بدأ المسؤولون التنفيذيون يدركون أنه لبناء أعمال تجارية كبيرة، تحتاج الشركات إلى هدف أكبر، هدف يتجاوز الحد الأدنى التقليدي، حيث تنجذب أفضل وألمع الكفاءات إلى المؤسسات التي تقدم غرضاً أوسع. ولكن مجرد تحديد الغرض لا يكفي. فرغبتك في الانضمام إلى اللعبة تشكل الخطوة الأولى فقط. ما يميز الشركات التي يحب الناس العمل بها، هو العاطفة. فالناس يريدون أن يكونوا شغوفين بما يفعلونه، ويريدون أن يكونوا محاطين بأشخاص متحمسين لما يقومون به أيضاً، إنهم يريدون شركة متعاطفة.
لسوء الحظ، فإن التحدي الذي يواجه القادة في خلق شركة متعاطفة هو أنه لا توجد نظرية إدارية رسمية لكيفية بناء، ورفع، وقياس مستوى العاطفة لدى موظفيك. فالعاطفة تندرج أساساً في هذه الفئة الغامضة التي تُعبر عنها مقولة "ستعرف ذلك عندما تراه".
أما بالنسبة لي، فإن الموظف الشغوف هو الشخص الذي يولي الاهتمام لـ "ماهية وآلية" استراتيجيات الشركة وتكتيكاتها، وهو الشخص المشارك والمحب للاطلاع على شؤون الشركة وهو الذي يتساءل باستمرار عما تفعله الشركة ويتميز بدور خاص في إنجاحها. ويفعل ذلك ليس لأن شخصاً ما أمره في ذلك، بل لأنه يريد ذلك من تلقاء نفسه. هذا هو نوع المكافأة الجوهرية التي يبحث عنها العاملون اليوم، لا الزيادات المسرفة أو العلاوات المالية التي افترضناها بطريق الخطأ حول العمال المتحمسين في الماضي.
كيفية تعزيز نوع العاطفة في الشركات
على سبيل المثال، في شركة "ريد هات" (Red Hat)، حيث أشغل منصب الرئيس والمدير التنفيذي، لدينا ثلاثة شركاء على الأقل متحمسون جداً لدور شركتنا في تغيير العالم من خلال تكنولوجيا مفتوحة المصدر لدرجة أنهم حصلوا على وشم "شادومن" (Shadowman) وهو عبارة عن أيقونة رجل يرتدي قلنسوة حمراء في شعار شركتنا. كم عدد الشركات التي يمكن أن تزعم الشيء نفسه؟ إن هذا المستوى من الاستقرار والشعور بالمهمة لم يكن بإمكان أي خبير اقتصادي توقعه من خلال رسم بياني.
إلى جانب عدم وجود نظرية إدارية لكيفية تعزيز نوع العاطفة لـ "وشم شادومن"، فإن المشكلة الأخرى التي تطفو على السطح هي أن العديد من المدراء التنفيذيين الذين أتحدث معهم ما زالوا يخلطون بين المشاركة والروح المعنوية، والرضا الوظيفي، وحتى السعادة. فالمشاركة لا تنم عن شعورك بالسعادة، حيث إن الناس السعداء قد يكونون مشاركين أو غير مشاركين في الشركة.
عندما كنت الرئيس التنفيذي للتشغيل في شركة "دلتا للطيران" (Delta Air Lines) أتذكر مرة أنني سئلت، "ماذا ستفعل حيال معنوياتنا؟". الإجابة: "لا شيء". الروح المعنوية هي نتاج العديد من الأشياء. إذا كانت القوة العاملة تؤمن بالهدف الذي تنشده، ولديها الأدوات التي تحتاجها للقيام بعملها بشكل جيد، وتشارك فيما تحاول إنجازه، فمن المرجح أن يكون لديها معنويات عالية. ولكن إذا كانت الروح المعنوية منخفضة، فعليك التركيز على هدف مؤسستك، وعلى الأدوات، وبناء المشاركة. فمحاولتك المباشرة لجعل الناس سعداء هو مجرد علاج للأعراض، وليس الأسباب.
خطوات لتعزيز العاطفة التي تغذي الأداء الرائع
في "ريد هات"، ندرك أن الناس يستثمرون وقتهم الثمين من خلال اختيار العمل معنا لأنهم يريدون أن يشعروا بأنهم يعملون على تغيير العالم للأفضل. فيما يلي خمس طرق نعزز بها نوع العاطفة التي تغذي الأداء الرائع:
دع الناس يُظهرون عواطفهم. غالباً ما نستخدم المصطلح "عاطفي" مثل كلمة سيئة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمكان العمل. لكن الإلهام والحماس والدافع والإثارة هي عواطف أيضاً. إذا طلبت من الناس التحقق من عواطفهم (سواء الجيدة منها أو السيئة) عند الباب، فلا يمكنك الاستفادة من شغفهم.
توظيف الناس العاطفيين. تتمثل إحدى طرق جذب الأشخاص المتحمسين إلى مؤسستك في الاعتماد على الأشخاص الذين يعملون بالفعل لإحالة الأشخاص الذين يرغبون في العمل معهم. قم بإنشاء برنامج حوافز مرن يكافئ الناس على جلب مرشحين مناسبين تماماً لثقافتك.
إثارة العواطف. ابحث عن طرق لمشاركة فريقك والاحتفال به. يمكنك زيادة نشرتك الإخبارية لشركتك من خلال تصوير مقاطع فيديو لموظفيك أثناء العمل أو العثور على فرص لطرح حفلات مستوحاة من الثقافة الشعبية للاحتفال بالإنجازات المشتركة.
لا تهدر الموظفين المميزين (حافظ على موظفيك المميزين) امنح موظفيك الاستقلالية للقيام بالعمل الذي يهمهم. ثم شاهد ما يحدث عندما يضعون طاقاتهم وموهبتهم في أي دور يقومون به.
سياق المشاركة. معظم الشركات تتبنى هدفاً معلناً للشركة أو رسالة الشركة. لسوء الحظ، فإن هذه الكلمات نادراً ما تُستخدم، ما من شأنه أن يُخفّض من دفع الهدف أو الشغف داخل الشركة. تتمثل مهمة قادتنا في إنشاء سياق من خلال ربط مهمات العمل لشركائنا بالمهمة الأوسع للمؤسسة، لماذانقوم بما نقوم به؟ وعندما يمكنك الربط بين العاطفة والمهمة، يمكنك دفع مؤسستك حقاً إلى مستوى جديد من الأداء.
إن هذه التكتيكات هي تكتيكات ناجعة. أتذكر حضور مؤتمر لشركائنا الأوربيين، حيث قمنا بدعوة كبير موظفي المعلومات في شركة صناعية عملاقة كبرى بإلقاء خطاب رئيسي (حاسم). وفي حفل عشاء أثناء المؤتمر، انحنى كبير موظفي المعلومات هذا وقال لي، في دهشة تقريباً، "أنا لم أر قَط شركة من هذا الحجم والناس فيها متحمسون للغاية. أنظر إلى مقدار الطاقة التي لديهم وكم يهتمون، وهذا مجرد حدث داخلي. وما عليك إلا معرفة كيفية استثمار ذلك!". لم يكن ذلك مجرد شعور بالرضا لدى سماعنا ذلك، ولكن أيضاً كان لافتاًَ للنظر لأنه ساعد في تحديد المدى الذي يمكن للعاطفة أن تكون فيه معدية وكيف تصيب الآخرين من حولك حتى يرغبون في العمل والتعاون معكم.
في اعتقادي أن كل مؤسسة لديها القدرة على إحداث تغيير في العالم. فدور القائد هو تعزيز العاطفة حول هذا التأثير والحفاظ على هذه العاطفة حيّة من خلال تعزيزها كل يوم، ما يجعل شركته مثالاً لشركة متعاطفة وذات قيمة. في حالة "ريد هات"، يعني هذا الدعوة لقوة المصدر المفتوح والدفاع عن دورنا في إحداث تغيير إيجابي في العالم. ولكن لا يمكن أن يكون الجميع متحمساً ومشاركاً في السعي لتحقيق هدفنا، ولا ضير في ذلك. رغم أنه قد يبدو ذلك غير متوقع، إلا أن بناء هذا النوع من ثقافة الشركة الذي يحبه الناس يعني أنه لا يمكنك أن ترضي جميع الناس.