، فقد ظهر جالساً إلى مائدة الطعام في مطبخ أهل زوجته. وبالنسبة لنانسي مكينستري، الرئيسة التنفيذية لشركة “وولترز كلوار” (Wolters Kluwer)، وجيف مارثا، الرئيس التنفيذي لشركة “ميدترونيك” (Medtronic)، فقد عانا من متاعب في الاتصال في بادئ الأمر، لكن تشاك روبينز الرئيس التنفيذي لشركة “سيسكو سيستمز” (Cisco Systems) (المالكة لخدمة المؤتمرات بتقنية الفيديو “ويبيكس” Webex) قدّم لهما دعماً تقنياً فورياً. وخلال هذا النقاش الذي دار على مدى ساعة كاملة وأداره رئيس التحرير في هارفارد بزنس ريفيو آدي أغناطيوس، تحدّث هؤلاء التنفيذيون الخمسة، الذين كانوا يقودون مُجتَمِعين قوى عاملة يزيد عدد أفرادها على 217 ألف موظف في جميع أنحاء العالم، عن الطريقة التي اتبعوها للتأقلم مع هذه الأوقات المحفوفة بعدم اليقين، وما الذي ينتظره الموظفون والمجتمع منهم الآن، وكيف سيتغير قطاع الأعمال بعد انحسار الأزمة. وفيما يلي مقتطفات من هذا الحوار.

هارفارد بزنس ريفيو: نحن نعيش لحظة استثنائية. كيف يكون الإنسان قائداً فاعلاً في الوقت الحاضر؟

سنيدر: يجب على القادة اختيار الصراحة على حساب الكاريزما. وهذا أمر يستدعي اتخاذ الكثير من القرارات الصعبة. أريد أن أكون شخصاً متفائلاً، لكن هناك أشياء لا نعرفها وأشياء قد تحصل أو قد لا تحصل. لذلك فإن العبارة التي تحضرني هي “التفاؤل المضبوط”. فهذه أيضاً فرصة لتحويل الفوضى السائدة إلى حالة هادفة.

روبينز: عند البحث حول كيف سيكون الواقع الجديد حالياً، فإن الكثير من الموظفين يريدون أن ينظروا إلى القادة بوصفهم بشراً. لقد كررت على مسامع فريقنا أن هذا هو الوقت المناسب لإظهار القيادة وليس الإدارة. حافظوا على هدوئكم، وتحلّوا بالتفاؤل الواقعي، وكونوا حاضرين وظاهرين.

سنيدر: أنا اتفق مع فكرة أن على القادة إظهار طبيعتهم البشرية. عندما بدأت الأزمة، كنت أبعث بالكثير من الرسائل المليئة بالمعلومات. ولكنني في عيد ميلاد أمي الثمانين، أرفقت مع الرسالة صورة لها وهي تحتفي وتحمل الكعكة. دفع هذا الأمر العديد من الموظفين الآخرين إلى إرسال صور، ما زاد من تفاعل الجميع وانخراطهم. وعقدت مجموعة من الموظفين اجتماعاً عبر الفيديو ضمّ كل حيواناتهم الأليفة، فما كان مني إلا أن شاركت فيه بحضور قطتي. لكن شخصاً آخر غلبني عندما حضر مع حصانه! لم تكن هناك فرص كثيرة مختلفة للتعرف على الموظفين. لذلك وبمعنى من المعاني، أشعر أنني أكثر ارتباطاً بهم مما لو كنا مجتمعين جسدياً في المكان ذاته.

بورش: يجب عليك أن تحافظ على سلامة استراتيجيتك لكنك يجب أن تتحلى بالمرونة والرشاقة في الوقت ذاته. ومن الأهمية بمكان أيضاً أن يُظهر القادة بعض الضعف إلى جانب التفاؤل، وأن يقرّوا أن هذا الوضع صعب. فحالة عدم اليقين تحبط عزيمة الموظفين، لكنها يمكن أن تكون مفيدة إذا رأوا فريق إدارة يركّز في عمله ويتواصل بصورة دورية. الموظفون يريدون حواراً وشفافية حقيقيتين.

مكينستري: هنا في “وولترز كلوار”، القيادة تعني أولاً وقبل أي شيء التواصل. ونحن حالياً في حالة تواصل مفرط مع موظفينا وزبائنا لمحاولة إبقاء الجميع مطلعاً لحظة بلحظة على الاتجاه الذي نسير فيه، وضمان معالجة الأمور التي تشغل البال. ثانياً، القيادة تعني الأولويات. جزء كبير من تواصلي مع فريق القيادة لا يتمحور حول إدخال التعديلات على الجانب المتعلق بالتكلفة أو كيفية عملنا في السوق فحسب، وإنما المحافظة على تركيز الجميع على الأولويات الاستراتيجية القصوى. والشيء الثالث هو قابلية التكيف. فالعالم يتغيّر كل يوم، ونحن بحاجة إلى الاستمرار في طرح السؤالين التاليين: كيف بوسعنا أن نساعد زبائننا؟ وكيف بوسعنا أن نساعد مجتمعاتنا المحلية؟ نحتاج إلى الابتعاد عن البيروقراطية، ومعالجة الأمور بسرعة، والتمتع بالرشاقة في العمليات.

مارثا: كما ذكر الآخرون، فإن التواصل هو عنصر في غاية الأهمية. في “ميدترونيك”، قسّمنا الأزمة إلى ثلاث مراحل – الإغلاق العام، والتعافي، والوضع الطبيعي الجديد. طوال كل مرحلة، لدينا أولويات واضحة وإطار لمساعدة الموظفين على اتخاذ القرارات. فليس بوسعك أن تتخذ كل القرارات من القمة، لذلك فإن تقديم هذا الإرشاد مهم.

كيف سيكون الواقع الجديد وكيف غيّر “كوفيد–19” طبيعة ما تفعلونه وكيف تفعلونه؟

بورش: تعلمنا أن بوسعنا التكيف، وإدارة الشركة من المنزل افتراضياً عبر الإنترنت. لدينا فريق عظيم، وقد كانت رؤية حجم العمل الذي نستطيع إنجازه مُلهمة للغاية. أحد الأمور غير السهلة هو العملية الإبداعية. فالتصميم هو عملية حسّية وجهد تعاوني، ومن الصعب كثيراً تصميم تشكيلة ملابس من المنزل.

روبينز: توري على حق. فإدارة الشركة ليست بالأمر الصعب جداً. وبصراحة، عدم الاضطرار إلى ركوب الطائرات، والنوم في السرير ذاته كل ليلة، كانا بمثابة تجربة فريدة من نوعها بالنسبة لي، وأنا لا أعتقد أنني قد مكثت في مكان واحد لهذه الفترة الطويلة خلال 30 عاماً. وبسبب الثقافة السائدة في “سيسكو”، فإن موظفينا معتادون بالتأكيد على العمل من المنزل والاستفادة من التكنولوجيا. ونحن نتحرك أسرع من أي وقت مضى. فعلى سبيل المثال، في آذار/ مارس، بدأ فريقنا بتصنيع معدات الحماية الخاصة بالعمليات الجراحية باستعمال تقنية الطباعة الثلاثية في مكتبنا في سان خوزيه. عادة ما كان حل المسائل القانونية المحيطة بهذا الأمر يستغرق أسابيع. لكننا كتبنا بياناً لإخلاء المسؤولية مؤلفاً من صفحة واحدة، ووقعت عليه إدارة الصحة العامة في مقاطعة سانتا كلارا خلال 10 دقائق، ما سمح لنا بالانطلاق في العمل. هذه هي الأشياء التي استطعنا حلها، وهذا يجب أن يغيّر الطريقة التي نعمل بها من الآن فصاعداً.

مارثا: نحن شركة متخصصة بالتكنولوجيا الطبية، وأحد أقسامنا يتدبر أمر المرضى عن بعد. سمعنا الكثير عن الرعاية الصحية عن بعد، التي تسمح للمرضى بالاجتماع بأطبائهم عن بعد، وكيف تزايد انتشارها. لكن الأمر الآخر المذهل هو السرعة التي نراها في انتقالنا نحو إدارة الأجهزة عن بعد. فعلى سبيل المثال، نحن نصنع أجهزة التنفس الاصطناعي، وواحدة من أكبر المشاكل في معالجة حالات “كوفيد–19” هي أنه عند وضع المرضى على أجهزة التنفس الاصطناعي في وحدات العناية المركزة، قد يكون العاملون في قطاع الرعاية الصحية معرّضين للإصابة بالفيروس. تسمح لك إدارة الأجهزة عن بعد بالتحكم بجهاز التنفس الاصطناعي من خارج وحدة العناية المركزة. وسوف ترون المزيد من هذه التكنولوجيا. فحتى وقت قريب، لم يكن لدى مؤسسات الرعاية الصحية حافز كبير لتبنّي هذا الأمر، ولم يكن يثير اهتمامها كثيراً، لكنه الآن سيصبح من الأولويات. أمر آخر أضيفه هو السرعة المذهلة التي دخلنا بها في شراكة مع شركات أخرى. ففي العادة، أنت تصوغ اتفاقاً تجارياً أولاً؛ أما هنا فإننا نذهب إلى العمل فحسب. وهذه تجربة بوسعنا أن نتعلم منها.

سنيدر: “ماكنزي” هي مؤسسة تهدف إلى خدمة العملاء، ونحن نعتقد أننا نعمل على معالجة أصعب المشاكل التي تواجه عملاءنا. لذلك، فإن التحدي الأكبر بالنسبة لنا هو أن مشاكل عملائنا باتت أصعب بكثير. نحن نساعد الشركات التي تراجعت إيراداتها حتى اقتربت من الصفر، ونساعد أنظمة المستشفيات على التعامل مع التزايد السريع في الطلب، وإيجاد طرق للحصول على الإمدادات من المنتجات الأساسية. وفي الوقت ذاته، نحن مؤسسة تهتم بموظفيها، وموظفونا يبذلون جهداً استثنائياً. بعضهم يعيش في شقق صغيرة بعيداً عن عائلته. لدينا أزواج لكل منهما مسيرته المهنية المستقلة، وكل شريك منهما يحاول إنجاز عمله بينما أطفاله يركضون من حوله ويحتاجون إلى من يعتني بهم. ليس ذلك بالأمر اليسير، وقد ترك هذا الشيء أثراً عميقاً على طريقة عملنا.

مكينستري: في “وولترز كلوار” نحن نساعد زبائننا من أصحاب المهن التخصصية على مواجهة التغيير، سواء أتعلق الأمر بالتعامل مع تشريعات وأنظمة جديدة، أم بتطورات علمية وطبية جديدة. لذلك مع بدء ظهور “كوفيد–19″، كان الأهم بالنسبة لنا هو إيصال المعلومات والحلول البرمجية بسرعة إلى زبائننا العاملين في قطاع الرعاية الصحية وإلى المتخصصين في الضرائب والمحاسبة، وكل ذلك بالمجان. أكثر ما يدعوني للفخر هو الطريقة التي تبنّت بها مؤسستنا الحلول وأوصلتها بسرعة إلى زبائننا في الميدان.

توري، لديكم 300 متجر في أنحاء العالم، معظمها الآن مغلق. هل سيؤدي تبنّي الناس للتجارة الإلكترونية خلال الأزمة إلى حصول تحوّل دائم في ممارسة الأعمال في ذلك الاتجاه؟

بورش: أنا أؤمن بالتحول الرقمي، وعلى المستوى العالمي، كان هذا التحول هو المحرك الأساسي لنمونا في السنوات القليلة الماضية. لكنني أؤمن أيضاً بتجارة التجزئة في المتاجر الفعلية. ها هي الصين عادت إلى فتح اقتصادها من جديد الآن، وهذا يعطينا الكثير من الأمل. كنت أعتقد أن الناس هناك سيكونون أكثر ميلاً إلى الخوف من ارتياد المتاجر. ومع ذلك، يجب علينا أن نعرف كيف نضمن أن يشعر الزبائن بالأمان عندما تفتح المتاجر أبوابها من جديد. حقيقة أخرى مثيرة للاهتمام هي أننا عندما ننظر إلى الجيل زد (Gen Z) – أي من ولدوا بعد أواسط تسعينيات القرن الماضي – فإن التسوق هو جزء من حياتهم الاجتماعية. فقد نشأوا وترعرعوا وكبروا وهم ملتصقون بحواسيبهم، وهذا أحد الأسباب التي تجعلهم يحبّون الخروج إلى المتاجر ولمس المنتجات بأيديهم. وهذا الشيء سيظل يحظى بأهمية كبيرة.

نانسي، كان اسمك مدرجاً على قائمتنا التي تضم الرؤساء التنفيذيين الأفضل أداءً، ويعود ذلك جزئياً إلى نجاحك في قيادة عملية التحول الرقمي. ما هي النصيحة التي تقدمينها إلى الرؤساء التنفيذيين الذين يحاولون خفض النفقات خلال الأزمة مع المضي قدماً في جهود التحول؟

مكينستري: أحد الأمور التي غالباً ما أرددها عن التحول الرقمي هو أنك يجب أن تتبنى نظرة بعيدة المدى. فالاتجاهات التي كنا نراها فيما يخص أدوات التعاون، والتسويق الرقمي، والحوسبة السحابية، هي كلها أمور ستزداد حضوراً في مرحلة ما بعد جائحة فيروس كورونا. فالأولوية القصوى هي للتركيز على التحول الرقمي الذي يؤثر على زبائنك. هنا المبتدأ. لذلك، ما عليك إلا وضع الأدوات الصحيحة في أيدي موظفيك وأيدي زبائنك لكي يبدؤوا الرحلة. ثانياً، يجب عليك مواصلة إعادة الاستثمار. نحن نستثمر 8% إلى 10% من الإيرادات في الابتكار، وفعلنا ذلك خلال الأزمة المالية عام 2008. كما أدعوا إلى الاستمرار في التركيز على بضع أولويات فقط. فالموظفون يتشتت انتباههم، لكنك يجب أن تركز على شيئين أو ثلاثة أشياء أنت بحاجة إلى إعطائها الأولوية لتحافظ على استمرار الزخم.

كيفين، أنت تتحدث إلى الرؤساء التنفيذيين في جميع أنحاء العالم طوال الوقت. ما هو الخطأ أو التصور الخاطئ الأكثر شيوعاً الذي تراه في أوساط القادة وهم يفكرون بخصوص كيفية النجاة أو النجاح خلال الأزمة؟

سنيدر: جميع الرؤساء التنفيذيين يواجهون حالة غير مسبوقة، ومعظمهم يبلون بلاء حسناً. فمن الصعب جداً الموازنة بين ما هو بين أيدينا الآن هنا والمستقبل. وأنت بحاجة إلى مجهر للتعامل مع التفاصيل المتعلقة بالمحافظة على استقرار أنشطة الشركة. لكن واقع الأمر يقول إننا لن نعود إلى ما كنا نعتقده وضعاً طبيعياً، لذلك أنت بحاجة إلى تلسكوب لتحدد “ما هو شكل الوضع الطبيعي المقبل”. يحاول العديد من الرؤساء التنفيذيين فعل الأمرين معاً حالياً، فإذا ما وضعت مجهراً على العين الأولى وتلسكوباً على العين الثانية، فإنك ستصاب بالصداع فحسب. وأنت لا تميل إلى رؤية أي شيء بوضوح كبير. لذلك، من الأهمية بمكان إيكال مهمة إعادة العمل إلى سابق عهده إلى فريق، وتخصيص فريق منفصل للتعامل مع ما سيحصل بعد عام أو عامين من الآن ودراسة مختلف الاحتمالات.

بالحديث عن الوضع الطبيعي المقبل، ما هو الشيء الذي قد يتغيّر تغيّراً جوهرياً في طريقة إدارة المؤسسات؟

مارثا: تحدثنا قبل قليل عن التوجه نحو المزيد من التحول الرقمي. أمر آخر هو أن الناس يراقبون ليروا كيف تعاملُ المؤسسات موظفيها، وزبائنها، ومستثمريها، وغيرهم من الجهات المعنية. هل تتصرف بطريقة مسؤولة اجتماعياً؟ فالأجيال الأحدث عهداً، وتحديداً الجيل زد، سيعتمد في اتخاذ قرارات التوظيف المستقبلية إلى حد كبير على الكيفية التي تتعامل بها الشركات حالياً مع هذه الجائحة. والجانب المتعلق بالمسؤولية الاجتماعية في ذلك سيكون له أثر مباشر على قدرتك على اجتذاب كبار أصحاب المواهب والاحتفاظ بهم.

مكينستري: أحد الأمور التي رأيتها في أنحاء مختلفة من العالم هو حصول المزيد من التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص. بعض الدول التي نجحت في التعامل مع الأمر أكثر من غيرها حتى الآن، وهنا يخطر في بالي ألمانيا، التي كانت قد شهدت قدراً أكبر من التعاون بين القطاع العام والشركات الخاصة. وهذا يصدق سواء تعلق الأمر بسلاسل التوريد أم بالمرضى أم بمسائل أخرى. عندما ننظر إلى الوراء إلى ما حصل، يحدونا الأمل أن نكون قادرين على الاستفادة من بعض هذه الممارسات الفضلى وتطبيقها في المستقبل.

روبينز: أعتقد أنه سيظلُ يُنتظر منا أن نتحرك بسرعة عالية، بعد أن أثبتنا قدرتنا على فعل ذلك. وهذه التجربة سوف تُحْدِثُ تغيراً جوهرياً في طريقة تفكيرنا تجاه مكان تواجد أصحاب المواهب العاملين لدينا، لأننا جميعاً نعلم أننا سنكون قادرين على أن نكون منتجين باستعمال التكنولوجيا الرقمية. لذلك في “سيسكو”، وعوضاً عن الاضطرار إلى توظيف المهندسين في بعض المناطق الجغرافية، بوسعنا توظيف بعض من أفضل أصحاب المواهب في أي مكان وإدخالهم ضمن فرقنا. كما أعتقد أيضاً أن الفيروس قد سلّط الضوء على حالة عدم المساواة في الولايات المتحدة وفي العالم كما لم يسبق لأي شيء أن فعلها من قبل. عندما تنظر إلى الناس الموجودين على الخطوط الأمامية في محاربة الفيروس – الذين يعرّضون حياتهم للخطر على أي حال – تجد أنهم أكثر الأشخاص تعرّضاً للمخاطر المالية. ونحن الآن لدينا فرصة، وعلينا واجب، للتفكير في كيفية حل تلك المشكلة. وعندما نخرج من هذه الحالة، يجب أن تكون لدينا العزيمة لمعالجتها بطرق جديدة.

سنيدر: أعتقد أن هناك مجموعة من الأمور الأخرى التي سوف تتغير أيضاً، أحدها هو دور الحكومة. فبحسب أحد التقديرات، حجم الأموال الحكومية التي أنفقت على هذه الأزمة يبلغ حتى الآن ثمانية أضعاف حجم خطة مارشال التي نفّذت في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فماذا سيكون دور الحكومة مستقبلاً؟ هل ستتخلى عن الانخراط في عالم الأعمال، أم أن هذا الوضع سيتحول إلى حالة دائمة؟ هناك تغيير آخر يشمل إعطاء الأولوية للمرونة في مواجهة الصدمات والشدائد على حساب الكفاءة. كنا في حقبة كان تركيز الناس فيها منصبّاً على الكفاءة، وتطبيق فكرة المخزونات وسلاسة التوريد العالمية في الوقت المناسب. أما في المستقبل، فإنني أعتقد أن الناس سيكونون شديدي التركيز على المرونة في مواجهة الصدمات لأننا رأينا كيف أن الزعزعة يمكن أن تكون كارثية. وهناك أمر أخير: كنا نتحدث عن “موت المسافة” بسبب التكنولوجيا، لكن الحدود عادت للظهور من جديد، والناس باتوا يهتمون أكثر بما يستطيعون لمسه والإحساس به والمكان الجغرافي الذي يعملون فيه. وهذا يشكل تحدياً نوعاً ما للافتراضات المتعلقة بالعولمة.

الناس يراقبون ليروا كيف تُعامِلُ المؤسسات موظفيها، وزبائنها، ومستثمريها.

تشاك، “سيسكو” موجودة على الخطوط الأمامية فيما يتعلق بطريقة تواصلنا واتصالنا الآن. فكيف هيأ فريقكم نفسه للارتفاع الكبير الذي حصل في استعمال “ويبيكس”؟

روبينز: رأينا الأزمة تحصل أمام أعيننا في آسيا، لذلك كنا نعلم أنها قادمة، لكننا لم نقدّر بالكامل السرعة التي كان يتعين علينا أن نتحرك بها. آسيا الآن تستعمل “ويبيكس” بمقدار أربعة أضعاف ما كانت تستعمله في السابق. في أوروبا والأميركيتين، النسبة هي ثلاثة أضعاف تقريباً. في بعض أوقات اليوم – وتحديداً عند الحادية عشرة صباحاً بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية، وهو الصباح الباكر في الساحل الغربي للولايات المتحدة وفترة بعد الظهر في أوروبا – يكون الاستخدام هو 15 ضعف ما كان عليه في مطلع 2020، وتلك القاعدة لم تكن بالرقم الصغير. الأسابيع الثلاثة الأولى من الأزمة كانت صعبة نوعاً ما، حيث كنا في طور تجهيز البنية التحتية. لكننا حظينا بشركاء عظام من شركات الهاتف المحمول والاتصالات التي ساعدتنا، ونحن حالياً نجري أكثر من 4 ملايين اجتماع يومياً. الناس باتوا يرون أنك قادر على العمل بهذه الطريقة. لا يرغب الجميع بالعمل بهذه الطريقة في كل لحظة من كل يوم، لكنك تدرك أنك قادر على إنجاح العمل بهذا الأسلوب. وهذا يطرح أسئلة واضحة بخصوص حجم المساحات في العقارات التجارية وغيرها من الأمور التي ستكون محط نقاش بعد أن نجتاز الأزمة.

كيفين، أعلم أن “ماكنزي” أجرت أبحاثاً حول الأمور التي ساعدت بعض الشركات على التفوق في الأداء بعد أن خرجت من الركود الأخير. هل تنطبق تلك الدروس على الوضع الآن؟

سنيدر: لا شك أن نطاق ما نواجه اليوم وحجمه يختلفان اختلافاً كبيراً. ولكن رغم هذا الشرط، إلا أن الشركات التي خرجت من الأزمة المالية العالمية عام 2008 بقوة كانت هي الشركات التي أوجدت مرونة في ميزانياتها وتكاليفها قبل الأزمة. ثم لجأت العديد منها خلال الأزمة المالية إلى إعادة تغيير شكل محافظها. لقد فكّرت ملياً في التكاليف المهمة، كما أنها تأنت في إنفاقها على تكنولوجيا المعلومات. كانت الشركات الرابحة قد اتخذت القرارات الصائبة بخصوص هذه المسائل. كما أنها أبدعت في التركيز على الزبائن. وقد خرجت من حالة الركود متمتعة بإجمالي عوائد للمساهمين تزيد بنسبة 150% على عوائد منافسيها.

مكينستري: أود أن أضيف أن الطريقة التي تُعامِلُ بها الشركات موظفيها الآن سوف تكون في غاية الأهمية مستقبلاً. فالمواهب باتت نادرة جداً. في “وولترز كلاوار”، نحن نعطي الأولوية القصوى لموظفينا، وأنا أؤمن أن هذه الاستراتيجية سوف تؤتي أكلها. عندما أنظر إلى الوراء وإلى ما حصل خلال الأزمة المالية العالمية، أعتقد أن بعض الشركات دفعت ثمناً فادحاً نتيجة للطريقة التي عاملت بها العاملين لديها.

جيف، أنت توليت منصب الرئيس التنفيذي في “ميدترونيك” هذا الشهر فحسب. لا أستطيع أن أتخيل كيف هو شكل الفترة الانتقالية خلال هذه اللحظة.

مارثا: كنا قد أعلنا عن انتقالي إلى منصب الرئيس التنفيذي قبل أشهر. وكان عمر إشراق، سلفي في المنصب، قد بدأ يتنحى عن إدارة تفاصيل الشؤون اليومية للشركة، وكنت قد بدأت أتولى شؤون المنصب. ثم تفشّت الجائحة. وعاد عمر إلى الانخراط أكثر مجدداً، لأننا كنا أمام لحظة حاسمة تحتاج إلى مساهمة الجميع. ورغم أنني لا أتمنى الجائحة هذه لأي إنسان، إلا أنها وبطرق عديدة سرّعت العملية الانتقالية. فعندما تُرقّى وتبدأ بقيادة أقرانك السابقين، ثمة ميل إلى توخي الحذر الشديد في العمل. أما خلال الأزمة، فلا وقت لهذا الكلام بل يجب أن تكون حازماً جداً وأن تتخذ القرارات. لذلك، وبسبب كثافة العمل وحجم المناقشات التي كنا نخوضها، شعرت وكأنني كنت رئيساً تنفيذياً منذ سنة أو سنتين.

سيبدو سؤالي التالي وكأنه على سبيل الفكاهة يا توري، لكنني أشعر بالفضول. فالكثير منا كانوا يرتدون ثياب النوم والقمصان العادية أثناء العمل من المنزل. هل سيكون لذلك أثر دائم على الطريقة التي يرتدي بها الموظفون ملابسهم عند الذهاب إلى العمل؟

بورش: الموضة تأتي وتذهب، لكن ارتداء ملابس غير رسمية والاهتمام بالصحة والعافية كانا أحد التوجهات السائدة قبل الأزمة، وهذا الأمر سيستمر. في الوقت ذاته، سيرغب الناس بالخروج والتأنق مجدداً. لذلك عند الإجابة على سؤال كيف سيكون الواقع الجديد فإنني لا أنصحك بالتخلص من أي من بناطيلك أو ستراتك الجميلة. بيد أنني أود قول الفكرة العامة التالية: غالباً ما ينظر الناس إلى تجارة التجزئة بالأزياء والملابس على أنها من الصناعات “الخفيفة”، وعندما أصابنا هذا التهديد، كان واضحاً أن أحداً لم يطالب الحكومة بمساعدتنا. لكن قطاعنا يمثل 11 مليون وظيفة في أميركا، بينما تبلغ حصتنا من الناتج المحلي الإجمالي 2.5 تريليون دولار. فكرة أن الأزياء تافهة وعبثية هي فكرة مبنية على تصور خاطئ.

هل هناك من توقعات مالية؟

سنيدر: عند التفكير في كيف سيكون الواقع الجديد فإنه في وقت من الأوقات، سوف نعود إلى الحديث عن المشاكل الأساسية التي واجهتنا قبل الأزمة. أحدها كان الاستدامة والبيئة. من الصعب التفكير فيها حالياً، وخاصة أن أسعار النفط هي عند هذا المستوى، لكن تراجع حجم حركة الطيران كان مفيداً للكوكب. كما أن استجابة الحكومات في أنحاء العالم لجائحة “كوفيد–19” كانت هائلة. وبالتالي كيف سيتوصل الناس إلى المواءمة بين تلك الاستثمارات والتزامهم بفعل شيء ما تجاه ما هو حاصل في البيئة؟ فيروس كورونا هو صدمة ذات أثر فوري، لكن التغير المناخي هو صدمة كانت تتراكم تدريجياً. وسوف يكون قطاع الأعمال في صميم الحوار عندما نتحدث عن جدول الأعمال الصديق للبيئة (أو الأخضر) في سلاسل التوريد. قد لا يكون من السهل الانتقال نحو حالة الاستدامة لأنه ستكون هناك بعض التكاليف الحقيقية التي سيكون تحملها أصعب.

مكينستري: في موضوع آخر، أود القول إن ما يمر به الأطباء والممرضون الميدانيون مذهل. فنحن جميعاً مدينون لهم بامتنان هائل. أحد نتائج ما يحصل الآن هو أننا سوف نعيد النظر في الرعاية الصحية وفي كيفية تقديمها في أنحاء العالم، وهو ما يجيب على التساؤل حول كيف سيكون الواقع الجديد بالفعل.

روبينز: إن ثقافة المؤسسات، وموظفيها، والكيفية التي تصرّف بها القادة خلال هذه اللحظة، سوف تحدد كلها كيف سيكون الواقع الجديد وهوية الناجح في المستقبل. فالموظفون والمجتمع يريدون أن يعرفوا الشخصية الحقيقية للشركة. وما الذي تمثله؟ سوف يكون للإجابات عن هذه الأسئلة أثر دائم بعد أن نتجاوز الوضع الحالي.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .