جمع هنريك كرونكفيست الأستاذ الجامعي في كلية هربرت للأعمال في جامعة ميامي وزملاؤه بيانات تخص الخلفيات الاجتماعية الاقتصادية للرؤساء التنفيذيين الأميركيين والممارسات والسياسات الخاصة بالموظفين في شركاتهم، كما تتجلى في الدعاوى القانونية المرفوعة من النقابات العمالية والموظفين، ومقاييس السلامة المهنية، وتقييمات الموظفين لشركاتهم. وقد توصلوا إلى أن الرؤساء التنفيذيين الذين نشأوا وترعرعوا في بيئات أقل ثراء كانوا أكثر ميلاً إلى إدارة شركات لا تُحسِن معاملة العاملين لديها. وكانت الخلاصة التي توصلوا إليها هي: الرؤساء التنفيذيون المنحدرون من عائلات تنتمي إلى الطبقة العاملة يدعمون سياسات أقل محاباة للعمال.
أستاذ كرونكفيست
دافع عن بحثك العلمي
كرونكفيست: قد تبدو هذه النتيجة معاكسة للحدس من النظرة الأولى. لكنّ حجتي هي أن الحدس يدعم أياً من التأثيرين اللذين كان يمكن لبحثنا أن يتوصل إليهما. وإليك ما أعنيه: فمن جهة، بوسعك أن تتخيل أنك لو نشأت في أسرة تنتمي إلى الطبقة العاملة ورأيت والدتك أو والدك لا يلقيان معاملة حسنة كموظفين، فإنك ستتعلم من تلك التجربة وستطبّق سياسات أكثر محاباة للعاملين عندما تصبح رئيساً تنفيذياً. لكنك من جهة أخرى ستكون ربما أكثر ميلاً إلى تحمّل السلوكيات غير الودودة في الشركات الكبرى. وعندما درست أنا وشريكاي في تأليف البحث إيرين هوتون من جامعة ولاية فلوريدا ودانلينغ جيانغ من جامعة ستوني بروك وضع الرؤساء التنفيذيين للشركات المدرجة على مؤشر "إس آند بي 1500" (S&P 1500) بين العامين 1992 و2017، وكان لدينا ما يكفي من المعلومات عنهم، وجدنا أدلة على الاحتمال الثاني وليس على الاحتمال الأول.
هارفارد بزنس ريفيو: هل أساس النتيجة التي توصلتم إليها نفسي؟ هل يميل الناس إلى إعادة استنساخ الظروف التي نشأوا فيها؟ العامل النفسي بلا شك هو أحد العوامل المهمة، لكن عِلْمَي الاقتصاد والاجتماع لهما دورهما أيضاً. فالكثير من أعمالنا السابقة في هذه الحقول الثلاثة تستقصي "معايير العمل المهني" وتُظهرُ أن شكل هذه المعايير يتحدد جزئياً نتيجة تجاربنا خلال المراهقة والطفولة – أي ما نراه، وما نحصل عليه من معلومات، والنقاشات التي نخوضها طوال هاتين الفترتين. وأن يربى المرء في منزل لأبوين من ذوي الياقات البيضاء هو تجربة مختلفة تمام الاختلاف عن أن يترعرع وسط أسرة مؤلفة من أصحاب الياقات الزرقاء. فتجارب العمل المهني لأبوين من أصحاب الياقات الزرقاء سوف تعكس أجوراً أدنى، وأماناً وظيفاً أقل، وحوافز ومكاسب محدودة، ومطالب جسدية أكبر، والعمل خلال ساعات غير معتادة. أردنا أن نعرف إذا ما كان هناك ارتباط بين الظروف التي نشأ الرؤساء التنفيذيون فيها والمعايير التي تعرضوا لها، ومواقفهم من العاملين كما تتجلى في سياساتهم العمالية..
كيف قستم الخلفية الاجتماعية الاقتصادية؟ عبر التاريخ، كان يُنظرُ إلى الطبقة الاجتماعية على أنها مرتبطة بثلاثة عوامل هي: الدخل، والتعليم، والمهنة. وفي حالتنا، قررنا أن ندرس بصورة أساسية مهنتي الوالدين. استعملنا مجموعة من المصادر، مثل الصحف، والروابط المهنية، والمطبوعات الجامعية عن الخريجين، والخطابات التي ألقيت في المناسبات بهدف تتبّع المعلومات الخاصة بأهالي أكثر من 1,626 رئيساً تنفيذياً أميركياً. ثم فرزناهم ضمن خمس طبقات اجتماعية اقتصادية هي: الطبقة العليا (الرؤساء التنفيذيون، والمحسنون، وكبار رجال الأعمال)، وطبقة أصحاب المهن الاختصاصية (الأطباء، والقضاة، وضباط الجيش من ذوي الرتب العالية)، والطبقة الوسطى (المحاسبون، والمهندسون، والمعلمون)، والطبقة العاملة (النجارون، والسباكون، وسائقو الشاحنات)، والفقراء (العاطلون عن العمل، وأصحاب المهن المؤقتة، والمزارعون المستأجرون.
ماذا عن فكرة السياسات المحابية للموظفين؟ كيف قستم ذلك؟ حسناً! لم نكن نعتقد أن هناك مقياساً واحداً مثالياً. لذلك، راجعنا ثلاثة مقاييس تقيس النتائج المرتبطة بالسياسات العمالية. كان المقياس الأول هو عدد القضايا القانونية المرفوعة من الموظفين أو النقابات العمالية – والفكرة من ذلك هي أنه إذا كان هناك موظفون أو نقابات عمالية ترفع دعاوى ضد شركة ما، فإن ذلك ربما يدل على أن لديها ممارسات عمالية أسوأ. كما أخذنا بحسباننا أيضاً الانتهاكات الحاصلة في مكان العمل كما حددتها عمليات تفتيش قامت بها إدارة السلامة والصحة المهنية الأميركية؛ وكثرة هذه الانتهاكات بطبيعة الحال تعني بيئة عمل أقل ودّاً. أخيراً، راجعنا تقييمات الموظفين أنفسهم للشركات، وقد استقيناها من موقع (Glassdoor.com) لأنه أقوى قاعدة بيانات تضم آراء تقييمية تخص الشركات المدرجة على مؤشر "إس آند بي 1500" (S&P 1500). شعرنا أنه إذا كانت هذه المقاييس الثلاثة تشير في الاتجاه ذاته في حالة كل شركة – وهذا ما حصل – فإن ذلك سيمنحنا إحساساً جيداً حول مدى حُسن معاملة شركة ما للعاملين لديها.
أليس هناك الكثير من العوامل الأخرى التي كان بمقدوركم أخذها بالحسبان – مثل الإجازات مدفوعة الأجر، والعطلات، وتغطية الرعاية الصحية؟ هذا سؤال وجيه. بيد أن مدى محاباة المنافع للموظفين في تحليلنا ينعكس في تقييمات الموظفين لشركاتهم على موقع (Glassdoor.com).
لكنني أتخيّل أن التقاضي، وشكاوى السلامة والصحة المهنية، بل وحتى التقييمات تفاوتت تفاوتاً كبيراً بين القطاعات. فلربما كان الرؤساء التنفيذيون الذين نشأوا فقراء أكثر ميلاً إلى ترؤس شركات تؤدي أعمالاً أخطر؟ أنت على حق تماماً في القول إن هناك بعض التفاوت الهائل بين مختلف القطاعات. لكننا ضبطنا هذا الأمر في تحليلنا الإحصائي في الدراسة. وهذه ليست ظاهرة تحصل في بعض القطاعات دوناً عن الأخرى. كما ضبطنا أيضاً مجموعة أخرى من العوامل المهمة التي تخص قطاع الأعمال، بما في ذلك حجم الشركة، وأصولها الإجمالية، وقدرتها على تحقيق الأرباح، ومعدل ديونها، ونسبة القيمة السوقية لسهم الشركة إلى قيمته الدفترية.
هل كان ثمة أي فرق بين الرؤساء التنفيذيين الذين أسسوا شركاتهم ومن لم يؤسسوها؟ هذا أمر مهم لأن المؤسسين غالباً ما يكونون أكثر انخراطاً في تكوين ثقافة شركاتهم. لذلك ضبطنا هذا العامل أيضاً. وحسبما اكتشفنا، فإن التأثير كان ذاته في حالتي الرؤساء التنفيذيين المؤسسين والرؤساء التنفيذيين المتخصصين.
كيف تعلمون أن الرؤساء التنفيذيين، وليس أسلافهم في المنصب أو مجالس إداراتهم، هم من حدد السياسات العمالية؟ إحدى طرقي المفضلة في محاولة معالجة مسألة السببية كانت النظر إلى التغيرات الحاصلة في الرؤساء التنفيذيين. وما رأيناه هو أنه عندما كانت الشركة تنتقل من عهد رئيس تنفيذي ينحدر من أسرة ذات ياقات زرقاء إلى آخر من أسرة ذات ياقات بيضاء، فإن سياساتها كانت تصبح أكثر ودّاً.
ماذا عن الجغرافيا؟ هل كانت استنتاجاتكم تصمد بغضّ النظر عن المكان الذي يوجد فيه المقر الرئيس للشركة؟ جمعنا عيّنات من الشركات من أنحاء البلاد، لكننا لم نضبط الموضوع الجغرافي. بوسعنا فعل ذلك مستقبلاً لنرى إذا ما كانت الجغرافيا ستُظهر أي فروقات بين الشركات الواقعة في مناطق مختلفة. وسيكون من اللافت أن نجري دراسة من هذا النوع على المستوى الدولي، وإن كان هذا الأمر لا يخلو من المصاعب.
هناك علاقة معقدة بين الطبقة الاجتماعية الاقتصادية والعرق في الولايات المتحدة الأميركية. كيف تعامل بحثكم مع هذه المسألة؟ لم نراجع موضوع العرق بالتحديد. لكننا درسنا الارتباط بين التصنيفات الاجتماعية الاقتصادية للرؤساء التنفيذيين ومجموعة أخرى من الخصائص المتعلقة بخلفياتهم، مثل ما إذا كان الوالدان مهاجرين أو من أبناء الأقليات، وما إذا كانا قد خدما في الجيش، أو ما إذا كانا قد درسا في واحدة من جامعات رابطة اللبلاب الراقية (Ivy League). وقد توصلنا إلى وجود بعض الارتباطات، فالرؤساء التنفيذيون الذين كان أهاليهم حاصلين على شهادات من الجامعات الراقية كانوا ينتمون على الأغلب إلى الطبقة العليا؛ أما من كانوا ينتمون إلى خلفيات من عائلات مهاجرة أو من الأقليات فقد كانوا أكثر ميلاً إلى الانتماء إلى عائلات من الطبقتين العاملة أو الفقيرة. ومع ذلك، فإن 5.7% فقط من الرؤساء التنفيذيين في عيّنتنا كانوا من الأقليات، وبالتالي فإن ما تستطيع هذه الارتباطات إخبارنا به محدود.
ماذا عن الرئيسات التنفيذيات في مقابل الرؤساء التنفيذيين؟ كنا سنُجري هذا التحليل، لكن المؤسف في الأمر هو أن 4.4% فقط من القادة في عيّنتنا كن من النساء، لذلك كان من المستحيل استخلاص أي نتائج ذات مغزى. بيد أننا حللنا إحدى السمات المرتبطة بالنوع الاجتماعي ألا وهي ما إذا كانت والدة الرئيسة التنفيذية عاملة أم لا. فإذا ما كانت والدة القائد تمتلك وظيفة، فإن التأثير كان في الحقيقة أقوى، أي أن السياسات العمالية لشركة الرئيس التنفيذي كانت أسوأ حتى.
ما هي الخلاصات التي تستنتجونها من ذلك؟ حسناً، الرؤساء التنفيذيون في مجموعة بياناتنا أكبر عمراً نسبياً: فقد كانت سنة ولادتهم في المتوسط هي 1946 أو 1947. ونحن نعلم أن معظم النساء واجهن ظروفاً أصعب في مكان العمل في الخمسينيات والستينيات. لذلك فإن الرئيس التنفيذي المستقبلي الذي كانت أمه تعمل سيكون قد تعرّض إلى معايير عمل مهني أقسى في مطلع حياته.
هذا الأمر يجعلني أتساءل عما يلي: هل كانت هناك اتجاهات واضحة بين مختلف الأجيال في نتائجكم؟ في الحقيقة، نعم. وهذه ملاحظة أكثر إيجابية! فإذا ما نظرت إلى الرؤساء التنفيذيين المولودين في عام 1960 أو ما بعده – أي أنهم بعمر 60 عاماً أو أقل – فإن التأثير يميل إلى أن يكون أضعف، وهذا يدل ربما على وجود تأثير للأجيال هنا. كما أن الرؤساء التنفيذيين الأصغر عمراً أقل طبقية فيما يخص سياساتهم العمالية؛ وخلفياتهم الاجتماعية الاقتصادية أقل تأثيراً. وهذا شيء يمكن أن يعطي نتيجة إيجابية في المستقبل، لكننا سنحتاج إلى بعض الوقت لكي نعلم علم اليقين ما إذا كان هذا الاتجاه سيتواصل.
هل رأيتم أياً من ذلك يتجلى في استجابات الشركات لأزمة فيروس كورونا؟ ليس لدينا أي أدلة منهجية بخصوص هذا الأمر حتى الآن، لكنّ بعض التفاوت في الإجراءات والسياسات المتعلقة بصحة العاملين وسلامتهم خلال الجائحة يمكن أن يُعزى إلى البيئة التي ترعرع فيها الرئيس التنفيذي. كما أن هذه الأزمة والظروف الاقتصادية السيئة سوف ترسم معالم جيل بأكمله، تماماً كما أوجدت الثلاثينيات "أطفال حقبة الكساد". تشير أبحاثنا إلى أن من ينشؤون في بيئة فقيرة خلال أزمة اليوم سيكونون أكثر ميلاً إلى تحمل ممارسات أقل ودّاً تجاه العمال في الشركات الكبرى إذا ما أصبحوا رؤساء تنفيذيين. سوق العمل الأكاديمي هو تجربة لا أتمناها لأحد.