كيف تجعل عملية صنع القرار عملية ممنهجة في ظل الرقمنة والأزمات؟

6 دقائق
تنظيم عملية صنع القرار
shutterstock.com/Radachynskyi Serhii
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل أنت متردد في اتخاذ قراراتك؟ قرار اختيار تخصص دراسي، قرار شراء سيارة جديدة، قرار تحديد وجهتك السياحية القادمة أو حتى قرار زواجك!. هل تريد معرفة كيفية تنظيم عملية صنع القرار؟

إذا كانت إجابتك “نعم” فأنت بحاجة إلى (مَنْهَجة) عملية صنع القرار لديك أي وضع خطة ذهنية بسيطة أو مركبة بغية الوصول إلى قرارات سليمة، لاسيما أن الشخص البالغ يتخذ آلاف القرارات في اليوم الواحد، متنوعة ما بين قرارات تلقائية وأخرى عقلانية (تحليلية)، حيث قدّر براين وانزينك، أستاذ تسويق سابق في كلية الأعمال في “جامعة كورنيل” أن متوسط عدد القرارات المتعلقة بالأكل والشرب فقط التي يتخذها الشخص البالغ حوالي 226.7 من القرارات كل يوم!

كيفية تنظيم عملية صنع القرار

من المتعارف عليه أن النماذج التقليدية لصنع القرارات تفترض أن المعلومات فقط هي من تساعد متخذ القرار في تفسير ظاهرة أو حل مشكلة معينة بشكل صحيح، ولكن هل المعلومات وحدها تساعد في الوصول إلى قرارات ناجحة؟

في ظل وجود البيئة الرقمية الحالية أصبح حجم المعلومات المتاحة لدى متخذي القرارات أكثر بكثير من السابق، كذلك احتمال حدوث ظروف طارئة أو ظهور أزمات مفاجئة في البيئة المحيطة بصانع القرار قد يزيد الأمر تعقيداً وصعوبة، وبالتالي فإن المعلومات وحدها لا تساهم في الوصول إلى قرارات سليمة وأصبح من الضروري إيجاد نماذج بديلة لصنع القرارات. في الحالة الأولى سوف يجد متخذ القرار نفسه أمام بحر من المعلومات بسبب وجود مصادر رقمية كثيرة ومتنوعة يسهل الوصول إليها في أي وقت وبأي مكان (كمحرك بحث جوجل مثلاً أو مواقع التواصل الاجتماعي الكثيرة والمتنوعة)، وبالتالي سيصعب عليه فلترة هذا الكم الهائل من المعلومات المتاحة وتحديد أيها أكثر موثوقية وملائمة لقراره، أو مشكلته التي يريد حلها.

وفي الحالة الثانية قد يؤثر عامل حدوث الأزمات (كأزمة جائحة فيروس كورونا الحالية وما تبعها من قرارات وإجراءات وقائية واحترازية)، على سلوك متخذ القرار نفسه، وتجعله يُقدِم على قرارات مغايرة لتلك التي اعتاد أن يتخذها في ظل الظروف العادية إما بسبب عدم كفاية المعلومات أو بسبب صعوبة الوصول إليها عند اتخاذ القرار.

اقرأ أيضاً: فكرة كبيرة: تحضيرات ما قبل اتخاذ القرارات المهمة

وأكبر دليل على صحة هذه الحجة ما نشاهده هذه الأيام من تغيرات في سلوك المستهلكين، خصوصاً تلك المتعلقة بقرارات الشراء فازدادت ظاهرة “هلع الشراء” أو ما يعرف بالإنجليزية (Panic Buying).

“نموذج الإنتاجية” للوصول إلى قرارات فعالة

لذا النموذج الذي سنتسعرضه في هذا المقال للأستاذ (أستاذ جامعي برتبة بروفيسور) رايموند رودجرز والذي يعرف بنموذج “الإنتاجية” (Throughput Model) وهو أحد النماذج الخوارزمية التي تساعد متخذي القرارات بشكل كبير في الوصول إلى قرارات فعّالة في ظل كثرة مصادر المعلومات المتاحة وتحت أي ظرف، وذلك من خلال توظيف ثلاثة عناصر (بالإضافة إلى المعلومات) في عملية صنع القرار.

طبقاً لهذا النموذج هناك ٦ مسارات مختلفة للوصول إلى أي قرار وتتشكل هذه المسارات من خلال عنصرين إلى أربعة عناصر رئيسية:

أولاً : مستوى التصور أو الإدراك (Perception):

ويشار له بالرمز (P) ويعتبر هذا المستوى من مدخلات عملية اتخاذ القرار (كالتعليم والخبرة والتدريب).

ثانياً: المعلومات المتاحة (Information):

ورمزها (I) شريطة أن تكون ذات صلة ومن مصادر موثوقة وهي من مدخلات عملية اتخاذ القرار أيضاً.

ثالثاً: تحليل مدخلات عملية صنع القرار (Judgement):

وذلك من خلال وضع معيار أو مجموعة معايير استناداً على مدخلات عملية صنع القرار (العناصر رقم ١ و٢) لترتيب أو تصنيف الخيارات (البدائل) المتاحة تمهيداً للمفاضلة فيما بينها، الأمر الذي يُعبر عنه في نموذج الإنتاجية بالرمز (J).

رابعاً: اختيار أفضل البدائل المتاحة (Decision Choice):

ويشار إليها بالرمز (D).

اقرأ أيضاً: “الترغيب” وعلم الاقتصاد السلوكي لصنع القرار

المسارات الست للوصول إلى قرارات تحليلية ناجحة

وفيما يلي سأسرد لكم المسارات الست للوصول لقرارات تحليلية ناجحة مع ذكر مثال توضيحي لكيفية تطبيق كل مسار على حدة:

المسار الأول: “مسار النفعية” أو “مسار حب الذات” (Expedient or Psychological Egoism Pathway):

P→D

يعكس هذا المسار الارتجالية المبنية على التصور الفكري فقط لمتخذي القرارات عند المفاضلة بين الخيارات المتاحة. مثال على تبني هذا المسار عندما يشتري شخص ما سلعة من السوق (D) استناداً على تصوره أو تصور من يثق بهم (P) دون أن يكلف نفسه عناء البحث والمقارنة بين البدائل المتوفرة سواء من ناحية المواصفات أو السعر، وذلك إما بسبب ضيق الوقت أو بسبب عدم توفر خيارات متاحة لدى صانعي القرار، كأن يشتري جهازاً لوحياً بمجرد وجود احتياج له، وتصفح أول متجر إلكتروني لبيع هذا النوع من الأجهزة بعد عدة محاولات اتصال فاشلة بالشبكة في منطقة لا يتوافر فيها تغطية جيدة للإنترنت.

كما يمكن اعتبار عملية تكديس المشتريات التي تحدث نتيجة للخوف من وقوع كوارث أو اندلاع أزمات بأنها مثالاً على تبني هذا المسار النفعي في اتخاذ القرارات. ينبغي على من يسلك هذا المسار أن يمتلك مستوى عالي من التعليم والخبرة تمكنه من الاعتماد بشكل كبير على مستوى إدراكهم في عملية صنع القرار.

المسار الثاني: “المسار المقاد بالقواعد” (Ruling Guide Pathway):

P→J→D

يوصف هذا المسار مدى ملاءمة تصور متخذي القرارات، أو تصور من يثقون برأيهم مع القواعد، أو المعايير التي يضعونها هم لتصنيف البدائل المتاحة أو تلك التي تفرضها عليهم البيئة المحيطة بالمشكلة أو الظاهرة المرتبطة بالقرار. بالعودة إلى المثال السابق نجد أنه في حال استخدام الشخص الراغب بشراء الجهاز اللوحي لهذا المسار فإن المعلومات (I) لا تزال مهملة من قبل هذا الشخص إما لأنه لا يمكن الاعتماد عليها أو لأن ليس لها علاقة بقرار الشراء، ولكن في هذا المسار يعتمد المشتري على تصوره (رأيه أو رأي خبير بالأجهزة اللوحية) (P) في وضع معايير مفاضلة مبنية على هذا الرأي بين الأجهزة المعروضة في السوق (J) قبل أن يختار الأفضل وفقاً لهذه المعايير (D).

المسار الثالث: المسار التقليدي أو المسار التحليلي (Analytical Pathway):

I→J→D

يُحدد في هذا المسار المعلومات المتعلقة بالمشكلة المراد حلها أو القرار المراد اتخاذه وبناء عليها يتم وضع وترتيب معايير المفاضلة بين البدائل قبل اختيار الأفضل منها. مثال على اتباع هذا المسار إذا قام المشتري بتحديد معلومات الجهاز اللوحي الجديد (السعر، العلامة التجارية، نظام التشغيل، حجم الشاشة، سعة التخزين،… وغير ذلك) من مصادر موثوقة (I)، ومن ثم حدد المعايير (المميزات) المهمة بالنسبة إليه وحصر جميع الأجهزة التي تتطابق مع تلك المعايير (J) قبل أن يختار أكثر جهاز ينطبق عليه أغلب تلك المعايير أو أكثرها أهمية بالنسبة له (D).

المسار الرابع: يعرف بـ “المسار التصحيحي” أو “المسار النسبي” (Revisionist or Relativist Pathway):

 I→P→D

في هذا المسار يستخدم متخذو القرارات المعلومات المتاحة في تعزيز مستوى إدراكهم فيما يتعلق بالمشكلة المراد حلها. غالباً يلجأ الأفراد لهذا المسارعندما يعانون من ضغط في الوقت اللازم لاتخاذ القرار أو عندما لا تتوافر الخيارات المتاحة للمفاضلة. مثال على ذلك الاعتقاد السائد بين الناس بأن السيارات الصينية رديئة وغير عملية (P) ، فلو أن المشتري (متخذ القرار) اطلع على بروشور، أو شاهد إعلان رسمي لسيارة صينية جديدة في السوق تحتوي على أعلى مواصفات جودة التصنيع والأمان (I)، ثم قرر بعدها شراء هذه السيارة دون غيرها من السيارات الألمانية والأميركية واليابانية، في ظل ظروف بيئية واقتصادية وسياسية تتنبأ بحدوث ارتفاع في أسعار السيارات إجمالاً (D) فهو بذلك سلك المسار التصحيحي في عملية صنع القرار.

المسار الخامس: “المسار القائم على القيمة” (The Value-driven Pathway):

P→I→J→D

في هذا المسار مستوى إدراك متخذ القرار (P) هو الذي يحدد المعلومات المستخدمة (I) في حصر معايير المفاضلة بين البدائل قبل اختبار الأمثل من بينها، أي أن متخذ القرار طبقاً لهذا المسار سوف يقوم بانتقاء المعلومات التي تتوافق مع مستوى إدراكه (معتقداته) لتحديد معايير المفاضلة واختيار أفضل بديل يحقق تلك المعايير. على سبيل المثال، افترض أن مجموعة من مدراء إحدى الشركات قاموا بإجراء مقابلات شخصية مع عدد من المرشحين لوظيفة في أحد مصانعها. يعتقد أحد هؤلاء المدراء أن مستوى التعليم والخبرة واللغة الإنجليزية تمثل أهم المعايير لهذه الوظيفة (P)، وبالتالي فإنه يحاول التقاط المعلومات المتعلقة بهذه المعايير فقط أثناء المقابلات (I)، متجاهلاً الخصائص الأخرى مثل اللباقة والمظهر العام والثقافة العامة والثقة بالنفس وغيرها، وبالتالي يمكن لهذه المعلومات الانتقائية مساعدة هذا المدير (متخذ القرار) في المقارنة بين المرشحين (J) ، قبل اختيار مرشح واحد للوظيفة المستهدفة (D).

المسار السادس: “مسار المنظور العالمي” (The Global Perspective Pathway):

I→P→J→D

يفترض هذا المسار أن جميع المعلومات ذات العلاقة بالمشكلة أو الظاهرة محل الفحص (I) بإمكانها التأثير على معتقدات متخذ القرار تجاه هذه المشكلة أو الظاهرة، قبل تحديد معايير تقييم البدائل المتاحة (J) واختيار الأمثل فيما بينها (D).

مثال على ذلك، افترض بأنك دُعيت على حفل عشاء وطُرِح نقاش حول تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وكان من ضمن الحضور رجل تبدو عليه أعراض مرض الباركنسون، وبدأ هذا الرجل بالمشاركة وإبداء الرأي، بينما كنت منشغلاً بهاتفك ولست مهتماً بما يطرحه ظناً منك أن الموضوع محل النقاش أكبر من مؤهلات وقدرات هذا الرجل العلمية (P)، وفجأة همس إليك أحد أصدقائك بأن المتحدث هو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق لأحد أكبر البنوك المحلية ويحمل درجة الدكتوراه في تخصص الاقتصاد وإدارة الأزمات (I)، حينها فقط قررت أن تترك هاتفك وتصغي إليه، بل وتتبنى وجهة نظره (D). معيار المفاضلة هنا كان التعليم والخبرة العريقة في مجال التخصص (J)

اقرأ أيضاً: 4 خطوات لمساعدة الفرق الإدارية العليا على تحديد أولويات القرارات

بحسب وايموند رودجرز فإن الظروف قد لا تخدمنا أو عدم امتلاك الخبرة أو الوصول إلى مستوى التعليم اللازم لاختيار المسار الذي يمكننا من الوصول إلى قرارات ناجحة، كذلك سيل المعلومات العشوائية التي نتعرض لها بشكل يومي قد يسبب لنا ارتباكاً أثناء اختيار المعلومات الملائمة قراراتنا، كل ما سبق قد يترتب عليه اختيار خاطئ للبدائل المتاحة وبالتالي اتخاذ قرارت غير صائبة.

أخيراً يمكن القول أن السيناريوهات اللانهائية قد تحدث كل يوم، حيث يحرص كل فرد على اختيار أفضل مسار يناسب الموقف الذي يتعرض له ويشكل في النهاية طريقة تفكيره، لذا من أجل تحديد أنسب مسار حاسم لتنظيم عملية صنع القرار فإنه يجب على صانعي القرار ببساطة مطابقة المسار مع الظروف التي تؤثر على اختيار هذا المسار كما هو مقترح في “نموذج الإنتاجية”.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .