لماذا يجب على برامج التوصيل الذكية التعامل مع الموردين على أنهم شركاء؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ ستة أشهر، لم تكن تطبيقات التوصيل الفوري إلى المنازل قد وصلت إلى الانتشار الذي تشهده الآن، وكانت تعتبر رفاهية لمن يرغبون بدفع مبالغ إضافية لقاء راحتهم، وكان استخدامها يشيع بين المهنيين الشباب في المدن الكبرى. لكن جائحة “كوفيد-19” غيرت ذلك بين ليلة وضحاها. فقد أصبح الجميع اليوم يطلبون كل شيء من خلال خدمة التوصيل الفوري، بدءاً من الدبابيس التي تستخدمها الأسر وصولاً إلى الأيس كريم المثلج. كما قامت شركات الخدمات الحالية، مثل “دورداش” (DoorDash) و”إنستاكارت” (Instacart) بتحسين عملياتها، وظهرت شركات جديدة أيضاً، مثل منصة الدفع الإلكتروني “توست” (Toast)، التي أعلنت عن طرح خدماتها الخاصة بالتوصيل. لكن ثمة مشكلات متنامية، فشركات توصيل الطعام تعاني من هوامش الأرباح، وحتى “أمازون”، السوق الإلكتروني الضخم، اضطر لتأجيل فعالية “برايم داي” (Prime Day) التي تشكل طفرة المبيعات السنوية فيه.

ويمثل هذا الاضطراب والمكاسب غير المتوقعة التي حققها لبعض الشركات تحدياً جديداً للأعمال، إذ تحولت منصات الأسواق الإلكترونية القائمة على خدمات التوصيل من أسواق مقيدة بالطلب إلى أسواق مقيدة بالعرض بين ليلة وضحاها. ومنذ منتصف شهر مارس/آذار، ركزت معظم منصات الأسواق الإلكترونية هذه على زيادة الحصة السوقية. وفجأة، بدأ الزبائن يحضرون أفواجاً، فعلى سبيل المثال، تبين دراسة استقصائية حول خدمة توصيل الطعام التي تديرها شركة “بريك ميتس كليك/ميركاتوس” (Brick Meets Click/Mercatus) أنه ثمة ارتفاع يزيد عن ثلاثة أضعاف في نسب نمو الزبائن مقارنة بشهر أغسطس/آب 2019. وأدت الزيادة الناتجة في الطلبات إلى مسارعة المنصات لبناء قدرة أكبر على تلبيتها.

وفي حين أن بعض التحديات التي تواجه تلبية الطلب الجديد تتعلق بالأمور اللوجستية، ثمة مخاطر تتعلق بسمعة الشركات التي تسيء فهم هذه الفرصة في ظل الجدل الدائر حول الرسوم التي تفرضها شركات مثل “أوبر إيتس” (UberEats) و”غراب هاب” (Grubhub). لكن ما يبدو جلياً هو أن ما يجري حالياً يؤدي إلى تغيير طريقة تفكير الموردين فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية، وقد يكون بداية لمستقبل جديد لتجارة التجزئة القائمة على الأسواق الإلكترونية. وهذا يعني أن الوقت الحالي هو المناسب لتقديم شركات الأسواق الإلكترونية المساعدة لمورديها على الاستثمار في بناهم التحتية وممارساتهم التجارية، ما سيمكنهم من التنافس في عالم تعتبر مبيعات التوصيل فيه أمراً أساسياً. 

يجري أحدنا (وهو كومينرز) دراسة على تصميم شركات الأسواق الإلكترونية وعملياتها، في حين أن الآخر (ماكومبر) هو مدير قسم التحليلات المحوسبة في شركة “دريزلي” (Drizly)، وهي أكبر منصة تجارة إلكترونية لتوصيل المشروبات. لا يعرف أحد كم ستستمر أزمة “كوفيد-19″، لكن من موقعنا هذا على الأقل، يبدو جلياً أن تجارة التجزئة لن تعود إلى طبيعتها قريباً. ومع وعي المستهلك لخيارات التوصيل واستخدامه لها بمستوى أعلى من أي وقت مضى، يبدو أن الطلب على التوصيل سيستمر حتى بعد انتهاء الجائحة.

الانتقال إلى خدمات التوصيل

تعتبر شركة “دريزلي” المثال الأبرز عن منصة شهدت تحولاً بفعل انقلاب السوق. منذ شهر مارس/آذار 2020، شهدت الشركة نسب نمو بلغت 500% مع انضمام مئات الآلاف من المشترين الجدد إلى المنصة. وشهدت في الوقت نفسه نفاد مخزونها من البضاعة وإغلاق متاجرها واضطرابات في سلاسل التوريد بسبب “كوفيد-19″، كل ذلك في الوقت الذي كان فيه فريق خدمة الزبائن غارقاً في حجم الطلب الهائل. يتوافق ذلك مع تجربة منصات التوصيل متوسطة الحجم الأخرى، وحتى مع تجربة “أمازون”. اضطرت هذه المنصات لنقل تركيزها بين ليلة وضحاها وتطوير خبرات تتعلق بالقيود الجديدة من جانب العرض.

وبالنسبة لشركة “دريزلي”، عنى ذلك تقليل التركيز على اكتساب الزبائن واستبقائهم، وزيادته على الاستثمار في المعايير والتقنيات التي تدعم عمليات تجار التجزئة. على سبيل المثال، في الفترة السابقة للأزمة كانت الشكوى الشائعة على المنصة هي أن سائقي التوصيل لا يتلقون عدداً كافياً من الطلبات. والآن، أصبح هؤلاء السائقون أنفسهم غارقين بالطلب الكبير، واضطرت “دريزلي” لاكتشاف طرق لبناء حلول المنتجات من أجل مساعدة المتاجر على موازنة أحجام طلبات التوصيل.

تمثل جزء من الصعوبة في أن كثيراً من الموردين لم يملكوا البنية التحتية المعدة لعمل خدمة التوصيل على نطاق واسع. فقد كانت التجارة الإلكترونية حتى فصل الربيع الحالي تشكل حصة صغيرة نسبياً من السوق الكلي للمشروبات (2-4% بناء على الجهة التي تقدم المعلومات). والنتيجة، لم تكن المنصات مثل “دريزلي” جزءاً جوهرياً من إيرادات الموردين أو العمليات في المتاجر. كما كان تحسين تصميم المتاجر مبنياً على حركة الزبائن فيها، ما جعل تلبية طلبات التوصيل غير عملية في أغلب الأوقات. (تخيل أنك تسحب طلبية من ممرات مصممة بهدف تعظيم اكتشاف المنتجات، والشراء الاندفاعي، والوقت الذي يقضيه الزبون في المتجر!)

لكن أصبح الآن جديراً بالموردين الاستثمار في دعم خدمات التوصيل مباشرة، وهذا يحدث بالفعل وبصورة طبيعية. ومع تقييد التسوق الشخصي أو منعه تماماً، أعاد الموردون تخيل تصاميم متاجرهم وعملياتهم لتناسب تلبية الطلب عبر الإنترنت. وعلى نحو أشمل، مثلت الأزمة فرصة للمتاجر العائلية الصغيرة، بما فيها متاجر المشروبات، لتحديث تقنياتها وتعديل نماذج عملها وتوجيهها نحو “تجارة التجزئة متعددة القنوات” من خلال الاستفادة من منصات الأسواق الإلكترونية والتواجد الذي يدار ذاتياً على الإنترنت والمبيعات الشخصية التقليدية في آن.

دور أكبر لمنصات الأسواق الإلكترونية

تتمتع شركات منصات الأسواق الإلكترونية الفورية بموقع جيد لمساعدة الموردين في إدارة هذه النقلة. واليوم، غالباً ما يقوم عاملو التوصيل على جمع المنتجات من الرفوف ذاتها كما يفعل الزبائن الذين يحضرون بأشخاصهم، ويحاسبون باستخدام آلات تسجيل المدفوعات النقدية ذاتها. لكن ما أن تصبح خدمات التوصيل جزءاً أساسياً من مبيعات المتجر، يجب ألا تتم معالجة هذه الطلبات بنفس الطريقة، فمن خلال الاستفادة من التعلم المتبادل بين المتاجر، يمكن لمنصات الأسواق الإلكترونية المساعدة في تدريب الموردين على تلبية الطلبات بفعالية أكبر. إذ يمكنها تحديد أفضل الممارسات ومشاركتها فيما يتعلق بالتوظيف وتصميم مخطط المتجر وعمليات التوصيل. كما يمكنهم تقديم حلول تقنية لمساعدة الشركات الصغيرة في تحسين عملياتها لتتناسب مع خدمة التوصيل، باستخدام سجلات المخزون القائمة على السحابة لإلكترونية مثلاً، وأنظمة حديثة لنقاط البيع.

تملك منصات الأسواق الإلكترونية رؤية واضحة للسوق بأكمله، ما يمكنها من توقع حجم الطلب، وهذه ميزة يجب عليها استخدامها لصالح مورديها. ويمكن أن تساعد شركات التوصيل المستقلة (الطرف الثالث) في تحسين الكفاءة التشغيلية للمتاجر عن طريق بناء مزيج متوازن من الطلبات المسجلة مسبقاً والطلبات الفورية والتنبؤ بالأوقات المناسبة لتحديد مواعيد عمل عدد إضافي من السائقين على أساس ساعي. كما يمكنها زيادة كفاءة رأس المال عن طريق مساعدة المتاجر في مطابقة مستويات المخزون مع الطلب المستقبلي المتوقع. على المدى الطويل، يمكن لمنصات الأسواق الإلكترونية استخدام إشرافها على السوق من أجل مساعدة تجار التجزئة في الاقتراب من تحقيق “العالم المثالي”، الذي توضع فيه المنتجات المطلوبة تحديداً على الرفوف، ويتم توظيف سائقي التوصيل بأعداد متناسبة طردياً مع كمية الطلبات. تفيد هذه التحسينات كلا الطرفين على حد سواء، لكنها تستدعي من المنصات مشاركة المعلومات والتواصل.

الفوائد المشتركة

عندما يتم تحسين عمل الموردين ليتناسب مع عمليات السوق الإلكترونية، تتحسن تجربة المستهلك على المنصة أيضاً، وذلك غالباً بسبب زيادة الإتاحة وإمكانية الاختيار وخيارات الأسعار. توصلت شركة “دريزلي” إلى أن إتاحة عدد كبير من المتاجر التي يمكن اختيار السلع منها، مع توفر مخزون أفضل إجمالاً، وهو ما يؤدي إلى معدلات تحويل أعلى بكثير للزبائن إلى الشراء من متاجرها. فالزبون الذي يمكنه اختيار مشترياته من ثلاثة متاجر و1,000 منتج سينفق في كل مرة يتسوق فيها مالاً أكثر بنسبة 67% من الذي يختار مشترياته من متجر واحد يضم 300 منتج فقط. ومع تحسين عمليات الموردين أكثر للعمل بما يتناسب مع عمليات التوصيل، تتم معالجة هذه الطلبات بسلاسة أكبر وأخطاء أقل، وهذا كله يؤدي إلى تحسين تجربة العميل. إذا استطاعت منصات الأسواق الإلكترونية مساعدة الموردين في الاستثمار في هذه التحسينات، فسيترجم ذلك إلى تفاعل أقوى من طرف الزبائن بعد الأزمة.

وحتى الآن، فقد تغير عرض القيمة الإجمالي الذي تقدمه الأسواق الإلكترونية القائمة على خدمات التوصيل لزبائنها. قبل “كوفيد-19″، كان التلاؤم بين المنتج والسوق لشركات خدمات التوصيل يحدد غالباً من خلال سهولة الإجراءات والسرعة والسعر. أما الآن، فقد أصبحت ميزات الأمان والإتاحة وسعة نطاق الانتقاء تحظى بالأولوية. أصبح الزبائن يطلبون طلبات أكبر حجماً ويتقبلون فترات إنجاز أطول. (من الجدير بالذكر أن مهلة الوصول المتوقعة “المقبولة” لدى شركة “دريزلي” قد أصبحت أطول، وأصبحت مهل الطلبات لدى كل من “إنستاكارت” و”أمازون” تؤجل إلى عدة أيام.) وهذا يعني أنه بإمكان كثير من منصات الأسواق الإلكترونية إعادة حوافزها الاقتصادية إلى جانب العرض. إذ يمكنها تخفيض هوامش أرباحها من المعاملات من أجل زيادة مشاركة الموردين، وخصوصاً بين سلاسل التوريد وغيرها من شبكات الموردين الراسخة. كما يمكنها تحويل جهود خدمة الزبائن إلى منح الأولوية للاستجابة لتجار التجزئة وتخصيص موارد المطورين لحل المشكلات التشغيلية التي يعاني منها الموردون.

على جانب المستهلك، يبدو رفع الحد الأدنى للطلبات منطقياً على خلاف ما كان عليه في السابق. فمتجر بيع المشروبات مثلاً لا يمكنه تبرير قبول طلب بقيمة 18 دولاراً في حين تتراكم لديه عدة طلبات بقيمة تتجاوز 50 دولاراً للطلب الواحد. وبالمثل، يجب أن تتحول الرسوم إلى المستهلكين، بما أنهم الآن الطرف “المتحكم” بالسوق على المدى الطويل. وتحديداً، سيكون من المنطقي فرض رسوم توصيل على كل طلب من أجل تشجيع المستهلكين على طلب طلبيات توصيل كبيرة بدلاً من الطلبيات الصغيرة المتكررة، إلى جانب زيادة قيمة قبول طلبات إضافية بالنسبة لتاجر التجزئة. كما أنه بالإمكان جعل مهل التوصيل أطول وأكثر قابلية للتغيير بهدف زيادة سهولة توجيه الطلبات وتجميعها.

قد يكون هذا الانتقال ضرورياً جداً في المجال سريع النضوج لتوصيل الطعام، حيث ازداد التوتر بين المطاعم وشركات التوصيل أثناء فترة الإغلاق بسبب جائحة “كوفيد-19″، وأصبحت الرسوم المرتفعة على جانب العرض موضع نقد. لقد انتشر إيصال تلقاه أحد المطاعم من شركة “غراب هاب” كالنار في الهشيم على الإنترنت يبين أن صافي الربح على طلبات بقيمة 1,042.63 دولاراً يبلغ 376.54 دولاراً، (على الرغم من أن البعض نوهوا إلى أن الفجوة تضيق بعد احتساب التعديلات على الطلب والتخفيضات الترويجية). في هذه الأثناء، قام عمدة مدينة سان فرانسيسكو بتحديد سقف مؤقت لرسوم التوصيل يبلغ 15%، كما قامت شركتا “دورداش” و”كافيار” (Caviar) بتخفيض العمولات، في حين تقدم شركة “غراب هاب” خيار تأجيل الدفع. ربما كانت بنية التكلفة المرجحة للمورد في الأسواق الإلكترونية لخدمات توصيل الطعام ناجحة عندما كانت المطاعم تعتبر الحجم الضئيل لطلبات التوصيل إضافة تروج لحركة الزبائن في المطعم، لكن ذلك لا ينجح في بيئة الأسواق الإلكترونية المقيدة من جانب العرض.

في نهاية المطاف، ستعود المطاعم والمقاهي لفتح أبوابها على نطاق أوسع، وسيشعر المستهلكون بالراحة في التسوق الشخصي مجدداً. لكن شبكات التوريد التي ستبنيها شركة “دريزلي” وغيرها من منصات الأسواق الإلكترونية” سوف تبقى. وعندما تستثمر المنصات في الموردين على أنهم شركاء، سيخرج هؤلاء الموردون من الأزمة أقوى، وسيكون عملهم محسناً على نحو أفضل من أجل التعامل مع التبادلات عبر الإنترنت وتوسيع عروض الأسواق الإلكترونية وتحسين تجربة العميل على المدى الطويل. وهكذا، سيكون كل من الموردين والمنصات والعملاء رابحين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .