حان الوقت لإصلاح أماكن العمل السامة؟

4 دقائق

يتعامل ملايين الأشخاص مع مشرفين مؤذيين وأشخاص متنمرين في العمل. ويتعرضون للسخرية أو التهديد أو توجّه إليهم تعليقات مهينة يومياً من مدرائهم، ما يؤدي إلى انخفاض مستوى الرضا والإنتاجية والالتزام تجاه الوظيفة والمؤسسة ككل.

في حين أن التفاعلات المباشرة مع "المدراء السيئين" يمكن أن تكون مؤلمة بالنسبة إلى الموظفين، إلا أن المشكلة غالباً ما تتجاوز حدود تأثُّر فرد واحد. في الواقع، أظهرت بعض بحوثي أن السلوك المسيء، خاصة عندما يُظهره القادة، يمكن أن ينتشر في أنحاء المؤسسة، ما يخلق جواً من الإساءة. ولأن الموظفين يتطلعون إلى مدرائهم ويتعلمون منهم، فإنهم يعتقدون أن هذا النوع من إساءة المعاملة بين الأفراد هو سلوك مقبول في الشركة. خلاصة القول، يبدأ الموظفون في الاعتقاد أن "هذه هي طريقة سير الأمور في الشركة" وهذا الاعتقاد يتجلى في بيئات العمل السامة، حيث يتم التغاضي عن التصرفات المؤذية. والأكثر من ذلك، أظهرت الدراسات أن الموظفين الذين يتعرضون للإساءة من مدرائهم هم أيضاً أكثر ميلاً إلى "نقل" هذا النوع من المعاملة إلى غيرهم، ما يكون له تأثير قوي ومضاعف.

وبناء على ذلك فإن تداعيات العمل في أماكن العمل المدمرة مروعة وكارثية؛ فهذه البيئة تؤذي فِرق العمل والأفراد على حد سواء. على سبيل المثال، اكتشفت أنا وزملائي من خلال إجراء عدة دراسات أن الأجواء المؤذية تؤثر سلباً على الفاعلية الجماعية لفريق العمل، ما يشير إلى أن الفريق فقد الثقة في قدرته على أداء مهمة محددة بصورة ملائمة. كما أن بيئات العمل المؤذية تدمر الروابط المهمة بين أعضاء الفريق، ما يؤدي إلى انخفاض مستوى الأداء وسلوكيات الانتماء، وهو ما يجعل الموظفين أقل ميلاً إلى مساعدة ودعم بعضهم البعض. كما أن أماكن العمل السامة تضر بحياة الأفراد خارج نطاق العمل. فقد أفاد الموظفون أنهم يشعرون بالاستنزاف العاطفي وينخفض مستوى رفاههم ويعانون من زيادة النزاعات في المنزل (بسبب صعوبة تحقيق التوازن بين العمل والأسرة).

وبالنظر إلى العواقب الوخيمة المترتبة على التعامل مع المدراء المؤذيين، السؤال هو ما الذي يمكن فعله لتغيير هذا السلوك. سعى بحثي الأخير إلى تقديم إجابات من خلال سؤال المشرفين والموظفين عن مدى استعدادهم للتصدي لسلوك المشرفين المسيء في العمل.

في البداية أردت أنا وزميلتي بيلي بيجلو فهم ما الذي يجعل المدراء المؤذيين يغيرون سلوكهم. ولذلك طلبنا من المشرفين التفكير في الأوقات التي وجّهوا فيها تعليقات مهينة وتصرفوا بسلوكيات فظة تجاه مرؤوسيهم. ثم طلبنا منهم أن يكتبوا عن هذه التجربة بأكبر قدر ممكن من التفصيل. وبعد تذكّر الحوادث المسيئة ووصفها، طُلب من المشرفين تقييم كيف كان شعورهم وتصرفهم بعد إساءة معاملة مرؤوسيهم. وسألناهم أيضاً ما إذا كانوا قد توقفوا عن انتهاج السلوك المسيء في النهاية.

وقد وجدنا أن المشرفين يخسرون قدراً من قيمتهم الاجتماعية بعد إساءة معاملة المرؤوسين، ما يعني أنهم يشعرون بشكل عام أنهم أصبحوا أقل تقديراً واحتراماً في العمل. وهذا التدني في الشعور بالقيمة يبدو أنه بدوره يضر بأداء المدراء، حيث أفاد الموظفون أن مشرفيهم لم يكونوا قادرين على إكمال واجبات أو مهام العمل المسندة إليهم.

ولكننا وجدنا في الوقت نفسه أن بعض المدراء (الذين لم تكن لديهم ميول للاعتلال النفسي) انتهى بهم المطاف بالتوقف عن إساءة معاملة الموظفين. ما يعني أن المدراء المؤذيين حسّنوا سلوكهم السيئ بشكل كبير عندما اكترثوا لمستوى قيمتهم الاجتماعية ورفاهة موظفيهم بشكل عام. وعلى النقيض، فإن المدراء المضطربين عقلياً (يمثلون ما يصل إلى 10% من المدراء في الشركات) الذين يتصفون باللامبالاة وقسوة القلب والتهكم وعدم الشعور بالندم، يبدو أنهم لا يبالون بالتداعيات الاجتماعية والرفاهية الاجتماعية، ما يجعلهم أقل ميلاً إلى التوقف عن إساءة معاملة مرؤوسيهم.

إلى جانب الرغبة في فهم متى يغير المشرفون سلوكهم المسيء من تلقاء أنفسهم، كنت متشوقة أيضاً لمعرفة الظروف التي قد يساعد فيها الشهود على حوادث إساءة المعاملة، التي يرتكبها المشرفون، زملاءهم الذين وقعوا ضحية لذلك. وبالتالي في دراسة بحثية أخرى، استخدمت أنا والمؤلف المشارك مارشال شمينكل بيانات استقصائية متعددة المصادر ومحددة بفترات زمنية لفهم متى يدافع الموظفون عن زميل تعرض للإساءة.

وقد وجدنا أن القواعد التنظيمية كانت ضرورية لدفع الملاحظين إلى التصدي لحالات إساءة المعاملة. فإذا كان الموظفون يشعرون أن مؤسستهم تحقق الإنصاف وتشدد عليه (على سبيل المثال إذا كانوا ينظرون إلى الترقيات والتعويضات وهياكل المكافآت على أنها منصفة)، كان الملاحظون أكثر ميلاً إلى مساعدة الزملاء الذين وقعوا ضحية للمعاملة السيئة. في الواقع، يبدو أن هذه القواعد تُمكّن حاضري الواقعة من التصرف واتخاذ إجراء لأنها تجعلهم يؤمنون بقدرتهم على إحداث تغيير إيجابي في حياة الآخرين (وهو مفهوم يُعرف بـ "التأثير الأخلاقي"). فهذه الثقة المكتسبة حديثاً هي ما يدفعهم إلى التعبير عن رأيهم والدفاع عن زملائهم.

تشير نتائج دراستَيّ الأخيرتين إلى أننا يمكننا خلق بيئات عمل تساعد على مكافحة حالات إساءة المعاملة.

أولاً، ينبغي للشركات زيادة وعي المدراء وتثقيفهم بشأن جميع التكاليف المتصلة بانتهاج السلوك المسيء. فعندما يتم التشديد على العواقب الوخيمة للسلوك المسيء في بداية الحياة المهنية أثناء مرحلة تعريف الموظف بالشركة، وأيضاً من خلال برامج التدريب المستمرة، سيفهم المدراء أن الأفعال السلبية لا تضر بالآخرين فحسب ولكن تضر بهم أيضاً. وبناء على ذلك، قد يحجم الكثير من المدراء عن القيام بأفعال مسيئة حرصاً على مصلحتهم الشخصية.

ثانياً، يمكن للشركات دمج أو تعزيز قنوات سرية لإبداء الملاحظات والآراء ومن خلالها يمكن للموظفين الإعراب عن مخاوفهم والإبلاغ عن تجاربهم المتعلقة بإساءة المعاملة دون الخوف من التعرض للانتقام. ويمكن للمدراء الأقران أو الرؤساء أو موظفي الموارد البشرية إيصال التعليقات ذات الصلة إلى المدراء، ما يوضح أن المؤسسة لا تتسامح مع هذا النوع من السلوكيات. فمعرفة أن الآخرين لا يوافقون على هذا السلوك، أو حتى الأسوأ من ذلك أنهم لا يحترمون أو يقدرون المشرفين الذين يفعلون ذلك، قد تجعل مرتكب الفعل المسيء يصحح سلوكه المسيء بنفسه.

ثالثاً، تحتاج المؤسسات إلى التمسك بالقواعد المنصفة والأخلاقية وإنفاذها في جميع جوانب الشركة، لأن الموظفين يفكرون في هذه القيم قبل أن يقرروا ما إذا كانوا سيتصدون للإساءة أم لا. فإذا شعر الموظفون أن المعاملة التي تتسم بالإنصاف والاحترام تحظى بالتقدير والدعم بشكل عام في الشركة، سيصبحون أكثر ثقة لمواجهة الشخص المسيء وحماية الشخص الذي أُسيئت معاملته.

من خلال رفع درجة الوعي بشأن التكاليف التي يتكبدها مرتكب الفعل المسيء، وبيان القيم والقواعد المنصفة التي تُمكّن الموظفين من التعبير عن آرائهم بحرية بشكل دائم، حينها يمكن أن نقول أنه "قد ولّى زمن أماكن العمل السامة".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي